أمل الكردفاني - وجهة نظري في الكذب والمجتمعات المتخلفة والمتحضرة

✍ هناك إثنان يعلمانك الكذب على نحو مؤكد.
طلب الوظيفة في أمريكا..
وطلب الزواج بالمرأة في العالم كله.
في أمريكا هناك سؤال ثابت وهو: لماذا ترغب في العمل في مؤسستنا.
الاجابة المنطقية هي أن مرتبكم افضل من غيركم..أما الإجابة المقبولة: إن سمعة شركتكم تجعلني متشوقا لأكون جزءا منها ؛ وهذه السمعة تعني تطوري المستمر كلما استطعت انجاز عملي على أحسن مما هو مطلوب.
(لا يتم ذكر الراتب أبدا أي الحقيقة).
والمرأة أيضا لا يمكن أن تقتنع بك إن لم تكذب عليها. وكلما كذبت عليها كلما وثقت بأن اختيارها لك من ضمن العروض المتاحة كان صائبا.
هناك أيضا عوامل أخرى تعزز من قسرية الكذب كالكذب في الدول الدكتاتورية والفاسدة.
لا يمكنك أن تكون صادقا في المنظومات القمعية والفاسدة..بل يجب أن تتعلم الكذب مع أصغر موظف وحتى رئيس الدولة.
هناك أيضا المجتمعات المتخلفة ، فالمجتمع المتخلف يجبر الفرد على الكذب لأن الصدق يعني مواجهة هذا المجتمع بنواقصه وسلبياته ، وهذا غير مقبول ؛ فيجب دائما أن تمدح كل ثقافة مجتمعك والتي يشكلها الدين واللغة والخصوصيات القيمية. فحتى لو كنت تعيش مع عصابة وقطاع طرق ، فلا سبيل أمامك سوى مدح مجتمعك الإجرامي هذا لتحصل على القبول الإجتماعي.
(ملاحظة: أنا لا اعتبر القبائل التي تسمى بدائية مجتمعات متخلفة بل أعتقد أنها تمتلك منظومة إجتماعية متطورة جدا وأكثر شفافية لأن الفرد فيها غير مجبر على إخفاء شيء عن مجتمعه فحتى عورته مكشوفة للجميع ، إنما اعتبر المجتمعات المتخلفة هي المجتمعات الكاذبة أي تلك المجتمعات التي لا يمكن للفرد الحياة داخلها إلا عبر الكذب الصادق ، ولذلك فأغلب العلاقات الانسانية تعتمد فيها على الكذب حتى مؤسسات الزواج والعمل والدراسة).
لو جعلنا الكذب معيارا للتخلف والتحضر فستكون المجتمعات التي يعيش فيها الناس عراة هي الأكثر تحضرا من تلك التي يتم فيها إخفاء كل شيء من العورة وحتى مظهرك الخارجي ومستواك المالي والعلمي والعملي وتزييف حقيقتك بل وتضخيمها كوزراء قحط وتجمع أولاد قوش. رغم أن الجميع يعلمون أنهم كاذبون..وهم أنفسهم يعلمون أنهم كاذبون. ولا يمكنك أن تطعن في إبداع فنان كمحمود عبد العزيز أو بطل ورقي كالأصم وكذا الحال في عبد الخالق عند الشيوعيين ولا الأزهري كرئيس ولا المهدي كقائد ثورة ولا الترابي كجهبز من جهابزة الفقه لأن الطعن هنا يضعك في مواجهة مع القداسة.
هناك قصة قرأتها عن رجل مسافر مر بدار حاتم الطائي فانعطف إليها متوقعا أن يكرمه حاتم وهو الذي شاع كرمه بين الركبان. غير أن حاتم تنكر ولم يفد ضيافته فغادر الرجل غاضبا ، حينئذ تلثم حاتم وركب فرسه والتقي بالرجل والرجل لا يعرف أن من يتحدث إليه هو حاتم الطائي بعينه. فسأله حاتم:
- من أين قدمت؟
فأجابه الرجل:
- من دار حاتم الطائي..
فسأله إن كان قد أوفاه القرى فقال الرجل بأن حاتما أكرمه وأطعمه وسقاه وأحسن وفادته. فأماط حاتم اللثام وسأل الرجل عن سبب كذبه.
طبعا كذب الرجل لأنه لو قال الحقيقة فلن يصدقه أحد وسيعتبرونه حاسدا حاقدا وكاذبا ولو أقسم على الماء فتجمد.
وهذه قصة تبين لنا كيف أن المجتمعات تجبر كافة أعضائها على الكذب.
الرأسمالية الأمريكية ، الدكتاتوريات ، والمجتمعات المتخلفة والعجول المقدسة. والأخطر من ذلك كله: المرأة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...