في 10 ديسمبر 1960
لقد قبلت، عن الشعر، التحية المرفوعة إليه هنا، وها أنذا أسارع بردها عليه.
ليست الحظوة، دائماً للشعر، ذلك أن التباعد مستمر، فيما يبدو، وبين العمل الشعري ونشاط مجتمع تستعبده الضرورات المادية. إنه انفصال يقبله الشاعر ولا يطلبه، وهو الوضع الذي يكون للعالم بدون التطبيقات العملية للعلم.
ولكن المقصود تكريمه هنا هو الفكر الخالص عند الشاعر والعالم. فعسى أن لا يعتبرا هنا على الأقل، كأخوين عدوّين. لأن التساؤل واحد، ذاك الذي يطرحانه فوق هاوية واحدة، ولا اختلاف بينها إلاّ في طرق البحث.
عندما نعي مدى مأساة العلم الحديث المكتشف لحدوده العقلانية حتى في مطلق الواقع الرياضي، عندما نرى في الفيزياء، مذهبين كبيرين يقرر أحدهما مبدأ نسبية عام، والآخر، مبدأ "كمياً" للشك واللاحتمية يحدّ إلى الأبد من دقة القياسات الفيزيائية، عندما نسمع أكبر مجدد علمي في هذا القرن، رائد الكونيات الحديثة وصاحب أشمل تصور تأليفي ذهني بلغة المعادلات، يدعو الحدس لنجدة العقل ويعلن أن «الخيال هو التربة الحقيقية لانبثاق نبتة العلم»، ذاهباً إلى حدّ المطالبة بأن يُعترف للعالم «برؤية فنية حقيقية»؛ أليس من الحق بعد ذلك كله أن تُعتبر الأداة الشعرية في مثل مشروعية الأداة المنطقية؟
والحقيقة أن كل إبداع للفكر هو أولاً "شعري" بالمعنى الأصلي للكلمة، وفي تعادل الأشكال الحسية والروحية، نجد أن لسعي العالم وعمل الشاعر في الأصل وظيفة واحدة. فأي من الفكر الإستدلالي واللمح الشعري أبعد مدى. وأي الأكمهين المتلمسين طريقهما في هذا الليل الأول، الحامل أدوات العلم أو ذاك الذي لا يهتدي بسوى ومضات الحدس، أيهما يعود من ذلك الليل قبل الآخر، محمّلاً بأكثر التماعات عابرة؟ إن الإجابة لا تهم. فالسر الغامض واحد ومغامرة الفكر الشعري لا تقل في شيء عن الإنفتاحات المأسوية للعلم الحديث. ولئن أذهلت نظرية امتداد الكون بعض الفلكيين، فإن لا نهائية ذات الإنسان –ذلك الكون- لا تقل امتداداً. فحيثما امتدت حدود العلم إلى أبعد مدى، وعلى طول قوس هذه الحدود سنسمع الحركة الدائبة لزمرة الشاعر خلف فريستها. لأن الشعر ليس «الواقع المطلق» كما قيل، بل هو أقرب رغبة فيه وأعمق إدراك له، إلى ذلك الحدّ الأقصى من الإتفاق حيث يبدو الواقع في القصيد مشكلاً لذاته.
إن الشاعر ليتقلد سلطة متجاوزة للواقع، لا يمكن أن تكون للعلم، وذلك بفضل الفكر التشابهي والرمزي، والإشراقة البعيدة للصورة الوسيطة ومن خلال توافقاتها اللاعبة على سلسلات لا تنتهي من التفاعلات والتداعيات الغريبة، وأخيراً بفضل أناقة لغة تحمل في انسيابها حركة الكينونة ذاتها. فهل توجد لدى الإنسان جدلية أعمق وقعاً من تلك، وأصدق تعبيراً عن الإنسان؟ وعندما يهجر الفلاسفة مجال الميتافيزيقا، يحدث أن يعوّض الشاعر، هناك، الفيلسوف. حينئذ يبدو جلياً أن الشعر، لا الفلسفة هو «الإبن الحقيقي للاندهاش» حسب عبارة الفيلسوف القديم، الذي كان أكثر الناس اشتباهاً في أمر الشعر.
ولكن الشعر أكثر من طريقة للمعرفة، إنه أولاً أسلوب حياة وحياة شاملة. لقد وُجد الشاعر في إنسان الكهوف، وسيوجد في إنسان العصور الذرية، لأنه بعض من الإنسان، لا يُطرح. فمن الضرورة الشعرية، وهي ضرورة روحية، وُلدت الأديان ذاتها، وبنعمة الشعر تحيا أبداً شرارة الألوهية في الصوان البشري. وعندما تنهار الميثولوجيات، تجد القداسة لها في الشعر ملاذاً، وربما قوة جديدة. وحتى في مجال الإجتماع الإنساني والمشاغل البشرية الأوّلية، عندما تخلي حاملات الخبز في الموكب القديم مكانها لحاملات المشاعل فمن اتقاد الخيال الشعري يشتعل دائماً حماس الشعوب المندفع بحثاً عن الوضوح.
