كتب – جعفر الديري
قال المفكر المصري سيد أحمد القمني: ان التقدم عندنا ليس حريات وعمليات استكشاف عقلي وعلمي، بل تحول ومع انتكاستنا الى طقس سحري ينتج الشبيه فيه الشبيه.
وأضاف القمني -خلال محاضرته في مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث مساء الاثنين 17 يناير/ كانون الثاني 2005: نحن اليوم ولأول مرة منذ قرون طويلة نصبح في بطن الحوادث العالمية، قبل ذلك كان يقال لنا في الزمن القومجي إن هناك مؤامرة كونية ضدنا وأن العالم يسهر لياليه يحيك لنا المؤامرات حتى حكناها نحن - فقتلت الميليشيات الإسلامية ودمرت ووضعت العالم الإسلامي لأول مرة منذ قرون على خريطة الحدث والفعل الساخن -. وهنا أصبحنا نعرف موقفنا في العير وفي النفير.
في بطن الحوادث
نحن الآن في بطن الحوادث وشرط التغيير المقبل في العالم. أما ان تتغير خرائط وإما أن تتغير جغرافيا فتزول أوطان وتنشأ أوطان، تقوم ثقافات وتذهب ثقافات. فإن تركنا الأمر لمن لا نعرفهم والذين قاموا فعلا والذين مازالوا يقومون به فلن نخسرهم لكن الفعل الذي يأتون به سيعكس علينا مواطنين دولا وأفرادا. فاذا ما تركنا هذا الأمر على ما هو عليه فمؤكد أن خريطتنا ستتغير سلبا وليس إيجابا. من هنا لابد وأن ندخل الآن وبكل قوة إلى مساحة الفعل الآتي كل بحسب ميدانه وبحسب ما يعلم وبحسب ما يستطيع.
وتابع القمني: الآن فجأة يكتشف المسلمون أن هناك قطيعة واضحة في الحوار بينهم وبين العالم، إن لغة التفاهم تكاد تكون مقطوعة لا نحن نفهمهم ولا هم يفهمون ما نريد أو ما نقول وأنا أقصد بالعالم اليوم ذلك العالم المتقدم الحر ومعه بقية دول العالم لأن العالم أصبح في جانب ونحن في جانب آخر. إن الحوار يتطلب لغة حاملة لهذا الحوار، مفهومة لطرفيه بالمعنى نفسه وبالدرجة نفسها وبالدقة نفسها. ذلك أن كل الكائنات لها لغات، فهناك لغة الروائح وهناك لغة الألوان، هناك لغة الصوت وهناك لغة الحركة، غير أن لدينا الآن مشكلة عويصة في التعامل مع العالم بعد أن غبنا عنه قرونا طويلة. فعندما يتم الحوار بين الكائنات يتم من باب حفظ النوع، ومن المفترض أن اللغة بالنسبة إلى الإنسان أرقى من ذلك، فهي صانعة التاريخ والحضارة وهي وعاء ذاكرته. لكن عندما تصبح اللغة عائقا من أجل استمرارنا في الوجود، فتكون هنا مصيبة كبرى في لغز بسيط يتعلق بكيفية تحدثنا وكيفية تفكيرنا. لأن الكلمة هي وعاء الفكرة التي تنقل للناس. والبلاغة عند العرب من القدرة على تبليغ المعنى، بحيث يصلك المعنى نفسه الذي أفكر فيه بالضبط. فاللغة أخرجت الإنسان من الغابة وحولته من البداوة إلى الحضارة لأنها كائن حي يتطور بتطوره ويتطور هو بتطورها. فهناك علاقة جدلية بين اللغة حاملة الفكر وبين الفكر وبين الإنسان. وهنا لابد أن نعترف بأن المسلين توقفوا في الأقرب عند عشرة قرون مضت.
