فى مقال سابق بعنوان " القيمة والوجود " "1" وصلت الى بعض الاستنتاجات التى اذا كانت صحيحة فانه يجب أن يكون لها عواقب بعيدة المدى بالنسبة للفلسفة بقدر ماتتعلق بعلاقة القيمة بالكينونة . فقد رئى فى المقام الاول أن القيمة لايمكن تعريفها بشكل نهائى ، بمصطلحات الوجود والكينونة . ولا يمكن تصورها باعتبارها صفة للكينونة من دون الوقوع فى تناقض ، وتعريفها بمصطلحات القيمة ينطوى على الوقوع فى الحلقة المفرغة . ومن ثم حاولت أن اظهر أن القيمة ليست موضوعا على الاطلاق ، بل موضوعية وليست " ماذا " بل " ذاك " ، وشكلا فريدا تاما من الموضوعية غير قابل للاختزال ، ومثل الوجود ، ولكنها فى حد ذاتها ليست شكلا من أشكال الوجود . وفى مقابل عالم الموضوعا ت ،فان مقولات القيمة والكينونة ، على هذا النحو ، شاملة لكل مقولات العا لم .
ينظر ككل لهذه الورقة باعتبارها استمرارا للسابقة ، وهى بدورها ، تعد فى حد ذاتها تمهيدا للدراسة النهائية التى جعلت عنوانها " المشاكل الانطولوجية للقيمة " . ومع ذلك ، تتعامل بالتفصيل مع مشاكل معينة ليست ذات اهتمام مستقل بما هو خاص بها . لكن فى واجهة النقاش فى الوقت الحاضر، تحت عنوان : معرفة القيمة ، سوف أقدم دراسة مستقلة عن القيمة كمصطلح ، ودراسة فينومينولوجية لما يكمن فى طبيعة القيمة على هذا النحو . هذا ، وأنا آمل ، ان يكون لها تأثيرها الخاص بها على المسائل الأخرى .
ولكن بقدر ما لتطور موقفنا العام من اثارة للقلق ، فان نتائج هذه الدراسة – فيما اعتقد – موجودة بمعناها المكتكل فيما وصلنا اليه من قبل . وسوف احاول – على الأقل – تقديم هذا الرأى . وفى الختام اقترح تناول مسألة حكم القيمة ، وادراك حكم القمة المتضمن من خلال استنتاجات المقالين .
I
لقد قلنا ان القيمة لايمكن تعريفها بشكل نهائى بمصطلحات الحقيقة ، وفى كل حالة من حالات مفهوم القيمة ، فالمعروف بشكل سابق تفترض الكينونة "2" . اذا كانت الحالة هكذا ، فان الوسيلة لمزيد من المعرفة يجب أن تجد القبول من خلال تحليلنا الديالكتيكى لما يكمن فى فكرة القيمة نفسها . مع ذلك ، فنه ليس من الحكمة فى هذا الصدد أن تختلف عن انواع اخرى للموضوعية التى – على الرغم من عدم امكانية تعريفها ، الا أن المعرفة المسبقة بها ممكنة . وأى موضوع سواء كان موجودا أو غير موجود فبوسعى – على سبيل المثال – معرفته من خلال الخبرة فحسب .
لكن هناك بعض المقترحات عن الوجود ، أن الموضوع المعطى ، يجب أن يكون اما موجودا أو غير موجود ، أو أن بعض الموضوعا ت – مثل المربعات المستديرة – لا يمكن أن تكون موجودة ، وبوسعى معرفة ذلك مسبقا . وبالمثل ، ان أى موضوع ذى قيمة أو يجب أن يكون ذا قيمة ، يمكننى معرفته من خلال الخبرة فقط ، لكن من المتصور تماما عن القيمة نفسها أن بعض الافتراضا ت يمكن أن تتم بالدليل المسبق وكذلك ان أى قيم معطاة هى بالتا لى محددة سلفا .
هل توجد أى افتراضات عن القيمة مع الدليل المسبق ؟ وأى عناصر مسبقة توجد فى التقويم ؟ هذا السؤال حظى باهتمام من مصادر متباينة فى الآونة الاخيرة . مفكرون يمثلون مواقف متنوعة ، هؤلاء مثل "ليبمان " و "ليسنج " و "راسل " و " مينونج " ، سعوا الى معا لجة تلك الجوانب فى القيمة التى يمكن أن تكون محدودة . وقد كانت المسألة برمتها مربكة الى حد كبير ، ومع ذلك ، من خلال افتراض أننا قد نعرف مسبقا ما الموضوعا ت الخيرة فى جوهرها ، أوالموضوعا ت الأفضل من غيرها ، عندما كان – فى واقع الأمر – بوسعنا استنتاج قيمة الموضوع من طبيعته بدرجة اقل من امكانية استنتاج وجوده . ولكن دعونا ندرس المسألة بالنسبة لنا .
طريقة واحدة لمقاربة البداهة وهى السؤال عما اذا كان بوسعنا التفكير فى عكس أى افتراض . هذا الاختبار – لمبدأ لا يمكن تصوره فى العكس – قد تم تطبيقه فى واقع الأمر على التقويم كما هو الحال عندما رئى أنه يجب أن تكون أحكام القيمة حاسمة بشكل مطلق ونهائى ، على اعتبار أن الصواب أفضل من الخطأ ، والحياة أفضل من الموت ( ليبمان )"3" . أو كما هو الحال عندما يقول " راسل " نحن نحكم بأن السعادة مرغوبة اكثر من البؤس ، وأن المعرفة مرغوبة أكثر من الجهل ، وارادة الخير مرغوبة أكثر من الحقد ، وما الى ذلك .
مثل هذه الأحكام جزئيا على الأقل يجب أن تكون مباشرة وبديهية "4" .والآن يوجد عنصر مباشر وسابق فى جميع هذه الافتراضات هو – فى اعتقادى – وعلى الأرجح – ليس من واجبنا أن نولى اكتشاف موضعه اهتماما . فنادرا ما يكون من الممكن أن يكمن فى القيمة الجوهرية للحقيقة أو المعرفة ، والحياة أو السعادة لأنه فى حين أن أضداد مثل هذه الافتراضات كتلك السابقة فانها لاتطاق "5" . ونادرا مايقال انه لايمكن تصورها .
من الممكن تماما أن نتا مل العا لم المعكوسة فيه هذه التفضيلات والذى كانت الا ضداد فيه حقيقية . خبرة " نيتشه " بالتقويم المؤقت للقيم أيا ما كان المعروض ، ينبغى أن – على الأقل – أن نحذر أنه أيا كانت الحدود الموجودة للتقويم المؤقت فهى امبيريقية وليست مسبقة . لا وجود لقيمة لعكس ما لا يمكن تأكيده .
يجب على العناصر المسبقة أن تكمن فى شكل هذه الافتراضات وليس فى مضمونها . فمن المعقول أن نفترض أنه اذا كان هناك مثل هذا ، فانها – أى العناصر – سوف تشمل جميع هذه الافتراضات عن القيمة باعتبارها غير مبالية تماما بالارادة الفعلية والتقويم VERTHALTUNG ، أى مع الشكل وليس مع مسألة التقويم . والان هناك – كما اعتقد – فى كل هذه الافتراضا ت باعتبارها سابقة ، وفى كل أحكام القيمة – فى الواقع – على الأقل – عنصران مباشران وبديهيان ، وأنا لا أقول انه ليس هناك أكثر ، مما يعد ذا مغزى بالنسبة لدراستنا ، وخلاف ذاك يوجد فرضان للقيمة يمكن اجراءهما على الموضوعات بداهة ، وفى استفلال تام عن الارادة الفعلية والتقويم وافتراضهما فى كل تقويم .
أول هذين الافتراضين على الرغم من انه يبدو فارغا من النظرة الأولى وشكليا وفقا للفحص الدقيق للأهمية الحقيقية . وعليه أن يعمل مع ما يجوز لى أن اسميه شمولية مقولة القيمة . وأعنى بذلك أن كل موضوع يقع ضمن مقولة القيمة تماما مثلما بالضرورة يقع ضمن مقولة الكينونة . يجب أن يكون لكل موضوع ( بالمعنى الواسع ) لكلمة القيمة الايجابية أو السلبية محمولا . ككل موضوع موجود أو غير موجود . هكذا يكون كل موضوع –أو يجب أن يبدو لنا أنه كا ئن – فى نطاق القيمة الايجابية أو القيمة السلبية تقريبا . والاخير أساسى مثل السابق .
هذه الضرورة أراها تكمن وراء كل حكم قيمة . والموضوع المعطى حاصل على قيمة ايجابية أو سلبية ، كما أن المسالة قد تكون مسألة خبرة ولا يوجد حكم من هذا القبيل على العكس مما لايجوز تأكيده . ولكن لا يمكن التفكير فى أى موضوع ان لم يكن ممكنا – على الأقل فى الواقع – وليس هو ولا غيره . كل الموضوعا ت باعتبارها أشياء ذات اهتمام اما فعلا أو احتما لا ، وحيثما يوجد الاهتمام توجد القيمة . والموضوع عديم القيمة WERT FREI -عندما تكون القيمة متصورة بما فيه الكفاية على نطاق واسع – يمثل تناقضا فى المصطلحات .
وقد اثيرت اعتراضات على هذا الرأى – فى اعتقادى – لكن فقط لو اسىء فهم معناه . وهذا لايعنى – على سبيل المثال – أن كل حقيقة لديها قيمة ايجابية . ليست لد ينا معرفة مسبقة بالخير والسىء من الموضوعات أيا كانت . وهذا لايعنى أن كل الموضوعات خير أو شر بالمعنى الاخلاقى الضيق . فهناك موضوعا ت لاتندرج ضمن هذه المقولات . وهذا يعنى فقط أن حقيقة كينونة الموضوع تحمل فى طياتها ما يقتضى ضمنا قيمتها الايجابية أو السلبية مما لامفر منه مثل وجودها أوعدمه "6" .
من الصائب بطبيعة الحال أن نجد فى التقويم الفعلى عدم الاكتراث ببعض الموضوعات ، ومن هذه اللا مبالاة السيكولوجية موضوعات غير مكترث بها بشكل جوهرى أو تم استنتاج أنها عديمة القيمة . يجب أن يكون واضحا أن – مع ذلك – هذا عدم الاكتراث السيكولوجى هو فى الحقيقة لا يعدو أن يكون رفضا للقيمة التى كما أشار اليها "سيمل ""7" حقا قد تكون حاصلة على مغزى قيمة ايجابية للغاية ، وفى خلفيتها دائما امكانية الاهتمام الذى لايتم به أى استعمال للمغزى . بالمعنى الدقيق للكلمة ، مصطلحا : (عد يم القيمة ) و( خير للا شىء ) لا يعنيان مجرد غياب القيمة كما تبدو الاشارة اليه من الصيغة اللفظية . انهما بالنسبة لبعض الاهتمامات المحددة للمغزى يعدان بلا قيمة . وحتى تعبير " خير للا شىء" اذا عالجناه بشكل مطلق ، فاننا نجده يحمل فى طياته – على الأقل قيمة سلبية "8" .
من وجهة نظر أخرى ، قد تكون شمولية مقولة القيمة موضع تساؤل . هل يتم تقويم هذه الموضوعا ت هكذا ، ام هل هى موحودة حقا أم غير موجودة ؟ . بعبارة أخرى ، هل هى ليست الموضوعات الحقيقية الوحيدة ، بمعنى أن الموضوعا ت موجودة فعلا أو ربما تكون موجودة ، وهل يندرج هذا ضمن مقولات القيمة ؟ .
هذا من شأنه استبعاد العديد من الموضوعا ت ، على سبيل المثال ، الموضوعا ت المثالية والمستحيلة . صحيح أن المثل الاخلاقية لاتدرك غالبا ، ولكن الاعتقاد فى امكانية تحقيقها قد يعد افتراضا أساسيا لقيمتها .لكن ماذا عن الموضوعا ت، او الجواهر الخالدة ؟ . ما زال مايعد أكثرمن ذلك ، فالموضوعا ت المستحيلة مثل المربعات المستديرة ، والسعادة الخالصة ، التى لاتوجد ولا تعاش ؟ كل هذه الفئات من الموضوعات تخلق مشكلات متميزة لنظرية القيمة ، مشكلات يجب علينا مواجهتها عندما نأتى الى علاقة القيمة بالحقيقة ، ولكن بقدر ما مشكلتنا الحالية تبدو متعلقة بالاجابة فانها تبدو لى لا لبس فيها . باعتبارها موضوعات اهتمام فعلى أو محتمل ، وبالرغم من أنه اهتمام مختص بالمعرفة الا أنه يقع فى مجال القيمة .
