مصطفى معروفي - شباب مبدع و نقد ساكت

لعل المواكب لتطورات الساحة الأدبية ومستجداتها في العالم العربي سيلاحظ بلا شك اكتظاظها بالمبدعين الشباب ، ولاشك كذلك أنه سيلاحظ أن فئة قليلة من هؤلاء الشباب هي التي تخوض غمار التجربة الأدبية بصبر وأناة اقتناعا منها بدور الإبداع وقدرته على المساهمة في تطوير وتنمية مختلف مجالات وجوانب الحياة. إلا أنه في مقابل هذه الوفرة من المواهب الشابة في ميدان الإبداع تبقى المتابعة النقدية لها غائبة عنها غير عابئة بها، أو هي في أحسن الأحوال متابعة ناقصة لا تفي بالغرض، وكأن الذي يقوله هؤلاء الشباب لاشئ او هو لا يستحق عناء المتابعة النقدية له.
هذا السلوك الذي لا نحبذه من طرف النقاد عمل على خلق خلط على مستوى التصور والفهم لدى مجموعة من المبدعين الشباب حيال الجنس الأدبي الذي يبدعون فيه ، حتى صار المرء يقرأ نصوصا مصنفة في خانة الشعر بينما هي في الحقيقة خواطر تلقائية لا تتوفر على عناصر الشعر ومقوماته والتي بدونها لا يكون الشعر شعرا، كما صار يقرأ القصة القصيرة وما هي بالقصة القصيرة في شئ لانعدام الخصائص والأسس التي ينبني عليها هذا الجنس الأدبي الجميل.. الخ.. الخ ... هذه الفوضى الخطيرة التي تسوق الأدب إلى مأزق صعب سببها موقف النقاد الذين يربأون بأنفسهم عن متابعة الإبداعات الشابة ، وإنارة الطريق أمام أصحابها كي يسيروا بخطى ثابتة وواثقة ، وكيلا يتكلموا حتى يعلموا ما يقولون.
بيد أنني إذا كنت لا أتفق شخصيا مع أحد على سكوت النقد هذا كيف ما كانت حججه وبراهينه فأنا أتفق مع الناقدة اللبنانية يمنى العيد التي ترى أن النص يولد وهو يحمل معه دعوة إلى النقد ، وأن الناقد حينما يشتغل على نص ما إنما هو يلبي دعوة النص إليه ، وأعتقد أن كل نص يحمل مثل هذه الدعوة ، إذ كل كتابة هي قابلة للنقاش ، إما أن تؤخذ وإما أن يرد على صاحبها.
إن النقد حينما لا يتلقى إبداعات الشباب بالأحضان لمساءلتها وتقويمها يخون الوظيفة التي أنيطت به، وأنه بسكوته يساهم في تكريس الوضع وتفاقمه وبالتالي تأزيمه ، وهذا ما لا يريده كل من له غيرة أو أدنى غيرة على الأدب العربي ويشعر بانتمائه إليه. ولو كان النقاد يعتقدون أن سكوتهم إنما هو احتجاج عما آل إليه الأدب من هبوط وإسفاف على يد بعض العابثين به والمتطفلين عليه فأعتقد أنهم خاطئون في موقفهم هذا ، وعليهم أن يراجعوا أنفسهم بخصوص هذا الأمر، و سيتوصلون إلى أن الموضوعية والإنصاف بقتضيان منهم الإنصات للشباب وتناول إبداعاتهم بالنقد ناصحين وهادين إلى سبل الرشاد.
وإذا فعلى النقاد أن يدعوا أنانيتهم جانبا ، ويستقبلوا إبداعات الشباب بالقراءة والتمحيص فهي واعدة بالعطاء الكثير ، وأنها ستضيف شيئا ذا قيمة إلى الأدب العربي في يوم ما، وليتذكر النقاد أنهم كانوا شبابا ، وأن البعض منهم في هذه اللحظة بالذات لايزال شابا ، وليعلموا أن سكوتهم المريب ليس في صالح الأدب تماما.
التفاعلات: نقوس المهدي