دلالات مفرداتنا لم تتغير
ومشيرا إلى أهمية اللغة وافتقارها في هذا الجانب، قال القمني: ان اللغة في العالم كله بفعل حداثة وصناعة اكتسبت مفرداتها دلالات جديدة، بينما مفردات دلالاتنا كما هي لم تتطور مع الزمن مع ما نزعمه من قدسية لغتنا التي تتميز عن كل لغات العالم بأنها "لغة أبينا آدم في الجنة وأنها لغة الحساب يوم القيامة" ومثل تلك التصورات التي تقدس كل ما يخصنا حتى الكلام وهو ما أدى الى اختلاف فارق في المعاني والدلالات، فأصبح معجمنا اللغوي لا علاقة له بمعجم هذه الألفاظ نفسها في عالم اليوم. فقد حنطنا اللغة مع ما حنطناه من بقية ما نعتقده ضمن ملف مقدس لا يصح الاقتراب منه لذلك اختلفت بيننا وبين العالم مفردات كثيرة جدا مثل ما مفهوم التقدم وما مفهوم التخلف؟! ما هو مفهوم العلم وما مفهوم الخرافة؟! ما هو مفهومي كإنسان وما هو حق المرأة؟! ما معنى الديمقراطية لدينا وكيف نقيسها على معناها الغربي اليوم؟! ما معنى الانفتاح وما معنى التعصب؟! فاللغة لدينا مرتبطة أيضا بمأثور يحيط بها لا يسمح لها بتبديل دلالات اللفظ لارتباطه بشكل مقدس لدينا.
وضاربا مثلا على هذا الافتقار في الدلالات قال المفكر المصري: سأضرب مثلا على ذلك يتعلق بمعنى التقدم والتخلف. فالتقدم في مفاهيم عالم اليوم وكل دلالات المعنى هو الأخذ بالحداثة والمنهج العلمي في التفسير والليبرالية الحقوقية والسياسية سبيلا لإيجاد مناخ يسمح بحرية الإبداع والكشف والاختراع ومن ثم التقدم وهذا تحديدا هو التخلف عينه لأن التقدم عندنا هو العودة إلى الوراء ألف وأربعمئة عام استنادا للحديث الشريف: خير القرون قرني فالذي يليه فالذي يليه. إن الإصرار على هذه المعاني لا يلتفت إلى أن التاريخ لم يثبت مرة واحدة ان التقدم كان ثمرة الصلاة والدعوات إطلاقا، فالصلاة تغفر الذنوب، والدعاء قد يطهر الروح لكن التقدم لا يأتي بصلاة ودعاء لآن ذلك لو كان صحيحا لكان السلف الصالح هم الحق بالكشف واختراع الصواريخ والقنبلة الذرية والمضادات الحيوية لأنهم كانوا الأكثر صلاحا والأشد دعاء.
________________________________________
صحيفة الوسط البحرينية
العدد : 867 | الأربعاء 19 يناير 2005م الموافق 06 ذي الحجة 1440هـ
قال المفكر المصري سيد أحمد القمني: ان التقدم عندنا ليس حريات وعمليات استكشاف عقلي وعلمي، بل تحول ومع انتكاستنا الى طقس سحري ينتج الشبيه فيه الشبيه.
وأضاف القمني -خلال محاضرته في مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث مساء الاثنين 17 يناير/ كانون الثاني 2005: نحن اليوم ولأول مرة منذ قرون طويلة نصبح في بطن الحوادث العالمية، قبل ذلك كان يقال لنا في الزمن القومجي إن هناك مؤامرة كونية ضدنا وأن العالم يسهر لياليه يحيك لنا المؤامرات حتى حكناها نحن - فقتلت الميليشيات الإسلامية ودمرت ووضعت العالم الإسلامي لأول مرة منذ قرون على خريطة الحدث والفعل الساخن -. وهنا أصبحنا نعرف موقفنا في العير وفي النفير.
في بطن الحوادث
نحن الآن في بطن الحوادث وشرط التغيير المقبل في العالم. أما ان تتغير خرائط وإما أن تتغير جغرافيا فتزول أوطان وتنشأ أوطان، تقوم ثقافات وتذهب ثقافات. فإن تركنا الأمر لمن لا نعرفهم والذين قاموا فعلا والذين مازالوا يقومون به فلن نخسرهم لكن الفعل الذي يأتون به سيعكس علينا مواطنين دولا وأفرادا. فاذا ما تركنا هذا الأمر على ما هو عليه فمؤكد أن خريطتنا ستتغير سلبا وليس إيجابا. من هنا لابد وأن ندخل الآن وبكل قوة إلى مساحة الفعل الآتي كل بحسب ميدانه وبحسب ما يعلم وبحسب ما يستطيع.