لكن شمولية محمول القيمة ليست مسأ لة خبرة ، ويجب أن نؤكد على ذلك . ان أى موضوع محدد له قيمة سلبية أو ايجابية ، كما قد يكون الحال ، ويعود السبب فى انه ذو قيمة الى مسائل الاهتمام والشعور والرغبة ، الا أن هذا يجب أن يقع حيثما يكون مجال القيمة ، ويعد هذا الشكل الأساسى للاهتمام والارادة بوصفهما منطقبا سا بقين على خبرة الرغبة والشعور . وهذا فى مقابل عا لم الموضوعا ت المجردة مثل مقولة الكينونة والقيمة والأشكال الشاملة للعا لم .
مع ذلك هناك ما يمكن فوله بأنه توجد بداهة حول قيمة الموضوعا ت . انها تكمن – كما نرى – فى طبيعة القيمة على اعتبار أنها يحتمل ان تكون – على الاقل – محمولا لجميع الموضوعات . وتكمن أيضا فى طبيعة القيمة باعتبار أن كل قيمة تستند الى نظام أسمى او ادنى . ترتبط طريقتنا فى المواجهة بفكرة ان وراء الشىء المفوم يوجد شىء آخر لديه قيمة أخرى ، اما أكثر او أقل . هذا هو ما يعطى عا لم القيم شكله . ويترتب على هذا – والقيمة الفعلية أو القيمة المحتملة لجميع الموضوعات - أن اعطاء اى القيم الثلاث لأى نوع - يجب ان تكون احداها فى الوسط . وبالنسبة لأى من القيمتين فان احداهما تكون تكون اكبر من الاخرى . القيمة المنعزلة تعد متناقضة اصطلاحيا . ولكننا نعرف – وهذه المعرفة بوسعنا الحصول عليها من خلال الخبرة فحسب – أنه بين اى موضوعى قيمة لابد من وجود علاقة .
وهناك ، رأينا انها حافظت على عنصر البداهة ، فى مثل هذه الافتراضا ت ، على النحو الآتى : " الحياة أفضل من الموت " و " المعرفة أفضل من الجهل " و " السعادة أفضل من البؤس " وما الى ذلك . والان العنصر الوحيد الذى بوسعى العثور عليه بالضبط هو ضرورة أنه عندما يتم وضع أى موضوعين من موضوعا ت القيمة فى علاقة ، يجب ان يكون أحدهما أسمى من الآخر . ومن الممكن تماما – كما رأينا – أن نفكر فى العا لم الذى يجب أن يكون على العكس من اى أمر من هذا القبيل ، ولكن ليس بوسعنا أن نفكر بالعا لم حيثما لا يكون نظام القيمة هذا موجودا ، أى أكثر مما نستطيع التفكير فى عا لم فيه ( 2+2 =4 ) . انا افهم – على سبيل المثال – أن نظام انقاذ ركاب السفينة الصينية كان على العكس مما فى العا لم الغربى – يبدأ بالرجال ، ثم الاطفال ، وأخيرا النساء . من هذا القبيل ينعكس النظام ، مع ذلك ، لنترك عنصر البداهة فى التقويم دون مساس – اى – حقيقة النظام نفسه .
أكرر ، ان من الممكن تماما التفكير فى العا لم الذى فيه عكس أى من قيم الحياة والمعرفة وما الى ذلك ، ويجب التاكيد ، حتى على أن العا لم الذى لايتحقق فيه الميل أفضل من العالم الذى يتحقق فيه الميل ، والموت أفضل من الحياة ،وربما يكون العدم افضل من الوجود . على الرغم من أن التشاؤم المطلق غير موجود ، الا أن من الممكن تصوره . ولكن افتراض أى قيم على الاطلاق يجب أن يقر بهذه العلاقة .
يمكن الطعن على كل من الدليل الذاتى واهمية هذا الافتراض . بالنسية للأول الاعتراض مماثل لما اثير ضد مبدأ شمولية القيمة . كانت هناك حقيقة ( اللامبالاه السيكولوجىة ) ، وهنا قد تكون حقيقة عدم قابلية القيم للقياس . قد رئى – على سبيل المثال – مع " ليبمان " أن القيمة هى بالضبط تلك العلاقة التى بفضلها يكون أحد الموضوعا ت مفضلا على موضوع آخر من نفس الفئة . ولكن يجب علينا أن نؤكد على كلمات محددة ( داخل هذه الفئة ) .
داخل هذه الفئة من القيم – على سبيل المثال – القيم الاقتصادية أو القيم الاحلاقية ، احداهما فى الواقع يجب أن تكون أكبر من الأخرى . وهذا يكمن فى الطبيعة الكمية للقيمة . لكن الفئات نفسها غير قابلة للقيا س . والمقارنة هنا تؤدى الى ما لا معنى له . المقارنة بين الموضوعات الفعلية صعبة بما فيه الكفاية ، ولكن ماذا عن الافتراض القائل بأن الفضيلة ذات قيمة أكثر من المثلث .
الآن بالنسبة لعدم امكانية القياس الفعلى للكثير من القيم – فى الواقع – نحن نعترف به كما اعترفنا بحقيقة اللامبالاة السيكولوجية . ولكن هذا العجز عن تحديد العلاقا ت لايثبت أنه لاتوجد علاقات ، نجد اللامبالاة تثبت وجود موضوعا ت تقع خارج نطاق القيمة . بقدر ما الموضوعات الموجودة هى المعنية ، فان الخبرة – فى الواقع – تبين أن الموضوعات غير قابلة للمفارنة بشكل واضح حقا .
"مملكتى من أجل الحصان " و " أود أن أقدم كل ما أملك من أجل هذه الرسالة " . حقائق مثل هذه ، وحا لات لاتزال ملفتة للنظر بشكل كبير للتضحية أو تبادل القيم الأخلاقية للشرف الشخصى والحقيقة تظهر شمولية مبدأ النسبية لجميع الموضوعات الحقيقية أو القابلة للتحقيق . ولكن يجوز أن نتفق على الموضوعات الوحيدة الموجودة فى اتصال مع علاقة هى الأفضل . كل الحقائق عن اللاوجود متساوية فى القيمة ، لا افضل ولا اسوأ .
يرى " ليسنج ""9" أن فى مجال القيم الخالصة والخالدة جميع المنافسات –كلها بشكل أكبر أو أقل –لا معنى لها . القيمة الخالصة يمكن أن تكون أكثر أو أقل قيمة باعتبا ر الحقيقة يمكن أن تكون صالحة بدرجة أكبر أو اقل .من خلال استنتاج من هذا النوع . يصر - هؤلاء الذين يتحدثون عن قيم مطلقة مقيدة من هذا النوع – على اما أن هناك مطلقا مختلفا لا يمكن قياسه تماما ، - القيم "مونستربيج" أو احدى القيم المطلقة الخالدة ، هى ، الحقيقة ، وكل القيم الأخرى نسبية "سولمو" .
من الواضح أننا هنا وجها لوجه مع السؤال الجوهرى .هل من الضرورى الاعتراف بنوعين لاعلاقة لهما بالكامل بالقيمة ؟ بطريقتنا فى المواجهة ، لايوجد أى شك ، بالتزامنا بفكرة أن وراء الشىء المقوم يوجد شىء آخر .حاصل على قيمة أخرى اكثر أو أقل . والتوسط النسبى متضمن فى فكرة القيمة . هل هناك قيم لما هو ليس حقيقيا ؟ يبدو لى مثل هذا الاستنتاج ليس ضروريا ، فالصعوبة هنا قد استغلت للوقوع فى الارتباك .
لان الموضوعا ت خالدة ، الا أنه لايترتب على ذلك أن قيمها خالدة ، لأن حقيقة هذه الموضوعا ت لا يمكن أن تكون اكثر أو أقل صدقا ،ولا يترتب على ذلك أن هذه الحقائق يمكن أن تكون أكثر أو أقل قيمة .
من ثم يفهم بشكل صحيح أنه تكمن فى حقيقة القيم أنها قابلة للمقارنة . وليس صحيحا أن كل الحقائق عن اللاوجود ليست افضل ولا أسوا . على الرغم من أنها محل نزاع ، فقد يعنى القول – على الأقل – بأن حقيقة ( 2+2=4 ) هى أكثر أهمية من حقيقة أن مجموع زوايا المثلث تساوى قائمتين ( 180 درجة) ، او كما أكد "فونت " Whilhelm Wundt على أن المسلمات الأخلاقية – فى موضع ما – فى رؤيته الأخلاقيه – هى أكثر بديهية من بديهيات المنطق .
ربما تكون هناك وجهات نظر تقول بأن الدائرة أفضل من المربعات المستديرة والفضيلة اكثر أهمية من غيرها . بلا شك هناك علاقا ت عديدة ليست ذان أهمية ، ولكن لا تأثير لعدم أهميتها على المبدأ . اذا كان كل موضوع فعلا أو احتمالا فى موضع ما من مجال القيمة الايجابية أو السلبية ، واذا كانت طبيعة القيمة مثل اى قيم ثلاث معطاة ، يجب أن تكون احداها فى الوسط ، وجميع موضوعا ت القيمة أيا كان نوعها يجب ان تكون فى نهاية المطاف قابلة للقياس .
حقيقة عجزنا عن تحد يد هذا الامر بلا تاثير على المبدأ اكثر من ان معرفتنا لا تمكننا من تحديد أن وجود أو لا وجود الموضوع ، يؤثر على ذلك الوجود . فى حين أن القيمة غالبا ما تكون قا بلة للقياس امبريقيا ، فانها لايمكن أن تكون كذلك من حيث المبدأ بدون تدمير جوهر فكرة القيمة .
لأهميةهذا المبدأ يمكننا الحديث اكثر باختصار . ويمكن القول ان هذا المبدأ المسبق لاشىء أكثر أو أقل من الدرجة أو الكمية الكامنة فى الصفة باعتبار أن الصفة قابلة للتطبيق على القيمة مثلما هى قابلة للتطبيق على الجوانب الأخرى للأشياء .
ولكن بصرف النظر عن الحقيقة – القا ئمة بافعل – فان اقيمة ليست بمثل هذه الصيغة ، مثل هذا الادعاء يشكل سوء فهم للموقف بكامله ، وهذه النقطة بالذات فى المسألة . فى حالة الصفة ودرجتها ، يبدو أن المفهومين منفصلان – على الأقل - عند التحليل . فى حالة فكرة القيمة – من جهة أخرى – يمثل الطابع البديهى جزءا من الفكرة نفسها .ومن المثير للاهتمام فى هذا الصدد ملاحظة ان "بالدوين " فى – نظرية القيمة – الأكثر ملاءمة للمناقشة فى الآونة الأخيرة "10" ، يعترف بأن التوسط والنسبية ( بعلاقة أكثر أو أقل ) يرتبطان مع فكرة القيمة .
لهذا السبب ، يجد " بالدوين " الحقيقة ليست فى مقولاات الوجود ولا فى القيمة ، بل فى الجمالى . ولكن هل الجمالى تجربة قيمة؟ . اذا لم يكن كذلك فماذا يكون ؟ . واذا كان قيمة فهل هو لايفترض قيمة أخرى أكثر أو أقل ؟ زعمه بأن الموضوعا ت الجما لية ، باعتبارها جما لية ، غير قابلة للمقارنة ويمكن فهمها بالكاد (ص 282 ) . الفشل فى الاعتراف بأن أكثر أو أقل هو جزء لايتجزا من خبرة القيمة حتى فى شكلها الجمالى يفسد حجته بالكامل فى اعتفادى .
