كتب – جعفر الديري
قال الناقد الأدبي د.جابر عصفور ان التسامح واحد من المفاهيم الحديثة في ثقافتنا، وجد فيها بعد قرنين على الأقل من اكتماله في الفكر الأوروبي، موضحا أن التسامح بوضعه الحالي ترجمة عربية معاصرة للمصطلح أو للمفهوم المستخدم في اللغات الأوروبية التي تأصل في ثقافاتها.
وأضاف د.عصفور خلال محاضرته "الثقافة العربية بين التعصب والتسامح" الاثنين 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2005 بمركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث: إن لكل من مفهومي التعصب والتسامح جذورا قديمة ومتأصلة في الثقافة الانسانية. ويظل جوهر كلا المفهومين موجودا وقائما في تقابلهما كما لو كان هو الوجه الموازي لعنصري الثبات والتغير التي تحدد الصراع بينهما حركة الظواهر الاجتماعية وتطوراتها. واذا كان التعصب قرينا للثبات من حيث هو نقيض التغير فإن التسامح هو قرين التغير الذي يقلب الأوضاع ويعيد بناء علاقات التراتب بين الظواهر والكائنات".
أصل لاتيني للمصطلح
وبين الأصل اللاتيني لمصطلح التسامح بقوله: "ان مصطلح أو مفهوم التسامح المستخدم في اللغات الأوروبية تأصل في ثقافاتها اعتمادا على أصل لاتيني له امتداداته في الثقافة الانجلوسكسونية المقترنة باللغة الانجليزية وهي لغة تفصل في الاستخدام بين كلمتي Tolerance وToleration في الدلالة على معنى وذلك على نحو يبدو معه Tolerance دالا على المطاوعة والمرونة والتقبل واحترام رأي الآخرين ومعتقداتهم. بينما تنصرف دلالة Toleration الى التخصيص فتقترن بسياسة التسامح الديني التي تعني أمرين أولهما تقبل المغايرة في فهم الديانة الواحدة فيما يعزز طوائفها أو مللها ونحلها اذ استخدمنا مصطلح الشهرستاني القديم وثانيهما تقبل الديانات المختلفة واحترامها حتى من منظور الدين الواحد الذي يقبلها جميعا ما ظلت ديانات سماوية كما يحدث في الإسلام فيعترف بها ويحدد العلاقات التي تصل بين المؤمنين بهذا الدين وغيره من المؤمنين بهذه الديانات.
التداخل بين دلالتي العموم والخصوص
وأوضح د,عصفور أن التداخل بين دلالتي العموم والخصوص في العلاقة بين التسامح والمرونة هو الذي جعل الاستخدام المعاصر يميل إلى استخدام كلمة Tolerance للدلالة على معنى التسامح الذي يقترن في اللغة العربية بدلالات قبول المختلف واللين في المعاملة وعدم التمييز بين الناس، وهي دلالات ماتزال غالبة على الاستخدامات التي غلبت كلمة Tolerance على Toleration وذلك لمجاوزة كلمة Tolerance للدلالة الدينية المخصوصة واشارتها فضلا عن الدلالات الدينية إلى دلالات مدنية ذات أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية".
من أهم المفاهيم الحديثة
وحول أهمية مفهوم التسامح في المجتمع الانساني قال د.عصفور: "لقد أصبح التسامح في عموم دلالاته واحدا من أهم المفاهيم الحديثة في المجتمع الانساني خصوصا مع تصاعد ممارسات التعصب والعنف والارهاب ومع كوارث القوميات العدوانية كالنازية والفاشية والصهيونية وكذلك مع أشكال التمييز المعادية للأقليات القومية والعرقية والدينية والثقافية واللغوية. يضاف الى ذلك اضطهاد اللاجئين والعمالة المهاجرة والمجموعات الهامشية في المجتمع وأخيرا كثرة ممارسة العنف والترويع التي تهدد الأفراد الذين يستخدمون حقهم الانساني في التعبير عن آرائهم وأفكارهم".
ومتحدثا عن دور الأمم المتحدة في جعل العام 95 عاما للتسامح قال د.عصفور: "ادراكا من منظمة الأمم المتحدة لهذه المعاناة المنتشرة على امتداد العام كله وبناء على توصية اليونسكو قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن يكون العام 95 عاما للتسامح ودعا الأمين العام للمنظمة الدولية الى اجراء مشاورات واسعة النطاق لصوغ اعلان يعرض على الجمعية العمومية لكي تعتمد وثيقته رسميا عند الاحتفال ببدء سنة التسامح، وقد صدر الاعلان فعلا ومعه وثائق أصدرتها منظمة اليونسكو تحدد معنى التسامح ومظاهرة في التعليم والثقافة وعلاقات الأفراد والدول على السواء".
