ولدت أنا غريكي يوم 14 مارس 1931 في مدينة منعة بباتنة ، أمضت جزءا كبيرا من طفولتها وشبابها في المنطقة. وقد كان والدها مدرسا. وحسب محمد مزاتي فإن الذين يعرفونها يؤكدون أنها كانت لا تستغني عن المأكولات والعادات والتقاليد الشاوية، وكانت تشارك أهل المنطقة أفراحهم وأحزانهم بفضل تشبعها بالثقافة الشاوية، بعد ذلك انتقلت إلى العاصمة، وأصبحت مناضلة في جبهة التحرير الوطني. اعتقلت عام 1957 من قبل مظليي ماسو، بسبب مساندتها للثورة التحريرية، وقد سجنت لمدة عامين في سجن بربروس وعمرها 26 سنة، حيث تعرضت للتعذيب، قبل أن يتم نفيها إلى فرنسا، لتعود مجددا إلى الجزائر بعد الاستقلال، وأكملت دراستها في العام 1965، حيث عملت مدرسة للغة الفرنسية في المدرسة الثانوية عبد القادر في الجزائر العاصمة. وفارقت الحياة سنة 1966
قصائد آنّا غريكي.. ترجمة: لميس سعيدي
الجزائر عاصمتها الجزائر
أسكن مدينة نقيّة جدًّا
حتّى أنّها سُمّيتْ الجزائر البيضاء
بيوتها المكسوّة بالكلس معلّقة
كشلاّل من قوالب سكّر
كقشور بيض مكسور
كحليب من نور الشّمس
كغسيل لامع استحال لونه أزرق
كقطعة دانتيل تربط بين طرفين
تمامًا في منتصف
الأزرق الكامل
لتفّاحة زرقاء
أدور حول نفسي
وأخفق هذا السكّر السماويّ الأزرق
وأخفق هذا الثلج البحري الأزرق
مشيّدة فوق ألف جزيرة مهزومة
مدينة جريئة، مدينة منطلقة
مدينة بحرية زرقاء، بحرية مالحة
مدينة في عرْض البحر، سريعة ومغامرة
تُدعى الجزاير
تماما كسفينة
من شركة «شارل لوبورن»
عمّي
من أصل فرنسي
ومنحدِرا من البرجوازيين الكبار
عمّي المصاب بالميثومانيا مات بطعنة
في شنغهاي وفي عِزّ شبابه
داخل باره الأمريكي
حيث كان يعيش مع يابانية حكيمة
ومجنونة بحبِّه
منتحلا شخصية رجل برازيلي
تَحكي هذه القصّة العائلية
في السّاحة المهترئة
لسجن «سركاجي»
في أحد أيام أغسطس المعطَّرة
التي نلج فيها البحر عراة
كأنّنا نلج المربّى
البحر الذي نشتمّه
على بعد خمسمائة متر
ونحن ننصت إلى قصصك العائلية
فتنفجر الأرض
ويُلغى الزمن
بطعنة
رسوخ
إلى أحمد إينال
كلّ شيء في مكانه
ها هم عشّاقي مطويّين داخل قلبي
وقلبي واثق كالأفق
صافحت يد الأصدقاء بحرارة مساكن الرّحّل. هذه طريقتي الخاصة لأحترق من الكبرياء
كلّ شيء في مكانه
ذهبُ عروقك الأزرق في نظراتي
في قمّة الجِبال الحاضنة
في الهواء الصّلب والصّبور كسِحلية
أنا الدّرب المستقيم للسّديم
في الغابات التي تفترس نفسها
تمشي في عينيّ لأرتاح
والتعب العاري يجرحه صمتُك
تجعل الأرض المدفونة في ذاكرتي تغنّي
حين أقتطع من صدري فضاء ألف عام.
