كانت حياة ادوارد سعيد واعماله تعج بنزاع الافكار المتعددة. ويرد اسمه دائما مرتبطا بالتناقض ما بين (الغرب) و (الشرق).
ولد ادورد سعيد في القدس الغربية عام 1935 لابوين مسيحيين وبذا كانت الثقافة الانجلوسكسونية والثقافة العربية منذ البداية تحضى لديه بنفس الاهمية.
كانت والدته تتحدث معه بكلا اللغتين العربية والانجليزية وقد درس دائما في المدارس الانجليزية فقط.
في عام 1948 اضطرت عائلته للهجرة والعيش في المنفى بعد قيام دولة اسرائل، الأمر الذي سيلقي بظلاله على مجريات حياته.
ان المنفى الذي كان عائقا للتعلق ببعض جذوره والاستناد عليها، قد اصبح هذا المنفى ذاته مصدرا للالهام، وبالدرجة الاولى في نقده للغرب، الذي بدى وكأنه هو الذي انتزع منه جذور ارتباطه بالوطن الام.
وبالرغم من انه يُعد ضليعا بالعلوم الادبية الا انه عُرف بشكل متميز بنظرياته عن الاستعمار القديم postkolonialism (الظروف التاريخية للعلاقات المتوترة بين الدول الغربية، كمستعمر قديم، والعالم الثالث. المترجم).
في الكتاب المعنون من المنفى/ مقالات مختارة يتمكن القارئ من متابعة ادوارد سعيد في رحلة تمتد لخمس وعشرين سنة والتي يحتويها الكتاب ويتعرف اكثر على قناعة ادوارد سعيد الثابتة عن ان الغرب مازال يحمل عقدة الذنب الاخلاقية من الدور الاستعماري القديم.
ويركز الكتاب ايضا على حقول عمل سعيد وشغفه بالادب والموسيقى والسياسة. وكذلك وجهات نظره التحليلية بكتاب عظام مثل كونراد، فوكوالت، اورويل، نيتشة وهمنغواي.
من خلال هذه المجموعة من المقالات والدراسات يظهر عمق انتقاده للدول الغربية ونظرتها للعالم العربي والاسلام.
وبغض النظر عما تتناوله نصوص ادورد سعيد ان كانت ادبية ام عن النزاع في الشرق الاوسط، فأنها تحوي نفس القدر من الخطوط العميقة لوضوح رؤيته السياسية. انها تعبر عن الغرب العدواني، المهيمن، مطلق النفوذ والامبريالي المتسلط والذي نتج عنه التفسير المقرر لمعنى(الشرق)،الشرق الذي تعرض للاضطهاد والتغييب من قبل الغرب.
ان ضعف التعريفات التي وضعها ادوارد سعيد متأتية من اعتباره ان الشرق هو كينونة واحدة.
في تحليلاته لا يوجد مكانا للامبريالية العربية التي قتلت وطاردت الاقليات غير العرببة والفئات غيرالاسلامية. ولم يذكر سعيد كذلك عداء العرب للسامية ولا عنصريتهم او عدوانيتهم. كانت رؤيته للعالم بسيطة وتتمحور حول: الغرب ضد الشرق.
وكان قد استبعد النقد الذي كتبه كريستوفر هيكنز بحجة انه كان بمنتهى السطحية.
ورغم انه يشير دوما بأن العمل الثقافي يُنجز ليكون موضوعا للنقد، فقد كان من الصعب عليه الاعتراف بأن ما يخالف اقواله هو ذا قيمة. ان مثل هكذا تناقض يعطي صورة غير متعاطفة جدا لرجل مختال.
وفي احد مقالاته عن القاهرة والاسكندرية يغرق في تفاصيل النماذج الموجعة. فهو يضع" الانسان القاهري: العربي، المسلم، الجاد، الاممي والمثقف" مقابل " الانسان الاسكندراني، الهاوي، العالمي، المتقد، النزوي وغير الجدير بالثقة". ويؤكد بأن الكثافة البشرية في القاهرة لم تكن على الاطلاق تهديدية كما هي الحال في نيويورك. فهو تعايَشَ ولمَسَ لطفا ولينا من سكان القاهرة، الامر الذي لم يلقه في اي مكان آخر في العالم بنفس النمط الرومانسي متعدد الجوانب. ولذا فأنا لم اجد احداََ يمتلك آفاقا مشابهة لما لسعيد!
اين تقع النساء في عالم ادوارد سعيد؟
اذا غضضنا النظر عن وصف الراقصة الشرقية المشهورة "تحية كاريوكا" والتي وصفها ادوارد سعيد بأمتع الطرق جنسية، وهو ما جعلني أَحمّر خجلاََ، فقد اهتم بعدد زيجاتها وكيف كان متألما جدا بعد عدة عقود حين وجد ان تلك الراقصة الغاوية، المشتهاة والجميلة قد اصبحت بدينة وبذيئة.