معنى التسامح في إعلان الأمم المتحدة
وأضاف موضحا الجزء الخاص بمعنى التسامح في اعلان الأمم المتحدة في النقاط الآتية: أولا: التسامح هو احترام واقرار وتقرير التنوع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال تعبيرنا وأساليبنا وممارستنا لانسانيتنا. ويعزز التسامح بواسطة المعرفة والانفتاح والتواصل مع الآخرين وحرية الفكر والعقيدة والدين. فالتسامح هو التناغم في الاختلاف وليس واجبا أخلاقيا فحسب وإنما هو مطلب سياسي وقانوني في الوقت نفسه. ثانيا: ليس التسامح تنازلا أو تعاطفا أو تساهلا وإنما هو في المقام الأول اقرار بحقوق الانسان العالمي واحترام للحريات الأساسية للآخرين ولذلك لا يجوز استخدامه بأي حال من الأحوال لتبرير الاعتداء على القيم المبدئية للحقوق والحريات سواء في ممارسة الأفراد أو المجموعات أو الدول.
وتابع قائلا: اعتقد أن هذا التفكير على أن التسامح ليس من قبيل التنازل أو التعاطف أو التساهل وانما هو مسألة في غاية الأهمية والذكاء. ذلك لأنه كان سيتضح فيما بعد أن من أهم النقاط التي كانت ستوجه إلى مفهوم التسامح على المستوى النقدي أن التسامح يبدو كما لو كان بمثابة فعل يتنازل به الأقوى لمن هو أدنى أو أضعف. وعلى هذا الأساس وفي مرحلة في تاريخ التسامح كان التسامح هو تنازل من الأقوى للأضعف أو من الغالبية الى الأقلية. وهو نقد ظل مستمرا الى أن جاءت الأمم المتحدة وصاغت مفهوما جديدا للتسامح هو بلورة كل ما أنجزه الفلاسفة الذين اهتموا بالتسامح وقاموا بتأصيله وكان لابد من أن يؤكدوا أن التسامح ليس تنازلا من قوي لضعيف أو من غالبية الى أقلية وانما هو فعل انساني طبيعي لابد أن نقوم به ما دمنا نحترم انسانية الانسان وما دمنا نحترم حقوق الانسان. وعلى هذا الأساس أصبح هذا النص المهم - ليس التسامح تنازلا أو تعطفا أو تساهلا وانما هو في المقام الأول اقرار بحقوق الانسان العالمية واحترام للحريات الأساسية. ولذلك لا يجوز استخدامه بأي حال من الأحوال لتبرير الاعتداء على القيم المبدئية للحقوق والحريات.
الأربعاء 09 نوفمبر 2005م الموافق 03 محرم 1441هـ
قال الناقد الأدبي د.جابر عصفور ان التسامح واحد من المفاهيم الحديثة في ثقافتنا، وجد فيها بعد قرنين على الأقل من اكتماله في الفكر الأوروبي، موضحا أن التسامح بوضعه الحالي ترجمة عربية معاصرة للمصطلح أو للمفهوم المستخدم في اللغات الأوروبية التي تأصل في ثقافاتها.
وأضاف د.عصفور خلال محاضرته "الثقافة العربية بين التعصب والتسامح" الاثنين 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2005 بمركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث: إن لكل من مفهومي التعصب والتسامح جذورا قديمة ومتأصلة في الثقافة الانسانية. ويظل جوهر كلا المفهومين موجودا وقائما في تقابلهما كما لو كان هو الوجه الموازي لعنصري الثبات والتغير التي تحدد الصراع بينهما حركة الظواهر الاجتماعية وتطوراتها. واذا كان التعصب قرينا للثبات من حيث هو نقيض التغير فإن التسامح هو قرين التغير الذي يقلب الأوضاع ويعيد بناء علاقات التراتب بين الظواهر والكائنات".
أصل لاتيني للمصطلح
وبين الأصل اللاتيني لمصطلح التسامح بقوله: "ان مصطلح أو مفهوم التسامح المستخدم في اللغات الأوروبية تأصل في ثقافاتها اعتمادا على أصل لاتيني له امتداداته في الثقافة الانجلوسكسونية المقترنة باللغة الانجليزية وهي لغة تفصل في الاستخدام بين كلمتي Tolerance وToleration في الدلالة على معنى وذلك على نحو يبدو معه Tolerance دالا على المطاوعة والمرونة والتقبل واحترام رأي الآخرين ومعتقداتهم. بينما تنصرف دلالة Toleration الى التخصيص فتقترن بسياسة التسامح الديني التي تعني أمرين أولهما تقبل المغايرة في فهم الديانة الواحدة فيما يعزز طوائفها أو مللها ونحلها اذ استخدمنا مصطلح الشهرستاني القديم وثانيهما تقبل الديانات المختلفة واحترامها حتى من منظور الدين الواحد الذي يقبلها جميعا ما ظلت ديانات سماوية كما يحدث في الإسلام فيعترف بها ويحدد العلاقات التي تصل بين المؤمنين بهذا الدين وغيره من المؤمنين بهذه الديانات.