II
لقد طورت الآ ن - ما يبدو لى أنهما - عنصرين مسبقين فى فكرة القيمة، عنصران يكمنان فى طبيعة القيمة بهذه الصفة . وانا لا أقول ان هذا يستنفذ الجانب البديهى للقيمة ، بل سيكون كافيا لأغراضنا الحالية .
نتائج هذه الدراسة لها – فيما اعتقد – أهميتها الجوهرية الخاصة بها – لكن كما اقترحت بالفعل – فهى تستخدم هنا بشكل رئيسى من اجل المزيد من التطوير لمذهب ( موضوعية القيمة ) . دعنا الآن نعود الى استنتاجات مقا لتنا السا بقة . لاصفة للموضوعات فيزيقيا أو سيكولوجيا ، ولاعلاقة بين الموضوعات من نوع التعريفا ت العلا ئقية . وقد تم التوصل لهذه الاستنتاجات بشكل سلبى من خلال الدراسة النقدية لتعريفات القيمة وبشكل ايجابى من خلال تحليل عمليات ادراك القيمة . فى المقالة الحالية كان المنهج منهجا أكثر موضوعية للتحليل المسبق . وكانت النتائج – فى اعتقادى – مكتملة تماما . دعنا ندرس بعض النقاط الأكثر أهمية .
فى المقام الأول لقد أصبح واضحا تماما الفرق بين القيمة وأى شكل من أشكال الكينونة . محمول القيمة مثل المحمول الوجودى مقولة شاملة . وكما فى كل موضوع – الموضوع الذى لاغنى عنه – يجب أن يكون اما موجودا أو غير موجود ، لذا يجب على كل موضوع أن يكون فى موضع ما فى مجال القيمة الموجبة أو السالبة. والفرق بين الاثنين واضح أيضا . وفى حين ان الوجود متناقض مع اللاوجود ، فان القيمة السا لبة ليست متناقضة مع القيمة الايجابية . هذا ينبغى أن يشكل حاجزا فعلا ضد تحديد القيمة باى ىشكل من اشكال الكينونة "11" .
لكن يبدو الفرق فى نقطة أخرى أيضا . فلا يمكن أن يكون هنلك شىء مثل القيمة المنعزلة – ومفهوم الأسمى والأدنى جزء لايتجزأ من مفهوم القيمة . ومع ذلك قد تكون هناك يشكل جيد للغاية موجودات وحقائق معزولة . ولايمكن التفكير فى القيمة دون التفكير فى الدرجة فى الوقت نفسه ، ولكن لاينطبق نفس الشىء على الكينونة . عندما يتم اتخاذ الموقف العكسى – على سبيل المثال – فى نظرية درجا ت الحقيقة – فان هذا – فيما اعتقد – لأن دلالة القيمة قورئت بمفاهيم الوجود والكينونة ، ومن هذه الدلالة اقتبس الشكل الأساسى للقيمة . الا ان هذا كان تأثيره أكثر فيما بعد .
الضوء الذى يلقيه التحليل المسبق على الطابع الايجابى لموضوع القيمة ليس قليل الأهمية . فالشكل اللفظى لحكم القيمة – كما رأينا – هو : ان الموضوع يجب ان يكون ، أو يجب أن يكون كذا وكذا فى اعتباره الخاص . فى هذا الحكم ندرك ، ليس صفة الموضوع ، بل الموضوعية . من أين هذا ال " مايجب أن يكون " ؟ انه ينبع – فيما اعتقد – من الضرورة المسبقة المتاصلة فى القيمة بشكل جوهرى . ويحب ان يكون الموضوع حاصلا على قيمة ايجابية او قيمة سلبية ، فوراء الموضوع المقوم يزجد موضوع آخر اكثر أوأقل قيمة ، وافتراضات سابقة على – و مستقلة عن – أى اهتمام خاص أو شعور .
كان هذا التحليل الأخير لمسألة الدليل المباشر . ولكنه اذاكان يكمن فى طبيعة القيمة على هذا النحو ، فان أى موضوعين معطيين ، يجب أن يكون احدهما بالضرورة أكثر قيمة من الآخر ، ومن ثم يترتب على ذلك أن أحدهما يجب ان يكون افضل من الآخر . بوسعنا أن نفكر بعكس هذا الافتراض وليس أكثر من الافتراض القا ئل بأن 2+2 =4 . يجوز ان تكون هذه النقطة اكثر وضوحا - ربما – من القول بأن الموضوع فى حد ذاته يجب أن يكون . وهو يجب أن يكون فقط وليس اى شىء آخر . فمن المستحيل التفكير فى ( الينبغية – ما يجب أن يكون ) بصرف النظر عن اكثر او أقل . فالقيمة المعزولة متناقضة اصطلاحيا .
بالطبع ، قد يتم الاعتراض على ان جزءا من توصيف القيمة الجوهرية لموضوع ما بأنه يجب ان يكون فى اعتباره الخاص . ولكن تقديم هذا الاعتراض يعد سوء فهم للقيمة الجوهرية . تعبير " لاعتبارها الخاص " يشير الى العلاقة بين الوسائل والغايات ، والموضوع والميل ، وما الى ذلك ، وليس الى الأكثر او الاقل . نسبية الاخير لاتنفصل عن مفهوم القيمة . ونسبية القيمة فى هذا المعنى لا سبيل لها للتعا رض مع التصريح بأن القيمة ليست علاقة . والقيمة لا يمكن تعريفها فعلا بشكل ملائم باعتبارها علاقة موضوع بالذات او موضوع بالميل ، وما الى ذلك ، ولكن العلاقة "أفضل من " يمكن النظر اليها على انها كامنة فى طبيعة القيمة بشكل جوهرى .
النقطة الثا لثة لاعلاقة لها بالسألة المثيرة للجدل عن (موضوعية وذاتية ) القيمة . والنقطة الرئيسية فى منا قشات الجمعية هى أحد الخطوط الهامة للانشقاق فى النقاش الذى تلا ذلك . تحليلنا – فى اعتقادى - يلقى الضوء على هذه النقطة أيضا .
فيما يتعلق بموضوعية نوع معين فليس هناك بطبيعة الحال لأى خلاف . هناك القيمة التى لاتاتى ، وتمضى مع الذتية الفردية والتى يتم الشعور بها – على سبيل المثال – اقتصاديا واخلاقيا - ولا أحد يشك فى ذلك . من هذا ، ليس من الانصاف أن نسأل ما اذا كانتا متصلتين بالشعور الانسانى أو بالحقيقة .على نحو موضوعى . كلا هما – اى القيمة الاقتصادية والأخلاقية - . عندما تعتبر الطبيعة الاجتماعية للقيمة متبادلة بين الموضوعية والنسبية لشعور الانسان فانها تعد غير صحيحة بشكل كامل . عند هذه النقطة لست بحاجة الى الاستمرار . فقد تم تطويرها بشكل كامل فى دراستى للقيم "12" . لكن هذا ليس السؤال فى القضية . فهو يتعلق بموضوعية نوع آخر تماما يحتدم النزاع حوله .
هناك اولئك الذين يعتقدون – على سبيل المثال – فى أن القيم صفات لموضوعا ت حاضرة مثل النزاهة ، وان الذات تدركها ، وهى توجد مستقلة عن الذات . ليس عبثا أن يشير ذهب كاليفورنيا الى ( القيمة بالنسبة لسكانها ) فى الوقت الذى كان فيه لم يكتشف بعد ، وليس هذا بلا معنى . ولكن لماذا لم يكن بلا معنى ؟ لأننا لم نتعامل مع التقويم على الاطلاق ، ولكن مع افتراض حقيقة بسيطة "13" . مرة ثانية ، هناك اولئك الذين – كما راينا – فى محاولاتهم انصاف طبيعة القيمة باعتبارها موضوعية بشكل نهائى ، وفى نفس الوقت للاعتراف بعلاقتها بالموضوع الانفعالى وتوصيفها باعتبا رها "وجود حتميا " أو " كينونة للارادة " . ان هذا يقودنا مرة أخرى الى صعوبات التعريف العلائقى – كما رأينا – ولسنا بحاجة للخوض فى هذا الموضوع هنا "14" .
من ثم ، كيف نتصور موضوعية القيم ؟ لا أحد يعتقد أن القيمة تأتى وتمضى مع الذات التى تشعر بها ، فكيف نوفق هذا مع افتراض محدد مساو بأن القيمة تكون دائما بالنسبة للذات ؟ أنا- بالنسبة لهذا – لم أقررالتقليل من شأن صعوبات هذه المشكلة . لقد تاملتها لسنوات . وبعد محاولة كل الفروض عن " احتمالية مينونج " عن الارادة الفردية المفرطة والذات المتعا لية وجدت أنها ناقصة ، ولست واثقا فى الحل المفترض هنا . لكننى اعتقد أن الاجابة تكمن فى اتجاه مواقف هذه المقالة على الأقل . من ثم دعونا نتذكر الجوانب المسبقة للقيمة ونرى ما لديها من تأثير على هذه النقطة .
من شان ذلك الا يكون هناك تقويم ، وبالتالى لاوجود لتطبيق القوانين المسبقة عن القيمة ، اذا لم تكن هناك الذات المنفعلة باهتماماتها ، هل يمكن ان تؤخذ الان على وجه التأكيد . ولكن هذا أبعد ما يكون عن القول بان القيمة محددة تماما من قبل الذات المنفعلة ، اما بشكل فردى أو اجتماعى . جانب من تحديد أى قيمة هو بالضبط الضرورة الكامنة فى طبيعة القيمة بشكل جوهرى . أنا ربما اقدم وجهة نظرى فى هذا الشا ن . اذا عرفنا بصرف النظر عن تجارب معينة عن الرغبة والشعور ، ان لكل موضوع ، فى المعنى الأوسع مكان فى عا لم القيمة ، سواء كانت القيمة ايجابية أو سلبية ، ومن ثم فان العمليا ت السيكولوجية للتقويم ليس بوسعها بداية اعطاءها ذلك المكان . واذا كان صحيحا أن القيمتين المعطاتين يجب بالضرورة أن تكونا فى علاقة أكثر أو أقل ، ومن ثم فان عمليات الشعور والارادة ليس بوسعها بدء خلق العلاقة .
الاعتراف الهام جدا بهذه الحجة يوضح أن تأ سيس موضوعية القيمة يكون فيما هو أبعد من المعنى الاجتماعى . كما يجب العمل على اظهار – فيما اعتقد – أن الموضوعية لاتتعارض مع الافتراض القا ئل بان القيمة تكون دائما بالنسبة للذات . ومع ذاتية صفات القيمة .أنا لست فى هذه النقطة مهتما بالمضى أبعد من هذا .
III
فى الختام بضع كلما ت ضرورية عن المسالة المتنازع عليها الخاصة بحكم القيمة . تبدو بعض المناقشا ت مطلوبة من خلال كونها مفترضة بصفة خاصة . بقدر ما لا يشير الاستخدام اللا مبالى للكلمات ، فان الزعم بأن حكم القيمة المحدد باعتباره متميزا عن أحكام الوجود والحقيقة ، يعنى بأن القيمة بمعنى ما نسخة مطابقة للكينونة ، ومفهومنا عن القيمة باعتبارها موضوعية يتطلب منا بلا شك الا بقاء على حكم القيمة ، وبقدر ما تكون هذه الحجج قائمة بالنسبة للسابق تكون ايضا قائمة بالنسبة للأخير . مفهوم " معرفة القيمة " قد تم تطويره فى هذا المقال ايضا ليعنى بوضوح وبشكل خاص بمناقشة الذاتية والموضوعية . وفيما يلى سوف نحصر جهودنا على مواجهة بعض الحجج ضد حكم القيمة .
ان هذا المفهوم الذى بدا مؤخرا قد فقد ولم يحرز تقدما لا يمكن انكاره . ويرى كثيرون أن ما يسمى حكم قيمة هو فى الحقيقة حكم حقيقة ( مينونج – سولمو – بيرى ) ، وان التقويم فى حد ذاته ليس حكما ، بل ادراكا للصفة ( مينونج ) أو تعبيرا غن الشعور (كروتشه – بيرى ) . عندما أقول أن هذه الزخرفة جميلة أو هذا الفعل خير ، فكل ما أقوله هو أن الموضوع حاصل على الصفة ، او انه الشعور ، أو من وجهة النظر العلائقية ،ا ننى بشكل مجرد أدرك العلاقة بين الموضوع واهتمام الذات .
