خالتي سكر
خالتي سكر، أمية لا تعرف القراءة والكتابة في الكتب والدفاتر، ولكنها تعرف قراءة النفس الإنسانية بالنظر والخبرة. عندما تزوجها أبي كان عمري ثماني سنوات، ومن يومها وإلى يوم زواجي وأنا في الثالثة والثلاثين من العمر، لم ينقصني شيء من الثياب والحنان والطعام، كان يكفي أن تنظر خالتي أم عبدو في وجهي عندما أدخل المنزل، حتى تعرف ماذا ينقصني.
وتمر السنون ونكبر تحت رعاية خالتي مغمورين بحنانها، وفي أحد أيام الصيف من عام ٧٨ نظم صديقنا جميل حتمل رحلة إلى قريتنا حزور، وكان من بين القادمين في الرحلة صبية كنت معجبا بها. لم أقل شيئا عنها لخالتي ولا لأحد من أسرتي، ولكن عين الأم تلاحظ اهتمامي بالفتاة، فتوليها اهتماما خاصا.
في إحدى الأمسيات، وقد استطاعت خالتي الأمية أن تنفرد بالصبية الجامعية على سطح البيت الصيفي، قالت لها، في حديث عابر وكأنه غير موجه لها: هل ترين يا ابنتي هذا الملقط الحديدي المخصص لالتقاط الجمرات النارية؟ قال الصبية: نعم أراه. قالت خالتي: الرؤية بالعين لا تكفي لمعرفة صلابة الحديد، خذيه بين يديك وجربي الضغط عليه. حاولت الصبية وقالت: إنه حقا قاس. قالت لها خالتي: ابني ميخائيل مثل هذه الملقط، من الصعب الضغط عليه، ولكن عندما تستطيع صبية فعل ذلك، وتجمع طرفي الملقط، فمن الصعب بعدها إبعاد الطرفين عن بعضهما، هكذا هو ابني، من الصعب أن يحب، ولكن بعد أن يحب لن يترك حبه.
سمعت بهذه القصة من خالتي بعد أن قررت الصبية الابتعاد عني.
كنت أتمنى أن أكون عند حسن ظن خالتي، فيما يتعلق بوطني أيضا.
زوجتي مها
وصلت زوجتي الآن إلى محلي، في زيارة غير معلن عنها سابقا، وبدأت في قراءة ما كتبته خلال الأيام الماضية، لأنها تعمل خمسة أيام في الأسبوع، ولا وقت لديها لهدره في توافه الأمور.
كنت أسمع أحيانا ضحكتها بعد قراءة مادة كتبتها، كما أرى عبوس وجهها من وقت لآخر، وكانت أحيانا تصيح بي قائلة: ولا مضروب، هي القصة حقيقية؟
فأنكر أن القصة حقيقية، وخاصة عندما يتعلق الموضوع ببوست فيه نوع من الغزل لصبية افتراضية، وأقول لها: يا حبيبتي، لا تصدقي كل ما هو مكتوب في صفحتي، فهناك الكثير من الكذب، وأحيانا تكون صفحتي مهكرة، ويحاول أنصار النظام دب الوقيعة والخلاف بيننا، فانتبهي.
تلتفت صوبي قائلة: عن جد في حكي كتير كذب بالصفحة، وخاصة عندما تقول لي "حبيبتي"!!
ورق عنب في السجن
العام الدراسي ٧٤-٧٥ كنت معلما في تلبيسة، كنا بحدود عشرين معلما ومعلمة نذهب كل يوم من حمص إلى تلبيسة ونعود إلى حمص. على مدار العام نشأت صداقات بين المعلمين والمعلمات.
في العام ٧٦ اعتقلت لأسباب سياسية، وبعد أربعة أشهر أمضيتها في سجن المزة، تم تحويل أبناء محافظة حماة إلى سجن حماة المدني.
أحد الايام، جاء المساعد، رئيس مخفر السجن إلى مهجعنا وقال لي: في إلك زيارة. استغربت وخرجت.
كانت الزائرة، أيها السادة، إحدى المعلمات التي كانت معنا في تلبيسة، وكانت الأجرأ. كانت معلمة تضع حجابها الذي لم تتخلَ عنه أبدا، ومعها طبخة كبيرة من ورق العنب، قالت لي إن أهلها وبعض المعلمات اللواتي كن في تلبيسة ساهمن في لف ورق العنب، لأنني أخبرتهم أنك في السجن وأنك تحب ورق العنب.
لذلك كنت دائما أحب حمص وعنب داريا، وأحب السوريين كلهم.