وأنا أرحل، أزرع حضورك
مرساة طيبتك في أعماق الأحقاد
إنّه حقّ اللجوء في قلبك
وأمتلكك كما يفتح أحدُهم شرايينه
كلّ شيء في مكانه
لم أعد ذلك الشّخص الذي تُسكِره الشّمس
بثلوج من ضفّة أخرى
ألبس أمتعتي
تماما كجِلدي
وبينما أسهر
في ليل مفتوح على الجهة الصّافية لرمضان
في المدينة المثقلة بالفولاذ
ترتِّب أمي كتبي التي لا تستطيع قراءتها وتشيخ.
كلّ شيء في مكانه
بسبب لون السّماء
إلى أحمد إينال
متعجرفة كمراهقة
تشبه الحرّيّة
تشبه الحرّيّة كثيرًا
هذه السّماء الأكثر نعومة من عصفور
هذه السّماء النّاضجة التي تشعرني بغُصّة في الحلق – سماء سِنّ العشرين
التي ترغب في الذهاب عارية ومنتصرة كشتيمة –
غُصّة في الحلق حتّى أنّني لا أستطيع الكلام
– جسد محرَّم، جسد معطَّر، سماء لا ترحم –
غُصّة في الحلق ولا أستطيع حتّى أن أقول إلى أيّ حدّ
أنا حزينة بسبب لون السّماء
باسطة عضلاتها الحريريّة
تشبه السّلام
تشبه السّلام كثيرًا
هذه السّماء التي تحمل مائة رغبة
هذه السّماء المُسالمة
التي أرى فيها رجالا أحرارًا يتجوّلون
تحت ظلّ أشجار الكاليتوس
ونافورات تأتي إليها الخنازير البرّية لتشرب وهي مطمئنة
وإذا كانت عيناي في مواجهة الشمس
لأحدّق إلى هذه السّماء التي فقدت إيقاعها
فلأنّني حزينة بسب لون السّماء
قريبة حتّى أنّها تمدّ يدها
تشبه حبّي
تشبه حبّي كثيرا
هذه السّماء سهلة المنال
هذه السّماء البعيدة
التي تجعل قلبي يخفق – السّماء التي لم يصل إليها أحد
أعضّ شفتيّ وحدقتاي في عُرض البحر، في العينين –
قلبي يخفق كسمكة سلمون مرقَّط على الشّاطئ
مُكتنِزة بسماء قُطِّعت كالعشب
هذا القمح الطّازج
يجعل قلبي يخفق، حتّى أنني لم أعد أعرف
أنّني حزينة بسبب لون السّماء
مطَارَدة، مطعونة، حاضرة
تشبه بلدي
تشبه بلدي كثيرا
هذه السّماء المُضطهَدة
هذه السماء الزرقاء كالغضب، كظلِّ البحر
الأزرق المثابر يرفع رأسي – سماء مغذِّية
سماء مؤَكسَدة، سماء مديرة، سماء عنيدة
كعطر السّلام، الحرّيّة، الحبّ
رأسي مرفوع رغم ثِقل السُحُب
رأسي مرفوع ولم أقل أبدًا
أنّني حزينة بسبب لون السماء
الحياة
سيكون يوما شبيها بسائر الأيّام
صباحا مألوفا بأفراح معروفة
ومجرَّبة لأنّها يومية
واحدة من تلك الاستفاقات التي تتسكّع حتّى الحمّام
حتّى السيجارة الأولى بعد القهوة
والجريدة التي نعلِّق على أخبارها وتلطِّخ أيدينا بالحبر
كلّ الطقوس ستستعيد عافيتها
حركات رائقة تُحِلّ السّلام الذي استعدناه
وتبعث من جديد السّلام الذي فزنا به
حركات مليئة بالثّقة وبأسباب الوجود
تبدأ اليوم بشكل صحيح وبلا أخطاء جسيمة
حركات كائنات حرّة لا تفقد ذاكرتها
سنحرص على ترك المفتاح في الباب
وعلى أن يدخل الشّارعُ من النّافذة المفتوحة
الشّارع بأكمله، بشمسه وأطفاله
الشّارع الغنيّ بأصدقاء غرباء
وبمارّة أَخويين
سيكون بيتنا مفتوحا لمن يرغب فيه
لمن يحتاج إلى الدّفء ويشعر بالجوع
لكن علينا أن نشعر بالجوع وأن تكون عيوننا إلى الأبد نَهِمة
سيكون الفرح متوفِّرا لكننا لن ننسى ما حدث
لن نحتاج كثيرا إلى الكلام
سنكتفي بالحياة وسنكون قد تعلّمنا كيف نحياها.