الشعر فخر الإنسان السائر تحت عبئه من الأبديّة! فخر الإنسان السائر تحت عبئه من الإنسانية، عندما يبتدأ من أجله عهد فلسفة إنسانية جديدة، عهد كونية حقيقية واكتمال نفسي... والشعر الحديث ينخرط، وفاءً لوظيفته الخاصة بتعمق سرّ الإنسان، في مشروع ترمي سيرورته إلى تحقيق تكاملية الإنسان. فلا عرافة في هذا الشعر كما لا جمالية محض فيه. ولا هو فن المُحَنّط أو المنحرف، وليس تربية لآلئ اصطناعية، ولا يتجر بالأوثان أو الشعارات، ما كان ليكتفي بأي عيد موسيقي. إنه يتحالف، في سبله، مع الجمال، كأعلى ما يكون التحالف، دون أن يتخذ منه غايته أو يجعل منه فريسته الوحيدة. إن الشعر يرفض فصل الفن عن الحياة، والحب عن المعرفة، وهو فعل واندفاع، وقوة وتجديد، دأبه توسيع الحدود؛ إن الحب موقده، والتمرد شريعته، وموضعه في كل مكان، في الآتي. ولا يرضى أبداً أن يكون رفضاً أو غياباً.
ومع ذلك، فالشعر لا يأمل في شيء من فوائد العصر. ولأنه مرتبط بقدره الخاص، ومتحلل من كل انتماء مذهبي، فهو يرى في ذاته معادل الحياة نفسها التي لا ترى ضرورة في تبرير ذاتها. وإن الشعر ليعانق، في الحاضر، بضمة واحدة، كمقطع قصيد كبير، الماضي والمستقبل؛ يعانق، الإنساني وما فوق الإنساني، وكل الفضاء الكوكبي مع الفضاء الكوني. وليس الغموض المنكَر عليه من طبيعته الخاصة فتلك من شأنها الإيضاح، وإنما هو الليل الذي يكتشفه والذي من واجبه اكتشافهُ، ليل النفس ذاتها، وليل السر الغامض حيث يعوم الكائن البشري. ولقد رفضت عبارة الشعر الغموض دوماً، وهي لا تقل دقّة وجهداً عن عبارة العلم.
وهكذا نبقى مع الشاعر، بفضل التصاقه التام بما هو موجود، على صلة بديمومة الوجود ووحدته، فهو يؤمن بقانون تناغم شامل يحكم عالم الأشياء بأكمله، ولا شيء يحدث داخله يتجاوز بطبيعته حجم الإنسان. وما انقلابات التاريخ الأشد سوءً إلا إيقاعات فصلية داخل دورة أوسع، من التسلسلات والتغييرات. وإن جنّيات الجحيم الغاضبات، اللائي يعبرن المسرح بمشاعلهن العالية. لا يضئن سوى لحظة عابرة في انسياب موضوع الرواية الطويل. والحضارات التي تبلغ النضج لا تموت من أوجاع خريف واحد، وأقصى ما تفعله أن تتحول. فالجمود وحده هو المهدد بالخطر، والشاعر من يخرق، من أجلنا، ديدن الأشياء المعتادة.
وهكذا أيضاً، يجد الشاعر نفسه مرتبطاً رغم أنفه بالحدث التاريخي، ولا شيء غريب عليه من مأساة عصره. فليحدِّثْ الجميع، بكل جلاء، عن طعم العيش في هذا الزمان الشديد؛ لأن الأوان عظيم وجديد، ذاك الذي نستدرك فيه أنفسنا. ولمن عسانا نتنازل عن شرف العيش في عصرنا.
"لا ترهب" ذاك ما يقوله التاريخ، وهو يرفع يوماً قناعه العنيف راسماً بيده المرفوعة تلك الحركة المتسامحة للآلهة الآسيوية في ذروة رقصتها المحطمة –«لا ترهب، ولا تشك لأن في الشك عقماً وفي الخوف عبودية. والأحرى بك أن تنصت إلى هذا الخفق الموقّع الذي تمنحه يدي العالية المجدّدة، للعبارة الإنسانية الكبيرة الدائمة التكوّن. فليس صحيحاً أنه بوسع الحياة إنكار ذاتها ولا شيء حيّ يصدر عن عدم ولا بعدم يُشغف. ولكن لا شيء أيضاً، يحافظ على شكل واتزان تحت دفق الوجود اللاّمنقطع. ليست المأساة في التحوّل ذاته بل مأساة العصر الحقيقية في التباعد الدائب الإتساع بين الإنسان الوجودي والإنسان المطلق. فهل أن الإنسان المستنير على هذا المنحدر، ستغلّفه العتمة على المنحدر الآخر؟ وهل نضجُه، قسراً، داخل مجتمع لا تواصل فيه، إلاّ نضجاً زائفاً؟...»
