ربّما ما زال القول المأثور “الصورة خير من ألف كلام” صالحا ويتعزز في عصرنا، فقد أصبحت الصور مقنعة وفصيحة وصادمة، إلى درجة أنّها أحدثت ثورة في مفهوم التواصل الاجتماعي. بعد أن تراجعت وسائل الاتصال الشفاهية المحكية ثم الكتابية النصّية وأخيرا السرد البصري أو الصورة التي أخذت مهمة إنشاء أساطير عصرنا على عاتقها.
بدأت ثورة الصورة منذ 150 عاما مع اختراع التصوير الفوتوغرافي. عندما صار بالإمكان لأوّل مرّة، إعادة التماثل المرئي للكائنات والأشياء على نطاق واسع. ولم يستغرق الأمر سوى 50 سنة حتى أصبحت هذه الطريقة الجديدة في التماثل وسيطا رئيسا في نقل القيم الاجتماعية.
لقد تطور تاريخ التواصل الاجتماعي البشري عبر ثلاث مراحل محدّدة، وهي التواصل الشفاهي القائم على السرد المحكي، إذ كان التعلم والتقاليد والترفيه يتم تمريرها عن طريق الكلام الشفاهي بواسطة سرد القصص، قبل أن يتطور الأمر إلى وظيفة الحاكي ـاختراع الراديو لاحقا بالاستناد إلى هذا المفهوم بشكله البدائي- قبل أن تُخترَع الكتابة التي جعلت من الممكن الحفاظ على المعلومات والتقاليد الأدبية بما يتجاوز قدرة الذاكرة، ثم تطور لاحقا إلى اختراع المطابع وانتشار الكتب.
لكن مع اختراع التصوير في القرن الثامن عشر، شهد مفهوم التواصل الاجتماعي تطورا مهولا، لتتلقف صناعة الإعلان هذه الخاصيّة الجبّارة وتنتقل بوسائلها من الإخبار وتعريف الجمهور بواسطة سرد الميزات والحقائق في نصّ عادي، إلى إنشاء الصور المثيرة للعواطف البشرية بالدرجة الأساس، قبل أن يعزز اختراع التلفزيون عصر الاتصالات ويعيد صناعة تاريخ التواصل بواسطة رواية القصص الشفاهية المعززة بقوّة الصور الساحقة.
وكما كان الناس في العصور الوسيطة يتحلقون حول شخصية الراوي أو الحاكي ويستمعون إلى القصص، يفعلون ذلك الآن وهم يتحلقون حول التلفزيون مأسورين بسيل الصور المدهشة المنبعثة منه والمُعززة لتلك القصص التي لم تكن شائعة -القصص والأساطير الخفية- في التدفق المستمر للصور. تشير هذه الصور إلى الأساطير -وبالتالي تساعد في بناء عالمنا وقيمنا- بالطريقة نفسها التي كانت تقوم بها القصص في الثقافة الشفهية.
وإذا كان الجمهور يتلقى فعل الحكي بشكل جماعي وبدرجات تأثر متفاوتة حسب وعي الأفراد وقدرتهم على التخيّل، فإن فعل القراءة نقل هذا التلقي من الجمعي ـ الاجتماعي إلى الفردي ـ الذاتي، ولعل الأمر لا يختلف كثيرا عما فعلته مواقع التواصل الاجتماعي بالنسبة للأفراد قياسا بالتلفزيون المُشاهد جماعيا، وفي الحالتين كليهما تلعب الصورة دورا حاسما لجهة تأثيرها العاطفي المباشر على المتلقين، لاحظ أن مواقع التواصل الاجتماعي تعتمد النصوص القصيرة جدّا في حدّها الأدنى، متيحة للأفراد إمكانية سدّ نقص المكتوب بالصورة المرئية المصاحبة للمنشور، وقد أثبتت الدراسات الخاصّة بوسائل التواصل الاجتماعي، أن المنشورات النصّيّة غير المصحوبة بصورة، لا تحظى بنسبة قراءة عالية، قياسا بتلك المصحوبة بالصور المعبّرة أو المؤثرة التي تُكمل مفهوم المنشور أو الغاية منه.
وإذا كان البعض يعتقد أنّ الصور قد تُفسد القدرة على التخيّل في حال قراءة النصوص وتقضي على تفاوت القدرة على التلقي، فإنّ هذا التأثير يقتصر فقط على النصوص الإبداعية التي تعتمد الخيال المطلق.