التداخل بين دلالتي العموم والخصوص
وأوضح د,عصفور أن التداخل بين دلالتي العموم والخصوص في العلاقة بين التسامح والمرونة هو الذي جعل الاستخدام المعاصر يميل إلى استخدام كلمة Tolerance للدلالة على معنى التسامح الذي يقترن في اللغة العربية بدلالات قبول المختلف واللين في المعاملة وعدم التمييز بين الناس، وهي دلالات ماتزال غالبة على الاستخدامات التي غلبت كلمة Tolerance على Toleration وذلك لمجاوزة كلمة Tolerance للدلالة الدينية المخصوصة واشارتها فضلا عن الدلالات الدينية إلى دلالات مدنية ذات أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية".
من أهم المفاهيم الحديثة
وحول أهمية مفهوم التسامح في المجتمع الانساني قال د.عصفور: "لقد أصبح التسامح في عموم دلالاته واحدا من أهم المفاهيم الحديثة في المجتمع الانساني خصوصا مع تصاعد ممارسات التعصب والعنف والارهاب ومع كوارث القوميات العدوانية كالنازية والفاشية والصهيونية وكذلك مع أشكال التمييز المعادية للأقليات القومية والعرقية والدينية والثقافية واللغوية. يضاف الى ذلك اضطهاد اللاجئين والعمالة المهاجرة والمجموعات الهامشية في المجتمع وأخيرا كثرة ممارسة العنف والترويع التي تهدد الأفراد الذين يستخدمون حقهم الانساني في التعبير عن آرائهم وأفكارهم".
ومتحدثا عن دور الأمم المتحدة في جعل العام 95 عاما للتسامح قال د.عصفور: "ادراكا من منظمة الأمم المتحدة لهذه المعاناة المنتشرة على امتداد العام كله وبناء على توصية اليونسكو قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن يكون العام 95 عاما للتسامح ودعا الأمين العام للمنظمة الدولية الى اجراء مشاورات واسعة النطاق لصوغ اعلان يعرض على الجمعية العمومية لكي تعتمد وثيقته رسميا عند الاحتفال ببدء سنة التسامح، وقد صدر الاعلان فعلا ومعه وثائق أصدرتها منظمة اليونسكو تحدد معنى التسامح ومظاهرة في التعليم والثقافة وعلاقات الأفراد والدول على السواء".
معنى التسامح في إعلان الأمم المتحدة
وأضاف موضحا الجزء الخاص بمعنى التسامح في اعلان الأمم المتحدة في النقاط الآتية: أولا: التسامح هو احترام واقرار وتقرير التنوع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال تعبيرنا وأساليبنا وممارستنا لانسانيتنا. ويعزز التسامح بواسطة المعرفة والانفتاح والتواصل مع الآخرين وحرية الفكر والعقيدة والدين. فالتسامح هو التناغم في الاختلاف وليس واجبا أخلاقيا فحسب وإنما هو مطلب سياسي وقانوني في الوقت نفسه. ثانيا: ليس التسامح تنازلا أو تعاطفا أو تساهلا وإنما هو في المقام الأول اقرار بحقوق الانسان العالمي واحترام للحريات الأساسية للآخرين ولذلك لا يجوز استخدامه بأي حال من الأحوال لتبرير الاعتداء على القيم المبدئية للحقوق والحريات سواء في ممارسة الأفراد أو المجموعات أو الدول.
وتابع قائلا: اعتقد أن هذا التفكير على أن التسامح ليس من قبيل التنازل أو التعاطف أو التساهل وانما هو مسألة في غاية الأهمية والذكاء. ذلك لأنه كان سيتضح فيما بعد أن من أهم النقاط التي كانت ستوجه إلى مفهوم التسامح على المستوى النقدي أن التسامح يبدو كما لو كان بمثابة فعل يتنازل به الأقوى لمن هو أدنى أو أضعف. وعلى هذا الأساس وفي مرحلة في تاريخ التسامح كان التسامح هو تنازل من الأقوى للأضعف أو من الغالبية الى الأقلية. وهو نقد ظل مستمرا الى أن جاءت الأمم المتحدة وصاغت مفهوما جديدا للتسامح هو بلورة كل ما أنجزه الفلاسفة الذين اهتموا بالتسامح وقاموا بتأصيله وكان لابد من أن يؤكدوا أن التسامح ليس تنازلا من قوي لضعيف أو من غالبية الى أقلية وانما هو فعل انساني طبيعي لابد أن نقوم به ما دمنا نحترم انسانية الانسان وما دمنا نحترم حقوق الانسان. وعلى هذا الأساس أصبح هذا النص المهم - ليس التسامح تنازلا أو تعطفا أو تساهلا وانما هو في المقام الأول اقرار بحقوق الانسان العالمية واحترام للحريات الأساسية. ولذلك لا يجوز استخدامه بأي حال من الأحوال لتبرير الاعتداء على القيم المبدئية للحقوق والحريات.
الأربعاء 09 نوفمبر 2005م الموافق 03 محرم 1441هـ