فعلى الشاعر الموحّد الوجدان أن يشهد بيننا على ازدواجية قدر الإنسان. وإن في ذلك لمرآة أصفى أديماً تُرفع أمام الذات لاختيار حظوظها الروحية، ودعوةً في خضم هذا العصر ذاته، إلى وضع إنساني أجدر بالإنسان الأصلي. وإن في ذلك، أخيراً، لإشراكاً أكثر جرأة للروح الجماعية في دورة الطاقة الروحية في العالم... فهل يكفي، في مواجهة الطاقة الذريّة، مصباح الشاعر الطيني للإيفاء بقصده؟ -نعم، إنه لكاف إذا ما تذكر الإنسان الطين. وحسب الشاعر أن يكون ضمير عصره المبكّت.
المصدر: سان جون بيرس، آناباز منفي وقصائد أخرى، ترجمة وتقديم على اللواتي، الدار العربية للكتاب، الطبعة الأولى، 1985، صص 129-132
====================================
Discours de Saint-John Perse lors de l'attribution du prix Nobel (Stockholm, 1960)
J’ai accepté pour la poésie l’hommage qui lui est ici rendu, et que j’ai hâte de lui restituer.
La poésie, sans vous, ne serait pas souvent à l’honneur. C’est que la dissociation semble s’accroître entre l’œuvre poétique et l’activité d’une société soumise aux servitudes matérielles. Ecart accepté, non recherché par le poète, et qui serait le même pour le savant sans les applications pratiques de la science.
Mais du savant comme du poète, c’est la pensée désintéressée que l’on entend honorer ici. Qu’ici du moins ils ne soient plus considérés comme des frères ennemis. Car l’interrogation est la même qu’ils tiennent sur un même abîme, et seuls leurs modes d’investigation diffèrent.
Quand on mesure le drame de la science moderne découvrant jusque dans l’absolu mathématique ses limites rationnelles ; quand on voit, en physique, deux grandes doctrines maîtresses poser, l’une un principe général de relativité, l’autre un principe quantique d’incertitude et d’indéterminisme qui limiterait à jamais l’exactitude même des mesures physique ; quand on a entendu le plus grand novateur scientifique de ce siècle, initiateur de la cosmologie moderne et répondant de la plus vaste synthèse intellectuelle en termes d’équations, invoquer l’intuition au secours de la raison et proclamer que « l’imagination est le vrai terrain de germination scientifique », allant même jusqu’à réclamer pour le savant le bénéfice d’une véritable « vision artistique » - n’est on pas en droit de tenir l’instrument poétique pour aussi légitime que l’instrument logique ?
Au vrai, toute création de l’esprit est d’abord « poétique » au sens propre du mot ; et dans l’équivalence des formes sensibles et spirituelles, une même fonction s’exerce, initialement, pour l’entreprise du savant et pour celle du poète. De la pensée discursive ou de l’ellipse poétique, qui va plus loin et de plus loin ? Et de cette nuit originelle où tâtonnent deux aveugles-nés, l’un équipé de l’outillage scientifique, l’autre assisté des seules fulgurations de l’intuition, qui donc plus tôt remonte, et plus chargé de brève phosphorescence. La réponse n’importe. Le mystère est commun. Et la grande aventure de l’esprit poétique ne le cède en rien aux ouvertures dramatiques de la science moderne. Des astronomes ont pu s’affoler d’une théorie de l’univers en expansion ; il n’est pas moins d’expansion dans l’infini moral de l’homme - cet univers. Aussi loin que la science recule ses frontières, et sur tout l’arc étendu de ces frontières, on entendra courir encore la meute chasseresse du poète. Car si la poésie n’est pas, comme on l’a dit, « le réel absolu », elle en est bien la plus proche convoitise et la plus proche appréhension, à cette limite extrême de complicité où le réel dans le poème semble s’informer lui-même. Par la pensée analogique et symbolique, par l’illumination lointaine de l’image médiatrice, et par le jeu de ses correspondances, sur mille chaînes de réactions et d’associations étrangères, par la grâce enfin d’un langage où se transmet le mouvement même de l’Etre, le poète s’investit d’une surréalité qui ne peut être celle de la science. Est-il chez l’homme plus saisissante dialectique et qui de l’homme engage plus ? Lorsque les philosophes eux-mêmes désertent le seuil métaphysique, il advient au poète de relever là le métaphysicien ; et c’est la poésie, alors, non la philosophie, qui se révèle la vraie « fille de l’étonnement », selon l’expression du philosophe antique à qui elle fut le plus suspecte.
Mais plus que mode de connaissance, la poésie est d’abord mode de vie - et de vie intégrale. Le poète existait dans l’homme des cavernes, il existera dans l’homme des âges atomiques parce qu’il est part irréductible de l’homme. De l’exigence poétique, exigence spirituelle, sont nées les religions elles-mêmes, et par la grâce poétique, l’étincelle du divin vit à jamais dans le silex humain. Quand les mythologies s’effondrent, c’est dans la poésie que trouve refuge le divin ; peut-être même son relais. Et jusque dans l’ordre social et l’immédiat humain, quand les Porteuses de pain de l’antique cortège cèdent le pas aux Porteuses de flambeaux, c’est à l’imagination poétique que s’allume encore la haute passion des peuples en quête de clarté.
