صدرت رواية " قمة الجبل" لحسن بوفوس عن مبعة سليكي اخوين بطنجة في طبعتها الاولى سنة 2019. وتمتد على مساحة نصية تبلغ مائتين وعشر صفحات من الحجم المتوسط.
مدخل:
من المؤكد أن الرواية جنس امبريالي، يكتسح كل الأجناس الإبداعية من قصة وشعر وزجل وفن تشكيلي ومسرح، وشهوتها في الابتلاع لا حدود لها، لهذا، تظل جنسا غير مكتمل، يتشكل باستمرار، وشهوتها في الافتراس لا تضاهيها إلا شهوة السينما؛ وقد سعى كونديرا في إحدى رواياته إلى كتابة عمل يصعب على الفن السابع نقله أو تقليده؛ مسعى يروم تحقيق تفرد الرواية وتميزها.
مناسبة هذا القول، هو رواية "قمة الجبل" لحسن بوفوس، التي اعتمدت في بناء معمارها على الرواية البوليسية حيث حضور الجريمة/اللغز، والمفتش الساعي إلى تفكيك خيوطها وبلوغ الجاني بغاية إعادة التوازن إلى المجتمع وحمايته من التفكك.
وصف الرواية من حيث الفصول:
وقبل الخوض في هذا الجانب، أحب أن أرصد بعض مكونات العمل الخارجية، وبخاصة الفصول المكونة له، تاركا أمر بقية العتبات للقارئ/القراء.
تتشكل الرواية من اثنين وعشرين فصلا تكاد تقارب عدد ساعة اليوم، وكل فصل يتكون من أربعة مشاهد، باستثناء الفصل التاسع والفصل الحادي عشر والفصل الثاني والعشرين.
فالفصلان الأولان يعتمدان ثلاثة مشاهد لا غير، في حين اعتمد المشهد الأخير على ستة مشاهد، أي أنه اشتمل على مشهدين إضافيين هما العدد الناقص في الفصلين السابقين.، فلو تم توزيع المشهد الناقص علي كل منهما لكانت كل الفصول متساوية العدد.
والغريب، وأنا ألامس الكلام عن الأرقام في ارتباطها بالفصول، وكيفية توزيع مشاهدها، وجدت حضور رقم ثلاثة ومضاعفاته بشكل لافت في المتن، سواء أكان مرتبطا بالمشي أو المسافة أو الأشخاص أو الأشياء؛ حضور لافت وذو دلالة. وستقوم الرواية في بعض فصولها بالوقوف عند هذا الرقم تفسيرا وتوضيحا؛ لما له من دور في الجريمة، وقيمة في معرفة بعض خيوطها.
بعد الرواية البوليسية في الرواية:
ولأن جنس الرواية البوليسية حاضر بقوة، فإن شخصيات حقل الشرطة والعدالة حاضرة هي الأخرى تعزز هذا الجانب وتقويه، دون إغفال شخصيات حقل الطب لما له من دور في الإشفاء، والمساعدة في توضيح ملابسات الجريمة وتوضيح بعض جوانب غموضها، فضلا عن أطراف الجريمة من جان ومساعد وضحية وأداة.
هكذا، نجد أن الشخصيات بالنظر إلى وظيفتها ودورها في النص تنقسم إلى:
شخصيات ذات ارتباط بالجريمة، وهي:
لمياء شابة متهورة، وهي الضحية الأولى.
حسن المهندس؛ وهو الضحية الثانية الناجية.
فتيحة، زوجته، وهي الجانية.
محسن الممرض، وهو المساعد.
شخصيات حقل العدالة، وهي:
رشيد عميد الشرطة.
حميد مفتش الشرطة والمكلف بملف الجريمة.
سعيد مساعد المفتش، وله دور غير مباشر في انتقال أداة الجريمة إلى يد حسن في البداية، وفتيحة في النهاية. يقوم بدور مهم في بناء الجريمة الثانية دون قصد منه؛ إذ سيكون ضحية هو الآخر.
قاضي التحقيق الذي حضر من دون اسم شخصي بل، فقط، بوظيفته، وهو الذي سيمنح فرصة النجاة لفتيحة من تهمة القتل.
شخصيات قطاع الصحة، وهي:
لحسن الطبيب الرئيس، والمشرف على الحالة الصحية لحسن.
