هَبْنِي صَرَخْتُ جَهْدِي، فَمَنْ ذَا يُلَبِّينِي
مَنْ وَرَاءَ أُفُقِ الْمَلَائِكَةِ؟
وَهَبْهُ لَبَّانِي وَتَوَلَّانِي بِرَعْيِهِ. إِنَّنِي إِذَنْ لَمُضْمَحِلٌّ فَانٍ
فِي حَضْرَتِهِ الَّتِي تَغْمُرُنِي بِبَأْسِهَا وَاقْتِدَارِهَا
إِذْ لَيْسَ «الْجَمِيلُ» إِلَّا بَوَاكِيرَ «الْمُخِيفِ» الَّذِي يُوشِكُ أَلَّا يُطَاقَ
وَإِنَّمَا نُعْجَبُ بِهِ أَشَدَّ إِعْجَابِنَا
لَأَنَّهُ لَا يَتَنَزَّلُ إِلَى إِتْلَافِنَا وَسَحْقِنَا
كُلُّ مَلَكٍ فَهُوَ مُخِيفٌ
وَمِنْ ثَمَّ أُرَاجِعُ نَفْسِي وَأَحْبِسُ صَيْحَةَ التَّغْوِيثِ
الَّتِي تَنْطَلِقُ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبُكَاءِ
آهٍ. إِلَى مَنْ نَفْتَقِرُ نَحْنُ وَالَهْفَتَاهُ!
لَا إِلَى الْمَلَائِكَةِ، وَلَا إِلَى النَّاسِ
وَإِنَّ الْحَيَوَانَ الْفَطِنَ لَيَعْلَمُ أَنَّنَا نَأْوِي إِلَى غَيْرِ مَكَانِنَا
فِي الدُّنْيَا الْمُفَسَّرَةِ الْمَشْرُوحَةِ
وَلَعَلَّهُ قَدْ بَقِيَ لَنَا، نَرَاهُ حِينَمَا تَحَوَّلْنَا بِأَنْظَارِنَا
أَثَرٌ بَاقٍ مِنْ غَابِرٍ دَاثِرٍ: شَجَرَةٌ عَلَى مُنْحَدَرِ الطَّرِيقِ
طَرِيقِ أَمْسِ الدَّابِرِ
عَادَةٌ وَفِيَّةٌ لَنَا تَحْفَظُ لَنَا أَمَانَةَ الْأَمِينِ الْمُسْتَجِيبِ لِأَهْوَائِنَا
وَتُحِبُّ الْبَقَاءَ مَعَنَا، فَقَدْ بَقِيَتْ وَلَمْ تُفَارِقْنَا
وَلَكِنْ مَا بَالُ اللَّيْلِ! …
اللَّيْلِ الَّذِي يَزْخَرُ بِعَوَاصِفِ الْفَضَاءِ السَّرْمَدِ
الَّتِي تَهْرَأُ أَدِيمَ وُجُوهِنَا
مَا الَّذِي يُعَجِّلُهُ، وَهْوَ يَشْتَهِي؟
رَفِيقٌ حِينَ يَخِيبُ الرَّجَاءُ
عَظِيمٌ فِي عَنَائِهِ عَلَى الْقَلْبِ الْفَرِيدِ …
أَتُرَاهُ أَيْسَرَ عَلَى الْمُحِبِّينَ؟
وَيْحَنَا! إِنَّمَا وُقَايَةُ الْمُحِبِّينَ أَنَّهُمْ يُغَطُّونَ أَنْفُسَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ
فَلَهُمْ مِنْهَا دُرُوعٌ وَسُتُورٌ
أَلَا تَعْلَمُ هَذَا بَعْدُ؟
إِنَّنَا عَلَى مَدِّ أَذْرُعِنَا نَقْذِفُ بِالْفَرَاغِ
إِلَى الْفَضَاءِ الَّذِي نَسْتَمِدُّ مِنْهُ أَنْفَاسَنَا
وَلَعَلَّ الطَّيْرَ أَقْدَرُ مِنَّا عَلَى مُلَاقَاةِ هَذَا الْفَضَاءِ الْمَمْدُودِ
بِوَثْبَةٍ فِيهِ.