Brouillon du Discours de Stockholm,
© Fondation Saint-John Perse
Fierté de l’homme en marche sous sa charge d’éternité ! Fierté de l’homme en marche sous son fardeau d’humanité, quand pour lui s’ouvre un humanisme nouveau, d’universalité réelle et d’intégralité psychique ... Fidèle à son office, qui est l’approfondissement même du mystère de l’homme, la poésie moderne s’engage dans une entreprise dont la poursuite intéresse la pleine intégration de l’homme. Il n’est rien de pythique dans une telle poésie. Rien non plus de purement esthétique. Elle n’est point art d’embaumeur ni de décorateur. Elle n’élève point des perles de culture, ne trafique point de simulacres ni d’emblèmes, et d’aucune fête musicale elle ne saurait se contenter. Elle s’allie, dans ses voies, la Beauté, suprême alliance, mais n’en fait point sa fin ni sa seule pâture. Se refusant à dissocier l’art de la vie, ni de l’amour la connaissance, elle est action, elle est passion, elle est puissance, et novation toujours qui déplace les bornes. L’amour est son foyer, l’insoumission sa loi, et son lieu est partout, dans l’anticipation. Elle ne se veut jamais absence ni refus. Elle n’attend rien pourtant des avantages du siècle. Attachée à son propre destin, et libre de toute idéologie, elle se connaît égale à la vie même, qui n’a d’elle-même à justifier. Et c’est d’une même étreinte, comme une seule grande strophe vivante, qu’elle embrasse au présent tout le passé et l’avenir, l’humain avec le surhumain, et tout l’espace planétaire avec l’espace universel. L’obscurité qu’on lui reproche ne tient pas à sa nature propre, qui est d’éclairer, mais à la nuit même qu’elle explore ; celle de l’âme elle-même et du mystère où baigne l’être humain. Son expression toujours s’est interdit l’obscur, et cette expression n’est pas moins exigeante que celle de la science.
Brouillon du Discours de Stockholm,
© Fondation Saint-John Perse
Ainsi, par son adhésion totale à ce qui est, le poète tient pour nous liaison avec la permanence et l’unité de l’Être. Et sa leçon est d’optimisme. Une même loi d’harmonie régit pour lui le monde entier des choses. Rien n’y peut advenir qui par nature excède la mesure de l’homme. Les pires bouleversements de l’histoire ne sont que rythmes saisonniers dans un plus vaste cycle d’enchaînements et de renouvellements. Et les Furies qui traversent la scène, torche haute, n’éclairent qu’un instant du très long thème en cours. Les civilisations mûrissantes ne meurent point des affres d’un automne, elles ne font que muer. L’inertie seule est menaçante. Poète est celui-là qui rompt pour nous l’accoutumance. Et c’est ainsi que le poète se trouve aussi lié, malgré lui, à l’événement historique. Et rien du drame de son temps ne lui est étranger. Qu’ à tous il dise clairement le goût de vivre ce temps fort ! Car l’heure est grande et neuve, où se saisir à neuf. Et à qui donc céderions-nous l’honneur de notre temps ? ...
« Ne crains pas », dit l’Histoire, levant un jour son masque de violence - et de sa main levée elle fait ce geste conciliant de la Divinité asiatique au plus fort de sa danse destructrice. « Ne crains pas, ni ne doute - car le doute est stérile et la crainte est servile. Ecoute plutôt ce battement rythmique que ma main haute imprime, novatrice, à la grande phrase humaine en voie toujours de création. Il n’est pas vrai que la vie puisse se renier elle-même. Il n’est rien de vivant qui de néant procède, ni de néant s’éprenne. Mais rien non plus ne garde forme ni mesure, sous l’incessant afflux de l’Etre. La tragédie n’est pas dans la métamorphose elle-même. Le vrai drame du siècle est dans l’écart qu’on laisse croître entre l’homme temporel et l’homme intemporel. L’homme éclairé sur un versant va-t-il s’obscurcir sur l’autre. Et sa maturation forcée, dans une communauté sans communion, ne sera-t-elle que fausse maturité ? ... »
Au poète indivis d’attester parmi nous la double vocation de l’homme. Et c’est hausser devant l’esprit un miroir plus sensible à ses chances spirituelles. C’est évoquer dans le siècle même une condition humaine plus digne de l’homme originel. C’est associer enfin plus largement l’âme collective à la circulation de l’énergie spirituelle dans le monde ... Face à l’énergie nucléaire, la lampe d’argile du poète suffira-t-elle à son propos ? Oui, si d’argile se souvient l’homme.
Et c’est assez, pour le poète, d’être la mauvaise conscience de son temps.