ليس بوسعى تجنب الانطباع بأن وجهة النظر السلبية فى كل صورها تقع فى سوء فهم لما هومفترض بانه حكم قيمة ، والسبب الذى قد نراه الآن – فى اعتقادى – ان الموضوع له نفس الصفة ، وان الزخرفة جميلة أو الفعل خير ، يمثلان بلا شك حكم حقيقة وتصريح بواقع الامر . وبالمثل "ا" حاصل على الاهتمام بالموضوع هو مجرد ادراك لعلاقة الموضوع بالذات . اذا كان اى مما سبق يمثل حكم قيمة ، فا نه لايختلف عن احكام الحقيقة والواقع فى اى جا نب ، مرة اخرى ، اذا تم تعريف حكم القيمة " بالخبرة الانفعا لية للخير " ، فيبدو أن هناك سببا للقول بان ماندعوه حكميا بشكل مجرد لبس حكميا . وكما يقول كروتشه مجرد " تعبير عن الشعور " ، وكل مايميز حكم القيمة عن حكم الحقيقة تم العثور عليه فى مرحلة ما قبل اصدار الحكم .
لكن هل هذه هى حقيقة الحالة ؟ . هل حكم القيمة يتحدد اما مع حكم الحقيقة او مع الشعور ؟ . من الواضح ان رأينا أنه ليس كذلك . لقد حذرنا بالفعل من خلط حكم القيمة بحكم الحقيقة .وبالمثل فاننا مرارا وتكرارا وعلى وجه التحديد قد ميزنا بين الخبرة الانفعالية لصفات القيمة وحكم القيمة "15 " . واظهرنا أنه فى حين أنهما قد يكونا متزامنين الا أنهما منفصلان عند التحليل .
يأتى سوء الفهم لموضوع حكم القيمة واضحا فى المناقشة الأخيرة من فبل " بيرى " . فهو يضع الصعوبات المفترضة لنظرية حكم القيمة فى شكل مقنع بصفة خاصة ( اما حكم الحقيقة ، أو الخبرة الانفعا لية ) ،وفى الوقت الحاضر يدعو الكاتب للرد على المعضلة التى قدمها . ان موقف الاهتمام كما يقدمه ، اما يشكل القيم أو يدركها . اذا كان يشكلها فان ادراك القسمة يكمن فى الملاحظة والمقارنة والتسجيل والوصف المنظم للاهتمامات فى علاقتها بموضوعاتها وببعضها البعض ، هذا هو ، حكم الحقيقة .
واذا – من جهة اخرى – كان الاهتمام يدرك القيم ، من ثم فان القيم فى حد ذاتها ليست مسائل اهتمام على الاطلاق ، ، بل صفات لموضوعات يعد الاهتمام من أجلها الحساسية المطلوبة بوضوح . اذا قبلنا هذا الخيار فاننا سوف نعود الى الخلف الى ادعاء ( مور ) بان القيمة غير قابلة للتعريف "16" وهو يعنى هنا انها صفة غير قايلة للتعريف .
دعونا ندرس هذه المعضلة المفترضة . " موقف الاهتمام اما يشكل القيم أو يدركها " . القارىء المدقق يستشعر الغموض فعلا فى كلمة "قيمة " التذى كانت ازالته احدى الموضوعا ت الرئيسية فى دراستنا السابقة . قد يكون جيدا أن " بيرى " قد عمق مذهبه عن " الصفا ت من الدرجة الثا لثة " على الرغم من أننا وجدنا توضيحاته غير ملائمة بشكل استثنائى "17 " . وبالنظر لأنه مازال السؤال عن العرض الانفعالى قابلا للنقاش ، فاننا نفضل ترك المسألة مفتوحة .
من ثم دعنا نقول للحجة الفا ئلة بأن موقف الاهتمام يشكل هذه الصفات او القيم ، هل يترتب على ذلك أن تشكيل القيمة ، وأن علاقة الموضوع بالكينونة يوصفا باعتبارهما " يجب أن يكونا " ؟ . اذا – كما اعتقد – بدا بجلاء أن القيمة شىء آخر غير الصفات باعتبار أن الموضوع تم تقويمه ، ومن ثم يكون من المحتمل نماما ان هذه الصفا ت تعتمد على الرغبة والشعور ، وأنها جزء من القيمة التى تم تحديدها مسبقا ومعترف بها من قبل الحكم فحسب . نكرر، اذا عرفنا بصرف النظر عن الشعور والارادة أن لكل موضوع مكانه فى عالم القيمة ، وان اى قيمتين معطاتين يجب أن تكونا على علاقة باكثر أو اقل ، ومن ثم ليس بوسعهما اعطاء الموضوع ذلك المكان وليس بوسع الاهتمام بدء خلق هذه العلاقة .
الانفصال بحد ذاته عرضة للتساؤل . وليس من المؤكد عدم وجود أرضية مشتركة وأن الموقف الكلى للتقدير قد لايشمل كلا من التشكيل والادراك . ولكن دعونا نرى كيف ان المعضلة تمضى قدما . اذا كان الادراك يشكل القيمة ، فان ادراك القيمة يكمن فى الوصف المنهجى للاهتماما ت فى علاقتها بالموضوعات وببعضها البعض . هناك لايمكن ان تكون المسألة أن الادراك لاينطوى على حكم قيمة خاص . وكما رأينا فانه لايختلف عن أى شكل من اشكال أحكام الحقيقة والواقع . ولكنه – والغريب أن " بيرى " لم ير أن هذا – ينطوى أيضا على الادراك وليس على الاعتراف بالقيمة على الاطلاق .
ان ما يقدمه لى حكم القيمة من المعرفة التى تشكل معرفة بالقيمة هو شىء مختلف تماما ، انها تلك العلاقة الفريدة بالكينونة والعدم ، وأن الموضوع " يجب أن يكون "، ( فما يقدمه حكم القيمة هو ) قيمة موضوعية . لندعو هذا " الوصف المنهجى للاهتمامات " ادراكا للقيمة ومجرد تشويش للتعرف على الموضوع مع المعرفة الخاصة به .
ولكن ما يعد أكثر من ذلك – فيما اعتقد – فى الجزء الثانى من هذه المشكلة هو سوء فهم خطير . من جهة اخرى – اذاعرف الاهتمام القيم ، من ثم فان القيم ليست مسائل ذات اهتمام على الاطلاق ، بل صفات لموضوعات يجهز الاهتمام من اجلها الحساسية المطلوبة بوضوح . هذا الخلط مرة اخرى بين القيمة والمقوم يلعب دوره ، ولكن الاهم من ذلك هو افتراض أن القيمة يجب ان تكون اما علاقة أو صفة . ولكن هل هذه هى الخبارات المتاحة فقط ؟ . بالتاكيد لا ، اذا كان نقدنا لهذين المفهومين سليما ، والحجة صادقة بالنسبة للقيمة الموضوعية .
بالتاكيد ان " بيرى " لايخلط بين صفات الموضوع المدركة من خلال الحواس مع وجودها بوصفها مدركة عن طريق الحكم . فلماذا يخلط بين صفات الموضوع على اعتبا رأنه مقوم مع القيمة ذاتها ، وحقيقة انه يجب ان يكون .
اعتقد أنه سوف يكون واضحا للجميع ممن يتابعون جدلنا الان ، أنه مهما كانت القوة الواضحة لهذه المعضلة بسبب الغموض فى مصطلحى الادراك والقيم . وتحديدا القيم والكينونة من قبل الاهتمام ، فادراك القيمة – كما قيل لنا – يمكن أن يكون لاشىء سوى ، الملاحظة والمقارنة والوصف المنهجى للاهتماما ت فى علاقاتها بموضوعاتها وببعضها البعض . والآن اذا كان بادراك القيم هنا نعنى ما يسمي علم القيم –ليس لدى أى اعتراض على ذلك . عملى الخاص والذى يهدف الى أن يكون مساهمة فى هذا العلم ، هو فحسب مثل الوصف المنهجى .
ولكن من جهة أخرى اذا كان ادراك القيمة لايعنى على الأقل أن ما توصف به العلاقة – بين الوجود والقيمة لا يمكن تحديدها بشكل نهائى كعلاقة – ومن ثم فان ادراك القيمة لا يمكن أن يكون بهذا الوصف . فان الذى يكمن فى طبيعة القيمة على هذا النحو مختلف الى الأبد عن ما يكمن فى طبيعة الوجود أو الحقيقة . ويحدد مصطلح التقدير هذا الاختلاف بوضوح .
لكن كل هذا لا علاقة له بالاسئلة المثارة حول سوء الفهم المطلق لمشكلة القيمة . فى رايى – أن مايعد أكثر أهمية هو انتقادات "كروتشه " اللاذعة التى تم ملاحظتها بالفعل عندما تفهم الآثار المترتبة عليها بشكل تام . انها – اى الانتقادات – تتوجه الى جذور علاقات القيمة بالكينونة ، ولهذا السبب هى ذات مغزى خاص من وجهة نظر مناقشاتنا لعلاقة القيمة بالحقيقة الآن .
بالنسبة له ( أى لكروتشه ) – كما رأينا – ما يسمى حكم قيمة هو بوضوح مجرد عبث ، ومسخ منطقى ، وما يسمى حكم قيمة يجب الاعتراف به باعتباره مجرد تعبيرات عن الشعور . يقول لنأخذ حكم القيمة فى صورته العادية ، " ا " باعتباره يجب أن يكون ، أو سلبا باعتباره لا يجب أن يكون . من الواضح أننا أمام حكم ، لأنه يؤكد لنا بشكل ضمنى وجودا محددا ل " أ " الحكم الوجودى مفترض مسبقا فى أحكام القيمة بلا شك ، ولكن يجب على المرء الا يخلط بين الشرط والمشروط .
بهذه الفرضية يشرع "كروتشه " فى الكشف عن المسخ المطقى . ومن الأفضل النظر فى الشكل السلبى ، لأنه اذا كان " ا " موجودا ، فهو بافعل كما يجب أن يكون ، لأنه لايمكن أن يكون خلاف ذلك . ولكن الشكل الايجابى ليس الأفضل . " أ " هو ما يجب أن يكون . اذا تخلص هذا الشكل من التناقض فانه يقع فىى تكرار المعنى ، لأنه اذا كان " أ " موجودا فهو بالفعل ما يجب أن يكون .
نفطة ضعف الاتنفادا ت واضحة بما فيه الكفاية . والتوصل الى الموضع الحقيقى لحكم القيمة المفترض ( القيمة الجوهرية ) – كما هو بالفعل – بافتراض أن الموضوع يجب أن يكون أو يجب ألا يكون ، لقد سعى " كروتشه " لاظهار أن الحكم بهذا الشكل مستحيل . ومع ذلك – من أجل القيام بذلك كان يجب عليه وضع افتراضات معينة هى بالتأكيد مثيرة للجدل .
أول هذه الافتراضات أن القيمة صفة ، ومعها افتراض بأن حكم القيمة لكى يكون حكما يجب أن يكون من نوع ( س هى ب .) والان – كما رأينا "18" – لايأتى التناقض بالتأكيد اذا كانت القيمة ينظر اليها باعتبارها صفة ، واذا كان ما يجب هو المحمول فى هذا الحكم . الصفات متاصلة فى الموضوعات ، ونظرا لأن الصفة هى التى تجعل الموضوع ما هو عليه ، فان الحكم يفترض مسبقا أن الموضوع ما هو عليه . جعل القيمة معادلة ل ( يجب ان يكون ) وجعل – الينبغية – صفة للكينونة ، هنا يكتمل المسخ المنطقى .
لكن لدينا أيضا كل الاسباب للاعتقاد بأن القيمة ليست صفة . ومع ذلك – لا يوجد سبب لافتراض أن حكم القيمة يجب أن يكون من نوع (س هى ب ) . فى الحقيقة – فيما اعتقد – أنه فى حين أن " كروتشه " وجد الموضع الحقيقى لحكم القيمة ، الا أنه اخطأ فى الشكل ، وصعوبته حقا تعود الى هذا . حكم القيمة ليس هو " أ " باعتباره يجب ان يكون بل بالأحرى هو أن " أ " يجب أن يكون . هذه هى طبيعة حكم القيمة الذى يدرك ، وليس شيئا محددا بالكامل ، بل بالأحرى شيئا كائنا . القيمة ليست قرارا للكينونة ، بل اتجاها نحو الصيرورة . .
