ان الاشتغال على بنية نص سردي من منظور سيميائي، بالتحديد سيميوطيقا السرد حسب نظرية باريس مع رائدها الجيرداس جوليان غريماس يلزمنا في البداية ، لتقريب القاريء بشكل نسبي الى هذه النظرية العلمية المميزة ، ان نحدد بشكل عام ان غريماس اول شيء قام به وهو يريد الاشتغال في حقل معرفي جديد، حدد موضوع نظريته في البحث في شكل الدلالة la forme de la signification، على اساس انها تشكل موضوع اشتغاله، بعدها قام بتحديد المنهاج الذي به سيبحث في هذا الموضوع ، فكان المسار التوليديparcours génératifs هو مجموع من المفاهيم ذات طابع منسجم مسعف في بحثه المميز بكونه توليدي دلالي منطقي وتركيبي. لهذا عندما نقول سيميوطيقا السرد sémiotique naratif بمسارها التوليدي فاننا سنبحث في عملية التحويل من البنية السطحية الى العميقة واخيرا الى بنية التخطيب . في كل بنية نجد.مجموعة من المفاهيم المتداخلة التي تتشكل بانسجام كلي وعام. لهذا فغريماس يؤكد ان الاشتغال يجب ان يكون كليا يحترم كل مستويات النظرية ، لهذا عندما نقول البنية العاملية structure actantiel او البرنامج السردي programme naratif ، فهي مستويات تتداخل في البنية العميقة و تتفاعل في عملية التحويل من البنية الاولى الى البنية الثانية لانتاج دلالة متمظهرة بأساس متمفصل. اسس البنية العاملية تحددها الخطاطة التالية :
عامل _ الذات actant _ sujet
موضوع القيمة objet de valeurs
العامل المساعد opposant
العامل المساعد adjuvant
بنية تتأسس بتداخل كلي وتفاعل بنيوي جد دقيق ، كل عنصر يتحكم في الاخر بتركيب جد.مميز ، بلعبة اساسها تداخل الازدواجيات وتفاعلها رغم التضاد المميز فيها . اما عندما نشتغل على بنية البرنامج السردي ، فاننا نخرج من موضوع الشخصية لبعده التقليدي، فنتحول الى العامل بصفته يؤدي دورين مهمين في لعبة السرد، من جهة هو ممثل اي يلعب دورا تيماتيكيا في المجال السوسيوثقافي ومن جهة اخرى له تيمة يشتغل عليها ، وعليه نفهم دور العامل من خلال سمات مميزة تحدده taits pertinants.
للتقريب اكثر نضع الترسيمة التالية لتقريب الفهم اكثر: العامل : من جهة هو ممثل .من جهة اخرى هو عامل اي له موضوع قيمة يشتغل عليها ، ولكي يتحقق طموحه السردي هو مطالب باحترام اربع قيم جيهية تؤهله لانجاح برناجه ،وهي :
1_المعرفة ( يعرف مايريد).
. 2_ الواجب : هنا يصبح الهدف / تحقيق الطموح ، واجبا ملحا في مساره السردي..
3_ الرغبة : اي ضرورة الرغبة في مطلبه لتحقيق موضوع _ قيمته.
. 4. القدرة: هي شرط لازم في عملية التحويل ، اي للانتقال من الحالة الاولية ( وضعية الشعور بالنقص)، الى مرحلة( تجاوز النقص).
في غياب اي شرط من الشروط المحددة اعلاه ، فمنطقيا سيفشل البرنامج السردي لدى عامل _ الذات.
مقدمة ، رأيناها واجبة قبل التطرق الى موضوع اشتغالنا. عودة الى النص ( انتقام غريب)، اول ملاحظة تثيرنا هي النتيجة الفجائية ، لااحد منا كان يتوقع هذه النهاية المميزة بطريقة تعذيب الدجاجة التي اخرجت الشخصية من حالتها الطبيعية الى حالة هستيرية، سنعتبر الدجاجة عاملا محولا في بنية تطور السرد في قصة انتقام غريب. البعض سيعتقد انها اسلوب مظحك وساخر في عملية الانتقام، لكنها في بعدها البنيوي تعد عاملا محولا في تكسير افق انتظار القاريء من جهة، وافشال البرنامج السردي من جهة اخرى. في البداية يبدأ النص بمكره الخادع في تمويه القارىء وجعله خارج متاهة موضوعه ، يبدأ بحرارة غير طبيعية وبذهاب الشخصية الى حقل العنب للحصول على الغنيمة ، لكن بداية التحول ستحددها جملة مهمة ، تعد محولة لبنية السرد( فقد كان يشعر وكأن عشا من الدبابير ينغل داخل دماغه..)، ليبدأ موضوع _ قيمته في التبلور ، طبعا سيصبح الكيف عامل مسعفا وضروريا ليشكل برنامجا السرديا ، وعليه ستتحدد البنية السردية في برنامج عامل الذات كالتالي:
حمادة ___ عامل ذات
استعادة الانفاس___ موضوع _ قيمته
الكيف__ العامل المساعد
الدجاحة____ العامل_ المعاكس .