الدكتور سعاد أخصائية الأمراض النفسية والعقلية، ولها دور مهم في فك بعض الألغاز باعتماد تخصصها.
حسنان الممرضة الفاتنة.
حنان الممرضة الثانية.
فضلا عن وجود شخصيات أقل أهمية، وذات أدوار ثانوية، كالحماة، وسائق التاكسي، والشهود، والنادل، إلخ...
فما هي الحكاية؟
هي ككل القصص الزوجية التي تعيش حالة من البرودة تؤدي إلى الخيانة، والشك، ومن ثم البحث عن الانتقام.
سيقضي حسن لحظات متعة في قمة الجبل صحبة لمياء، وستعرف الزوجة ذلك من خلال بعض الناس، يساعدها في ذلك محسن ناقل الأخبار، وصديق الزوجين، وعشيق لمياء. ستتم ملاحقة سيارة حسن ولمياء بغاية معرفة ملابسات العلاقة بين الطرفين، وستوقف سيارة محسن سيارة حسن، وستشهد المنطقة فصول عراك بين فتيحة ولمياء ص170، ونزول حسن لإبعاد زوجته عن مرافقته، وحين سيشاهد محسن نزول حسن من سيارته سيهرب، وكذلك فعلت فتيحة، وستنطلق سيارة حسن بسرعة جنونية بفعل تأثير لمياء الواقعة تحت صدمة ألام المطرقة التي ضربتها بها فتيحة، لتسقط في جرف، فتكون نهايتها ودخول حسن في غيبوبة طويلة، سيشعر خلالها بفعل قوة عقله الباطن بكل ما يجري حوله، وسيطلق إشارات كهربائية تحذيرية، ترتبط بإيقاف الساعة عند رقم ثلاثة، وكان ذلك بمثابة لغز يطلب فكه؛ وهو ما ستقوم به سعاد اعتمادا على خبرتها في المجال، وسيكون ذلك عنصرا فعالا في إلقاء الضوء على الجريمة، حيث سيعتمد مفتش الشرطة عليه لمعرفة الجاني، وبالفعلل سينصب فخا لفتيحة ومحسن، وسينجح في انتشال اعتراف منهما يدينهما، لكن استعادة حسن لوعيه وإدلائه بشهادته سيمنحمها الخلاص، وكان ذلك بإضمار الرغبة في الانتقام منهما، بيد أن خطته لم تنجح، وتفوقت عليه فتيحة التي أودعت السيارة التي أقلت الزوج الجريح والمقيد والممرض المقتول الجرف العميق، وبذلك تخلصت منهما، وتخلصت من تهمة القتل العمد على يد قاضي التحقيق. مما يشي بأن الجريمة ظلت دون عقاب، وأن إعادة التوازن للمجتمع من الخطر بقيت معلقة إلى حين.
فما التقنيات التي وظفت في الرواية؟
سأقتصر على ذكر اثنتين؛ وهما: الحلم والوصف، مع الإشراة إلى التشبيه كتقنية بلاغية تروم تحقيق البعدين الفني والجمالي بغاية ترك أثر طيب في نفسية المتلقي.
الحلم:
اقترنت الأحلام كما الجنون بالفوضى والظلام والغموض والليل والخوف. ولعل هذا الاقتران هو ما دفع كتابا كثيرين لتوظيف الحلم في إبداعهم واستخدامه فنيا، بما يتيح لهم إعادة النّظر إلى مشاكل الواقع أو التّنبيه إلى عناصر الخطر، أو فك مغالق القضايا النفسية المعقدة.
وفي رواية "قمة الجبل" وظف الحلم كاستباق، وتنبؤ بالقادم، وبخاصة حلم مفتش الشرطة الذي يعيش حالة قلق جراء رغبته القوية في الإمساك بالجاني، وخاصة بعد إلحاح العميد بضرورة الإسراع في تحقيق ذلك. إنه في يعيش حالة ضغط مستمرة بين النجاح والفشل، هذا الصراع سيحول حلمه كابوسا لن يخرج منه إلا بعد سقوطه من على فراشه.
