بعدما بلغ منا الجوع مبلغه، نقت ضفادع أمعائنا نقيقا مسترسلا، جعلنا نبحث عن أقرب مطعم لإخماد فتنتها؛ فتأتى لنا ذلك في مطعم قصي في طرف المدينة حيث التهمنا غذاءنا التهام ألسنة اللهب للهشيم.
كعادته صديقي لا يرتاح له بال، ولا يطيب له خاطر، إلا بارتياد مكتبات المدينة على قلتها، فهو يؤمن بمقولة يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر، فغير ما مرة عثر على كتب مهمة في مكتبات هذه المدينة الهامشية، قلّ نظيرها في مكتبات المدن الكبيرة. عقدنا العزم على زيارة إحدى هذه المكتبات، وبينما نحن نجول بين رفوفها، ننقب عن مكنوناتها، نتنقل من عنوان كتاب إلى آخر، إذ بنا نحن الاثنين وفي آن واحد، نشعر بحركة غير عادية لم تكن المكتبة مسرحا لها، وإنما كان مسرحها أحشاءنا، في بداية الأمر تجاهلناها، ظنناها حدثا عارضا كأيّها الأحداث العابرة، ومع مرور الزمن، ألمحت لصديقي أن ثورة بر كان خطير على وشك أن تحدث في بطني، فلنغادر المكان على جناح السرعة، دون تلكؤ منه وافقني صديقي الرأي لحاجة في نفسه، فإذا نحن في المقهى نتوخى العلاج:
- مرحبا السلام عليكم.
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
- أي شيء يحب الخاطر.
- أولا وقبل كل شيء كيف هي حالة دورة المياه؟
- دورة المياه!
- أقصد المرحاض هل هو متوفر؟
- صراحة لم ألق نظرة عليه.
- ما علينا؛ أريد فنجان قهوة.
- وأنت أستاذ؟
- أنا أيضا أريد قهوة سوداء.
- حاضر.
يغيب عنا مدة إحضار ما طلبناه، ثم يعود حاملا صينية بها فنجانان وكوبا ماء، وقبل أن يغادرنا لتلبية نداء أحد الزبائن؛ ابتسم لنا وهو يمعن النظر في وجهي العزيز ثم قال:
- الآن فقط فهمت لماذا سألتني عن المرحاض؛ قصدك دون شكّ، هو حالة آلة تحضير القهوة، أليس كذلك؟ كلامك صحيح، إن لم تكن الآلة في حالة جيدة ونظيفة، فإنها تعطينا قهوة رديئة و محروقة، أنا متأكد أن هذا ما عنيته بسؤالك عن حالة المرحاض؟ هذا تشبيه بليغ منك للآلة..
- ولكن رجاء افهمني؛ أنا سألتك عن المر..
- لا داعي للشرح؛ فاللبيب بالإشارة يفهم.
قبل أن ينهي كلامه، حاولت جاهدا أن أشرح له أنني فعلا أعني بالمرحاض - بيت الراحة أي بيت الماء - لأن أمعائي ومثانتي تكادان تجلبان إليّ العار أمام الغادي والبادي، بعد شحنهما بما لا يطيقانه من عصير وطعام. لقد باءت كل محاولاتي لأقناعه بالفشل الذريع، لأنه اطمأن لصحّة تأويله، لما آنس من صديقي الذي كان ينظر إليه متمعنا، ويصغي إلى تفسيره الغريب للمرحاض باهتمام، ما يدعم هذا التأويل العجيب لمعنى وجود مرحاض في المقهى .
عند انصرافه عنا، التفت إلى صديقي مستغربا سرّ مجاراته للنادل في كلامه؟ افترّ ثغره عن ابتسامة عريضة و قال:
- فعلت ذلك درء للاستطراد الذي قد يزيد من معاناة أحشائنا.
وهو يرتشف رشفة من فنجانه قال لي بصوت خفيض:
- الآن تأكدت بما لا يدع مجالا للشك، أنك لست أنت من تبحث عن القصص، إنما هي التي تأتيك طائعة و عن طيب خاطر.