تعليقات

تحيات طيبات اخي السي مصطفى معروفي
اين نحن من نقود الازمنة الجميلة.. وادابها الرصين . فقد اضحى الادب سردا وشعرا في زمن النت لا يخضع لشروط اللغة وقوانينها واصبح التعدي على النحو والصرف والاملاء مشروعا في شريعة بعض الكتبة.. وحتى اذا تناولها احد بالنقد فانه يتغافل عن تلك الهنات.. وطه حسين حين اطلق وصف المتادبين الشباب على جيل ستينيات مصر احتج البعض منهم على تلك التسمية .. وهو يعني جيل ادوار الخراط وجمال الغيطاني ويوسف القعيد واحمد هاشم الشريف ويحيى الطاهر عبدالله ومحمد جبريل وغيرهم..
حين نقصد النقد فاننا نقصد ذلك النقد غير المجامل. فمجمل اانقد اصبح اخوانيا ومحابيا . وانطباعيا لا يتجاوز عتبات العنوان والغلاف ثم يضرب صفحا على النصوص.. علاوة. على ان جا المعلقين. عاى النصوص يقتصر على كلمات 1 دون ان يتجشم اهلها عناء قراءتها.. ابهكذا يمكننا ان نتقدم..
 
تحية طيبة لك الأستاذ المحترم السي المهدي،
مرة و أنا أجالس المرحوم القاص محمد زفزاف بأحد مقلهي الحبوس بالدار البيضاء قلت له لماذا لا يلتفت اتحاد كتاب المغرب إلينا ليشجعنا أعضاؤه على تحمل وعثاء طريق الأدب فقال لي بالحرف:من الأحسن أن لا يلتفتوا إليكم...لن يشجعوكم...و قد وجدت الرجل ملما بأدب الشباب،و حينما سألته أول مرة كيف عرفتني قال لي"العود مللي كيتحرق كيعطي الريحة"رحم الله السي محمد زفزاف.
كان الناقد يرفع درجة المبدع و يخفضها ،فنجيب العوفي عندما تحدث عن الشعراء الشباب راجع و بنيس و ثلة أخرى من الشعراء صار هؤلاء حديث المجالس أو المقاهي في ذلك الوقت ، و حينما بخس المجاطي(المطاعي كبور) الشاعر حسن الطريبق رأينا البعض كيف كان لا يعترف به شاعرا و كيف كان آخرون يتجنبون قراءته،مع أنه شاعر له بصمته في الميدان.
بإحدى دورات معرض الكتاب المستعمل حضرت بإحدى الخيمات (قراءة نقدية) لمجموعة شعرية،كان الناقد ما شاء الله عليه يكيل المديح للشاعر و كأن هذا الأخير متنبي زمانه ،و عندما انتهى ناقدنا سألت صديقي إدريس الملياني ما رأيك في القراءة فقال لي:
ـ ماذا تنتظر من قراءة فيها الشاعر كيخلص البيرة على الناقد...و معه حق.
أما الشعر و الكتابة الأدبية عموما في الأنترنت فذاك حديث ذو شجون ليس هذا مقامه.
دامت لك السلامة و العافية مولانا.
 