رأى في حلمه محسن يصارعه ويتغلب عليه ويسرق منه مسدسه رمز قوته وفحولته في الوقت نفسه، ويسطو على سيارته. هذا الصراع المفضي إلى الهزيمة سيكون إشارات استباقية لما سيقع له مع غريمه محسن لاحقا، إذ سيتغلب هذا الأخير عليه، ويفشل مخططاته، رغم أنه نجح في الإيقاع به، لكن محسن خرج سالما بعد تبرئة حسن له.
من هنا، يتبين أن تقنية الحلم كانت وسيلة لمعرفة ما يعتمل في نفسية الشخصية وفي الآن ذاته ما ستحمله الأيام القادمة من أحداث وتطورات. فالحلم هو أكثر آليات اللاوعي اشتغالا في حياة البشر، لهذا فحضورها المصاحب للشخصية الروائية، يبدو أمرا طبيعيا ومقبولا من ناحية، ومن الناحية الأخرى، فمادة الحلم هي نفسها مادة الإبداع. سواء على مستوى اللغة المجازية والرمزية، أو الطاقة التخيلية.
الوصف:
للوصف وظيفتان اثنتان، جمالية يقوم الوصف فيها بعمل تزييني، حيث يشكل استراحة وسط الأحداث، وتفسيرية تحمل إشارة رمزية دالة على معنى ما في سياق الأحداث الجارية.
بالنسبة للوظيفة الأولى هذا المقطع: "منظر البحر يبدو أمام ناظريه أبكما {كذا}على شكل بركة مترامية الأطراف تطفو على زرقته الداكنة طيور بيضاء تصبح ساكنة، مستكينة، يقابلها على الشاطئ بياض أمواج صغيرة متلاشية لأشبه ما تكون بأصابع عملاق نائم ترتعش بين فينة وفينة.
في الأفق تتراص متتابعة ومتعددة مراكب تجري قرب مدار الأفق أو نحوه كأنها قطار يسير فوق الماء لا يسمع له هدير يكاد لا يحرك ساكنا." ص180.
فالمنظر يرى بعيون حميد الذي ينتظر سعاد وينشد الهدوء، فجاء جميلا ومريحا للذهن والروح، وممتعا للعين والنفس. فضلا عن أنه أوقف تسلسل الأحداث برهة من الزمن تمكن حميد من استعادة توازنه النفسي، وهدوء باله.
أما الوظيفة الثانية فتتجلى في هذا المقتطف القصير الذي يصف شخصية الزوجة: "فتيحة تنتمي إلى فصيل من النساء المتسلطات اللواتي لن تعرف ما يجول بخاطرهن. تحملك مسؤولية جل المشاكل التي تتخبط فيها؛ مزاجها متقلب؛ لا تقبل المناقشة؛ لا تطرح الأسئلة ولا تجيب عنها أيضا." ص178
ويؤكد لحسن في كلامه البعد المتسلط في شخصيتة فتيحة: لن أنسى أبدا تصرفها بالمكتب. خبطت الباب كما لو أنني أعرفها وهي تعرفني منذ زمان. استنتجت بأنها زوجة متسلطة صعبة المراس." ص177.
وفي مثل هذه الأجواء، تكون العلاقة الاجتماعية المزيفة دائما مبنية على الاستغلال والصراع لأجل السيطرة.
ولا غرو أن تنتهي فصول الرواية بخروجها من مشهد الدم والقتل بريئة براءة الذئب من دم يعقوب. لقد تخلصت من المتنافسين معا؛ الزوج والعشيق.
تم اعتماد الأساليب البلاغية لخلق رواء أسلوبي للنص الروائي، وبغاية إمتاع القارئ، باعتماد التشبيه وسيلة فنية لتحقيق هذا الهدف، من ذلك قوله:
_ استدارت مرعوبة فلقيت نفسها بلا شعور تضمه الى صدرها كانها تحتمي بعمود خشبي كي لا تسقط... ص64.
_ عاودتها الرغبة مثل يوم ركبت السيارة الذاهبة الى المستشفى. ص116.
_ في الأفق تتراص متتابعة ومتعددة مراكب تجري قرب مدار الأفق أو نحوه كأنها قطار يسير فوق الماء... ص180.
