قال الطفل لوالدته وهو يشاهد مجموعة من الأعمال التشكيلية في معرض لأحد الفنانين البحرينيين: أمي لا أستطيع أن أفهم أي شيء. قالت الأم بأسف: الخطأ ليس خطأك يا ولدي وانما خطأ الفنانين الذين لا يرسمون شيئا لكم. فهل هو بالفعل خطأ الفنانين وحدهم. خطأهم عندما لم يجعلوا الطفل في قائمة اهتماماتهم وانشغلوا بمدارس فنية قديمة وحديثة فلم يتوجهوا بشيء من رسوماتهم إلى الأطفال؟ أم انه خطأ الدولة ومؤسساتها التي لم تضع الطفل على رأس أولوياتها ولم تهيئ للفنان المكان والجو المناسبين ليبدع أعمالا يستطيع الطفل التأمل فيها والتعاطي معها. أم انه خطأ أمة عربية يجب أن تبقى في المؤخرة طالما أن الدول الغربية قطعت شوطا طويلا في إعداد الكوادر الفنية المتميزة التي تحاكي الطفل وآفاقه التي يتحرك فيها عقله.
في الاستطلاع الآتي الذي نتوجه فيه بالسؤال الى فنانين تشكيليين وفناني كاريكاتير نلاحظ أنهم جميعا يبدون رغبة خالصة في التطرق الى هذا اللون من الابداع لكنهم جميعاً يعترفون بان الامكانات تعوقهم طالما أن الدولة لا تمد يداً لمساعدتهم. وإليكم هذا الاستطلاع.
ارتباط بحركة النشر
يؤكد الفنان أنس الشيخ وهو من الفنانين الذين أتيحت لهم الفرصة كثيرا للسفر والاطلاع على تجارب فنية متنوعة أن تضاءل حضور هذا النوع من الفن مرتبط بالدرجة الأولى بانخفاض حركة بيع الكتب على عكس الحضور الكبير له في بلاد تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في بيع الكتب كالدول الغربية.
ويوضح الشيخ «ان الرسم للأطفال مرتبط بدرجة كبيرة بحركة نشر الكتاب وهو الأمر الذي يوجد بقوة في الدول الأوروبية مقابل حركة نشر بسيطة في الدول العربية. ان الفنانين في أوروبا يبحثون دائما عن خصوصية يستطيع من خلالها الرسام أن يصل الى الهدف المنشود. فعندما يكون هناك انتشار للكتاب يكون هناك حضور وتركيز على مثل هذه الرسوم.
وهنا لابد من تأكيد أنه لابد من وجود الرسام المتخصص الذي يكون عمله الأساسي ايجاد اسلوب جذاب وبسيط وممتع ومثير للأطفال بمعرفة بالفئات العمرية المستهدفة وما يناسبها فاذا ما كانت هناك أعمال من هذا النوع فلابد من مراعاة الجوانب النفسية، فاصدار كتاب مثلاً يحتوي على مجموعة من الرسومات المتوجهة للأطفال يجب أن يراعى فيه شكل الكتاب وحجمه فالأطفال في السنوات الأولى مثلاً يميلون الى الكتب ذات الأحجام الصغيرة وكل ذلك دليل على أهمية فهم نفسية وسايكلوجية الطفل. فليس كل من يرسم للطفل أو حتى يكتب له في الأساس فاهم وملم بالطفل. فأنا لاحظت في البحرين وجود من يكتب ويرسم للطفل لكنه - للأسف - ليس له أدنى علاقة بالطفل فهو لا يمتلك حالاً قريبة تعنى بالطفل وهو اشكال كبير لا يجعل الرسام قادراً على التواصل مع الطفل وخصوصاً مع عصر الانترنت اذ لا يستطيع ايصال الحكايات والتراث إلى الطفل بشكل سليم».