الافتراض الثانى غير المبرر هو ان حكم القيمة – يؤكد لنا ضمنا – وجود( أ ) المحدد .ولكن اذاكان ( أ ) موجودا ، هذا بالفعل باعتباره ما يجب أن يكون وما الى ذلك . هذا الافتراض – كما نرى بالفعل – لا مبرر له على الاطلاق . فحكم القيمة لايقدم لنا معرفة بالوجود . وليس الوجود افتراضا مسبقا للقيمة . بالاعتراف بهذه الحقيقة يختفى المصدر الآخر للتناقض والعبث .
بطبعة الحال لايمكن الهرب من القارىء المتعمق بأن نفترض أن الصعوبة التى استغلها " كروتشه " حقا تثير مشكلة ميتا فيزيقية قديمة عن القيمة والوجود . بالنسبة للمثالية التى يعتنقها " كروتشه " ، تطابق بين القيمة والوجود بشكل نهائى ، و " أ " بالفعل كما يجب أن يكون ، أيا ماكان يعد صحيحا . القول بأن الموضوع يجب ان يكون او يجب ألا يكون ، يجب أن يكون تعبيرا عن الشعور الذاتى . والآن فان القيمة والحقيقة لاينفصلان تبقى - فى نهاية المطاف - مسلمة متاصلة فى تفكيرنا .
كما انا نجد أن الحقيقة لاتطاق بدون ارتقائها الى مجال القيمة ، كذلك فاننا نجد صعوبة مساوية عند التفكير فى القيمة دون اعطائها شكلا من أشكال الكينونة . هذا يحدد بشكل نهائى – وبصعوبة أكثر – المشكلة الانطولوجية للقيمة ، ولسوف تشغل اهتمامنا فى المقال التا لى . ولكن شيئا واحدا على الاقل صار وضحا . لا يوجد مبرر للدوجماطيقية التى يتمسك بها " كروتشه " هنا ، والتى لازا لت أقل من ان تستخدم كحجة ضد حكم القيمة . الصعوبا ت فى طريق القيمة باعتبارها صفة او تقريرا للكينونة قد اتضحت الآن تماما ، فاذا كان هذا المفهوم الخاطىء تمتازالته فان الصعوبات الاكثر خطورة على حكم القيمة تختفى .
**********************
الهوامش
This JOURNAL, Vol. XIII., p. 449 - -1
هذه الورقة مثل السابقة ، مع التوسع فى بعض الاطروحات المعروضة على الجمعية الفلسفية الامريكية – فى ديسمبر 1915 .
- Loc. Cit., p. 455.2-
0. 3-Liebmann, "Gedenken u. Thatsachen," IVol. II., pp. 370-74.
اوتو ليبمان – (1840-1912) Otto Liebmann- فيلسوف المانى – من أعماله :
- (1865) (Kant and his inferior successors)
- (1866) (On free will)
- (1869) (On the objective point of view)
- (1884) (The climax of theory)
- (1901) (Outline of critical metaphysics)
-(1882–1904) (Thoughts and facts)
-4-B. Russell, "The Problems of Philosophy," p. 118.
5-Cf. my paper "On Intolerables," Philos. Rev., September, 1915 -
6- يسرنى أن تكون هذه العقيدة الشاملة للقيمة قدمت من قبل الجمعية فى ديسمبر 1915- وقد وجد ت ايضا أن " ريكارت " فى " Gegenstand der Erkentniss," -،الطبعة الثا لثة – 1915 –ص 230 . وقد وصل الى ذلك من خلال خط مختلف تماماللجدل ، والذى لايمكن استنساخه هنا . وقد استنتج مع ذلك أنه يمكننا الحصول على موضوع المعرفة بدون القيمة بدرجة اقل من الحصول عليها بدون شكل .
Simmel, "Philosophie des Geldes," p. 5 7-
8- هذا مشابه تماما للأ فعال غير المبالى بها adiaphora - -فى مجال الاخلاق . والمعنى الدقيق للكلمة ، ان مثل هذه الافعال لاوجود لها . وتمييز الخير والشر ، مثل كتمييز القيمة بشكل عام ، هو تمييز جذرى . فلا يمر اى شىء صغير جدا من هذا المنخل . ولكن العديد من الاعمال تعد تافهة وغير مهمة ولاتستحق عناء الحكم . ويمكن تجاهلها ، ولكن على ما يبدو انها عديمة القيمة wert frei.
- "9-Studien zur Wertaxiomatik," Leipzig, 1914, p. 42, note
10- J. M. Baldwin, " Genetic Theory of Reality, " New York and London,
1915 . See my review, this JOURNAL, VOl. XIII., p. 356.
جيمس مارك بالدوين James Mark Baldwin (1861-1934 )
فيلسوف وعالم نفس امريكى – من اعماله :
-Elements of Psychology (1893)
-Social and Ethical Interpretations in Mental Development (1898)
-Story of the Mind (1898)
-Mental Development in the Child and the Race (1896)
Thought and Things (London and New York, 1906
-11-بجانب هذه المسأ لة انظر ايضا : ريكارت : مرجع سابق – ص ص 264-271 . حيث يستخدم النفى كمعيار لتمييز القيمة تماما من الوجود . سواء كما يعتقد البعض ، وهذه الحقيقة تشكل حاجزا فعالا بنفس القدر ضد تصور الوجود والحقيقة كقيمتين ، وضد راى الحكم الوجودى باعتباره حكم قيمة ، المنظور اليه الآ ن. هذا الرأى سوف يحصل على الاعتبار الكامل فيما بعد . ونحن هنا نشعر بالقلق فحسب مع وصف المشكلة بأن القيمة ليست شكلا من اشكال الكينونة .
"12-Valuation, Its Nature and Laws," Chap. XIV., pp. 386-395. See also
De Laguna, "Introduction to the Science of Ethics," p. 336
-13-أن نستنتج من ذلك ان القيمة مستقلة عن أى ذات يعنى الفشل فى التمييز الهام الذى قدمه د. و. فيشر فى : The Problem of the Value Judgment," Philos. Rev., 1913, Vol. 22) . فى الاونة الاخيرة للتأكيد على التمييز بين القيمة وعلاقة القيمة بالذات . وهذا الاخير هو اقتراح حقيقى ، ومثل اى شى آخر خالد . وقد كانت العلاقة بين قيمة الذهب بالسكان حقا كما هى الان ، ولكن القيمة على هذا النحو لم تكن كذلك ، باستثناء – فى الواقع – معنى أن من المحتمل أن كل موضوع يجب أن يجد نفسه فى نطاق قيمة ايجابية أو سلبية .
- Value and Existence,” pp. 464-65 -14
15 -" Value and Existence," p. 42.
16-R. B. Perry, "The Definition of Value," this JOURNAL, Vol. XI., p. 152.
- Value and Existence," p. 457.17-
" Value and Existence," p. 459 -- 18
ينظر ككل لهذه الورقة باعتبارها استمرارا للسابقة ، وهى بدورها ، تعد فى حد ذاتها تمهيدا للدراسة النهائية التى جعلت عنوانها " المشاكل الانطولوجية للقيمة " . ومع ذلك ، تتعامل بالتفصيل مع مشاكل معينة ليست ذات اهتمام مستقل بما هو خاص بها . لكن فى واجهة النقاش فى الوقت الحاضر، تحت عنوان : معرفة القيمة ، سوف أقدم دراسة مستقلة عن القيمة كمصطلح ، ودراسة فينومينولوجية لما يكمن فى طبيعة القيمة على هذا النحو . هذا ، وأنا آمل ، ان يكون لها تأثيرها الخاص بها على المسائل الأخرى .
ولكن بقدر ما لتطور موقفنا العام من اثارة للقلق ، فان نتائج هذه الدراسة – فيما اعتقد – موجودة بمعناها المكتكل فيما وصلنا اليه من قبل . وسوف احاول – على الأقل – تقديم هذا الرأى . وفى الختام اقترح تناول مسألة حكم القيمة ، وادراك حكم القمة المتضمن من خلال استنتاجات المقالين .
I
لقد قلنا ان القيمة لايمكن تعريفها بشكل نهائى بمصطلحات الحقيقة ، وفى كل حالة من حالات مفهوم القيمة ، فالمعروف بشكل سابق تفترض الكينونة "2" . اذا كانت الحالة هكذا ، فان الوسيلة لمزيد من المعرفة يجب أن تجد القبول من خلال تحليلنا الديالكتيكى لما يكمن فى فكرة القيمة نفسها . مع ذلك ، فنه ليس من الحكمة فى هذا الصدد أن تختلف عن انواع اخرى للموضوعية التى – على الرغم من عدم امكانية تعريفها ، الا أن المعرفة المسبقة بها ممكنة . وأى موضوع سواء كان موجودا أو غير موجود فبوسعى – على سبيل المثال – معرفته من خلال الخبرة فحسب .
لكن هناك بعض المقترحات عن الوجود ، أن الموضوع المعطى ، يجب أن يكون اما موجودا أو غير موجود ، أو أن بعض الموضوعا ت – مثل المربعات المستديرة – لا يمكن أن تكون موجودة ، وبوسعى معرفة ذلك مسبقا . وبالمثل ، ان أى موضوع ذى قيمة أو يجب أن يكون ذا قيمة ، يمكننى معرفته من خلال الخبرة فقط ، لكن من المتصور تماما عن القيمة نفسها أن بعض الافتراضا ت يمكن أن تتم بالدليل المسبق وكذلك ان أى قيم معطاة هى بالتا لى محددة سلفا .
هل توجد أى افتراضات عن القيمة مع الدليل المسبق ؟ وأى عناصر مسبقة توجد فى التقويم ؟ هذا السؤال حظى باهتمام من مصادر متباينة فى الآونة الاخيرة . مفكرون يمثلون مواقف متنوعة ، هؤلاء مثل "ليبمان " و "ليسنج " و "راسل " و " مينونج " ، سعوا الى معا لجة تلك الجوانب فى القيمة التى يمكن أن تكون محدودة . وقد كانت المسألة برمتها مربكة الى حد كبير ، ومع ذلك ، من خلال افتراض أننا قد نعرف مسبقا ما الموضوعا ت الخيرة فى جوهرها ، أوالموضوعا ت الأفضل من غيرها ، عندما كان – فى واقع الأمر – بوسعنا استنتاج قيمة الموضوع من طبيعته بدرجة اقل من امكانية استنتاج وجوده . ولكن دعونا ندرس المسألة بالنسبة لنا .
طريقة واحدة لمقاربة البداهة وهى السؤال عما اذا كان بوسعنا التفكير فى عكس أى افتراض . هذا الاختبار – لمبدأ لا يمكن تصوره فى العكس – قد تم تطبيقه فى واقع الأمر على التقويم كما هو الحال عندما رئى أنه يجب أن تكون أحكام القيمة حاسمة بشكل مطلق ونهائى ، على اعتبار أن الصواب أفضل من الخطأ ، والحياة أفضل من الموت ( ليبمان )"3" . أو كما هو الحال عندما يقول " راسل " نحن نحكم بأن السعادة مرغوبة اكثر من البؤس ، وأن المعرفة مرغوبة أكثر من الجهل ، وارادة الخير مرغوبة أكثر من الحقد ، وما الى ذلك .
مثل هذه الأحكام جزئيا على الأقل يجب أن تكون مباشرة وبديهية "4" .والآن يوجد عنصر مباشر وسابق فى جميع هذه الافتراضات هو – فى اعتقادى – وعلى الأرجح – ليس من واجبنا أن نولى اكتشاف موضعه اهتماما . فنادرا ما يكون من الممكن أن يكمن فى القيمة الجوهرية للحقيقة أو المعرفة ، والحياة أو السعادة لأنه فى حين أن أضداد مثل هذه الافتراضات كتلك السابقة فانها لاتطاق "5" . ونادرا مايقال انه لايمكن تصورها .