تجدر الإشارة إلى تعفف الرواية في وصف العلاقات الجنسية فلم تعتمدها بشكل صريح، بل اعتمدت التعفف في التوظيف، وتشغيل الإيحاء بدل التصريح، كما تركت فجوات يملؤها القارئ بخياله.
https://www.facebook.com/hassan.alaoui.12382/posts/10217768362274755
مدخل:
من المؤكد أن الرواية جنس امبريالي، يكتسح كل الأجناس الإبداعية من قصة وشعر وزجل وفن تشكيلي ومسرح، وشهوتها في الابتلاع لا حدود لها، لهذا، تظل جنسا غير مكتمل، يتشكل باستمرار، وشهوتها في الافتراس لا تضاهيها إلا شهوة السينما؛ وقد سعى كونديرا في إحدى رواياته إلى كتابة عمل يصعب على الفن السابع نقله أو تقليده؛ مسعى يروم تحقيق تفرد الرواية وتميزها.
مناسبة هذا القول، هو رواية "قمة الجبل" لحسن بوفوس، التي اعتمدت في بناء معمارها على الرواية البوليسية حيث حضور الجريمة/اللغز، والمفتش الساعي إلى تفكيك خيوطها وبلوغ الجاني بغاية إعادة التوازن إلى المجتمع وحمايته من التفكك.
وصف الرواية من حيث الفصول:
وقبل الخوض في هذا الجانب، أحب أن أرصد بعض مكونات العمل الخارجية، وبخاصة الفصول المكونة له، تاركا أمر بقية العتبات للقارئ/القراء.
تتشكل الرواية من اثنين وعشرين فصلا تكاد تقارب عدد ساعة اليوم، وكل فصل يتكون من أربعة مشاهد، باستثناء الفصل التاسع والفصل الحادي عشر والفصل الثاني والعشرين.
فالفصلان الأولان يعتمدان ثلاثة مشاهد لا غير، في حين اعتمد المشهد الأخير على ستة مشاهد، أي أنه اشتمل على مشهدين إضافيين هما العدد الناقص في الفصلين السابقين.، فلو تم توزيع المشهد الناقص علي كل منهما لكانت كل الفصول متساوية العدد.
والغريب، وأنا ألامس الكلام عن الأرقام في ارتباطها بالفصول، وكيفية توزيع مشاهدها، وجدت حضور رقم ثلاثة ومضاعفاته بشكل لافت في المتن، سواء أكان مرتبطا بالمشي أو المسافة أو الأشخاص أو الأشياء؛ حضور لافت وذو دلالة. وستقوم الرواية في بعض فصولها بالوقوف عند هذا الرقم تفسيرا وتوضيحا؛ لما له من دور في الجريمة، وقيمة في معرفة بعض خيوطها.
بعد الرواية البوليسية في الرواية:
ولأن جنس الرواية البوليسية حاضر بقوة، فإن شخصيات حقل الشرطة والعدالة حاضرة هي الأخرى تعزز هذا الجانب وتقويه، دون إغفال شخصيات حقل الطب لما له من دور في الإشفاء، والمساعدة في توضيح ملابسات الجريمة وتوضيح بعض جوانب غموضها، فضلا عن أطراف الجريمة من جان ومساعد وضحية وأداة.
هكذا، نجد أن الشخصيات بالنظر إلى وظيفتها ودورها في النص تنقسم إلى:
شخصيات ذات ارتباط بالجريمة، وهي:
لمياء شابة متهورة، وهي الضحية الأولى.
حسن المهندس؛ وهو الضحية الثانية الناجية.
فتيحة، زوجته، وهي الجانية.
محسن الممرض، وهو المساعد.
شخصيات حقل العدالة، وهي:
رشيد عميد الشرطة.
حميد مفتش الشرطة والمكلف بملف الجريمة.
سعيد مساعد المفتش، وله دور غير مباشر في انتقال أداة الجريمة إلى يد حسن في البداية، وفتيحة في النهاية. يقوم بدور مهم في بناء الجريمة الثانية دون قصد منه؛ إذ سيكون ضحية هو الآخر.
قاضي التحقيق الذي حضر من دون اسم شخصي بل، فقط، بوظيفته، وهو الذي سيمنح فرصة النجاة لفتيحة من تهمة القتل.
شخصيات قطاع الصحة، وهي:
لحسن الطبيب الرئيس، والمشرف على الحالة الصحية لحسن.
الدكتور سعاد أخصائية الأمراض النفسية والعقلية، ولها دور مهم في فك بعض الألغاز باعتماد تخصصها.