- ولكن قبل ذلك دلّني على المرحاض.
- قصدك آلة تحضير القهوة، هههههه.
بركان 22/ 6 /2019
كعادته صديقي لا يرتاح له بال، ولا يطيب له خاطر، إلا بارتياد مكتبات المدينة على قلتها، فهو يؤمن بمقولة يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر، فغير ما مرة عثر على كتب مهمة في مكتبات هذه المدينة الهامشية، قلّ نظيرها في مكتبات المدن الكبيرة. عقدنا العزم على زيارة إحدى هذه المكتبات، وبينما نحن نجول بين رفوفها، ننقب عن مكنوناتها، نتنقل من عنوان كتاب إلى آخر، إذ بنا نحن الاثنين وفي آن واحد، نشعر بحركة غير عادية لم تكن المكتبة مسرحا لها، وإنما كان مسرحها أحشاءنا، في بداية الأمر تجاهلناها، ظنناها حدثا عارضا كأيّها الأحداث العابرة، ومع مرور الزمن، ألمحت لصديقي أن ثورة بر كان خطير على وشك أن تحدث في بطني، فلنغادر المكان على جناح السرعة، دون تلكؤ منه وافقني صديقي الرأي لحاجة في نفسه، فإذا نحن في المقهى نتوخى العلاج:
- مرحبا السلام عليكم.
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
- أي شيء يحب الخاطر.
- أولا وقبل كل شيء كيف هي حالة دورة المياه؟
- دورة المياه!
- أقصد المرحاض هل هو متوفر؟
- صراحة لم ألق نظرة عليه.
- ما علينا؛ أريد فنجان قهوة.
- وأنت أستاذ؟
- أنا أيضا أريد قهوة سوداء.
- حاضر.
يغيب عنا مدة إحضار ما طلبناه، ثم يعود حاملا صينية بها فنجانان وكوبا ماء، وقبل أن يغادرنا لتلبية نداء أحد الزبائن؛ ابتسم لنا وهو يمعن النظر في وجهي العزيز ثم قال:
- الآن فقط فهمت لماذا سألتني عن المرحاض؛ قصدك دون شكّ، هو حالة آلة تحضير القهوة، أليس كذلك؟ كلامك صحيح، إن لم تكن الآلة في حالة جيدة ونظيفة، فإنها تعطينا قهوة رديئة و محروقة، أنا متأكد أن هذا ما عنيته بسؤالك عن حالة المرحاض؟ هذا تشبيه بليغ منك للآلة..
- ولكن رجاء افهمني؛ أنا سألتك عن المر..
- لا داعي للشرح؛ فاللبيب بالإشارة يفهم.
قبل أن ينهي كلامه، حاولت جاهدا أن أشرح له أنني فعلا أعني بالمرحاض - بيت الراحة أي بيت الماء - لأن أمعائي ومثانتي تكادان تجلبان إليّ العار أمام الغادي والبادي، بعد شحنهما بما لا يطيقانه من عصير وطعام. لقد باءت كل محاولاتي لأقناعه بالفشل الذريع، لأنه اطمأن لصحّة تأويله، لما آنس من صديقي الذي كان ينظر إليه متمعنا، ويصغي إلى تفسيره الغريب للمرحاض باهتمام، ما يدعم هذا التأويل العجيب لمعنى وجود مرحاض في المقهى .
عند انصرافه عنا، التفت إلى صديقي مستغربا سرّ مجاراته للنادل في كلامه؟ افترّ ثغره عن ابتسامة عريضة و قال:
- فعلت ذلك درء للاستطراد الذي قد يزيد من معاناة أحشائنا.
وهو يرتشف رشفة من فنجانه قال لي بصوت خفيض:
- الآن تأكدت بما لا يدع مجالا للشك، أنك لست أنت من تبحث عن القصص، إنما هي التي تأتيك طائعة و عن طيب خاطر.
- ولكن قبل ذلك دلّني على المرحاض.
- قصدك آلة تحضير القهوة، هههههه.
بركان 22/ 6 /2019