أمل الكردفاني - لعبة النهاية لصامويل بيكيت..

"هناك شيء يأخذ مجراه"
يقول (كلوف) ، لمخدومه هام.

تنطلق مسرحية لعبة النهاية لصامويل بيكيت في مجراها السرمدي..اللعبة التي لا تبلغ نهايتها أبدا.. وكعادته يخرج المتفرج من مسرحيته وقد استنزفت كل طاقاته الوجودية وألقت به في برودة الموت الرمادي. بيكيت الذي لم يتوقف أبدا عن نواحه العدمي يلقمنا كتل الظلام والفراغ وينحت كينونتنا في كون منذهل باللائية التي تتجاوز حد السقوط البائس في معنى الحقيقة. ذلك الشيء الذي يأخذ مجراه ، ذلك (الشيء)؟ وماذا يعني الشيء غير تمثلات متوهمة للغيريات.. وماذا يعني أن بيكيت ينزع عنا تلك التمثلات؟ إنه إذن يجرد الذات عن ظرفيها الزماني (الذي لا نعرفه) والمكاني الذي (لا نهاية له)..
هام المخدوم الكفيف والمقعد الهلع المتعنت وكلوف الخادم الذي يطيع كل أوامر هام ، نيل وناج الأم والأب العجوزان مقطوعا الاقدام والملقيان في صندوق القمامة .. والحوار البيكيتي غير المعهود ، الحوار الذي يغوص في عمق نفي الإنوجاد ، الحوار المباشر ، الذي لا نتلمس فيه ما اعتدنا عليه من قبل. الرجل ومن يخدمه يخوضان قلقا عارما داخل غرفتهما العارية ، النوافذ التي لا تطل إلا على الرماد ؛ والنزعة الجيسلافية السادية نحو تشويه الزيف.... لا نرى هنا تفاؤل أسطورة الكهف الأفلاطونية.. فداخل الكهف تتطابق الحقيقة بما هو خارجه ؛ الحقيقة التي يرفضها الجميع. الأب العجوز الذي يمص قطعة البسكويت الجافة .. يبكي داخل صندوق قمامته قبل أن يموت... ويطلق علينا بيكيت رصاصة الهول الانعتاقي من الوهم. الهول الذي يتخفى في باطن التناسي رغم أنه ينسرب دوما ليأخذ مجراه بين آفاق الزمان والمكان.. ثم ليلتف حول ومبتلعا النور.
الكون الرمادي حر خارج نوافذ العقل والعقل يسجن الكون خارجه وهو في الحقيقة يسجن الذات داخله. هناك حيث الحقيقة وهنا حيث التساؤلات التي ترفض أن تلقي نظرة على إجاباتها في الخارج. لعبة النهاية.. حيث يبحث الكل عبثا عن "الحياة الكاملة" كما قال هام. وحيث تكون البداية هي النهاية في كل الأحوال.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...