حسنان الممرضة الفاتنة.
حنان الممرضة الثانية.
فضلا عن وجود شخصيات أقل أهمية، وذات أدوار ثانوية، كالحماة، وسائق التاكسي، والشهود، والنادل، إلخ...
فما هي الحكاية؟
هي ككل القصص الزوجية التي تعيش حالة من البرودة تؤدي إلى الخيانة، والشك، ومن ثم البحث عن الانتقام.
سيقضي حسن لحظات متعة في قمة الجبل صحبة لمياء، وستعرف الزوجة ذلك من خلال بعض الناس، يساعدها في ذلك محسن ناقل الأخبار، وصديق الزوجين، وعشيق لمياء. ستتم ملاحقة سيارة حسن ولمياء بغاية معرفة ملابسات العلاقة بين الطرفين، وستوقف سيارة محسن سيارة حسن، وستشهد المنطقة فصول عراك بين فتيحة ولمياء ص170، ونزول حسن لإبعاد زوجته عن مرافقته، وحين سيشاهد محسن نزول حسن من سيارته سيهرب، وكذلك فعلت فتيحة، وستنطلق سيارة حسن بسرعة جنونية بفعل تأثير لمياء الواقعة تحت صدمة ألام المطرقة التي ضربتها بها فتيحة، لتسقط في جرف، فتكون نهايتها ودخول حسن في غيبوبة طويلة، سيشعر خلالها بفعل قوة عقله الباطن بكل ما يجري حوله، وسيطلق إشارات كهربائية تحذيرية، ترتبط بإيقاف الساعة عند رقم ثلاثة، وكان ذلك بمثابة لغز يطلب فكه؛ وهو ما ستقوم به سعاد اعتمادا على خبرتها في المجال، وسيكون ذلك عنصرا فعالا في إلقاء الضوء على الجريمة، حيث سيعتمد مفتش الشرطة عليه لمعرفة الجاني، وبالفعلل سينصب فخا لفتيحة ومحسن، وسينجح في انتشال اعتراف منهما يدينهما، لكن استعادة حسن لوعيه وإدلائه بشهادته سيمنحمها الخلاص، وكان ذلك بإضمار الرغبة في الانتقام منهما، بيد أن خطته لم تنجح، وتفوقت عليه فتيحة التي أودعت السيارة التي أقلت الزوج الجريح والمقيد والممرض المقتول الجرف العميق، وبذلك تخلصت منهما، وتخلصت من تهمة القتل العمد على يد قاضي التحقيق. مما يشي بأن الجريمة ظلت دون عقاب، وأن إعادة التوازن للمجتمع من الخطر بقيت معلقة إلى حين.
فما التقنيات التي وظفت في الرواية؟
سأقتصر على ذكر اثنتين؛ وهما: الحلم والوصف، مع الإشراة إلى التشبيه كتقنية بلاغية تروم تحقيق البعدين الفني والجمالي بغاية ترك أثر طيب في نفسية المتلقي.
الحلم:
اقترنت الأحلام كما الجنون بالفوضى والظلام والغموض والليل والخوف. ولعل هذا الاقتران هو ما دفع كتابا كثيرين لتوظيف الحلم في إبداعهم واستخدامه فنيا، بما يتيح لهم إعادة النّظر إلى مشاكل الواقع أو التّنبيه إلى عناصر الخطر، أو فك مغالق القضايا النفسية المعقدة.
وفي رواية "قمة الجبل" وظف الحلم كاستباق، وتنبؤ بالقادم، وبخاصة حلم مفتش الشرطة الذي يعيش حالة قلق جراء رغبته القوية في الإمساك بالجاني، وخاصة بعد إلحاح العميد بضرورة الإسراع في تحقيق ذلك. إنه في يعيش حالة ضغط مستمرة بين النجاح والفشل، هذا الصراع سيحول حلمه كابوسا لن يخرج منه إلا بعد سقوطه من على فراشه.
رأى في حلمه محسن يصارعه ويتغلب عليه ويسرق منه مسدسه رمز قوته وفحولته في الوقت نفسه، ويسطو على سيارته. هذا الصراع المفضي إلى الهزيمة سيكون إشارات استباقية لما سيقع له مع غريمه محسن لاحقا، إذ سيتغلب هذا الأخير عليه، ويفشل مخططاته، رغم أنه نجح في الإيقاع به، لكن محسن خرج سالما بعد تبرئة حسن له.