كان بروفيسور الادب ادوارد سعيد قد ألهَمَ وساعد المثقفين اليساريين وقادهم في موضوع النزاع القائم بين الفلسطينيين والاسرائليين والذي طغى على اهتماماتهم.
ادورد سعيد، المطلع على كل العالم، المتحدث اللبق، الانيق والذكي استطاع ان يحوز على تقدير عال من قبل وسائل الاعلام التي حرص على اقامة علاقات جيدة ومكثفة معها. فهو صاحب برنامج العرب على القناة 4، والضيف المألوف في برنامج وبرنامج The late showStar the week كالكثير المثقفين المنتقدين للغرب والذين لديهم جذور تمتد الى الوطن العربي ولكنهم نشاؤوا وتلقوا دراستهم في البلدان الغربية، نسيّ ادوارد سعيد انه لولا المبادئ الديمقراطية السائدة في الغرب، والتي اعطته ليس فقط الحق بامتلاك رأيه الخاص، وانما الادوات التي يصوغ بها وجهات نظره الهجومية والعدائية للغرب احيانا.
ان مثل هذا الامر يُعد من المستحيلات في البلدان العربية، حيث ان المثقف المنتقد لنظام الحكم يتعرض بشكل دائم للمضايقة والتعذيب وخطر الموت.
يبدو ان ادوارد سعيد يستطيع الخروج من المنفى ومملكته العقائدية ذات الاماكن المخيفة فقط عندما يكتب عن الموسيقى. فقد كان هو شخصيا عازف بيانو موهوب وناقداموسيقيا في.The Nation ذلك لانه في الصور الموسيقية لا توجد كلمات تحتاج الى تحليلاته وابداء رأيه السياسي حولها.
وقبل ان ينتصر عليه مرض السرطان الذي صارعه طويلا ولعدة سنوات، استجمع ادوارد سعيد آخر طاقاته ليكتب مقالته عن بتهوفن"Ultimely Meditations"(تأملات غير محدودة) فقد تكون الموسيقي هي وحدها التي اعطته ذلك الاحساس بالاستقرار الذي افتقده .
-----------------------
* نُشرت هذه المقالة في الجريدة المسائية السويدية الواسعة الانتشار اكسبريس.
ولد ادورد سعيد في القدس الغربية عام 1935 لابوين مسيحيين وبذا كانت الثقافة الانجلوسكسونية والثقافة العربية منذ البداية تحضى لديه بنفس الاهمية.
كانت والدته تتحدث معه بكلا اللغتين العربية والانجليزية وقد درس دائما في المدارس الانجليزية فقط.
في عام 1948 اضطرت عائلته للهجرة والعيش في المنفى بعد قيام دولة اسرائل، الأمر الذي سيلقي بظلاله على مجريات حياته.
ان المنفى الذي كان عائقا للتعلق ببعض جذوره والاستناد عليها، قد اصبح هذا المنفى ذاته مصدرا للالهام، وبالدرجة الاولى في نقده للغرب، الذي بدى وكأنه هو الذي انتزع منه جذور ارتباطه بالوطن الام.
وبالرغم من انه يُعد ضليعا بالعلوم الادبية الا انه عُرف بشكل متميز بنظرياته عن الاستعمار القديم postkolonialism (الظروف التاريخية للعلاقات المتوترة بين الدول الغربية، كمستعمر قديم، والعالم الثالث. المترجم).
في الكتاب المعنون من المنفى/ مقالات مختارة يتمكن القارئ من متابعة ادوارد سعيد في رحلة تمتد لخمس وعشرين سنة والتي يحتويها الكتاب ويتعرف اكثر على قناعة ادوارد سعيد الثابتة عن ان الغرب مازال يحمل عقدة الذنب الاخلاقية من الدور الاستعماري القديم.
ويركز الكتاب ايضا على حقول عمل سعيد وشغفه بالادب والموسيقى والسياسة. وكذلك وجهات نظره التحليلية بكتاب عظام مثل كونراد، فوكوالت، اورويل، نيتشة وهمنغواي.
من خلال هذه المجموعة من المقالات والدراسات يظهر عمق انتقاده للدول الغربية ونظرتها للعالم العربي والاسلام.
وبغض النظر عما تتناوله نصوص ادورد سعيد ان كانت ادبية ام عن النزاع في الشرق الاوسط، فأنها تحوي نفس القدر من الخطوط العميقة لوضوح رؤيته السياسية. انها تعبر عن الغرب العدواني، المهيمن، مطلق النفوذ والامبريالي المتسلط والذي نتج عنه التفسير المقرر لمعنى(الشرق)،الشرق الذي تعرض للاضطهاد والتغييب من قبل الغرب.