* المصدر: "عرائس وشياطين" ل عباس محمود العقاد.
مَنْ وَرَاءَ أُفُقِ الْمَلَائِكَةِ؟
وَهَبْهُ لَبَّانِي وَتَوَلَّانِي بِرَعْيِهِ. إِنَّنِي إِذَنْ لَمُضْمَحِلٌّ فَانٍ
فِي حَضْرَتِهِ الَّتِي تَغْمُرُنِي بِبَأْسِهَا وَاقْتِدَارِهَا
إِذْ لَيْسَ «الْجَمِيلُ» إِلَّا بَوَاكِيرَ «الْمُخِيفِ» الَّذِي يُوشِكُ أَلَّا يُطَاقَ
وَإِنَّمَا نُعْجَبُ بِهِ أَشَدَّ إِعْجَابِنَا
لَأَنَّهُ لَا يَتَنَزَّلُ إِلَى إِتْلَافِنَا وَسَحْقِنَا
كُلُّ مَلَكٍ فَهُوَ مُخِيفٌ
وَمِنْ ثَمَّ أُرَاجِعُ نَفْسِي وَأَحْبِسُ صَيْحَةَ التَّغْوِيثِ
الَّتِي تَنْطَلِقُ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبُكَاءِ
آهٍ. إِلَى مَنْ نَفْتَقِرُ نَحْنُ وَالَهْفَتَاهُ!
لَا إِلَى الْمَلَائِكَةِ، وَلَا إِلَى النَّاسِ
وَإِنَّ الْحَيَوَانَ الْفَطِنَ لَيَعْلَمُ أَنَّنَا نَأْوِي إِلَى غَيْرِ مَكَانِنَا
فِي الدُّنْيَا الْمُفَسَّرَةِ الْمَشْرُوحَةِ
وَلَعَلَّهُ قَدْ بَقِيَ لَنَا، نَرَاهُ حِينَمَا تَحَوَّلْنَا بِأَنْظَارِنَا
أَثَرٌ بَاقٍ مِنْ غَابِرٍ دَاثِرٍ: شَجَرَةٌ عَلَى مُنْحَدَرِ الطَّرِيقِ
طَرِيقِ أَمْسِ الدَّابِرِ
عَادَةٌ وَفِيَّةٌ لَنَا تَحْفَظُ لَنَا أَمَانَةَ الْأَمِينِ الْمُسْتَجِيبِ لِأَهْوَائِنَا
وَتُحِبُّ الْبَقَاءَ مَعَنَا، فَقَدْ بَقِيَتْ وَلَمْ تُفَارِقْنَا
وَلَكِنْ مَا بَالُ اللَّيْلِ! …
اللَّيْلِ الَّذِي يَزْخَرُ بِعَوَاصِفِ الْفَضَاءِ السَّرْمَدِ
الَّتِي تَهْرَأُ أَدِيمَ وُجُوهِنَا
مَا الَّذِي يُعَجِّلُهُ، وَهْوَ يَشْتَهِي؟
رَفِيقٌ حِينَ يَخِيبُ الرَّجَاءُ
عَظِيمٌ فِي عَنَائِهِ عَلَى الْقَلْبِ الْفَرِيدِ …
أَتُرَاهُ أَيْسَرَ عَلَى الْمُحِبِّينَ؟
وَيْحَنَا! إِنَّمَا وُقَايَةُ الْمُحِبِّينَ أَنَّهُمْ يُغَطُّونَ أَنْفُسَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ
فَلَهُمْ مِنْهَا دُرُوعٌ وَسُتُورٌ
أَلَا تَعْلَمُ هَذَا بَعْدُ؟
إِنَّنَا عَلَى مَدِّ أَذْرُعِنَا نَقْذِفُ بِالْفَرَاغِ
إِلَى الْفَضَاءِ الَّذِي نَسْتَمِدُّ مِنْهُ أَنْفَاسَنَا
وَلَعَلَّ الطَّيْرَ أَقْدَرُ مِنَّا عَلَى مُلَاقَاةِ هَذَا الْفَضَاءِ الْمَمْدُودِ
بِوَثْبَةٍ فِيهِ.
* المصدر: "عرائس وشياطين" ل عباس محمود العقاد.