Saint-John Perse,
Stockholm, le 10 décembre 1960
لقد قبلت، عن الشعر، التحية المرفوعة إليه هنا، وها أنذا أسارع بردها عليه.
ليست الحظوة، دائماً للشعر، ذلك أن التباعد مستمر، فيما يبدو، وبين العمل الشعري ونشاط مجتمع تستعبده الضرورات المادية. إنه انفصال يقبله الشاعر ولا يطلبه، وهو الوضع الذي يكون للعالم بدون التطبيقات العملية للعلم.
ولكن المقصود تكريمه هنا هو الفكر الخالص عند الشاعر والعالم. فعسى أن لا يعتبرا هنا على الأقل، كأخوين عدوّين. لأن التساؤل واحد، ذاك الذي يطرحانه فوق هاوية واحدة، ولا اختلاف بينها إلاّ في طرق البحث.
عندما نعي مدى مأساة العلم الحديث المكتشف لحدوده العقلانية حتى في مطلق الواقع الرياضي، عندما نرى في الفيزياء، مذهبين كبيرين يقرر أحدهما مبدأ نسبية عام، والآخر، مبدأ "كمياً" للشك واللاحتمية يحدّ إلى الأبد من دقة القياسات الفيزيائية، عندما نسمع أكبر مجدد علمي في هذا القرن، رائد الكونيات الحديثة وصاحب أشمل تصور تأليفي ذهني بلغة المعادلات، يدعو الحدس لنجدة العقل ويعلن أن «الخيال هو التربة الحقيقية لانبثاق نبتة العلم»، ذاهباً إلى حدّ المطالبة بأن يُعترف للعالم «برؤية فنية حقيقية»؛ أليس من الحق بعد ذلك كله أن تُعتبر الأداة الشعرية في مثل مشروعية الأداة المنطقية؟
والحقيقة أن كل إبداع للفكر هو أولاً "شعري" بالمعنى الأصلي للكلمة، وفي تعادل الأشكال الحسية والروحية، نجد أن لسعي العالم وعمل الشاعر في الأصل وظيفة واحدة. فأي من الفكر الإستدلالي واللمح الشعري أبعد مدى. وأي الأكمهين المتلمسين طريقهما في هذا الليل الأول، الحامل أدوات العلم أو ذاك الذي لا يهتدي بسوى ومضات الحدس، أيهما يعود من ذلك الليل قبل الآخر، محمّلاً بأكثر التماعات عابرة؟ إن الإجابة لا تهم. فالسر الغامض واحد ومغامرة الفكر الشعري لا تقل في شيء عن الإنفتاحات المأسوية للعلم الحديث. ولئن أذهلت نظرية امتداد الكون بعض الفلكيين، فإن لا نهائية ذات الإنسان –ذلك الكون- لا تقل امتداداً. فحيثما امتدت حدود العلم إلى أبعد مدى، وعلى طول قوس هذه الحدود سنسمع الحركة الدائبة لزمرة الشاعر خلف فريستها. لأن الشعر ليس «الواقع المطلق» كما قيل، بل هو أقرب رغبة فيه وأعمق إدراك له، إلى ذلك الحدّ الأقصى من الإتفاق حيث يبدو الواقع في القصيد مشكلاً لذاته.
إن الشاعر ليتقلد سلطة متجاوزة للواقع، لا يمكن أن تكون للعلم، وذلك بفضل الفكر التشابهي والرمزي، والإشراقة البعيدة للصورة الوسيطة ومن خلال توافقاتها اللاعبة على سلسلات لا تنتهي من التفاعلات والتداعيات الغريبة، وأخيراً بفضل أناقة لغة تحمل في انسيابها حركة الكينونة ذاتها. فهل توجد لدى الإنسان جدلية أعمق وقعاً من تلك، وأصدق تعبيراً عن الإنسان؟ وعندما يهجر الفلاسفة مجال الميتافيزيقا، يحدث أن يعوّض الشاعر، هناك، الفيلسوف. حينئذ يبدو جلياً أن الشعر، لا الفلسفة هو «الإبن الحقيقي للاندهاش» حسب عبارة الفيلسوف القديم، الذي كان أكثر الناس اشتباهاً في أمر الشعر.
ولكن الشعر أكثر من طريقة للمعرفة، إنه أولاً أسلوب حياة وحياة شاملة. لقد وُجد الشاعر في إنسان الكهوف، وسيوجد في إنسان العصور الذرية، لأنه بعض من الإنسان، لا يُطرح. فمن الضرورة الشعرية، وهي ضرورة روحية، وُلدت الأديان ذاتها، وبنعمة الشعر تحيا أبداً شرارة الألوهية في الصوان البشري. وعندما تنهار الميثولوجيات، تجد القداسة لها في الشعر ملاذاً، وربما قوة جديدة. وحتى في مجال الإجتماع الإنساني والمشاغل البشرية الأوّلية، عندما تخلي حاملات الخبز في الموكب القديم مكانها لحاملات المشاعل فمن اتقاد الخيال الشعري يشتعل دائماً حماس الشعوب المندفع بحثاً عن الوضوح.