ويشير الى أن غياب الدعم من قبل الجهات الرسمية ساهم مساهمة كبيرة في هذا التخلف والركود، ويضيف «ان كل ذلك يحتاج الى دعم حقيقي فلابد من وجود الجهات التي تدعم ذلك وتشجع وتعطي الرسامين المبالغ المغرية كي ينصرفوا الى هذا النوع من الرسم. وكانت هناك تجارب جيدة في هذا الباب في العراق ومصر وبعض الدول العربية لكن اليوم لا أعلم من ذلك شيئا. فلابد اذاً من هذا الدعم».
صعوبة العمل
ويرى رسام الكاريكاتير الشاب حسين الشاخوري فيرى أن قلة المختصين في هذا المجال كان له تأثير سلبي جداً على القلة القليلة من المهتمين بهذا النوع من الابداع. فمن السخرية أن الأضواء التي يجب أن تسلط على الأماكن المعتمة لتنيرها نجدها تنصرف الى الأمكان المضيئة!.
يقول الشاخوري: «نحن لا نستطيع الجزم بأنه لا يوجد متخصصون في رسوم الأطفال في البحرين فقد يكون هنالك عدد من الرسامين الذين يجدون أنفسهم في هذا المجال لكن عدم كثرتهم لا يبرزون بشكل واضح. وأرى أن هناك عدة أسباب تقف في وجوه هؤلاء في عدم الظهور أولها صعوبة العمل في هذا المجال لما ينبغي من معرفة ودراية بالطفل ومراحل حياته. فالطفل كما أتصوره عجينة رخوة لم تتشكل بعد فكيف باستطاعتك الالمام بها والتعامل معها وهي لما تكتمل خلقا آخر. والسبب الآخر هو عدم وجود الجهات المختصة التي ترعى هذا الجانب عند الفنان وبالتالي يجد الفنان نفسه مرغماً على الابتعاد والبحث عن مجال فني آخر. وهناك أيضا سبب آخر وهو أن هناك من الفنانين من لا يحبون أن يحصروا أنفسهم في لون واحد، فهم في شغل بتجريب كل فن، مع عدم نفي أن هناك جملة من الفنانين لا يعون هذا النوع من الفن وأهميته ربما لأنه مجال لا يدر ربحاً أو شهرة كبيرة».
ويستدرك الشاخوري في السياق نفسه: «وهناك لا شك عدة مجلات تهتم بالطفل في الوطن العربي وتقدم الرسومات القصصية (الكومك) لكنها تظل قليلة ويبدو واضحاً عليها التأثر بثقافة الغرب ولا تقدم ثقافتنا العربية التي تستمد وجودها من ديننا الحنيف. ناهيك طبعا عن أن مثل هذه المجلات لا تصدرها البحرين على الاطلاق. فالدولة أولا وأخيرا مقصرة في رعاية هذا الاتجاه من الفن وهي مسئولة أكثر من أي طرف آخر فهي تعطي أهمية كبيرة لأشياء - هي برأيي - أقل أهمية بكثير من دعم الفنانين في مسعاهم، فهي تصرف الكثير على مهرجانات ليست ذات فائدة كبيرة لا على الدولة ولا على المجتمع».
الاهتمام موجود ولكن...
من جهته ينفي التشكيلي المعروف عبدالكريم البوسطة القول بأن الفنانين البحرينيين ليس لهم حضور في هذا النوع من الفن. بل يؤكد البوسطة: «الحقيقة أن الفنانين التشكيليين ليسوا عازفين عن هذا النوع من الرسم فهم موجودون في كل ما يصلهم بالأطفال اذ تجدهم في المهرجانات والاحتفالات وغيرها وهم يلبون جميع الدعوات في أمثال هذه الرسوم».