من الممكن تماما أن نتا مل العا لم المعكوسة فيه هذه التفضيلات والذى كانت الا ضداد فيه حقيقية . خبرة " نيتشه " بالتقويم المؤقت للقيم أيا ما كان المعروض ، ينبغى أن – على الأقل – أن نحذر أنه أيا كانت الحدود الموجودة للتقويم المؤقت فهى امبيريقية وليست مسبقة . لا وجود لقيمة لعكس ما لا يمكن تأكيده .
يجب على العناصر المسبقة أن تكمن فى شكل هذه الافتراضات وليس فى مضمونها . فمن المعقول أن نفترض أنه اذا كان هناك مثل هذا ، فانها – أى العناصر – سوف تشمل جميع هذه الافتراضات عن القيمة باعتبارها غير مبالية تماما بالارادة الفعلية والتقويم VERTHALTUNG ، أى مع الشكل وليس مع مسألة التقويم . والان هناك – كما اعتقد – فى كل هذه الافتراضا ت باعتبارها سابقة ، وفى كل أحكام القيمة – فى الواقع – على الأقل – عنصران مباشران وبديهيان ، وأنا لا أقول انه ليس هناك أكثر ، مما يعد ذا مغزى بالنسبة لدراستنا ، وخلاف ذاك يوجد فرضان للقيمة يمكن اجراءهما على الموضوعات بداهة ، وفى استفلال تام عن الارادة الفعلية والتقويم وافتراضهما فى كل تقويم .
أول هذين الافتراضين على الرغم من انه يبدو فارغا من النظرة الأولى وشكليا وفقا للفحص الدقيق للأهمية الحقيقية . وعليه أن يعمل مع ما يجوز لى أن اسميه شمولية مقولة القيمة . وأعنى بذلك أن كل موضوع يقع ضمن مقولة القيمة تماما مثلما بالضرورة يقع ضمن مقولة الكينونة . يجب أن يكون لكل موضوع ( بالمعنى الواسع ) لكلمة القيمة الايجابية أو السلبية محمولا . ككل موضوع موجود أو غير موجود . هكذا يكون كل موضوع –أو يجب أن يبدو لنا أنه كا ئن – فى نطاق القيمة الايجابية أو القيمة السلبية تقريبا . والاخير أساسى مثل السابق .
هذه الضرورة أراها تكمن وراء كل حكم قيمة . والموضوع المعطى حاصل على قيمة ايجابية أو سلبية ، كما أن المسالة قد تكون مسألة خبرة ولا يوجد حكم من هذا القبيل على العكس مما لايجوز تأكيده . ولكن لا يمكن التفكير فى أى موضوع ان لم يكن ممكنا – على الأقل فى الواقع – وليس هو ولا غيره . كل الموضوعا ت باعتبارها أشياء ذات اهتمام اما فعلا أو احتما لا ، وحيثما يوجد الاهتمام توجد القيمة . والموضوع عديم القيمة WERT FREI -عندما تكون القيمة متصورة بما فيه الكفاية على نطاق واسع – يمثل تناقضا فى المصطلحات .
وقد اثيرت اعتراضات على هذا الرأى – فى اعتقادى – لكن فقط لو اسىء فهم معناه . وهذا لايعنى – على سبيل المثال – أن كل حقيقة لديها قيمة ايجابية . ليست لد ينا معرفة مسبقة بالخير والسىء من الموضوعات أيا كانت . وهذا لايعنى أن كل الموضوعات خير أو شر بالمعنى الاخلاقى الضيق . فهناك موضوعا ت لاتندرج ضمن هذه المقولات . وهذا يعنى فقط أن حقيقة كينونة الموضوع تحمل فى طياتها ما يقتضى ضمنا قيمتها الايجابية أو السلبية مما لامفر منه مثل وجودها أوعدمه "6" .
من الصائب بطبيعة الحال أن نجد فى التقويم الفعلى عدم الاكتراث ببعض الموضوعات ، ومن هذه اللا مبالاة السيكولوجية موضوعات غير مكترث بها بشكل جوهرى أو تم استنتاج أنها عديمة القيمة . يجب أن يكون واضحا أن – مع ذلك – هذا عدم الاكتراث السيكولوجى هو فى الحقيقة لا يعدو أن يكون رفضا للقيمة التى كما أشار اليها "سيمل ""7" حقا قد تكون حاصلة على مغزى قيمة ايجابية للغاية ، وفى خلفيتها دائما امكانية الاهتمام الذى لايتم به أى استعمال للمغزى . بالمعنى الدقيق للكلمة ، مصطلحا : (عد يم القيمة ) و( خير للا شىء ) لا يعنيان مجرد غياب القيمة كما تبدو الاشارة اليه من الصيغة اللفظية . انهما بالنسبة لبعض الاهتمامات المحددة للمغزى يعدان بلا قيمة . وحتى تعبير " خير للا شىء" اذا عالجناه بشكل مطلق ، فاننا نجده يحمل فى طياته – على الأقل قيمة سلبية "8" .
من وجهة نظر أخرى ، قد تكون شمولية مقولة القيمة موضع تساؤل . هل يتم تقويم هذه الموضوعا ت هكذا ، ام هل هى موحودة حقا أم غير موجودة ؟ . بعبارة أخرى ، هل هى ليست الموضوعات الحقيقية الوحيدة ، بمعنى أن الموضوعا ت موجودة فعلا أو ربما تكون موجودة ، وهل يندرج هذا ضمن مقولات القيمة ؟ .
هذا من شأنه استبعاد العديد من الموضوعا ت ، على سبيل المثال ، الموضوعا ت المثالية والمستحيلة . صحيح أن المثل الاخلاقية لاتدرك غالبا ، ولكن الاعتقاد فى امكانية تحقيقها قد يعد افتراضا أساسيا لقيمتها .لكن ماذا عن الموضوعا ت، او الجواهر الخالدة ؟ . ما زال مايعد أكثرمن ذلك ، فالموضوعا ت المستحيلة مثل المربعات المستديرة ، والسعادة الخالصة ، التى لاتوجد ولا تعاش ؟ كل هذه الفئات من الموضوعات تخلق مشكلات متميزة لنظرية القيمة ، مشكلات يجب علينا مواجهتها عندما نأتى الى علاقة القيمة بالحقيقة ، ولكن بقدر ما مشكلتنا الحالية تبدو متعلقة بالاجابة فانها تبدو لى لا لبس فيها . باعتبارها موضوعات اهتمام فعلى أو محتمل ، وبالرغم من أنه اهتمام مختص بالمعرفة الا أنه يقع فى مجال القيمة .
لكن شمولية محمول القيمة ليست مسأ لة خبرة ، ويجب أن نؤكد على ذلك . ان أى موضوع محدد له قيمة سلبية أو ايجابية ، كما قد يكون الحال ، ويعود السبب فى انه ذو قيمة الى مسائل الاهتمام والشعور والرغبة ، الا أن هذا يجب أن يقع حيثما يكون مجال القيمة ، ويعد هذا الشكل الأساسى للاهتمام والارادة بوصفهما منطقبا سا بقين على خبرة الرغبة والشعور . وهذا فى مقابل عا لم الموضوعا ت المجردة مثل مقولة الكينونة والقيمة والأشكال الشاملة للعا لم .
مع ذلك هناك ما يمكن فوله بأنه توجد بداهة حول قيمة الموضوعا ت . انها تكمن – كما نرى – فى طبيعة القيمة على اعتبار أنها يحتمل ان تكون – على الاقل – محمولا لجميع الموضوعات . وتكمن أيضا فى طبيعة القيمة باعتبار أن كل قيمة تستند الى نظام أسمى او ادنى . ترتبط طريقتنا فى المواجهة بفكرة ان وراء الشىء المفوم يوجد شىء آخر لديه قيمة أخرى ، اما أكثر او أقل . هذا هو ما يعطى عا لم القيم شكله . ويترتب على هذا – والقيمة الفعلية أو القيمة المحتملة لجميع الموضوعات - أن اعطاء اى القيم الثلاث لأى نوع - يجب ان تكون احداها فى الوسط . وبالنسبة لأى من القيمتين فان احداهما تكون تكون اكبر من الاخرى . القيمة المنعزلة تعد متناقضة اصطلاحيا . ولكننا نعرف – وهذه المعرفة بوسعنا الحصول عليها من خلال الخبرة فحسب – أنه بين اى موضوعى قيمة لابد من وجود علاقة .
وهناك ، رأينا انها حافظت على عنصر البداهة ، فى مثل هذه الافتراضا ت ، على النحو الآتى : " الحياة أفضل من الموت " و " المعرفة أفضل من الجهل " و " السعادة أفضل من البؤس " وما الى ذلك . والان العنصر الوحيد الذى بوسعى العثور عليه بالضبط هو ضرورة أنه عندما يتم وضع أى موضوعين من موضوعا ت القيمة فى علاقة ، يجب ان يكون أحدهما أسمى من الآخر . ومن الممكن تماما – كما رأينا – أن نفكر فى العا لم الذى يجب أن يكون على العكس من اى أمر من هذا القبيل ، ولكن ليس بوسعنا أن نفكر بالعا لم حيثما لا يكون نظام القيمة هذا موجودا ، أى أكثر مما نستطيع التفكير فى عا لم فيه ( 2+2 =4 ) . انا افهم – على سبيل المثال – أن نظام انقاذ ركاب السفينة الصينية كان على العكس مما فى العا لم الغربى – يبدأ بالرجال ، ثم الاطفال ، وأخيرا النساء . من هذا القبيل ينعكس النظام ، مع ذلك ، لنترك عنصر البداهة فى التقويم دون مساس – اى – حقيقة النظام نفسه .
أكرر ، ان من الممكن تماما التفكير فى العا لم الذى فيه عكس أى من قيم الحياة والمعرفة وما الى ذلك ، ويجب التاكيد ، حتى على أن العا لم الذى لايتحقق فيه الميل أفضل من العالم الذى يتحقق فيه الميل ، والموت أفضل من الحياة ،وربما يكون العدم افضل من الوجود . على الرغم من أن التشاؤم المطلق غير موجود ، الا أن من الممكن تصوره . ولكن افتراض أى قيم على الاطلاق يجب أن يقر بهذه العلاقة .
يمكن الطعن على كل من الدليل الذاتى واهمية هذا الافتراض . بالنسية للأول الاعتراض مماثل لما اثير ضد مبدأ شمولية القيمة . كانت هناك حقيقة ( اللامبالاه السيكولوجىة ) ، وهنا قد تكون حقيقة عدم قابلية القيم للقياس . قد رئى – على سبيل المثال – مع " ليبمان " أن القيمة هى بالضبط تلك العلاقة التى بفضلها يكون أحد الموضوعا ت مفضلا على موضوع آخر من نفس الفئة . ولكن يجب علينا أن نؤكد على كلمات محددة ( داخل هذه الفئة ) .
داخل هذه الفئة من القيم – على سبيل المثال – القيم الاقتصادية أو القيم الاحلاقية ، احداهما فى الواقع يجب أن تكون أكبر من الأخرى . وهذا يكمن فى الطبيعة الكمية للقيمة . لكن الفئات نفسها غير قابلة للقيا س . والمقارنة هنا تؤدى الى ما لا معنى له . المقارنة بين الموضوعات الفعلية صعبة بما فيه الكفاية ، ولكن ماذا عن الافتراض القائل بأن الفضيلة ذات قيمة أكثر من المثلث .
الآن بالنسبة لعدم امكانية القياس الفعلى للكثير من القيم – فى الواقع – نحن نعترف به كما اعترفنا بحقيقة اللامبالاة السيكولوجية . ولكن هذا العجز عن تحديد العلاقا ت لايثبت أنه لاتوجد علاقات ، نجد اللامبالاة تثبت وجود موضوعا ت تقع خارج نطاق القيمة . بقدر ما الموضوعات الموجودة هى المعنية ، فان الخبرة – فى الواقع – تبين أن الموضوعات غير قابلة للمفارنة بشكل واضح حقا .