بناء على هذه الخطاطة ، سيكون عامل _ الذات ، يعرف جيدا ان الكيف هو الوسيلة المسعفة للخروج من الحالة المحرجة( دماغ يشتغل بشكل غير مطمئن)، وهي عملية سيصبح فيها المزاج جيدا اي سيستعيد انفاسه ، لكن الدجاجة بفعلتها المذكورة ، سيصبح الكيف في خبر كان .
لنفهم مايلي ، ان شروط القيم الجيهية حاضرة بشكل مؤقت ، لان الرجل يعرف جيدا ان الكيف هو العامل المسعف في عملية الانتقال من المزاج المكهرب الى المزاج المميز بانفاس مستعادة، له القدرة في التوصل الى الكيف والقيام بعملية توظيفه ليصبح عاملا منتجا ومؤهلا للحالة المطلوبة، كما يرى انه من الواجب تحظير الكيف واستعماله في الوقت المطلوب، لكن تدخل الدجاجة و استعمال جناحيها بفوضى جعلت من الكيف مرميا في كل ركن من البيت ، سيغيب الكيف، وبعدها لن يستعيد انفاسه، والنتيجة سيبقى في الحالة الاولية والتحول لن يتحقق ، والنتيجة هي فشل البرنامج السردي.
. كخلاصة اولى يمكننا اعتبار قصة انتقام غريب قصة ذات برنامج سردي فاشل حسب رؤية سيميوطيقا السرد، حسب المرجعية التي سبق ان تكلمنا عنها في المقدمة المطروحة سابقا.
خلاصة ثانية، نعتبر المعنى في القصة المطروحة للدراسة قصة ذات معنى مبني بشكل متمظهر ومتمفصل بشكل بنائي جميل، في حين نتيجة القصة جاءت لتمويه القارىء واخراجه الى مستوى اخر يكسر افق انتظاره.
*****
القصة:
كانت شمس حزيران في تلك الظهيرة تبدو أقرب إلى الأرض من اي وقت مضى، فقد كانت حرارتها مرتفعة جدا، جعلت حمادة لا يقوى على تثبيث أقدامه فوق رمل جنان العنب وكروم التين حيث كان يجنى بضعة عناقيد قبل ان يعود إلى كوخه القابع على أطراف الدوار.
داخل "النوالة"*، تمدد حمادة ابن عائشة اللعوب، الأربعيني الأعزب على حصير لحظة ليستعيد أنفاسه، غير أنه سرعان مانهض، فقد كان يشعر وكأنّ عُشّاً من الدّبابير ينغل داخل دماغه، يحرمه من الرّاحة ومن تذوق طعم عنقود العنب الأسود أمامه. دس يده بين القصب والقش في مكان معلومٍ واخرجها ً قابضة ربْطَةَ "كيفٍ"* يابسة خضراء. شرع على الفور في تنقية سنابلها الدقيقة بمهارة فائقة يزيل اوراقها وبذورها ويترك بها رؤوسا أصغر من رؤوس النمل ثم يضع المحصول فوق خشبة مستطيلة الشكل؛ وينهمك في طحنه بواسطة سكين خاصة كأنه طباخ محترف يعد البقدونيس لأكلة ملكية!
حين انتهى منه أضاف إليه كخيميائي مقدارا معلوما من مسحوق ورقة تبغ كان قد تذوقها وبللها بالماء قبل ان يطحنها أيضا.
تنفس الصعداء وهو يمد "سبسيه" الطويل نحو المسحوق ليتذوقه ويقيس مدى قوته؛ علَّه يُسْكِت نزقَ هذه الدبابير التي تتناقز في دماغه وتحرمه من الهدوء.
عَبَّ غليونه المزركش جيدا، وحين رفع يده باحثا بين ثنايا الحصير عن عود ثقاب. خافت من حركة يده دجاجة كانت بالقرب تلتقط حبات القنب الهندي المتناثرة في المكان، فرفرفت بجناحيها هاربة. ما أحدث زوبعة ريح ذهبت بحصاد صاحبنا أدراج الرياح، مُبَدّدَةً حلمه العظيم!
تسمر في مكانه مشدوها، لمعت عيناه شررا و هي تتابع ذرات " الْكِيفِ" الخضراء تتناثر في كل مكان. نال منه الغضب حدّاً تجاوز كل تعبير! لم يشتم الدجاجة بل ظل يرمقها ساهما يفكر وكأنه جينيرال يخطط لمعركة حاسمة!