والعلة أين؟ يجيب البوسطة: «ان العلة تقع في غياب دعم الجهات العاملة فمن غير الممكن أن يقع عبء مخاطبة الطفل على موازنة الفنانين وحدهم فلو تبنت هذا المشروع مؤسسة أو وزارة معنية لكان هناك استمرار في ذلك. فما هو حاصل أن أمثال هذه الرسومات وهذا الحضور لا يوجد الا في أماكن محددة ففي المدرسة مثلا تقام أنشطة للأطفال يبرز فيها فن الطفل ولكن ذلك يحدث بشكل محدود وفي مناسبات معينة. فلا توجد دار تحتضن هؤلاء الناشئة. وهذا ما يجعل الاهتمام بهذا النوع من الرسم قليلاً».
ندرة كتاب الطفل وارتباطها بالرسومات المصاحبة
في الاستطلاع الآتي الذي نتوجه فيه بالسؤال الى فنانين تشكيليين وفناني كاريكاتير نلاحظ أنهم جميعا يبدون رغبة خالصة في التطرق الى هذا اللون من الابداع لكنهم جميعاً يعترفون بان الامكانات تعوقهم طالما أن الدولة لا تمد يداً لمساعدتهم. وإليكم هذا الاستطلاع.
ارتباط بحركة النشر
يؤكد الفنان أنس الشيخ وهو من الفنانين الذين أتيحت لهم الفرصة كثيرا للسفر والاطلاع على تجارب فنية متنوعة أن تضاءل حضور هذا النوع من الفن مرتبط بالدرجة الأولى بانخفاض حركة بيع الكتب على عكس الحضور الكبير له في بلاد تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في بيع الكتب كالدول الغربية.
ويوضح الشيخ «ان الرسم للأطفال مرتبط بدرجة كبيرة بحركة نشر الكتاب وهو الأمر الذي يوجد بقوة في الدول الأوروبية مقابل حركة نشر بسيطة في الدول العربية. ان الفنانين في أوروبا يبحثون دائما عن خصوصية يستطيع من خلالها الرسام أن يصل الى الهدف المنشود. فعندما يكون هناك انتشار للكتاب يكون هناك حضور وتركيز على مثل هذه الرسوم.
وهنا لابد من تأكيد أنه لابد من وجود الرسام المتخصص الذي يكون عمله الأساسي ايجاد اسلوب جذاب وبسيط وممتع ومثير للأطفال بمعرفة بالفئات العمرية المستهدفة وما يناسبها فاذا ما كانت هناك أعمال من هذا النوع فلابد من مراعاة الجوانب النفسية، فاصدار كتاب مثلاً يحتوي على مجموعة من الرسومات المتوجهة للأطفال يجب أن يراعى فيه شكل الكتاب وحجمه فالأطفال في السنوات الأولى مثلاً يميلون الى الكتب ذات الأحجام الصغيرة وكل ذلك دليل على أهمية فهم نفسية وسايكلوجية الطفل. فليس كل من يرسم للطفل أو حتى يكتب له في الأساس فاهم وملم بالطفل. فأنا لاحظت في البحرين وجود من يكتب ويرسم للطفل لكنه - للأسف - ليس له أدنى علاقة بالطفل فهو لا يمتلك حالاً قريبة تعنى بالطفل وهو اشكال كبير لا يجعل الرسام قادراً على التواصل مع الطفل وخصوصاً مع عصر الانترنت اذ لا يستطيع ايصال الحكايات والتراث إلى الطفل بشكل سليم».
ويشير الى أن غياب الدعم من قبل الجهات الرسمية ساهم مساهمة كبيرة في هذا التخلف والركود، ويضيف «ان كل ذلك يحتاج الى دعم حقيقي فلابد من وجود الجهات التي تدعم ذلك وتشجع وتعطي الرسامين المبالغ المغرية كي ينصرفوا الى هذا النوع من الرسم. وكانت هناك تجارب جيدة في هذا الباب في العراق ومصر وبعض الدول العربية لكن اليوم لا أعلم من ذلك شيئا. فلابد اذاً من هذا الدعم».