ان ضعف التعريفات التي وضعها ادوارد سعيد متأتية من اعتباره ان الشرق هو كينونة واحدة.
في تحليلاته لا يوجد مكانا للامبريالية العربية التي قتلت وطاردت الاقليات غير العرببة والفئات غيرالاسلامية. ولم يذكر سعيد كذلك عداء العرب للسامية ولا عنصريتهم او عدوانيتهم. كانت رؤيته للعالم بسيطة وتتمحور حول: الغرب ضد الشرق.
وكان قد استبعد النقد الذي كتبه كريستوفر هيكنز بحجة انه كان بمنتهى السطحية.
ورغم انه يشير دوما بأن العمل الثقافي يُنجز ليكون موضوعا للنقد، فقد كان من الصعب عليه الاعتراف بأن ما يخالف اقواله هو ذا قيمة. ان مثل هكذا تناقض يعطي صورة غير متعاطفة جدا لرجل مختال.
وفي احد مقالاته عن القاهرة والاسكندرية يغرق في تفاصيل النماذج الموجعة. فهو يضع" الانسان القاهري: العربي، المسلم، الجاد، الاممي والمثقف" مقابل " الانسان الاسكندراني، الهاوي، العالمي، المتقد، النزوي وغير الجدير بالثقة". ويؤكد بأن الكثافة البشرية في القاهرة لم تكن على الاطلاق تهديدية كما هي الحال في نيويورك. فهو تعايَشَ ولمَسَ لطفا ولينا من سكان القاهرة، الامر الذي لم يلقه في اي مكان آخر في العالم بنفس النمط الرومانسي متعدد الجوانب. ولذا فأنا لم اجد احداََ يمتلك آفاقا مشابهة لما لسعيد!
اين تقع النساء في عالم ادوارد سعيد؟
اذا غضضنا النظر عن وصف الراقصة الشرقية المشهورة "تحية كاريوكا" والتي وصفها ادوارد سعيد بأمتع الطرق جنسية، وهو ما جعلني أَحمّر خجلاََ، فقد اهتم بعدد زيجاتها وكيف كان متألما جدا بعد عدة عقود حين وجد ان تلك الراقصة الغاوية، المشتهاة والجميلة قد اصبحت بدينة وبذيئة.
كان بروفيسور الادب ادوارد سعيد قد ألهَمَ وساعد المثقفين اليساريين وقادهم في موضوع النزاع القائم بين الفلسطينيين والاسرائليين والذي طغى على اهتماماتهم.
ادورد سعيد، المطلع على كل العالم، المتحدث اللبق، الانيق والذكي استطاع ان يحوز على تقدير عال من قبل وسائل الاعلام التي حرص على اقامة علاقات جيدة ومكثفة معها. فهو صاحب برنامج العرب على القناة 4، والضيف المألوف في برنامج وبرنامج The late showStar the week كالكثير المثقفين المنتقدين للغرب والذين لديهم جذور تمتد الى الوطن العربي ولكنهم نشاؤوا وتلقوا دراستهم في البلدان الغربية، نسيّ ادوارد سعيد انه لولا المبادئ الديمقراطية السائدة في الغرب، والتي اعطته ليس فقط الحق بامتلاك رأيه الخاص، وانما الادوات التي يصوغ بها وجهات نظره الهجومية والعدائية للغرب احيانا.
ان مثل هذا الامر يُعد من المستحيلات في البلدان العربية، حيث ان المثقف المنتقد لنظام الحكم يتعرض بشكل دائم للمضايقة والتعذيب وخطر الموت.
يبدو ان ادوارد سعيد يستطيع الخروج من المنفى ومملكته العقائدية ذات الاماكن المخيفة فقط عندما يكتب عن الموسيقى. فقد كان هو شخصيا عازف بيانو موهوب وناقداموسيقيا في.The Nation ذلك لانه في الصور الموسيقية لا توجد كلمات تحتاج الى تحليلاته وابداء رأيه السياسي حولها.
وقبل ان ينتصر عليه مرض السرطان الذي صارعه طويلا ولعدة سنوات، استجمع ادوارد سعيد آخر طاقاته ليكتب مقالته عن بتهوفن"Ultimely Meditations"(تأملات غير محدودة) فقد تكون الموسيقي هي وحدها التي اعطته ذلك الاحساس بالاستقرار الذي افتقده .
-----------------------
* نُشرت هذه المقالة في الجريدة المسائية السويدية الواسعة الانتشار اكسبريس.