الشعر فخر الإنسان السائر تحت عبئه من الأبديّة! فخر الإنسان السائر تحت عبئه من الإنسانية، عندما يبتدأ من أجله عهد فلسفة إنسانية جديدة، عهد كونية حقيقية واكتمال نفسي... والشعر الحديث ينخرط، وفاءً لوظيفته الخاصة بتعمق سرّ الإنسان، في مشروع ترمي سيرورته إلى تحقيق تكاملية الإنسان. فلا عرافة في هذا الشعر كما لا جمالية محض فيه. ولا هو فن المُحَنّط أو المنحرف، وليس تربية لآلئ اصطناعية، ولا يتجر بالأوثان أو الشعارات، ما كان ليكتفي بأي عيد موسيقي. إنه يتحالف، في سبله، مع الجمال، كأعلى ما يكون التحالف، دون أن يتخذ منه غايته أو يجعل منه فريسته الوحيدة. إن الشعر يرفض فصل الفن عن الحياة، والحب عن المعرفة، وهو فعل واندفاع، وقوة وتجديد، دأبه توسيع الحدود؛ إن الحب موقده، والتمرد شريعته، وموضعه في كل مكان، في الآتي. ولا يرضى أبداً أن يكون رفضاً أو غياباً.
ومع ذلك، فالشعر لا يأمل في شيء من فوائد العصر. ولأنه مرتبط بقدره الخاص، ومتحلل من كل انتماء مذهبي، فهو يرى في ذاته معادل الحياة نفسها التي لا ترى ضرورة في تبرير ذاتها. وإن الشعر ليعانق، في الحاضر، بضمة واحدة، كمقطع قصيد كبير، الماضي والمستقبل؛ يعانق، الإنساني وما فوق الإنساني، وكل الفضاء الكوكبي مع الفضاء الكوني. وليس الغموض المنكَر عليه من طبيعته الخاصة فتلك من شأنها الإيضاح، وإنما هو الليل الذي يكتشفه والذي من واجبه اكتشافهُ، ليل النفس ذاتها، وليل السر الغامض حيث يعوم الكائن البشري. ولقد رفضت عبارة الشعر الغموض دوماً، وهي لا تقل دقّة وجهداً عن عبارة العلم.
وهكذا نبقى مع الشاعر، بفضل التصاقه التام بما هو موجود، على صلة بديمومة الوجود ووحدته، فهو يؤمن بقانون تناغم شامل يحكم عالم الأشياء بأكمله، ولا شيء يحدث داخله يتجاوز بطبيعته حجم الإنسان. وما انقلابات التاريخ الأشد سوءً إلا إيقاعات فصلية داخل دورة أوسع، من التسلسلات والتغييرات. وإن جنّيات الجحيم الغاضبات، اللائي يعبرن المسرح بمشاعلهن العالية. لا يضئن سوى لحظة عابرة في انسياب موضوع الرواية الطويل. والحضارات التي تبلغ النضج لا تموت من أوجاع خريف واحد، وأقصى ما تفعله أن تتحول. فالجمود وحده هو المهدد بالخطر، والشاعر من يخرق، من أجلنا، ديدن الأشياء المعتادة.
وهكذا أيضاً، يجد الشاعر نفسه مرتبطاً رغم أنفه بالحدث التاريخي، ولا شيء غريب عليه من مأساة عصره. فليحدِّثْ الجميع، بكل جلاء، عن طعم العيش في هذا الزمان الشديد؛ لأن الأوان عظيم وجديد، ذاك الذي نستدرك فيه أنفسنا. ولمن عسانا نتنازل عن شرف العيش في عصرنا.
"لا ترهب" ذاك ما يقوله التاريخ، وهو يرفع يوماً قناعه العنيف راسماً بيده المرفوعة تلك الحركة المتسامحة للآلهة الآسيوية في ذروة رقصتها المحطمة –«لا ترهب، ولا تشك لأن في الشك عقماً وفي الخوف عبودية. والأحرى بك أن تنصت إلى هذا الخفق الموقّع الذي تمنحه يدي العالية المجدّدة، للعبارة الإنسانية الكبيرة الدائمة التكوّن. فليس صحيحاً أنه بوسع الحياة إنكار ذاتها ولا شيء حيّ يصدر عن عدم ولا بعدم يُشغف. ولكن لا شيء أيضاً، يحافظ على شكل واتزان تحت دفق الوجود اللاّمنقطع. ليست المأساة في التحوّل ذاته بل مأساة العصر الحقيقية في التباعد الدائب الإتساع بين الإنسان الوجودي والإنسان المطلق. فهل أن الإنسان المستنير على هذا المنحدر، ستغلّفه العتمة على المنحدر الآخر؟ وهل نضجُه، قسراً، داخل مجتمع لا تواصل فيه، إلاّ نضجاً زائفاً؟...»