صعوبة العمل
ويرى رسام الكاريكاتير الشاب حسين الشاخوري فيرى أن قلة المختصين في هذا المجال كان له تأثير سلبي جداً على القلة القليلة من المهتمين بهذا النوع من الابداع. فمن السخرية أن الأضواء التي يجب أن تسلط على الأماكن المعتمة لتنيرها نجدها تنصرف الى الأمكان المضيئة!.
يقول الشاخوري: «نحن لا نستطيع الجزم بأنه لا يوجد متخصصون في رسوم الأطفال في البحرين فقد يكون هنالك عدد من الرسامين الذين يجدون أنفسهم في هذا المجال لكن عدم كثرتهم لا يبرزون بشكل واضح. وأرى أن هناك عدة أسباب تقف في وجوه هؤلاء في عدم الظهور أولها صعوبة العمل في هذا المجال لما ينبغي من معرفة ودراية بالطفل ومراحل حياته. فالطفل كما أتصوره عجينة رخوة لم تتشكل بعد فكيف باستطاعتك الالمام بها والتعامل معها وهي لما تكتمل خلقا آخر. والسبب الآخر هو عدم وجود الجهات المختصة التي ترعى هذا الجانب عند الفنان وبالتالي يجد الفنان نفسه مرغماً على الابتعاد والبحث عن مجال فني آخر. وهناك أيضا سبب آخر وهو أن هناك من الفنانين من لا يحبون أن يحصروا أنفسهم في لون واحد، فهم في شغل بتجريب كل فن، مع عدم نفي أن هناك جملة من الفنانين لا يعون هذا النوع من الفن وأهميته ربما لأنه مجال لا يدر ربحاً أو شهرة كبيرة».
ويستدرك الشاخوري في السياق نفسه: «وهناك لا شك عدة مجلات تهتم بالطفل في الوطن العربي وتقدم الرسومات القصصية (الكومك) لكنها تظل قليلة ويبدو واضحاً عليها التأثر بثقافة الغرب ولا تقدم ثقافتنا العربية التي تستمد وجودها من ديننا الحنيف. ناهيك طبعا عن أن مثل هذه المجلات لا تصدرها البحرين على الاطلاق. فالدولة أولا وأخيرا مقصرة في رعاية هذا الاتجاه من الفن وهي مسئولة أكثر من أي طرف آخر فهي تعطي أهمية كبيرة لأشياء - هي برأيي - أقل أهمية بكثير من دعم الفنانين في مسعاهم، فهي تصرف الكثير على مهرجانات ليست ذات فائدة كبيرة لا على الدولة ولا على المجتمع».
الاهتمام موجود ولكن...
من جهته ينفي التشكيلي المعروف عبدالكريم البوسطة القول بأن الفنانين البحرينيين ليس لهم حضور في هذا النوع من الفن. بل يؤكد البوسطة: «الحقيقة أن الفنانين التشكيليين ليسوا عازفين عن هذا النوع من الرسم فهم موجودون في كل ما يصلهم بالأطفال اذ تجدهم في المهرجانات والاحتفالات وغيرها وهم يلبون جميع الدعوات في أمثال هذه الرسوم».
والعلة أين؟ يجيب البوسطة: «ان العلة تقع في غياب دعم الجهات العاملة فمن غير الممكن أن يقع عبء مخاطبة الطفل على موازنة الفنانين وحدهم فلو تبنت هذا المشروع مؤسسة أو وزارة معنية لكان هناك استمرار في ذلك. فما هو حاصل أن أمثال هذه الرسومات وهذا الحضور لا يوجد الا في أماكن محددة ففي المدرسة مثلا تقام أنشطة للأطفال يبرز فيها فن الطفل ولكن ذلك يحدث بشكل محدود وفي مناسبات معينة. فلا توجد دار تحتضن هؤلاء الناشئة. وهذا ما يجعل الاهتمام بهذا النوع من الرسم قليلاً».
ندرة كتاب الطفل وارتباطها بالرسومات المصاحبة