قصائد آنّا غريكي.. ترجمة: لميس سعيدي
الجزائر عاصمتها الجزائر
أسكن مدينة نقيّة جدًّا
حتّى أنّها سُمّيتْ الجزائر البيضاء
بيوتها المكسوّة بالكلس معلّقة
كشلاّل من قوالب سكّر
كقشور بيض مكسور
كحليب من نور الشّمس
كغسيل لامع استحال لونه أزرق
كقطعة دانتيل تربط بين طرفين
تمامًا في منتصف
الأزرق الكامل
لتفّاحة زرقاء
أدور حول نفسي
وأخفق هذا السكّر السماويّ الأزرق
وأخفق هذا الثلج البحري الأزرق
مشيّدة فوق ألف جزيرة مهزومة
مدينة جريئة، مدينة منطلقة
مدينة بحرية زرقاء، بحرية مالحة
مدينة في عرْض البحر، سريعة ومغامرة
تُدعى الجزاير
تماما كسفينة
من شركة «شارل لوبورن»
عمّي
من أصل فرنسي
ومنحدِرا من البرجوازيين الكبار
عمّي المصاب بالميثومانيا مات بطعنة
في شنغهاي وفي عِزّ شبابه
داخل باره الأمريكي
حيث كان يعيش مع يابانية حكيمة
ومجنونة بحبِّه
منتحلا شخصية رجل برازيلي
تَحكي هذه القصّة العائلية
في السّاحة المهترئة
لسجن «سركاجي»
في أحد أيام أغسطس المعطَّرة
التي نلج فيها البحر عراة
كأنّنا نلج المربّى
البحر الذي نشتمّه
على بعد خمسمائة متر
ونحن ننصت إلى قصصك العائلية
فتنفجر الأرض
ويُلغى الزمن
بطعنة
رسوخ
إلى أحمد إينال
كلّ شيء في مكانه
ها هم عشّاقي مطويّين داخل قلبي
وقلبي واثق كالأفق
صافحت يد الأصدقاء بحرارة مساكن الرّحّل. هذه طريقتي الخاصة لأحترق من الكبرياء
كلّ شيء في مكانه
ذهبُ عروقك الأزرق في نظراتي
في قمّة الجِبال الحاضنة
في الهواء الصّلب والصّبور كسِحلية
أنا الدّرب المستقيم للسّديم
في الغابات التي تفترس نفسها
تمشي في عينيّ لأرتاح
والتعب العاري يجرحه صمتُك
تجعل الأرض المدفونة في ذاكرتي تغنّي
حين أقتطع من صدري فضاء ألف عام.
وأنا أرحل، أزرع حضورك
مرساة طيبتك في أعماق الأحقاد
إنّه حقّ اللجوء في قلبك
وأمتلكك كما يفتح أحدُهم شرايينه
كلّ شيء في مكانه
لم أعد ذلك الشّخص الذي تُسكِره الشّمس
بثلوج من ضفّة أخرى
ألبس أمتعتي
تماما كجِلدي
وبينما أسهر
في ليل مفتوح على الجهة الصّافية لرمضان
في المدينة المثقلة بالفولاذ
ترتِّب أمي كتبي التي لا تستطيع قراءتها وتشيخ.
