أمل الكردفاني - كيف يفضي الدين لنفي المنطق؟

كثيرون حاولوا عقلنة الدين ؛ العقلنة بمعنى المنطقة - أي جعل الدين منطقيا- ليس اسبينوزا وحده الذي حاول استخدام الرياضيات للقيام ببرهنة رياضية لاهوتية بل هناك المعتزلة ومنهم الاشاعرة وفوق ذلك الأحمديون وهم طائفة تتبع نبيا يدعى غلام أحمد... وهناك من يسمون أنفسهم بالمجددين الذي يحاولون علمنة الدين..الخ.
وهذا كله في رأيي هراء محض وذلك لأمرين:
- أولا لأن العقلانية نفسها تعرضت للنقد في ظل حدود اشتغالها ، وهذا هو النقد الذي يتم استخدامه عادة من قبل المؤمنين الذين يعتبرون العقل محدودا لفهم الحقيقة الواسعة.
الأمر الثاني هو أن منطلقات العقل والدين مختلفة تماما ؛ فالدين ينطلق من الغيبيات ، وليس الحسيات. ولذلك فلا يمكن استخدام قانون أي منهما للبرهنة على الآخر.
من هذه النقطة الأخيرة يمكننا فهم كيف يفضي الدين لخلخلة المنطق الإنساني ويدفع به بعيدا نحو الكفر بالعقل.
سنأخذ مثالا بسيطا من المسيحية والتي أخذ عنها الإسلام نفس القاعدة التبريرية لعدم تحقق الدعاء...وهي نفسها أي المسيحية أخذتها عن الأديان الوثنية المتعددة.
سنورد هنا هذه القاعدة التبريرية لنكشف كيف تمارس سيكولائية ممنهجة لحرف العقل الانساني عن التسلسل المنطقي للمقولات:

يمكنك بكتابة (لماذا لا يستجاب الدعاء) على محرك البحث قوقل أن تتلقى آلاف المواقع الدينية التي ستتفق كلها حول إجابة واحدة ؛ سأوردها هنا:
(الاستجابة ثلاثة أنواع ، فهي إما أن تكون بتحقيق المطلوب في الدعاء ، أو أن يصرف عنه من السوء والشر بقدر دعائه ، أو يدَّخر ذلك له أجراً وثواباً يوم القيامة .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ : إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا ، قَالُوا : إِذًا نُكْثِرُ ؟ قَالَ : اللَّهُ أَكْثَرُ ) .
رواه أحمد ( 10749 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب ( 1633 ) .

بملاحظة بسيطة على هذه القاعدة سنلاحظ أنها قاعدة (صفرية) بالكامل. إنها تماما مثلا (+1) + (-1) = صفر.

فالدعاء:
- إما أن يستجاب.
- أو لا يستجاب كما هو بل يتغير الى صرف سوء. (لا يتحقق).
- يدخر ليوم القيامة (لا يتحقق).
.
.
دعنا نفترض أنك تعبد نملة ووجهت دعاءك لتلك النملة طالبا منها أن تشفيك من المرض.
لو شفيت فسيقول لك كاهن تلك النملة: لقد استجابت النملة لدعائك.
ان لم تشف سيقول لك ذات الكاهن: ان النملة صرفت عنك سوءا أو أنها ادخرت دعاءك ليوم حسابك.
إذا ففي كل الأحوال تكون النملة لاعبة رئيسية رغم أنها في الواقع لم تفعل شيئا. بل وغير قادرة على التدخل لمصلحتك أو ضدك.
في الواقع تتم هنا لعبة الاحتمالات بشكل ساذج جدا.. ولا تعتمد على المنطق لأن المنطق أنك دعوت ويجب أن تستجيب النملة لدعائك. فإن مرضت ومت فهي لم تستجب لك. بدون أي تبرير آخر. وبما أن الحياة حتى بدون هذه النملة تفضي بنا الى ذات الاحتمالين (أن نشفى أو نمرض) فهذا يعني أنك إن لم تدعو هذه النملة فالاحتمالات تظل هي هي ؛ (الشفاء أو المرض).
تعتمد لعبة الاحتمالات الصفرية هذه لا على العقل وانما على الايمان بألوهية النملة. أو الوهية آمون رع أو هبل أو حجر أو خنفسانة أو أي شيء آخر.
لذلك يمكنك أن تجد بروفيسور مقتنع بها... وشخص حاصل على جائزة نوبل لا يقبل حتى المجادلة حول صحتها.
يمكننا أن نتلمس مسائل كثيرة كهذه كالسؤال حول الخير والشر والجبر والاختيار....الخ. وستكون الاجابات الدينية الجاهزة مماثلة تماما للعبة الاحتمالات السابقة من حيث لا منطقيتها.
وبتراكم المئات من شاكلة هذه الإجابات في عقل المؤمن منذ الطفولة ؛ يتحول العقل نفسه إلى عقل مضطرب ، ومتناقض لانقسامه إلى نصفين ؛ عقل منطقي ، وعقل غير منطقي.
يمكن للمؤمن أن لا يجلس لمشاهدة مسلسل أطفال لأن هذا المسلسل ساذج بحيث يناسب الطفل عندما تتحدث الشمس وترقص الحيوانات مع الانسان بل وتتحدث إليه. لكن نفس هذا الشخص البالغ العاقل لن يقبل مناقشة أي قصة في كتابه المقدس تتحدث عن مخاطبة الحيوانات مع البشر أو وجود جن وشياطين يتصارعون مع الرجال الصالحين...أو يحاربون لمصلحتهم.
هكذا يفضي الدين إلى قضية هامة وهي إضمحلال الرؤية العقلانية (المنطقية) ؛ وانحسارها في شق صغير من الدماغ ، بحيث تستعمل فقط لانجاز وجود سلبي يحيا فقط من أجل مقاومة الهلاك كالحيوانات تماما.
على هذا الأساس فالأديان تطورت قليلا منذ أن كانت تسند كل ظواهر الكون للآلهة ؛ ثم أخذت تتنازل رويدا رويدا - بتطور العلم - لتحصر الوجود الديني داخل اللا مدرك. مع ذلك لم تستطع أن تطور البشرية دينا عقلانيا كاملا. وذلك لأن خبايا الكون لا زالت كثيرة بحيث يظل الدين (ك-لا منطق) مشتغلا في تلك الفراغات المظلمة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...