فعلى الشاعر الموحّد الوجدان أن يشهد بيننا على ازدواجية قدر الإنسان. وإن في ذلك لمرآة أصفى أديماً تُرفع أمام الذات لاختيار حظوظها الروحية، ودعوةً في خضم هذا العصر ذاته، إلى وضع إنساني أجدر بالإنسان الأصلي. وإن في ذلك، أخيراً، لإشراكاً أكثر جرأة للروح الجماعية في دورة الطاقة الروحية في العالم... فهل يكفي، في مواجهة الطاقة الذريّة، مصباح الشاعر الطيني للإيفاء بقصده؟ -نعم، إنه لكاف إذا ما تذكر الإنسان الطين. وحسب الشاعر أن يكون ضمير عصره المبكّت.
المصدر: سان جون بيرس، آناباز منفي وقصائد أخرى، ترجمة وتقديم على اللواتي، الدار العربية للكتاب، الطبعة الأولى، 1985، صص 129-132
====================================
Discours de Saint-John Perse lors de l'attribution du prix Nobel (Stockholm, 1960)
J’ai accepté pour la poésie l’hommage qui lui est ici rendu, et que j’ai hâte de lui restituer.
La poésie, sans vous, ne serait pas souvent à l’honneur. C’est que la dissociation semble s’accroître entre l’œuvre poétique et l’activité d’une société soumise aux servitudes matérielles. Ecart accepté, non recherché par le poète, et qui serait le même pour le savant sans les applications pratiques de la science.
Mais du savant comme du poète, c’est la pensée désintéressée que l’on entend honorer ici. Qu’ici du moins ils ne soient plus considérés comme des frères ennemis. Car l’interrogation est la même qu’ils tiennent sur un même abîme, et seuls leurs modes d’investigation diffèrent.
Quand on mesure le drame de la science moderne découvrant jusque dans l’absolu mathématique ses limites rationnelles ; quand on voit, en physique, deux grandes doctrines maîtresses poser, l’une un principe général de relativité, l’autre un principe quantique d’incertitude et d’indéterminisme qui limiterait à jamais l’exactitude même des mesures physique ; quand on a entendu le plus grand novateur scientifique de ce siècle, initiateur de la cosmologie moderne et répondant de la plus vaste synthèse intellectuelle en termes d’équations, invoquer l’intuition au secours de la raison et proclamer que « l’imagination est le vrai terrain de germination scientifique », allant même jusqu’à réclamer pour le savant le bénéfice d’une véritable « vision artistique » - n’est on pas en droit de tenir l’instrument poétique pour aussi légitime que l’instrument logique ?
Au vrai, toute création de l’esprit est d’abord « poétique » au sens propre du mot ; et dans l’équivalence des formes sensibles et spirituelles, une même fonction s’exerce, initialement, pour l’entreprise du savant et pour celle du poète. De la pensée discursive ou de l’ellipse poétique, qui va plus loin et de plus loin ? Et de cette nuit originelle où tâtonnent deux aveugles-nés, l’un équipé de l’outillage scientifique, l’autre assisté des seules fulgurations de l’intuition, qui donc plus tôt remonte, et plus chargé de brève phosphorescence. La réponse n’importe. Le mystère est commun. Et la grande aventure de l’esprit poétique ne le cède en rien aux ouvertures dramatiques de la science moderne. Des astronomes ont pu s’affoler d’une théorie de l’univers en expansion ; il n’est pas moins d’expansion dans l’infini moral de l’homme - cet univers. Aussi loin que la science recule ses frontières, et sur tout l’arc étendu de ces frontières, on entendra courir encore la meute chasseresse du poète. Car si la poésie n’est pas, comme on l’a dit, « le réel absolu », elle en est bien la plus proche convoitise et la plus proche appréhension, à cette limite extrême de complicité où le réel dans le poème semble s’informer lui-même. Par la pensée analogique et symbolique, par l’illumination lointaine de l’image médiatrice, et par le jeu de ses correspondances, sur mille chaînes de réactions et d’associations étrangères, par la grâce enfin d’un langage où se transmet le mouvement même de l’Etre, le poète s’investit d’une surréalité qui ne peut être celle de la science. Est-il chez l’homme plus saisissante dialectique et qui de l’homme engage plus ? Lorsque les philosophes eux-mêmes désertent le seuil métaphysique, il advient au poète de relever là le métaphysicien ; et c’est la poésie, alors, non la philosophie, qui se révèle la vraie « fille de l’étonnement », selon l’expression du philosophe antique à qui elle fut le plus suspecte.
Mais plus que mode de connaissance, la poésie est d’abord mode de vie - et de vie intégrale. Le poète existait dans l’homme des cavernes, il existera dans l’homme des âges atomiques parce qu’il est part irréductible de l’homme. De l’exigence poétique, exigence spirituelle, sont nées les religions elles-mêmes, et par la grâce poétique, l’étincelle du divin vit à jamais dans le silex humain. Quand les mythologies s’effondrent, c’est dans la poésie que trouve refuge le divin ; peut-être même son relais. Et jusque dans l’ordre social et l’immédiat humain, quand les Porteuses de pain de l’antique cortège cèdent le pas aux Porteuses de flambeaux, c’est à l’imagination poétique que s’allume encore la haute passion des peuples en quête de clarté.