تحية اخي الغالي السي مصطفى

مرة سئل الشاعر احمد المجاطي ( المعداوي) . في حوار بجريدة الطريق المغربية عن الشعر و الشعراء المغاربة ، فاجاب استطيع ان انتظر سنة كاملة لاقرأ لوساط عبد القادر .. من ان أقرأ لشعراء يكتبون يوميا.. وعبد اقادر وساط أبو سلمى شاعر مجيد ومقل .. وشعر حسن الطريبق بيني وبينك لا يعجبني شعره .. فكيف يعجب شاعرا غير مجامل في وزن ومقام أحمد المجاطي الذي يصدر كلامه عن وعي نقدي ناضج ووازن..
وقد حصدت العديد من العداوات تطورت الى القطيعة حين تورطت في ابداء رأي بسيط حول نص او عمل ادبي .. لأن الكتاب مهما كان مستواهم يولدون اكابر عن أكابر .. وقلع ضرس اهون عليهم من تمس كلمة او حرف من نصوصهم.
وهناك العديد من الادباء المغاربة الذين كانوا يكتبون تحت اسماء مستعارة اتقاء النقد اللاذع الذي يلاحق خربشاتهم البكر .. مثل عبدالله العروي ( عبدالله الرافضي)، احمد المجاطي اجمد المعداوي و كبور المطاعي)، إدريس الناقوري ( البشير الوادنوني ) ، واختار ادريس الخوري اسمي ( ادريس علال ثم ادريس الكص )
ولم أجد انصف واعدي من العم بروخيس الذي كتب :
« كل مرة أقرأ فيها مقالاً ينتقدني أكون متفقا مع صاحبه، بل إنني أعتقد أنه كان بإمكاني أن أكتب أنا أحسن من ذلك المقال بنفسي. ولربما كان علي أن أنصح أعدائي المزعومين بأن يبعثوا إلي بانتقاداتهم، قبل نشرها، ضامنا لهم عوني ومساعدتي، وكم وددت أن أكتب باسم مستعار مقالا قاسيا عن نفسي».
• * من " الناقد ليس صيْرفيّاً " مقال للاستاذ عبدالسلام بنعبد العالي

محبات صديقي
 
التعديل الأخير:
تحية طيبة لك الأستاذ المحترم السي المهدي،
شكرا لك على إثراء النقاش الذي أجدك فيه دائما مع الموعد و أقول:
أحترم وجهة نظرك في الشاعر حسن الطريبق مع أنه في نظري أغمط في حقه بسبب الموقف الأيديولوجي الصرف ،فالرجل كانت له أيديولوجيته كما مانت للمجاطي أيديولوجيته ، و هما ايديولوجيتان متناقضان أو تكادان تكونان كذلك.فأنا كنت أقرأ نصوصه في العلم الثقافي و أقرأ نصوص آخرين في المحرر الثقافي كعماد الدين السعيد و محمد البقالي و المهدي أخريف و غيرهم فأجدها ذات نبرة هتافية لا أجدها عند الطريبق،
بالنسبة للأسماء المستعارة فقد كانت هذه الحالة متداولة بين الكتاب ،فعبد القادر الشاوي كان يكتب باسم مستعار هو توفيق الشاهد و الكاتبة زينب فهمي كانت تكتب باسم رفيقة الطبيعة...و أريد هنا أن أشير إلى حادثة" كنت شاهد عيان عليها و هي أن أحدهم أرسل نصا لجريدة مرموقة هو في الأصل لشاعر معروف كان ينشر في الملحق الثقافي لنفس الجريدة ،فما كان من ذلك النص إلا أن ظهر في صفحة على الطريق ( الإشارة متعمدة ) و هي صفحة خاصة بنصوص المبتدئين، فاستشاط صاحب النص الأصلي غضبا ،و من ثم بدأ الحديث عن مصداقية المحررين في الجريدة ،و قيل حينها لو أن النص أرسل باسم صاحبه لنشر في الملحق و لم ينشرفي صفحة الناشئة.
على ذكر بورخيس فأنا هذه الأيام قرأت كتابه الرائع This Craft of Verse و استمتعت به أيما استمتاع،و هو عبارة عن محاضرات ألقاها بورخيس باللغة الأنجليزية التي كان يتقنها إتقانا.لقد كان بورخيس رحمه الله ذا نظرة ثاقبة للشعر .
الحيات الزكيات مولانا.
 