من هنا، يتبين أن تقنية الحلم كانت وسيلة لمعرفة ما يعتمل في نفسية الشخصية وفي الآن ذاته ما ستحمله الأيام القادمة من أحداث وتطورات. فالحلم هو أكثر آليات اللاوعي اشتغالا في حياة البشر، لهذا فحضورها المصاحب للشخصية الروائية، يبدو أمرا طبيعيا ومقبولا من ناحية، ومن الناحية الأخرى، فمادة الحلم هي نفسها مادة الإبداع. سواء على مستوى اللغة المجازية والرمزية، أو الطاقة التخيلية.
الوصف:
للوصف وظيفتان اثنتان، جمالية يقوم الوصف فيها بعمل تزييني، حيث يشكل استراحة وسط الأحداث، وتفسيرية تحمل إشارة رمزية دالة على معنى ما في سياق الأحداث الجارية.
بالنسبة للوظيفة الأولى هذا المقطع: "منظر البحر يبدو أمام ناظريه أبكما {كذا}على شكل بركة مترامية الأطراف تطفو على زرقته الداكنة طيور بيضاء تصبح ساكنة، مستكينة، يقابلها على الشاطئ بياض أمواج صغيرة متلاشية لأشبه ما تكون بأصابع عملاق نائم ترتعش بين فينة وفينة.
في الأفق تتراص متتابعة ومتعددة مراكب تجري قرب مدار الأفق أو نحوه كأنها قطار يسير فوق الماء لا يسمع له هدير يكاد لا يحرك ساكنا." ص180.
فالمنظر يرى بعيون حميد الذي ينتظر سعاد وينشد الهدوء، فجاء جميلا ومريحا للذهن والروح، وممتعا للعين والنفس. فضلا عن أنه أوقف تسلسل الأحداث برهة من الزمن تمكن حميد من استعادة توازنه النفسي، وهدوء باله.
أما الوظيفة الثانية فتتجلى في هذا المقتطف القصير الذي يصف شخصية الزوجة: "فتيحة تنتمي إلى فصيل من النساء المتسلطات اللواتي لن تعرف ما يجول بخاطرهن. تحملك مسؤولية جل المشاكل التي تتخبط فيها؛ مزاجها متقلب؛ لا تقبل المناقشة؛ لا تطرح الأسئلة ولا تجيب عنها أيضا." ص178
ويؤكد لحسن في كلامه البعد المتسلط في شخصيتة فتيحة: لن أنسى أبدا تصرفها بالمكتب. خبطت الباب كما لو أنني أعرفها وهي تعرفني منذ زمان. استنتجت بأنها زوجة متسلطة صعبة المراس." ص177.
وفي مثل هذه الأجواء، تكون العلاقة الاجتماعية المزيفة دائما مبنية على الاستغلال والصراع لأجل السيطرة.
ولا غرو أن تنتهي فصول الرواية بخروجها من مشهد الدم والقتل بريئة براءة الذئب من دم يعقوب. لقد تخلصت من المتنافسين معا؛ الزوج والعشيق.
تم اعتماد الأساليب البلاغية لخلق رواء أسلوبي للنص الروائي، وبغاية إمتاع القارئ، باعتماد التشبيه وسيلة فنية لتحقيق هذا الهدف، من ذلك قوله:
_ استدارت مرعوبة فلقيت نفسها بلا شعور تضمه الى صدرها كانها تحتمي بعمود خشبي كي لا تسقط... ص64.
_ عاودتها الرغبة مثل يوم ركبت السيارة الذاهبة الى المستشفى. ص116.
_ في الأفق تتراص متتابعة ومتعددة مراكب تجري قرب مدار الأفق أو نحوه كأنها قطار يسير فوق الماء... ص180.
تجدر الإشارة إلى تعفف الرواية في وصف العلاقات الجنسية فلم تعتمدها بشكل صريح، بل اعتمدت التعفف في التوظيف، وتشغيل الإيحاء بدل التصريح، كما تركت فجوات يملؤها القارئ بخياله.
https://www.facebook.com/hassan.alaoui.12382/posts/10217768362274755