(٣)
تأخر صديقي هذا المساء ولم يأتي لنكمل الحوار المتفق عليه، وفجأة استمعت لرنة الهاتف، ظننته اعتذار من صديقي، لكن توقعي أَخْطَأ، وتكلمتْ الدكتورة نورة الهديب، فتذكرتُ الرسالة النصية التي أرسلتها لها، قلتُ فيها : ( السبب في نكران الخالق لدى الملحد نقص أدوات، إذاً نسأل : ماهي الأدوات المعرفية التي يحتاجها الملحد ليبلغ اليقين؟، لعلك تقولين المقصود بالأدوات هنا انعدام الجاذبية بين العقل والقلب، ولكن الأساس أن الإنسان يولد فارغاً، فكيف يكتسب الملحد هذه الجاذبية وهو (فارغ) غير مؤمن؟!)، تكلمت الدكتورة بعد الترحاب : أن المقالة التي كتبتها هو جزء من كتاب سيخرج للنور قريباً، ثم أجابتْ على التساؤل بقولها : الأدوات المعرفية المتواجدة في العقل والقلب، المقصود بها التفكير يعتبر أداة والإحساس يعتبر أداة .كلاهما كأدوات تختلف من شخص لآخر وتزيد وتنقص على حسب عوامل مكتسبة عادة. على سبيل المثال، طريقة تفكيرك وتحليلك للأمور مبنية على تراكمات معرفية وعلمية بيئية وعامل الذكاء يلعب دور رئيسي فيها. وهي تختلف عن طريقة تفكير المنكر لله الذي كانت طريقة تفكيره ناقصة بوجود أدوات مُكملة كالإحساس مثلاً. وبالنسبة للأدوات التي يحتاجها الملحد ليبلغ اليقين. فهي عادة أدوات عاطفية ( الإحساس كأداة معرفية) فالملحد قد يغلبك بالمنطق المجرد لأن الأدوات العقلية متوفرة لكنه يفتقر الى الأدوات العاطفية التي تعتبر قاعدة حسنة كذلك. نعم، ففي الجاذبية أدوات كثيرة سأتطرق لها بإذن الله لاحقا وبالتفصيل .
واصلت الدكتورة حديثها، ولم أقاطعها لتصل الفكرة كاملة، وفي يدي قلم أدون ردودي بصمت، أعقبتْ بعد لحظة صمت قصيرة : فالملحد تنعدم الجاذبية عنده لأنه يفتقر الى الحس العاطفي (الفطرة) التي ولدت معه لأسباب كثيره منها نقص الأدوات المعرفية. الإنسان لا يخرج إلى هذه الدنيا فارغاً. بل هو يولد بعاطفة مفطورة على حُب الخالق. وحب ما حوله، وبالنسبة فهو يكتسب المعارف من خلال عاطفته وإدراكه وأثناء النمو يبدأ عقله بالتمييز. فعقل الإنسان عبارة عن جاذبية للمعارف والعلوم التي حوله، فقدرة الامتصاص العقلي عنده قوية، وهذه نظرية أخرى سأتطرق لها لاحقا..
حديثها كان متسلسلاً، ولكن في جعبتي الكثير، فقلت مباشرة : الأدوات التي ذكرتها هي :
(١) التفكير : هناك مفكرون ملاحدة، فكيف لمفكر متضلع في التفكير؛ مثل : أوغست كانت، فريدريك نيتشة، برتراند راسل، ديفيد هيوم، وغيرهم يقول بخرافة الأديان؟!
(٢) الإحساس : هو انطباع يختلف باختلاف الشخص، ويتسلل إليه الوهم.
(٣) عامل الذكاء : هناك من درجة ذكاؤه متفوقة، ومع ذلك ليس مؤمناً، والعكس نراه صحيح بالنسبة للمؤمن.
(٤) الفطرة : فكل الناس يتشاركون بذات التركيبة البشرية، وهي متساوية أقلاً وقت الولادة، (كل مولود يولد على الفطرة) الحديث.
الخلاصة : أن اجتماع كل هذه الأدوات ليس بالضرورة أن تنتج عنه الإيمان، والملاحظ الذي يدركه الجميع أن البيئة والتوريث الثقافي، هو ما يشكل إيمان الإنسان من عدمه، فمن يولد في بيت مسلم يكون مسلماً وهكذا، فهل يعقل أن تكون الجاذبية القلبية متركزة في التوريث المعرفي للبيئة التي يعيشها الإنسان؟!، ما نتصوره هو أن العقل راجح في الاستدلال والحكم على الأمور، طبعاً ضمن القوانين المنطقية، وعليه فإن الملحد يبقى على إلحاده لأنه يرى العقل يقول بما يقوله .