Brouillon du Discours de Stockholm,
© Fondation Saint-John Perse
Fierté de l’homme en marche sous sa charge d’éternité ! Fierté de l’homme en marche sous son fardeau d’humanité, quand pour lui s’ouvre un humanisme nouveau, d’universalité réelle et d’intégralité psychique ... Fidèle à son office, qui est l’approfondissement même du mystère de l’homme, la poésie moderne s’engage dans une entreprise dont la poursuite intéresse la pleine intégration de l’homme. Il n’est rien de pythique dans une telle poésie. Rien non plus de purement esthétique. Elle n’est point art d’embaumeur ni de décorateur. Elle n’élève point des perles de culture, ne trafique point de simulacres ni d’emblèmes, et d’aucune fête musicale elle ne saurait se contenter. Elle s’allie, dans ses voies, la Beauté, suprême alliance, mais n’en fait point sa fin ni sa seule pâture. Se refusant à dissocier l’art de la vie, ni de l’amour la connaissance, elle est action, elle est passion, elle est puissance, et novation toujours qui déplace les bornes. L’amour est son foyer, l’insoumission sa loi, et son lieu est partout, dans l’anticipation. Elle ne se veut jamais absence ni refus. Elle n’attend rien pourtant des avantages du siècle. Attachée à son propre destin, et libre de toute idéologie, elle se connaît égale à la vie même, qui n’a d’elle-même à justifier. Et c’est d’une même étreinte, comme une seule grande strophe vivante, qu’elle embrasse au présent tout le passé et l’avenir, l’humain avec le surhumain, et tout l’espace planétaire avec l’espace universel. L’obscurité qu’on lui reproche ne tient pas à sa nature propre, qui est d’éclairer, mais à la nuit même qu’elle explore ; celle de l’âme elle-même et du mystère où baigne l’être humain. Son expression toujours s’est interdit l’obscur, et cette expression n’est pas moins exigeante que celle de la science.
Brouillon du Discours de Stockholm,
© Fondation Saint-John Perse
Ainsi, par son adhésion totale à ce qui est, le poète tient pour nous liaison avec la permanence et l’unité de l’Être. Et sa leçon est d’optimisme. Une même loi d’harmonie régit pour lui le monde entier des choses. Rien n’y peut advenir qui par nature excède la mesure de l’homme. Les pires bouleversements de l’histoire ne sont que rythmes saisonniers dans un plus vaste cycle d’enchaînements et de renouvellements. Et les Furies qui traversent la scène, torche haute, n’éclairent qu’un instant du très long thème en cours. Les civilisations mûrissantes ne meurent point des affres d’un automne, elles ne font que muer. L’inertie seule est menaçante. Poète est celui-là qui rompt pour nous l’accoutumance. Et c’est ainsi que le poète se trouve aussi lié, malgré lui, à l’événement historique. Et rien du drame de son temps ne lui est étranger. Qu’ à tous il dise clairement le goût de vivre ce temps fort ! Car l’heure est grande et neuve, où se saisir à neuf. Et à qui donc céderions-nous l’honneur de notre temps ? ...
« Ne crains pas », dit l’Histoire, levant un jour son masque de violence - et de sa main levée elle fait ce geste conciliant de la Divinité asiatique au plus fort de sa danse destructrice. « Ne crains pas, ni ne doute - car le doute est stérile et la crainte est servile. Ecoute plutôt ce battement rythmique que ma main haute imprime, novatrice, à la grande phrase humaine en voie toujours de création. Il n’est pas vrai que la vie puisse se renier elle-même. Il n’est rien de vivant qui de néant procède, ni de néant s’éprenne. Mais rien non plus ne garde forme ni mesure, sous l’incessant afflux de l’Etre. La tragédie n’est pas dans la métamorphose elle-même. Le vrai drame du siècle est dans l’écart qu’on laisse croître entre l’homme temporel et l’homme intemporel. L’homme éclairé sur un versant va-t-il s’obscurcir sur l’autre. Et sa maturation forcée, dans une communauté sans communion, ne sera-t-elle que fausse maturité ? ... »
Au poète indivis d’attester parmi nous la double vocation de l’homme. Et c’est hausser devant l’esprit un miroir plus sensible à ses chances spirituelles. C’est évoquer dans le siècle même une condition humaine plus digne de l’homme originel. C’est associer enfin plus largement l’âme collective à la circulation de l’énergie spirituelle dans le monde ... Face à l’énergie nucléaire, la lampe d’argile du poète suffira-t-elle à son propos ? Oui, si d’argile se souvient l’homme.
Et c’est assez, pour le poète, d’être la mauvaise conscience de son temps.
Saint-John Perse,
Stockholm, le 10 décembre 1960