وفي هذا السياق، فقد رسمتُ شكلا محدّدا وراسخا في مخيّلتي لشخصية فلورنتينو أريزا في رواية ماركيز الشهيرة “الحب في زمن الكوليرا”، لكنّني لم أستطع تقبل شكل الممثل الإسباني خافيير باردم على الإطلاق حين جسّد الشخصية في الفيلم، بل إنّه أفسد عليَّ الصورة الخياليّة التي رسمتها لتلك الشخصية.
بدأت ثورة الصورة منذ 150 عاما مع اختراع التصوير الفوتوغرافي. عندما صار بالإمكان لأوّل مرّة، إعادة التماثل المرئي للكائنات والأشياء على نطاق واسع. ولم يستغرق الأمر سوى 50 سنة حتى أصبحت هذه الطريقة الجديدة في التماثل وسيطا رئيسا في نقل القيم الاجتماعية.
لقد تطور تاريخ التواصل الاجتماعي البشري عبر ثلاث مراحل محدّدة، وهي التواصل الشفاهي القائم على السرد المحكي، إذ كان التعلم والتقاليد والترفيه يتم تمريرها عن طريق الكلام الشفاهي بواسطة سرد القصص، قبل أن يتطور الأمر إلى وظيفة الحاكي ـاختراع الراديو لاحقا بالاستناد إلى هذا المفهوم بشكله البدائي- قبل أن تُخترَع الكتابة التي جعلت من الممكن الحفاظ على المعلومات والتقاليد الأدبية بما يتجاوز قدرة الذاكرة، ثم تطور لاحقا إلى اختراع المطابع وانتشار الكتب.
لكن مع اختراع التصوير في القرن الثامن عشر، شهد مفهوم التواصل الاجتماعي تطورا مهولا، لتتلقف صناعة الإعلان هذه الخاصيّة الجبّارة وتنتقل بوسائلها من الإخبار وتعريف الجمهور بواسطة سرد الميزات والحقائق في نصّ عادي، إلى إنشاء الصور المثيرة للعواطف البشرية بالدرجة الأساس، قبل أن يعزز اختراع التلفزيون عصر الاتصالات ويعيد صناعة تاريخ التواصل بواسطة رواية القصص الشفاهية المعززة بقوّة الصور الساحقة.
وكما كان الناس في العصور الوسيطة يتحلقون حول شخصية الراوي أو الحاكي ويستمعون إلى القصص، يفعلون ذلك الآن وهم يتحلقون حول التلفزيون مأسورين بسيل الصور المدهشة المنبعثة منه والمُعززة لتلك القصص التي لم تكن شائعة -القصص والأساطير الخفية- في التدفق المستمر للصور. تشير هذه الصور إلى الأساطير -وبالتالي تساعد في بناء عالمنا وقيمنا- بالطريقة نفسها التي كانت تقوم بها القصص في الثقافة الشفهية.
وإذا كان الجمهور يتلقى فعل الحكي بشكل جماعي وبدرجات تأثر متفاوتة حسب وعي الأفراد وقدرتهم على التخيّل، فإن فعل القراءة نقل هذا التلقي من الجمعي ـ الاجتماعي إلى الفردي ـ الذاتي، ولعل الأمر لا يختلف كثيرا عما فعلته مواقع التواصل الاجتماعي بالنسبة للأفراد قياسا بالتلفزيون المُشاهد جماعيا، وفي الحالتين كليهما تلعب الصورة دورا حاسما لجهة تأثيرها العاطفي المباشر على المتلقين، لاحظ أن مواقع التواصل الاجتماعي تعتمد النصوص القصيرة جدّا في حدّها الأدنى، متيحة للأفراد إمكانية سدّ نقص المكتوب بالصورة المرئية المصاحبة للمنشور، وقد أثبتت الدراسات الخاصّة بوسائل التواصل الاجتماعي، أن المنشورات النصّيّة غير المصحوبة بصورة، لا تحظى بنسبة قراءة عالية، قياسا بتلك المصحوبة بالصور المعبّرة أو المؤثرة التي تُكمل مفهوم المنشور أو الغاية منه.
وإذا كان البعض يعتقد أنّ الصور قد تُفسد القدرة على التخيّل في حال قراءة النصوص وتقضي على تفاوت القدرة على التلقي، فإنّ هذا التأثير يقتصر فقط على النصوص الإبداعية التي تعتمد الخيال المطلق.
وفي هذا السياق، فقد رسمتُ شكلا محدّدا وراسخا في مخيّلتي لشخصية فلورنتينو أريزا في رواية ماركيز الشهيرة “الحب في زمن الكوليرا”، لكنّني لم أستطع تقبل شكل الممثل الإسباني خافيير باردم على الإطلاق حين جسّد الشخصية في الفيلم، بل إنّه أفسد عليَّ الصورة الخياليّة التي رسمتها لتلك الشخصية.