"مملكتى من أجل الحصان " و " أود أن أقدم كل ما أملك من أجل هذه الرسالة " . حقائق مثل هذه ، وحا لات لاتزال ملفتة للنظر بشكل كبير للتضحية أو تبادل القيم الأخلاقية للشرف الشخصى والحقيقة تظهر شمولية مبدأ النسبية لجميع الموضوعات الحقيقية أو القابلة للتحقيق . ولكن يجوز أن نتفق على الموضوعات الوحيدة الموجودة فى اتصال مع علاقة هى الأفضل . كل الحقائق عن اللاوجود متساوية فى القيمة ، لا افضل ولا اسوأ .
يرى " ليسنج ""9" أن فى مجال القيم الخالصة والخالدة جميع المنافسات –كلها بشكل أكبر أو أقل –لا معنى لها . القيمة الخالصة يمكن أن تكون أكثر أو أقل قيمة باعتبا ر الحقيقة يمكن أن تكون صالحة بدرجة أكبر أو اقل .من خلال استنتاج من هذا النوع . يصر - هؤلاء الذين يتحدثون عن قيم مطلقة مقيدة من هذا النوع – على اما أن هناك مطلقا مختلفا لا يمكن قياسه تماما ، - القيم "مونستربيج" أو احدى القيم المطلقة الخالدة ، هى ، الحقيقة ، وكل القيم الأخرى نسبية "سولمو" .
من الواضح أننا هنا وجها لوجه مع السؤال الجوهرى .هل من الضرورى الاعتراف بنوعين لاعلاقة لهما بالكامل بالقيمة ؟ بطريقتنا فى المواجهة ، لايوجد أى شك ، بالتزامنا بفكرة أن وراء الشىء المقوم يوجد شىء آخر .حاصل على قيمة أخرى اكثر أو أقل . والتوسط النسبى متضمن فى فكرة القيمة . هل هناك قيم لما هو ليس حقيقيا ؟ يبدو لى مثل هذا الاستنتاج ليس ضروريا ، فالصعوبة هنا قد استغلت للوقوع فى الارتباك .
لان الموضوعا ت خالدة ، الا أنه لايترتب على ذلك أن قيمها خالدة ، لأن حقيقة هذه الموضوعا ت لا يمكن أن تكون اكثر أو أقل صدقا ،ولا يترتب على ذلك أن هذه الحقائق يمكن أن تكون أكثر أو أقل قيمة .
من ثم يفهم بشكل صحيح أنه تكمن فى حقيقة القيم أنها قابلة للمقارنة . وليس صحيحا أن كل الحقائق عن اللاوجود ليست افضل ولا أسوا . على الرغم من أنها محل نزاع ، فقد يعنى القول – على الأقل – بأن حقيقة ( 2+2=4 ) هى أكثر أهمية من حقيقة أن مجموع زوايا المثلث تساوى قائمتين ( 180 درجة) ، او كما أكد "فونت " Whilhelm Wundt على أن المسلمات الأخلاقية – فى موضع ما – فى رؤيته الأخلاقيه – هى أكثر بديهية من بديهيات المنطق .
ربما تكون هناك وجهات نظر تقول بأن الدائرة أفضل من المربعات المستديرة والفضيلة اكثر أهمية من غيرها . بلا شك هناك علاقا ت عديدة ليست ذان أهمية ، ولكن لا تأثير لعدم أهميتها على المبدأ . اذا كان كل موضوع فعلا أو احتمالا فى موضع ما من مجال القيمة الايجابية أو السلبية ، واذا كانت طبيعة القيمة مثل اى قيم ثلاث معطاة ، يجب أن تكون احداها فى الوسط ، وجميع موضوعا ت القيمة أيا كان نوعها يجب ان تكون فى نهاية المطاف قابلة للقياس .
حقيقة عجزنا عن تحد يد هذا الامر بلا تاثير على المبدأ اكثر من ان معرفتنا لا تمكننا من تحديد أن وجود أو لا وجود الموضوع ، يؤثر على ذلك الوجود . فى حين أن القيمة غالبا ما تكون قا بلة للقياس امبريقيا ، فانها لايمكن أن تكون كذلك من حيث المبدأ بدون تدمير جوهر فكرة القيمة .
لأهميةهذا المبدأ يمكننا الحديث اكثر باختصار . ويمكن القول ان هذا المبدأ المسبق لاشىء أكثر أو أقل من الدرجة أو الكمية الكامنة فى الصفة باعتبار أن الصفة قابلة للتطبيق على القيمة مثلما هى قابلة للتطبيق على الجوانب الأخرى للأشياء .
ولكن بصرف النظر عن الحقيقة – القا ئمة بافعل – فان اقيمة ليست بمثل هذه الصيغة ، مثل هذا الادعاء يشكل سوء فهم للموقف بكامله ، وهذه النقطة بالذات فى المسألة . فى حالة الصفة ودرجتها ، يبدو أن المفهومين منفصلان – على الأقل - عند التحليل . فى حالة فكرة القيمة – من جهة أخرى – يمثل الطابع البديهى جزءا من الفكرة نفسها .ومن المثير للاهتمام فى هذا الصدد ملاحظة ان "بالدوين " فى – نظرية القيمة – الأكثر ملاءمة للمناقشة فى الآونة الأخيرة "10" ، يعترف بأن التوسط والنسبية ( بعلاقة أكثر أو أقل ) يرتبطان مع فكرة القيمة .
لهذا السبب ، يجد " بالدوين " الحقيقة ليست فى مقولاات الوجود ولا فى القيمة ، بل فى الجمالى . ولكن هل الجمالى تجربة قيمة؟ . اذا لم يكن كذلك فماذا يكون ؟ . واذا كان قيمة فهل هو لايفترض قيمة أخرى أكثر أو أقل ؟ زعمه بأن الموضوعا ت الجما لية ، باعتبارها جما لية ، غير قابلة للمقارنة ويمكن فهمها بالكاد (ص 282 ) . الفشل فى الاعتراف بأن أكثر أو أقل هو جزء لايتجزا من خبرة القيمة حتى فى شكلها الجمالى يفسد حجته بالكامل فى اعتفادى .
II
لقد طورت الآ ن - ما يبدو لى أنهما - عنصرين مسبقين فى فكرة القيمة، عنصران يكمنان فى طبيعة القيمة بهذه الصفة . وانا لا أقول ان هذا يستنفذ الجانب البديهى للقيمة ، بل سيكون كافيا لأغراضنا الحالية .
نتائج هذه الدراسة لها – فيما اعتقد – أهميتها الجوهرية الخاصة بها – لكن كما اقترحت بالفعل – فهى تستخدم هنا بشكل رئيسى من اجل المزيد من التطوير لمذهب ( موضوعية القيمة ) . دعنا الآن نعود الى استنتاجات مقا لتنا السا بقة . لاصفة للموضوعات فيزيقيا أو سيكولوجيا ، ولاعلاقة بين الموضوعات من نوع التعريفا ت العلا ئقية . وقد تم التوصل لهذه الاستنتاجات بشكل سلبى من خلال الدراسة النقدية لتعريفات القيمة وبشكل ايجابى من خلال تحليل عمليات ادراك القيمة . فى المقالة الحالية كان المنهج منهجا أكثر موضوعية للتحليل المسبق . وكانت النتائج – فى اعتقادى – مكتملة تماما . دعنا ندرس بعض النقاط الأكثر أهمية .
فى المقام الأول لقد أصبح واضحا تماما الفرق بين القيمة وأى شكل من أشكال الكينونة . محمول القيمة مثل المحمول الوجودى مقولة شاملة . وكما فى كل موضوع – الموضوع الذى لاغنى عنه – يجب أن يكون اما موجودا أو غير موجود ، لذا يجب على كل موضوع أن يكون فى موضع ما فى مجال القيمة الموجبة أو السالبة. والفرق بين الاثنين واضح أيضا . وفى حين ان الوجود متناقض مع اللاوجود ، فان القيمة السا لبة ليست متناقضة مع القيمة الايجابية . هذا ينبغى أن يشكل حاجزا فعلا ضد تحديد القيمة باى ىشكل من اشكال الكينونة "11" .
لكن يبدو الفرق فى نقطة أخرى أيضا . فلا يمكن أن يكون هنلك شىء مثل القيمة المنعزلة – ومفهوم الأسمى والأدنى جزء لايتجزأ من مفهوم القيمة . ومع ذلك قد تكون هناك يشكل جيد للغاية موجودات وحقائق معزولة . ولايمكن التفكير فى القيمة دون التفكير فى الدرجة فى الوقت نفسه ، ولكن لاينطبق نفس الشىء على الكينونة . عندما يتم اتخاذ الموقف العكسى – على سبيل المثال – فى نظرية درجا ت الحقيقة – فان هذا – فيما اعتقد – لأن دلالة القيمة قورئت بمفاهيم الوجود والكينونة ، ومن هذه الدلالة اقتبس الشكل الأساسى للقيمة . الا ان هذا كان تأثيره أكثر فيما بعد .
الضوء الذى يلقيه التحليل المسبق على الطابع الايجابى لموضوع القيمة ليس قليل الأهمية . فالشكل اللفظى لحكم القيمة – كما رأينا – هو : ان الموضوع يجب ان يكون ، أو يجب أن يكون كذا وكذا فى اعتباره الخاص . فى هذا الحكم ندرك ، ليس صفة الموضوع ، بل الموضوعية . من أين هذا ال " مايجب أن يكون " ؟ انه ينبع – فيما اعتقد – من الضرورة المسبقة المتاصلة فى القيمة بشكل جوهرى . ويحب ان يكون الموضوع حاصلا على قيمة ايجابية او قيمة سلبية ، فوراء الموضوع المقوم يزجد موضوع آخر اكثر أوأقل قيمة ، وافتراضات سابقة على – و مستقلة عن – أى اهتمام خاص أو شعور .
كان هذا التحليل الأخير لمسألة الدليل المباشر . ولكنه اذاكان يكمن فى طبيعة القيمة على هذا النحو ، فان أى موضوعين معطيين ، يجب أن يكون احدهما بالضرورة أكثر قيمة من الآخر ، ومن ثم يترتب على ذلك أن أحدهما يجب ان يكون افضل من الآخر . بوسعنا أن نفكر بعكس هذا الافتراض وليس أكثر من الافتراض القا ئل بأن 2+2 =4 . يجوز ان تكون هذه النقطة اكثر وضوحا - ربما – من القول بأن الموضوع فى حد ذاته يجب أن يكون . وهو يجب أن يكون فقط وليس اى شىء آخر . فمن المستحيل التفكير فى ( الينبغية – ما يجب أن يكون ) بصرف النظر عن اكثر او أقل . فالقيمة المعزولة متناقضة اصطلاحيا .
بالطبع ، قد يتم الاعتراض على ان جزءا من توصيف القيمة الجوهرية لموضوع ما بأنه يجب ان يكون فى اعتباره الخاص . ولكن تقديم هذا الاعتراض يعد سوء فهم للقيمة الجوهرية . تعبير " لاعتبارها الخاص " يشير الى العلاقة بين الوسائل والغايات ، والموضوع والميل ، وما الى ذلك ، وليس الى الأكثر او الاقل . نسبية الاخير لاتنفصل عن مفهوم القيمة . ونسبية القيمة فى هذا المعنى لا سبيل لها للتعا رض مع التصريح بأن القيمة ليست علاقة . والقيمة لا يمكن تعريفها فعلا بشكل ملائم باعتبارها علاقة موضوع بالذات او موضوع بالميل ، وما الى ذلك ، ولكن العلاقة "أفضل من " يمكن النظر اليها على انها كامنة فى طبيعة القيمة بشكل جوهرى .
النقطة الثا لثة لاعلاقة لها بالسألة المثيرة للجدل عن (موضوعية وذاتية ) القيمة . والنقطة الرئيسية فى منا قشات الجمعية هى أحد الخطوط الهامة للانشقاق فى النقاش الذى تلا ذلك . تحليلنا – فى اعتقادى - يلقى الضوء على هذه النقطة أيضا .