وتابع القمني: الآن فجأة يكتشف المسلمون أن هناك قطيعة واضحة في الحوار بينهم وبين العالم، إن لغة التفاهم تكاد تكون مقطوعة لا نحن نفهمهم ولا هم يفهمون ما نريد أو ما نقول وأنا أقصد بالعالم اليوم ذلك العالم المتقدم الحر ومعه بقية دول العالم لأن العالم أصبح في جانب ونحن في جانب آخر. إن الحوار يتطلب لغة حاملة لهذا الحوار، مفهومة لطرفيه بالمعنى نفسه وبالدرجة نفسها وبالدقة نفسها. ذلك أن كل الكائنات لها لغات، فهناك لغة الروائح وهناك لغة الألوان، هناك لغة الصوت وهناك لغة الحركة، غير أن لدينا الآن مشكلة عويصة في التعامل مع العالم بعد أن غبنا عنه قرونا طويلة. فعندما يتم الحوار بين الكائنات يتم من باب حفظ النوع، ومن المفترض أن اللغة بالنسبة إلى الإنسان أرقى من ذلك، فهي صانعة التاريخ والحضارة وهي وعاء ذاكرته. لكن عندما تصبح اللغة عائقا من أجل استمرارنا في الوجود، فتكون هنا مصيبة كبرى في لغز بسيط يتعلق بكيفية تحدثنا وكيفية تفكيرنا. لأن الكلمة هي وعاء الفكرة التي تنقل للناس. والبلاغة عند العرب من القدرة على تبليغ المعنى، بحيث يصلك المعنى نفسه الذي أفكر فيه بالضبط. فاللغة أخرجت الإنسان من الغابة وحولته من البداوة إلى الحضارة لأنها كائن حي يتطور بتطوره ويتطور هو بتطورها. فهناك علاقة جدلية بين اللغة حاملة الفكر وبين الفكر وبين الإنسان. وهنا لابد أن نعترف بأن المسلين توقفوا في الأقرب عند عشرة قرون مضت.
دلالات مفرداتنا لم تتغير
ومشيرا إلى أهمية اللغة وافتقارها في هذا الجانب، قال القمني: ان اللغة في العالم كله بفعل حداثة وصناعة اكتسبت مفرداتها دلالات جديدة، بينما مفردات دلالاتنا كما هي لم تتطور مع الزمن مع ما نزعمه من قدسية لغتنا التي تتميز عن كل لغات العالم بأنها "لغة أبينا آدم في الجنة وأنها لغة الحساب يوم القيامة" ومثل تلك التصورات التي تقدس كل ما يخصنا حتى الكلام وهو ما أدى الى اختلاف فارق في المعاني والدلالات، فأصبح معجمنا اللغوي لا علاقة له بمعجم هذه الألفاظ نفسها في عالم اليوم. فقد حنطنا اللغة مع ما حنطناه من بقية ما نعتقده ضمن ملف مقدس لا يصح الاقتراب منه لذلك اختلفت بيننا وبين العالم مفردات كثيرة جدا مثل ما مفهوم التقدم وما مفهوم التخلف؟! ما هو مفهوم العلم وما مفهوم الخرافة؟! ما هو مفهومي كإنسان وما هو حق المرأة؟! ما معنى الديمقراطية لدينا وكيف نقيسها على معناها الغربي اليوم؟! ما معنى الانفتاح وما معنى التعصب؟! فاللغة لدينا مرتبطة أيضا بمأثور يحيط بها لا يسمح لها بتبديل دلالات اللفظ لارتباطه بشكل مقدس لدينا.
وضاربا مثلا على هذا الافتقار في الدلالات قال المفكر المصري: سأضرب مثلا على ذلك يتعلق بمعنى التقدم والتخلف. فالتقدم في مفاهيم عالم اليوم وكل دلالات المعنى هو الأخذ بالحداثة والمنهج العلمي في التفسير والليبرالية الحقوقية والسياسية سبيلا لإيجاد مناخ يسمح بحرية الإبداع والكشف والاختراع ومن ثم التقدم وهذا تحديدا هو التخلف عينه لأن التقدم عندنا هو العودة إلى الوراء ألف وأربعمئة عام استنادا للحديث الشريف: خير القرون قرني فالذي يليه فالذي يليه. إن الإصرار على هذه المعاني لا يلتفت إلى أن التاريخ لم يثبت مرة واحدة ان التقدم كان ثمرة الصلاة والدعوات إطلاقا، فالصلاة تغفر الذنوب، والدعاء قد يطهر الروح لكن التقدم لا يأتي بصلاة ودعاء لآن ذلك لو كان صحيحا لكان السلف الصالح هم الحق بالكشف واختراع الصواريخ والقنبلة الذرية والمضادات الحيوية لأنهم كانوا الأكثر صلاحا والأشد دعاء.
________________________________________
صحيفة الوسط البحرينية
العدد : 867 | الأربعاء 19 يناير 2005م الموافق 06 ذي الحجة 1440هـ