كتب – جعفر الديري
(حقوق المرأة السياسية والحاجة إلى حركة تصحيحية) كتيب أصدره المجلس الأعلى للمرأة في مملكة البحرين ويضم بحثين لرئيس محكمة الاستئناف العليا الشرعية الجعفرية الدكتور الشيخ حميد المبارك والأستاذ المساعد في كلية الآداب بجامعة البحرين الدكتور أحمد العطاوي، في موضوع الحقوق السياسية للمرأة في الإسلام.
تطرقت ورقة المبارك إلى عدة محاور: المحور الأول علاقة الدين بالعادات، المحور الثاني مكانة المرأة في الصدر الإسلامي الأول، المحور الثالث المرأة والقوانين الحالية في العالم الإسلامي.
على أن أبرز ما عرضت له ورقة المبارك هو موضوع المرأة وتولي الموقع السياسي، حيث إشكالات كثيرة أثارها بعض المعارضين لتولي المرأة الشأن السياسي.
حول إشكال البعض من أنه لو كان تولي المرأة واشتراكها في العمل السياسي المباشر مشروعاً لرأينا مشاركة المرأة في صدر الإسلام، أوضح المبارك أن هذا الاشكال غفل أو تغافل حقيقة أن المرأة في صدر الإسلام كانت تشارك في العمل السياسي، لكن بالنحو الذي كان ينسجم مع شكل المجتمع ومؤسساته وأعرافه السائدة وطرائق التعبير عن الرأي فيه، وبحسب تأهل المرأة على المستوى الثقافي العملي، تأثرا بالتراكم التاريخي.
وبخصوص الإشكال الثاني من أن إجماع الأمة قائم على عدم جواز تولي المرأة الأمور السياسية، قال المبارك إن المسألة غير محررة في كلمات الكثير من الفقهاء القدماء من الفريقين، بل من الفقهاء من جواز تولية المرأة صريحا. وذكر أن ابن حزم في المحلى قال : «وجائز أن تلي المرأة الحكم» وهو قول أبي حنيفة في الجملة. وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه ولى الشفاء - وهي امراة من قومه - السوق.
وحول استدلال البعض بآية القوامة وهو قوله تعالى «الرجال قوّامون على النساء» (النساء: 34) فلهن قوامية الولاية والسياسة، ذكر المبارك أن القوامة في الآية خاصة بالزواج، وذلك بدليل سياق الآية وهو قوله تعالى «بما أنفقو» (النساء: 34) كما أنه لا دليل على كون القوامية فيها بمعنى الولاية والتسلط فقد صرح علماء اللغة بأن القوامة لا ينحصر معناها بالولاية والسياسة بمعنى سلطة الأمر والنهي، بل تأتي بمعنى الاصلاح والرعاية والكفالة.
أما بشأن الاستدلال بأن تولي المرأة للأمر السياسي فيه خروج المرأة من بيتها واختلاطها بالرجال قال المبارك إن التاريخ الإسلامي حافل باشتراك المرأة في الأمور السياسية وقد ترك النبي (ص) النساء يحضرن معه الجمعة والجماعة والجهاد، ولم يقطع في حديث مقطوع بصحته أنه نصحهن بالبقاء في البيوت وترك المشاركة في الأمور الدينية والدنيوية.
وخلص المبارك في ورقته البحثية الى أن ما جرى عليه العرف في مساحة كبيرة من التاريخ الإسلامي لا يعبر بالضرورة عن حقيقة الدين، بل إن المتتبع للنصوص الدينية والشواهد التاريخية يجد العكس، وعلاقة الدين بالسائد المتعارف ليست بالضرورة علاقة تقديس وحراسة مطلقة بل هي في مساحة واسعة علاقة نقد وتصحيح وخروج على السائد المتعارف في مساحة واسعة منه.
وأكد أن وضع المرأة في واقعنا بحاجة الى حركة تصحيحية على كل المستويات وفصل الدين عن التقاليد الموروثة التي صنعتها أوهام البشر طيلة عصور انحطاط الحضارة الإسلامية، والتي تريد بالمرأة الازواء والانقاص وتحويلها الى كائن معوق وحبسها في سجن القصور والجهل وذوبان الشخصية، وكذلك يلزم مقاومة التقاليد الوافدة مع الاستعمار الثقافي الغربي التي تريد لها نبذ الحشمة والأخلاق وتحولها الى فتنة دهماء تنشر الاثم وتبيح المحارم.