بعد لحظات انتصب واقفا، نثر بضع حبات من البُرٍّ ، لَقْلَقَ قليلا ككتكوت ، وما أن دخلت الدجاجة علها تفوز ببضع حبات حتى أغلق خلفها الباب بتشنّج كاد يطيح به . أمسك بالدجاجة؛ تناول خيطا و إبرة ثم طفق يخيط مخرجها كجَرّاحٍ ماهرٍ يخيط فتحة بعد عملية جراحية.! وحين انتهى أطلق سراحها بتشنج ودفق أمامها ما تبقّى بكيسهِ من حبوب القمح؛ ثم أمسك رأسه بكلتا يديه قاعدا القرفصاء وهو يردد بغضب واضح:
- كلي الآن أيتها اللّعينةُ بقدر ما تشتهين، كلي ... !!
عامل _ الذات actant _ sujet
موضوع القيمة objet de valeurs
العامل المساعد opposant
العامل المساعد adjuvant
بنية تتأسس بتداخل كلي وتفاعل بنيوي جد دقيق ، كل عنصر يتحكم في الاخر بتركيب جد.مميز ، بلعبة اساسها تداخل الازدواجيات وتفاعلها رغم التضاد المميز فيها . اما عندما نشتغل على بنية البرنامج السردي ، فاننا نخرج من موضوع الشخصية لبعده التقليدي، فنتحول الى العامل بصفته يؤدي دورين مهمين في لعبة السرد، من جهة هو ممثل اي يلعب دورا تيماتيكيا في المجال السوسيوثقافي ومن جهة اخرى له تيمة يشتغل عليها ، وعليه نفهم دور العامل من خلال سمات مميزة تحدده taits pertinants.
للتقريب اكثر نضع الترسيمة التالية لتقريب الفهم اكثر: العامل : من جهة هو ممثل .من جهة اخرى هو عامل اي له موضوع قيمة يشتغل عليها ، ولكي يتحقق طموحه السردي هو مطالب باحترام اربع قيم جيهية تؤهله لانجاح برناجه ،وهي :
1_المعرفة ( يعرف مايريد).
. 2_ الواجب : هنا يصبح الهدف / تحقيق الطموح ، واجبا ملحا في مساره السردي..
3_ الرغبة : اي ضرورة الرغبة في مطلبه لتحقيق موضوع _ قيمته.
. 4. القدرة: هي شرط لازم في عملية التحويل ، اي للانتقال من الحالة الاولية ( وضعية الشعور بالنقص)، الى مرحلة( تجاوز النقص).
في غياب اي شرط من الشروط المحددة اعلاه ، فمنطقيا سيفشل البرنامج السردي لدى عامل _ الذات.
مقدمة ، رأيناها واجبة قبل التطرق الى موضوع اشتغالنا. عودة الى النص ( انتقام غريب)، اول ملاحظة تثيرنا هي النتيجة الفجائية ، لااحد منا كان يتوقع هذه النهاية المميزة بطريقة تعذيب الدجاجة التي اخرجت الشخصية من حالتها الطبيعية الى حالة هستيرية، سنعتبر الدجاجة عاملا محولا في بنية تطور السرد في قصة انتقام غريب. البعض سيعتقد انها اسلوب مظحك وساخر في عملية الانتقام، لكنها في بعدها البنيوي تعد عاملا محولا في تكسير افق انتظار القاريء من جهة، وافشال البرنامج السردي من جهة اخرى. في البداية يبدأ النص بمكره الخادع في تمويه القارىء وجعله خارج متاهة موضوعه ، يبدأ بحرارة غير طبيعية وبذهاب الشخصية الى حقل العنب للحصول على الغنيمة ، لكن بداية التحول ستحددها جملة مهمة ، تعد محولة لبنية السرد( فقد كان يشعر وكأن عشا من الدبابير ينغل داخل دماغه..)، ليبدأ موضوع _ قيمته في التبلور ، طبعا سيصبح الكيف عامل مسعفا وضروريا ليشكل برنامجا السرديا ، وعليه ستتحدد البنية السردية في برنامج عامل الذات كالتالي:
حمادة ___ عامل ذات
استعادة الانفاس___ موضوع _ قيمته
الكيف__ العامل المساعد
الدجاحة____ العامل_ المعاكس .
بناء على هذه الخطاطة ، سيكون عامل _ الذات ، يعرف جيدا ان الكيف هو الوسيلة المسعفة للخروج من الحالة المحرجة( دماغ يشتغل بشكل غير مطمئن)، وهي عملية سيصبح فيها المزاج جيدا اي سيستعيد انفاسه ، لكن الدجاجة بفعلتها المذكورة ، سيصبح الكيف في خبر كان .