كلّ شيء في مكانه
بسبب لون السّماء
إلى أحمد إينال
متعجرفة كمراهقة
تشبه الحرّيّة
تشبه الحرّيّة كثيرًا
هذه السّماء الأكثر نعومة من عصفور
هذه السّماء النّاضجة التي تشعرني بغُصّة في الحلق – سماء سِنّ العشرين
التي ترغب في الذهاب عارية ومنتصرة كشتيمة –
غُصّة في الحلق حتّى أنّني لا أستطيع الكلام
– جسد محرَّم، جسد معطَّر، سماء لا ترحم –
غُصّة في الحلق ولا أستطيع حتّى أن أقول إلى أيّ حدّ
أنا حزينة بسبب لون السّماء
باسطة عضلاتها الحريريّة
تشبه السّلام
تشبه السّلام كثيرًا
هذه السّماء التي تحمل مائة رغبة
هذه السّماء المُسالمة
التي أرى فيها رجالا أحرارًا يتجوّلون
تحت ظلّ أشجار الكاليتوس
ونافورات تأتي إليها الخنازير البرّية لتشرب وهي مطمئنة
وإذا كانت عيناي في مواجهة الشمس
لأحدّق إلى هذه السّماء التي فقدت إيقاعها
فلأنّني حزينة بسب لون السّماء
قريبة حتّى أنّها تمدّ يدها
تشبه حبّي
تشبه حبّي كثيرا
هذه السّماء سهلة المنال
هذه السّماء البعيدة
التي تجعل قلبي يخفق – السّماء التي لم يصل إليها أحد
أعضّ شفتيّ وحدقتاي في عُرض البحر، في العينين –
قلبي يخفق كسمكة سلمون مرقَّط على الشّاطئ
مُكتنِزة بسماء قُطِّعت كالعشب
هذا القمح الطّازج
يجعل قلبي يخفق، حتّى أنني لم أعد أعرف
أنّني حزينة بسبب لون السّماء
مطَارَدة، مطعونة، حاضرة
تشبه بلدي
تشبه بلدي كثيرا
هذه السّماء المُضطهَدة
هذه السماء الزرقاء كالغضب، كظلِّ البحر
الأزرق المثابر يرفع رأسي – سماء مغذِّية
سماء مؤَكسَدة، سماء مديرة، سماء عنيدة
كعطر السّلام، الحرّيّة، الحبّ
رأسي مرفوع رغم ثِقل السُحُب
رأسي مرفوع ولم أقل أبدًا
أنّني حزينة بسبب لون السماء
الحياة
سيكون يوما شبيها بسائر الأيّام
صباحا مألوفا بأفراح معروفة
ومجرَّبة لأنّها يومية
واحدة من تلك الاستفاقات التي تتسكّع حتّى الحمّام
حتّى السيجارة الأولى بعد القهوة
والجريدة التي نعلِّق على أخبارها وتلطِّخ أيدينا بالحبر
كلّ الطقوس ستستعيد عافيتها
حركات رائقة تُحِلّ السّلام الذي استعدناه
وتبعث من جديد السّلام الذي فزنا به
حركات مليئة بالثّقة وبأسباب الوجود
تبدأ اليوم بشكل صحيح وبلا أخطاء جسيمة
حركات كائنات حرّة لا تفقد ذاكرتها
سنحرص على ترك المفتاح في الباب
وعلى أن يدخل الشّارعُ من النّافذة المفتوحة
الشّارع بأكمله، بشمسه وأطفاله
الشّارع الغنيّ بأصدقاء غرباء
وبمارّة أَخويين
سيكون بيتنا مفتوحا لمن يرغب فيه
لمن يحتاج إلى الدّفء ويشعر بالجوع
لكن علينا أن نشعر بالجوع وأن تكون عيوننا إلى الأبد نَهِمة
سيكون الفرح متوفِّرا لكننا لن ننسى ما حدث
لن نحتاج كثيرا إلى الكلام
سنكتفي بالحياة وسنكون قد تعلّمنا كيف نحياها.