أما د. أحمد العطاوي فتطرق إلى مجموعة من المحاور مثل الشراكة المجتمعية بين الجنسين في المجتمع الإسلامي الأول. وأوضح أن النصوص الشرعية أكدت أن بناء المجتمع الإسلامي المنشود واصلاحه لا يتم الا بالمشاركة بين الجنسين معا، سواء كان الاصلاح متعلقا بالأفراد وعلاقة بعضهم ببعض، أو متعلقا بعلاقة الأفراد بحكوماتهم وسياستها.
وضرب أمثلة حية للمشاركة المجتمعية حين ذكر أن البحث في السيرة النبوية يدلل على أنه لا يوجد أي تفريق بين الرجل والمرأة في أي من شئون الحياة، بل إن المشاركة بينهما بدأت منذ اليوم الأول لبعثة النبي (ص).
وتساءل العطاوي: هل أن العمل السياسي داخل في المشاركة المجتمعية؟ وأجاب: إن حدود المشاركة السياسية إن الإسلام في عصره الأول أشرك المرأة في مجالات عدة من مجالات السياسة، الا أن هناك نصوصا أخرى بينت لنا أن هناك منصبا واحدا هو خاص بالرجال فقط، وهو الولاية العظمى أو الخلافة التي تقابل رئاسة الدولة في المصطلح الحديث.
وعن العضوية في مجلس الشورى بين العطاوي أن العلماء منقسمون في هذه المسألة الى فريقين: الأول منعها لأنه رأى أنها من ضمن الولايات العامة الخاصة بالرجال، والثاني رأى أن أهم ما تتطلبه عضوية هذين المجلسين هو مستوى التفكير بغض النظر عن جنس هذا العضو رجلا كان أو امرأة.
وقال إن مشاركة المرأة بالانتخاب هو أمر مختلف عليه أيضا فالفريق الأول حرّمه، كما صدر ذلك في فتوى قديمة للأزهر الشريف، أما الفريق الآخر فقد أجازه لما رأى فيه من تشابه مع الشهادة، ومن الأمور المتفق عليها أن شهادة المرأة مقبولة في العموم.
وخلص الباحث الى أنه لم يجد من النصوص الشرعية الثابتة ما يمنع من مشاركة المرأة في الأمور السياسية، ومن أهمها العضوية في مجلس الشورى والبرلمان انتخابا وترشحا.
الخميس 02 مارس 2006
(حقوق المرأة السياسية والحاجة إلى حركة تصحيحية) كتيب أصدره المجلس الأعلى للمرأة في مملكة البحرين ويضم بحثين لرئيس محكمة الاستئناف العليا الشرعية الجعفرية الدكتور الشيخ حميد المبارك والأستاذ المساعد في كلية الآداب بجامعة البحرين الدكتور أحمد العطاوي، في موضوع الحقوق السياسية للمرأة في الإسلام.
تطرقت ورقة المبارك إلى عدة محاور: المحور الأول علاقة الدين بالعادات، المحور الثاني مكانة المرأة في الصدر الإسلامي الأول، المحور الثالث المرأة والقوانين الحالية في العالم الإسلامي.
على أن أبرز ما عرضت له ورقة المبارك هو موضوع المرأة وتولي الموقع السياسي، حيث إشكالات كثيرة أثارها بعض المعارضين لتولي المرأة الشأن السياسي.
حول إشكال البعض من أنه لو كان تولي المرأة واشتراكها في العمل السياسي المباشر مشروعاً لرأينا مشاركة المرأة في صدر الإسلام، أوضح المبارك أن هذا الاشكال غفل أو تغافل حقيقة أن المرأة في صدر الإسلام كانت تشارك في العمل السياسي، لكن بالنحو الذي كان ينسجم مع شكل المجتمع ومؤسساته وأعرافه السائدة وطرائق التعبير عن الرأي فيه، وبحسب تأهل المرأة على المستوى الثقافي العملي، تأثرا بالتراكم التاريخي.
وبخصوص الإشكال الثاني من أن إجماع الأمة قائم على عدم جواز تولي المرأة الأمور السياسية، قال المبارك إن المسألة غير محررة في كلمات الكثير من الفقهاء القدماء من الفريقين، بل من الفقهاء من جواز تولية المرأة صريحا. وذكر أن ابن حزم في المحلى قال : «وجائز أن تلي المرأة الحكم» وهو قول أبي حنيفة في الجملة. وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه ولى الشفاء - وهي امراة من قومه - السوق.