لنفهم مايلي ، ان شروط القيم الجيهية حاضرة بشكل مؤقت ، لان الرجل يعرف جيدا ان الكيف هو العامل المسعف في عملية الانتقال من المزاج المكهرب الى المزاج المميز بانفاس مستعادة، له القدرة في التوصل الى الكيف والقيام بعملية توظيفه ليصبح عاملا منتجا ومؤهلا للحالة المطلوبة، كما يرى انه من الواجب تحظير الكيف واستعماله في الوقت المطلوب، لكن تدخل الدجاجة و استعمال جناحيها بفوضى جعلت من الكيف مرميا في كل ركن من البيت ، سيغيب الكيف، وبعدها لن يستعيد انفاسه، والنتيجة سيبقى في الحالة الاولية والتحول لن يتحقق ، والنتيجة هي فشل البرنامج السردي.
. كخلاصة اولى يمكننا اعتبار قصة انتقام غريب قصة ذات برنامج سردي فاشل حسب رؤية سيميوطيقا السرد، حسب المرجعية التي سبق ان تكلمنا عنها في المقدمة المطروحة سابقا.
خلاصة ثانية، نعتبر المعنى في القصة المطروحة للدراسة قصة ذات معنى مبني بشكل متمظهر ومتمفصل بشكل بنائي جميل، في حين نتيجة القصة جاءت لتمويه القارىء واخراجه الى مستوى اخر يكسر افق انتظاره.
*****
القصة:
كانت شمس حزيران في تلك الظهيرة تبدو أقرب إلى الأرض من اي وقت مضى، فقد كانت حرارتها مرتفعة جدا، جعلت حمادة لا يقوى على تثبيث أقدامه فوق رمل جنان العنب وكروم التين حيث كان يجنى بضعة عناقيد قبل ان يعود إلى كوخه القابع على أطراف الدوار.
داخل "النوالة"*، تمدد حمادة ابن عائشة اللعوب، الأربعيني الأعزب على حصير لحظة ليستعيد أنفاسه، غير أنه سرعان مانهض، فقد كان يشعر وكأنّ عُشّاً من الدّبابير ينغل داخل دماغه، يحرمه من الرّاحة ومن تذوق طعم عنقود العنب الأسود أمامه. دس يده بين القصب والقش في مكان معلومٍ واخرجها ً قابضة ربْطَةَ "كيفٍ"* يابسة خضراء. شرع على الفور في تنقية سنابلها الدقيقة بمهارة فائقة يزيل اوراقها وبذورها ويترك بها رؤوسا أصغر من رؤوس النمل ثم يضع المحصول فوق خشبة مستطيلة الشكل؛ وينهمك في طحنه بواسطة سكين خاصة كأنه طباخ محترف يعد البقدونيس لأكلة ملكية!
حين انتهى منه أضاف إليه كخيميائي مقدارا معلوما من مسحوق ورقة تبغ كان قد تذوقها وبللها بالماء قبل ان يطحنها أيضا.
تنفس الصعداء وهو يمد "سبسيه" الطويل نحو المسحوق ليتذوقه ويقيس مدى قوته؛ علَّه يُسْكِت نزقَ هذه الدبابير التي تتناقز في دماغه وتحرمه من الهدوء.
عَبَّ غليونه المزركش جيدا، وحين رفع يده باحثا بين ثنايا الحصير عن عود ثقاب. خافت من حركة يده دجاجة كانت بالقرب تلتقط حبات القنب الهندي المتناثرة في المكان، فرفرفت بجناحيها هاربة. ما أحدث زوبعة ريح ذهبت بحصاد صاحبنا أدراج الرياح، مُبَدّدَةً حلمه العظيم!
تسمر في مكانه مشدوها، لمعت عيناه شررا و هي تتابع ذرات " الْكِيفِ" الخضراء تتناثر في كل مكان. نال منه الغضب حدّاً تجاوز كل تعبير! لم يشتم الدجاجة بل ظل يرمقها ساهما يفكر وكأنه جينيرال يخطط لمعركة حاسمة!
بعد لحظات انتصب واقفا، نثر بضع حبات من البُرٍّ ، لَقْلَقَ قليلا ككتكوت ، وما أن دخلت الدجاجة علها تفوز ببضع حبات حتى أغلق خلفها الباب بتشنّج كاد يطيح به . أمسك بالدجاجة؛ تناول خيطا و إبرة ثم طفق يخيط مخرجها كجَرّاحٍ ماهرٍ يخيط فتحة بعد عملية جراحية.! وحين انتهى أطلق سراحها بتشنج ودفق أمامها ما تبقّى بكيسهِ من حبوب القمح؛ ثم أمسك رأسه بكلتا يديه قاعدا القرفصاء وهو يردد بغضب واضح:
- كلي الآن أيتها اللّعينةُ بقدر ما تشتهين، كلي ... !!