أمل الكردفاني - عائلة سيمبسون

قادتني صدفة بحتة لمشاهدة حلقة من مسلس عائلة سيمبسون الكرتوني ، حلقة واحدة فقط وقعت عليها عيناي ؛ فتابعت هذا المسلسل العجيب.
المسلس الكرتوني هذا ليس مجرد مسلسل مخصص للكبار بل فوق هذا فهو يحمل فلسفة شاملة للإنسان مفردا ومجتمعا بغيره.
سيمبسون يمثل الأب الغبي والذي يقع في المشاكل بسبب حماقته. زوجته هي الميزان العاقل للأسرة ؛ الابن الشقي ، والبنت الذكية مثل أمها وطفلة رضيعة لم تكبر منذ سنوات كما الجميع ، ثم أخيرا جد عجوز.
عائلة سيمبسون تسكن في مدينة صغيرة سبرينغفيلد ، تتضمن العمال الاغبياء والرأسمالي العجوز ذو الشكل البشع والذي يملك محطة طاقة نووية وممتلكات أخرى كثيرة ولا يعبأ إلا بالمال.
هناك شخصيات أخرى كثيرة تلعب أدوارا هامة أيضا كالجار (المسيحي المتدين والذي كثيرا ما يحلل اقتراف الآثام لنفسه ويحرمها على الآخرين) والشقيقتان والعمال وصاحب البار ورجل الشرطة الغبي الذي ينفذ الأوامر بجهل شامل.
أثار هذا المسلسل ضجة عندما أشيع أنه تنبأ بوصول أوباما للسلطة ثم انتخاب ترامب من بعده ولكن ثبت أن هذه مجرد خدعة.
يتضمن المسلسل فلسفته عن الرأسمالية التي تعتمد على غسل ادمغة المواطنين عبر الإعلام... ففي مشهد ما يستخدم مطوروا الحبكة الدرامية طروحات فرويد وجوستاف لوبون حول سيكولوجية الجماهير:
يقف هومر سيمبسون ويخاطب الجماهير بحديث مشابه للتالي:
- إن مديتنا ستمر بخطر عظيم..
(تفزع أعين الجماهير المحتشدة)...
يلف الصمت الجميع..
وبعد برهة يقول هومر:
- سيتاخر مغني الروك عن الحضور.
(تشعر الجماهير بفزع حقيقي ويصيحون بصوت واحد).
لقد أثارني هذا المشهد تحديدا لأنه عكس وضع الشعوب التي يتم توجيهها عاطفيا لتشعر بأن قضايا تافهة هي قضايا شديدة الخطر أو اخفاء قضايا خطيرة خلف قضايا تافهة ، وأن الجماهير قابلة للتوجيه العاطفي عبر الدعاية الاعلامية. وهي الوسيلة التسويقية الأقوى في عالم الرأسمالية (السياقتصادية). لا يمكننا إغفال أن كل تطورنا البشري -ونحن الذين بلغنا حوالى سبع مليارات نسمة- كان نتيجة جهود قلة قليلة ذكية لم تتجاوز العشرة ألاف شخص ذكي ، منذ ألف سنة مضت. أي أن الناتج الحضاري (الراهن) هو ناتج عن قسمة (وهي قسمة ضيزى) عشرة ألاف شخص على سبع مليارات نسمة مضروبا في مئة ليكون الناتج........0.001%
أليست نسبة مخيفة.
وعبر تطوير الطرق التعليمية والتدريبية ؛ يتحول العلم بأسره لخدمة الدعاية الرأسمالسياسية ، ليكون العلم آلية السيطرة على السبع مليارات نسمة. سنعرف كيف يتم ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماهي التي تحولت فيها المنشورات إلى آليات استقطاب ثم سيطرة ثم توجيه...
*العلم والشيطان:
على هذا فإن العلم يتحول لقمع كل العقول التي يمكن أن تفكر خارج الصندوق المغلق الذي تحكم رتاجه القوى ذات النفوذ (الرأسمالسياسي) ، وبالتالي فنحن نتجه كشعوب من دكتاتورية مادية مباشرة إلى دكتاتورية خفية وباردة. نحن أصبحنا نحب ونكره لأننا نستجيب انفعاليا لرسائل لتمجيد وشيطنة فئات أو أشخاص أو نظريات أو فلسفات أو أديان.