وحول استدلال البعض بآية القوامة وهو قوله تعالى «الرجال قوّامون على النساء» (النساء: 34) فلهن قوامية الولاية والسياسة، ذكر المبارك أن القوامة في الآية خاصة بالزواج، وذلك بدليل سياق الآية وهو قوله تعالى «بما أنفقو» (النساء: 34) كما أنه لا دليل على كون القوامية فيها بمعنى الولاية والتسلط فقد صرح علماء اللغة بأن القوامة لا ينحصر معناها بالولاية والسياسة بمعنى سلطة الأمر والنهي، بل تأتي بمعنى الاصلاح والرعاية والكفالة.
أما بشأن الاستدلال بأن تولي المرأة للأمر السياسي فيه خروج المرأة من بيتها واختلاطها بالرجال قال المبارك إن التاريخ الإسلامي حافل باشتراك المرأة في الأمور السياسية وقد ترك النبي (ص) النساء يحضرن معه الجمعة والجماعة والجهاد، ولم يقطع في حديث مقطوع بصحته أنه نصحهن بالبقاء في البيوت وترك المشاركة في الأمور الدينية والدنيوية.
وخلص المبارك في ورقته البحثية الى أن ما جرى عليه العرف في مساحة كبيرة من التاريخ الإسلامي لا يعبر بالضرورة عن حقيقة الدين، بل إن المتتبع للنصوص الدينية والشواهد التاريخية يجد العكس، وعلاقة الدين بالسائد المتعارف ليست بالضرورة علاقة تقديس وحراسة مطلقة بل هي في مساحة واسعة علاقة نقد وتصحيح وخروج على السائد المتعارف في مساحة واسعة منه.
وأكد أن وضع المرأة في واقعنا بحاجة الى حركة تصحيحية على كل المستويات وفصل الدين عن التقاليد الموروثة التي صنعتها أوهام البشر طيلة عصور انحطاط الحضارة الإسلامية، والتي تريد بالمرأة الازواء والانقاص وتحويلها الى كائن معوق وحبسها في سجن القصور والجهل وذوبان الشخصية، وكذلك يلزم مقاومة التقاليد الوافدة مع الاستعمار الثقافي الغربي التي تريد لها نبذ الحشمة والأخلاق وتحولها الى فتنة دهماء تنشر الاثم وتبيح المحارم.
أما د. أحمد العطاوي فتطرق إلى مجموعة من المحاور مثل الشراكة المجتمعية بين الجنسين في المجتمع الإسلامي الأول. وأوضح أن النصوص الشرعية أكدت أن بناء المجتمع الإسلامي المنشود واصلاحه لا يتم الا بالمشاركة بين الجنسين معا، سواء كان الاصلاح متعلقا بالأفراد وعلاقة بعضهم ببعض، أو متعلقا بعلاقة الأفراد بحكوماتهم وسياستها.
وضرب أمثلة حية للمشاركة المجتمعية حين ذكر أن البحث في السيرة النبوية يدلل على أنه لا يوجد أي تفريق بين الرجل والمرأة في أي من شئون الحياة، بل إن المشاركة بينهما بدأت منذ اليوم الأول لبعثة النبي (ص).
وتساءل العطاوي: هل أن العمل السياسي داخل في المشاركة المجتمعية؟ وأجاب: إن حدود المشاركة السياسية إن الإسلام في عصره الأول أشرك المرأة في مجالات عدة من مجالات السياسة، الا أن هناك نصوصا أخرى بينت لنا أن هناك منصبا واحدا هو خاص بالرجال فقط، وهو الولاية العظمى أو الخلافة التي تقابل رئاسة الدولة في المصطلح الحديث.
وعن العضوية في مجلس الشورى بين العطاوي أن العلماء منقسمون في هذه المسألة الى فريقين: الأول منعها لأنه رأى أنها من ضمن الولايات العامة الخاصة بالرجال، والثاني رأى أن أهم ما تتطلبه عضوية هذين المجلسين هو مستوى التفكير بغض النظر عن جنس هذا العضو رجلا كان أو امرأة.
وقال إن مشاركة المرأة بالانتخاب هو أمر مختلف عليه أيضا فالفريق الأول حرّمه، كما صدر ذلك في فتوى قديمة للأزهر الشريف، أما الفريق الآخر فقد أجازه لما رأى فيه من تشابه مع الشهادة، ومن الأمور المتفق عليها أن شهادة المرأة مقبولة في العموم.
وخلص الباحث الى أنه لم يجد من النصوص الشرعية الثابتة ما يمنع من مشاركة المرأة في الأمور السياسية، ومن أهمها العضوية في مجلس الشورى والبرلمان انتخابا وترشحا.
الخميس 02 مارس 2006