نعم صديقي السي مصطفى اتذكر اشعار حسن الطريبق بالملحق الثقافي لجريدة العلم الذي يبقى اشهر واروع الملاحق الادبية بالعالم العربي على الاطلاق . اولا لمداومته لاكثر من نصف قرن ، وثانيا لتميزه ودودة منشوراته الادبية والفكرية . ومن الطبيعي ان تنشر الجريدة لأدباء الحزب ، فحسن الطريبق كان ينشر بغزارة في عقدي السبعينيات والثمانينات من القرن الماضي ثم سكت نهائيا كصوت شعري ، والامر ايضا مع أحمد المجاطي بجريدة المحرر حين كان يتكون من اربع صفحات وكنا نعتبر شعره تقدميا ويدافع عن قضية كنا نؤمن بها بعقد السبعينيات . أو هكذا كنا نتصور بفورة الشباب ، برغم انه مقل واشعاره لا تتعدى القصائد المنشورة بديوانه ، فيما كتب غيره أكثر من ديوان
وقد احببنا أشعاره هو و محمد الحبيب الفرقاني ، لكن المجاطي كان جريئا ومفضلا بسبب ثوريته ، و المشكل انه حين اصدر ديوانه الفروسية والذي اختار له ( الخمارة) كعنوان مبدئي أعدم كل الرموز الثورية التي كتب لها اشعاره .. ومقارنة مع نفس النصوص المنشورة بمجلة اقلام وجريدة المحرر ..
 
تحية طيبة لك صديقي المحترم السي المهدي،
أشكرك على التعقيب الجميل و أقول:
معك حق ،فحسن الطريبق كان غزير الانتاج و نظرا لأيديولوجيته فقد ماصبه الاشتراكيون العداء و أتذكر مشادته مع نجيب العوفي حين نعت هذا الأخير الدواوين الشعرية للطريبق بأنها كراسات منثورة هنا و هناك في الأكشاك كبعر الآرام،تبخيسا لها و تقزيما له كما كان يفعل عمي كبور بالضبط.
و أقولها شهادة لله بأن الملحق الثقافي للعلم كان ينشر لغير الأعضاء في الحزب و منهم عبد ربه هذا و عبد الله زريقة و محمد الشعرة و محمد الأشعري(أتذكر قصيدته الجميلة في ملحق العلم:معاناة الأميرة الأطلسية/نشرت في ديوانه الرائع:صهيل الخيل الجريحة)و آخرون...فقد كان المهم هو نشر الإبداع الهادف كما أسر لي صديقي العزيز نجيب خداري ذات يوم.
أما سكوت الطريبق كصوت شعري فلربما له أسبابه و دواعيه ليس منها التذمر بالضرورة كما حصل للبعض،و هنا أتذكر صديقي الرائع إدريس الملياني حين سكت كثيرا ،و لم يعد إلى الكتابة إلا بعد أن تدخل أصدقاؤه و منهم العبد الضعيف بعد أن كتبت محاولة نقدية لديوانه الجميل"في مدار الشمس رغم النفي" بأحد الملاحق الثقافية،و قرئت بأحد برامج إذاعة فاس.
بالنسبة للمجاطي فأنا أرى أنه جاء في فترة لم تكن تعج بالشعراء ـ كذا ـ كما هي عليه الحال الآن،فكنت تراه كأنه يغرد خارج السرب ،و من هنا جاء التهافت عليه من النقاد و من القراء معا،حتى قال عنه العوفي:"لا يمكن أن تدخل للشعر المغربي المعاصر إلا من بوابة أحمد المجاطي"،مع أن الخمار الكنوني مثلا كان لا يقل عنه شاعرية ، و ربما كان هذا مؤثرا في المجاطي نفسه.
للإشارة فقط فاسم الشاعر الذي أرسل نصه للجريدة باسم شخص آخر أعرف اسمه و أتذكر جيدا اسم الشخص المرسِل و تحفظت عن ذكرهما لأن المهم هو الحادثة ـ إن جاز التعبير ـ لا الأشخاص,
التحيات الزكيات مولانا.
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...