العلم لم يكتف بذلك بل هو في الواقع أصبح يستخدم لتوجيه أحلام يقظتنا. السيارة الفاخرة.. الموبايل من الجيل الأخير ، ...الخ.
وهكذا فمسلسل عائلة سيمبسون يحاول تحذيرنا مما نحن متجهون إليه من كارثة فقدان الإرادة الحرة.
يبدو سكان اسبرينغفيلد حمقى لكنهم في الواقع أكثر التصاقا بواقعنا الراهن ؛ فهناك سبع مليار نسمة لا يستطيعون تقبل أن منظمات ارهابية كداعش وجبهة النصرة وأصحاب الخوذات البيضاء هم صناعة الاستخبارات الأمريكية...وهناك عشرات الآلاف يتوجهون للقتال في كل دولة يتم زرع هذه التنظيمات فيها من قبل مخابرات العالم لتحقيق مصالح اقتصادسياسية متعددة.
لا يمكن للسبع مليار نسمة أن يصدقوا أن ديموقراطية أمريكا لا تختلف أبدا عن ديموقراطية إيران وأن هناك قمعا حقيقا تم منذ ما قبل عهد Ku Klux Klan مرورا بالمكارثية وحتى عصر اعلان امريكا لخوض صراع الحضارات والحرب على الإرهاب.
المسألة ليست فقط بهذه البساطة ، فهناك أيضا من لا يعلمون حتى اليوم أن الفلسفات المطروحة على دول أفريقيا والعالم الثالث هي فلسفات تزيد من انهاك هذه الدول ، وتعمق خضوعها للسيطرة الرأسماية الحادة...صحيح أن الشعوب باتت تطالب بالحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية غير أن نسبة أقل من 0.000000001% من نسبة قاطني المعمورة يعرفون ما هي الحرية و الديموقراطية والعدالة الاجتماعية حتى عند الكثير من المنتمين للطبقات البرجوازية والانتلجنسيا.
دعنا من ذلك فإن ملايين الكتب التي ترسل مواعظ دينية وأخلاقية لم تحاول أبدا طرح مشكلة تعريف الأخلاق ولا مشكلة مركز الدين من الأخلاق.
إن الدعاية الإعلامية تنحو إلى تقرير مسلمات غير قابلة لا للنقد ولا للدحض لدى المليارات السبعة.
"نحن لا نعرف معنى الحرية لكننا نعرف أنها حلوة..."
هذا هو التسليم المطلوب من الشعوب ؛ ألا تتساءل لأن الاسئلة تجر خلفها إجابات والإجابات تجر وراءها خلخلة لمسلمات أخرى كثيرة مضرة بمصالح القوى المركزية المسيطرة على العالم...
فكما يجب عليك ألا تتساءل لماذا يكون تعدد الزوجات سيئا وغير أخلاقي فعليك أن لا تتساءل لماذا تعتبر أحادية الزواج او الصداقة الحميمة شيئا جيدا. بل ليس عليك أساسا كبشري أن تتساءل عن حقيقة المؤسسة الزوجية العرفية أو الرسمية أو الفرق بينهما.
بل وحتى السؤال عن المنطق العقلاني لقيم أخرى كثيرة تأخذ طابعا أخلاقيا أو شيطانيا بحسب ما رسخته البروباغندا الاعلامية وهي تتناصر وتتعاضد مع (الرأسمالية+السياسة+ القانون+العلم) ... وأحيانا (الدين).
يطرح مسلسل هومر سيمبسون وعائلته قضايا شديدة الخطورة بأسلوب فكاهي وساخر ؛ ويرسل ومضات رسائله التوعوية من خلال الحوار والسلوكيات (فعلا ورد فعل أو امتناع).
لقد تابعت الكثير من حلقات هذا المسلسل فأدركت أن هناك آخرون معي يرفضون ذلك التجهيل الجماعي الملياري للبشر واستغلال العلم كأداة تسويقية لترسيخ أكاذيب كحقائق مطلقة في أذهان العقل الجمعي.
هناك من يتمردون مثلي ضد كل ذلك ، وينتهي الأمر بهم للنبذ الشامل كما حدث لباسكال بونيفاس ونعوم شومسكي وإدوارد جوزيف سنودن ، وفرج فودة وسيد القمني ونصر حامد أبو زيد...وغيرهم من القلة الذكية التي تواجه قلة أخرى ذكية تستخدم الجماهير المسطحة في حربها المستمرة ضد الوعي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...