احمد يعقوب ابكر - عام على غروب شمس الصوفي

“الحقائق العظيمة بدأت كإهانات للاله" جورج برنارد شو


نصٌّ مات مؤلفه

انها السابعة مساءاً ،والشمس تجرجر بقايا خيوطها الذهبية والحمراء لتترك الليل يزحف ببطء على الجبل ، اصوات غناء شعبي يردد الجبل الضخم صداها ، طيور انشغلت بالتقاط الحبُ حتى هبط المساء والان ضلت طريقها ورفرفت باجنحتها بالقرب منه ، شجرة المانجو المثمرة والعامرة بالخفافيش تتساقط ثمارها ، خنازير تجري في الانحاء بعد ان ارعبها صوت الرصاص والقصف، زفر زفرة عميقة ،واخرج تبغه الشعبي من رداء الكاكي المتسخ مزق دفتر قديم وطوى ورقة صغيرة ثم وضع التبغ ولفه ثم اشعله فاشتعل البارود، وسممت رائحة الدم الاجواء، اخرج خزنة سلاحه واعاد حساب الطلقات مراراً ثم تأكد من ان مرتبه الحربي الذي يساوي 120 طلقة في محله ، بعد ان اعطيت التعليمات العسكرية بالتصويب الدقيق في راس جنود العدو بمقدار طلقة واحدة وهذا يعني انه على كل جندي ان يقْتل 120 جنديا من جيش الاعداء او يُقتل.
(1)
قال الراوي:في ذاك اليوم الذي تجشأ أشعة شمسٍ من ضمير الازل ،وفتح مصراعيه على أبواب من الصخور البنية والكامدة اللون ؛رأى الفجر المزجج باللون الاخضر وثمة طحالب طافية في مستقيم الساعة ،وحين كان كادحاً في كهفه يبحث في دواخله الدُّنيا والعليا عن الالهة، معتكفا على مزاجات الطبيعة وطقسها الذي يتوارى خجلاً في نيلٍ طافحٍ بنباتات السرو وطيور الله النافقة ، كان أصحاب الجنة في شغل فكهون ،وكان الله كل يوم هو في شأن، وإذْ يهجسُ في سره المكنون عن محاولته الفاشلة للامساك بقوس قزحٍ في يوم مطير ،كانت سبحته التي ورثها من جده الذي يغازل حور الجنة ويقبع بين نهرين الان ؛قد إخضرت بفعل تسبيحاته وداخل عرائه الموحش بدا الكهفُ آسراً كأنه اله هذا الكوكب الابليسي، وداخل الامتدادت العارية بدا الزمن كديدان ضئيلة أو أميبا مقذوفة في عمق ظلمات نفسه الامّارة بالسوء. وآن واتته شمس سافنا خلسة أتته الملائكة في يقظة حلمه على ظهور خيل مسوّمة سروجها من الذهب والزمرد على مدرجات الطهر والعرفان وقالت له : إن جهاد النفس لهو الجهاد الاكبر، تزود فالرحلة طويلة ، خذ ماشئت من كتابات الحلاج وانين مولانا الرومي ، وانبهاقات البسطامي في لياليه المتلاطمة ، ولاتنسى السهروردي وأوراده، ولك في رابعة العدوية الفناء والحب والعشق في ذاته.
(2)
كان الليلُ قد أوغل في سطور الحقب ، وبزغ قمر الليلة الرابعة عشر بعد ان ارخي الليل سدوله والقى بكلكله على كهف الصُّوفيُّ، نشر القمر ضياءه على السهوب والاعشاب ،وتحولت مياه النهر الى لُجين او خلخال على رِجل انثى تسطع كلما خطت على حافة القلب،والصوفيُّ الذي انتبذ كوكباً شرقيا بجانب جذع النخلة الوحيدة تلى في خشوع وتهدج "سبحانك ماخلقت هذا باطلاً" وبهدوءٍ في اعقاب الخروج من مساءلة الذات ولججها، والاهتزازات الغامضة التي شرّدت ذراته ،راح يتأمل أناه التي تصورها بعد خلوة روحية وانجذابات وصعود سماوي قريبا من شجرة المنتهى عند المقامات العليا ، وهناك في العمق المستتر تحت الوجه المضئ بتسبيحات الملائكة وحفيف أجنحتها والسبل المستقيمة والنورانية؛ آن كانت النفس متألقة بحزن وأسى بلون الغسق والضباب ، رأى كل حيواته السابقات وفنائه وخلوده وقال " للبحر وحده سنقول كم كنا غرباء في أعياد المدينة" وتخيّل نفسه في ليالي الوجد والبراح والتهجد منفصلاً عن عالم الارض ومتحداًمع عالمه السماوي والباري وهو ينشد بخشوع : أيها السائل عن قصتنا لو ترانا لم تفرق بيننا ،أنا من أهوى ومن أهوى أنا ،نحن روحانا حللنا بدنا ، فاذا ابصرتنا ابصرته واذا ابصرته ابصرتنا، وحين تشف روحه وتصفو يحسها تصعد كطيف مغادرة سجنها الجسدي نحو عالم نوراني.
(3)
وجهنًم ؛ هذا اللفظ المشتق من كلمتين ( جي هنوم) بمعني ( وادي هنوم) وهو وادٍ يقع جنوب مدينة اورشليم القديمة وكان يستخدم لحرق القرابيين البشرية من الابناء البِكريين ارضاءاً للاله مولوخ ؛ بدت له في اقاصي شاشة عقله الذي خلقها متوهجة بألوان برتقالية وحمراء واشعة كاوية ،مستعيراً فصول من كتاب دانتي وجحيمه قرأ التوجسات والتهويمات التي انبثقت من لوحة (جيوفاني دا مودينا ) على حوائط كنيسة " سان بيترونيو" ببولونيا الايطالية والتي تصور جحيم دانتي في اقسى صوره ، شيطان اسود يلتهم انسان ويتغوط اخر من استه، وبقدميه يسحق العصاة ومن حوله المعذبون معلقون على ارجلهم تبقر الشياطين بطونهم وتلتهم احشائهم ، آنها استغفر ذاته ،وهمس في السر راجياً الغفران والتوبة عما ارتكب من خطايا وذنوب ومعاصي بحق الانا ، ناجى نفسه المسجاة في القبة والمجللة بالبياض والنور والالوان الخاطفة للابصار كي تهديه أبداً الى طريق الاستقامة المفروش بالياسمين الابيض والزنابق . قال طهريني من الرجس والدنايا وابعديني عن الشيطان المتجسد في رب اخر : النسوة في اقاصي المدينة العجيبة والمال والجشع وموت الضمير وسلاطين الازمنة الكلبية واولاد البحر واولاد الغرب واولاد الحرام والجنجويد والعهر والمثقفين الحيارى وآكلي مال اليتامى والربا ،والسياسين الانتهازين بلاقضية ، وفي ذروة شبق أدعيته الموتورة برز ديابولوس او الشيطان اليوناني في ثياب الراعي ، ورأى بام عينيه ذئبا يرضع حملاً.
(ماكتب اعلاه كان مجرد كابوس اثناء نومي وقت الغروب، رغم ان جدتي دائما ماكانت تحذرني من النوم في هذه الساعات مدعية ان الشياطين تخرج من بيوتها وتنتشر في ارض الاله الواسعة).
الصورة منحوتة للفنان أحمد عمر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...