فيما يتعلق بموضوعية نوع معين فليس هناك بطبيعة الحال لأى خلاف . هناك القيمة التى لاتاتى ، وتمضى مع الذتية الفردية والتى يتم الشعور بها – على سبيل المثال – اقتصاديا واخلاقيا - ولا أحد يشك فى ذلك . من هذا ، ليس من الانصاف أن نسأل ما اذا كانتا متصلتين بالشعور الانسانى أو بالحقيقة .على نحو موضوعى . كلا هما – اى القيمة الاقتصادية والأخلاقية - . عندما تعتبر الطبيعة الاجتماعية للقيمة متبادلة بين الموضوعية والنسبية لشعور الانسان فانها تعد غير صحيحة بشكل كامل . عند هذه النقطة لست بحاجة الى الاستمرار . فقد تم تطويرها بشكل كامل فى دراستى للقيم "12" . لكن هذا ليس السؤال فى القضية . فهو يتعلق بموضوعية نوع آخر تماما يحتدم النزاع حوله .
هناك اولئك الذين يعتقدون – على سبيل المثال – فى أن القيم صفات لموضوعا ت حاضرة مثل النزاهة ، وان الذات تدركها ، وهى توجد مستقلة عن الذات . ليس عبثا أن يشير ذهب كاليفورنيا الى ( القيمة بالنسبة لسكانها ) فى الوقت الذى كان فيه لم يكتشف بعد ، وليس هذا بلا معنى . ولكن لماذا لم يكن بلا معنى ؟ لأننا لم نتعامل مع التقويم على الاطلاق ، ولكن مع افتراض حقيقة بسيطة "13" . مرة ثانية ، هناك اولئك الذين – كما راينا – فى محاولاتهم انصاف طبيعة القيمة باعتبارها موضوعية بشكل نهائى ، وفى نفس الوقت للاعتراف بعلاقتها بالموضوع الانفعالى وتوصيفها باعتبا رها "وجود حتميا " أو " كينونة للارادة " . ان هذا يقودنا مرة أخرى الى صعوبات التعريف العلائقى – كما رأينا – ولسنا بحاجة للخوض فى هذا الموضوع هنا "14" .
من ثم ، كيف نتصور موضوعية القيم ؟ لا أحد يعتقد أن القيمة تأتى وتمضى مع الذات التى تشعر بها ، فكيف نوفق هذا مع افتراض محدد مساو بأن القيمة تكون دائما بالنسبة للذات ؟ أنا- بالنسبة لهذا – لم أقررالتقليل من شأن صعوبات هذه المشكلة . لقد تاملتها لسنوات . وبعد محاولة كل الفروض عن " احتمالية مينونج " عن الارادة الفردية المفرطة والذات المتعا لية وجدت أنها ناقصة ، ولست واثقا فى الحل المفترض هنا . لكننى اعتقد أن الاجابة تكمن فى اتجاه مواقف هذه المقالة على الأقل . من ثم دعونا نتذكر الجوانب المسبقة للقيمة ونرى ما لديها من تأثير على هذه النقطة .
من شان ذلك الا يكون هناك تقويم ، وبالتالى لاوجود لتطبيق القوانين المسبقة عن القيمة ، اذا لم تكن هناك الذات المنفعلة باهتماماتها ، هل يمكن ان تؤخذ الان على وجه التأكيد . ولكن هذا أبعد ما يكون عن القول بان القيمة محددة تماما من قبل الذات المنفعلة ، اما بشكل فردى أو اجتماعى . جانب من تحديد أى قيمة هو بالضبط الضرورة الكامنة فى طبيعة القيمة بشكل جوهرى . أنا ربما اقدم وجهة نظرى فى هذا الشا ن . اذا عرفنا بصرف النظر عن تجارب معينة عن الرغبة والشعور ، ان لكل موضوع ، فى المعنى الأوسع مكان فى عا لم القيمة ، سواء كانت القيمة ايجابية أو سلبية ، ومن ثم فان العمليا ت السيكولوجية للتقويم ليس بوسعها بداية اعطاءها ذلك المكان . واذا كان صحيحا أن القيمتين المعطاتين يجب بالضرورة أن تكونا فى علاقة أكثر أو أقل ، ومن ثم فان عمليات الشعور والارادة ليس بوسعها بدء خلق العلاقة .
الاعتراف الهام جدا بهذه الحجة يوضح أن تأ سيس موضوعية القيمة يكون فيما هو أبعد من المعنى الاجتماعى . كما يجب العمل على اظهار – فيما اعتقد – أن الموضوعية لاتتعارض مع الافتراض القا ئل بان القيمة تكون دائما بالنسبة للذات . ومع ذاتية صفات القيمة .أنا لست فى هذه النقطة مهتما بالمضى أبعد من هذا .
III
فى الختام بضع كلما ت ضرورية عن المسالة المتنازع عليها الخاصة بحكم القيمة . تبدو بعض المناقشا ت مطلوبة من خلال كونها مفترضة بصفة خاصة . بقدر ما لا يشير الاستخدام اللا مبالى للكلمات ، فان الزعم بأن حكم القيمة المحدد باعتباره متميزا عن أحكام الوجود والحقيقة ، يعنى بأن القيمة بمعنى ما نسخة مطابقة للكينونة ، ومفهومنا عن القيمة باعتبارها موضوعية يتطلب منا بلا شك الا بقاء على حكم القيمة ، وبقدر ما تكون هذه الحجج قائمة بالنسبة للسابق تكون ايضا قائمة بالنسبة للأخير . مفهوم " معرفة القيمة " قد تم تطويره فى هذا المقال ايضا ليعنى بوضوح وبشكل خاص بمناقشة الذاتية والموضوعية . وفيما يلى سوف نحصر جهودنا على مواجهة بعض الحجج ضد حكم القيمة .
ان هذا المفهوم الذى بدا مؤخرا قد فقد ولم يحرز تقدما لا يمكن انكاره . ويرى كثيرون أن ما يسمى حكم قيمة هو فى الحقيقة حكم حقيقة ( مينونج – سولمو – بيرى ) ، وان التقويم فى حد ذاته ليس حكما ، بل ادراكا للصفة ( مينونج ) أو تعبيرا غن الشعور (كروتشه – بيرى ) . عندما أقول أن هذه الزخرفة جميلة أو هذا الفعل خير ، فكل ما أقوله هو أن الموضوع حاصل على الصفة ، او انه الشعور ، أو من وجهة النظر العلائقية ،ا ننى بشكل مجرد أدرك العلاقة بين الموضوع واهتمام الذات .
ليس بوسعى تجنب الانطباع بأن وجهة النظر السلبية فى كل صورها تقع فى سوء فهم لما هومفترض بانه حكم قيمة ، والسبب الذى قد نراه الآن – فى اعتقادى – ان الموضوع له نفس الصفة ، وان الزخرفة جميلة أو الفعل خير ، يمثلان بلا شك حكم حقيقة وتصريح بواقع الامر . وبالمثل "ا" حاصل على الاهتمام بالموضوع هو مجرد ادراك لعلاقة الموضوع بالذات . اذا كان اى مما سبق يمثل حكم قيمة ، فا نه لايختلف عن احكام الحقيقة والواقع فى اى جا نب ، مرة اخرى ، اذا تم تعريف حكم القيمة " بالخبرة الانفعا لية للخير " ، فيبدو أن هناك سببا للقول بان ماندعوه حكميا بشكل مجرد لبس حكميا . وكما يقول كروتشه مجرد " تعبير عن الشعور " ، وكل مايميز حكم القيمة عن حكم الحقيقة تم العثور عليه فى مرحلة ما قبل اصدار الحكم .
لكن هل هذه هى حقيقة الحالة ؟ . هل حكم القيمة يتحدد اما مع حكم الحقيقة او مع الشعور ؟ . من الواضح ان رأينا أنه ليس كذلك . لقد حذرنا بالفعل من خلط حكم القيمة بحكم الحقيقة .وبالمثل فاننا مرارا وتكرارا وعلى وجه التحديد قد ميزنا بين الخبرة الانفعالية لصفات القيمة وحكم القيمة "15 " . واظهرنا أنه فى حين أنهما قد يكونا متزامنين الا أنهما منفصلان عند التحليل .
يأتى سوء الفهم لموضوع حكم القيمة واضحا فى المناقشة الأخيرة من فبل " بيرى " . فهو يضع الصعوبات المفترضة لنظرية حكم القيمة فى شكل مقنع بصفة خاصة ( اما حكم الحقيقة ، أو الخبرة الانفعا لية ) ،وفى الوقت الحاضر يدعو الكاتب للرد على المعضلة التى قدمها . ان موقف الاهتمام كما يقدمه ، اما يشكل القيم أو يدركها . اذا كان يشكلها فان ادراك القسمة يكمن فى الملاحظة والمقارنة والتسجيل والوصف المنظم للاهتمامات فى علاقتها بموضوعاتها وببعضها البعض ، هذا هو ، حكم الحقيقة .
واذا – من جهة اخرى – كان الاهتمام يدرك القيم ، من ثم فان القيم فى حد ذاتها ليست مسائل اهتمام على الاطلاق ، ، بل صفات لموضوعات يعد الاهتمام من أجلها الحساسية المطلوبة بوضوح . اذا قبلنا هذا الخيار فاننا سوف نعود الى الخلف الى ادعاء ( مور ) بان القيمة غير قابلة للتعريف "16" وهو يعنى هنا انها صفة غير قايلة للتعريف .
دعونا ندرس هذه المعضلة المفترضة . " موقف الاهتمام اما يشكل القيم أو يدركها " . القارىء المدقق يستشعر الغموض فعلا فى كلمة "قيمة " التذى كانت ازالته احدى الموضوعا ت الرئيسية فى دراستنا السابقة . قد يكون جيدا أن " بيرى " قد عمق مذهبه عن " الصفا ت من الدرجة الثا لثة " على الرغم من أننا وجدنا توضيحاته غير ملائمة بشكل استثنائى "17 " . وبالنظر لأنه مازال السؤال عن العرض الانفعالى قابلا للنقاش ، فاننا نفضل ترك المسألة مفتوحة .
من ثم دعنا نقول للحجة الفا ئلة بأن موقف الاهتمام يشكل هذه الصفات او القيم ، هل يترتب على ذلك أن تشكيل القيمة ، وأن علاقة الموضوع بالكينونة يوصفا باعتبارهما " يجب أن يكونا " ؟ . اذا – كما اعتقد – بدا بجلاء أن القيمة شىء آخر غير الصفات باعتبار أن الموضوع تم تقويمه ، ومن ثم يكون من المحتمل نماما ان هذه الصفا ت تعتمد على الرغبة والشعور ، وأنها جزء من القيمة التى تم تحديدها مسبقا ومعترف بها من قبل الحكم فحسب . نكرر، اذا عرفنا بصرف النظر عن الشعور والارادة أن لكل موضوع مكانه فى عالم القيمة ، وان اى قيمتين معطاتين يجب أن تكونا على علاقة باكثر أو اقل ، ومن ثم ليس بوسعهما اعطاء الموضوع ذلك المكان وليس بوسع الاهتمام بدء خلق هذه العلاقة .
الانفصال بحد ذاته عرضة للتساؤل . وليس من المؤكد عدم وجود أرضية مشتركة وأن الموقف الكلى للتقدير قد لايشمل كلا من التشكيل والادراك . ولكن دعونا نرى كيف ان المعضلة تمضى قدما . اذا كان الادراك يشكل القيمة ، فان ادراك القيمة يكمن فى الوصف المنهجى للاهتماما ت فى علاقتها بالموضوعات وببعضها البعض . هناك لايمكن ان تكون المسألة أن الادراك لاينطوى على حكم قيمة خاص . وكما رأينا فانه لايختلف عن أى شكل من اشكال أحكام الحقيقة والواقع . ولكنه – والغريب أن " بيرى " لم ير أن هذا – ينطوى أيضا على الادراك وليس على الاعتراف بالقيمة على الاطلاق .
ان ما يقدمه لى حكم القيمة من المعرفة التى تشكل معرفة بالقيمة هو شىء مختلف تماما ، انها تلك العلاقة الفريدة بالكينونة والعدم ، وأن الموضوع " يجب أن يكون "، ( فما يقدمه حكم القيمة هو ) قيمة موضوعية . لندعو هذا " الوصف المنهجى للاهتمامات " ادراكا للقيمة ومجرد تشويش للتعرف على الموضوع مع المعرفة الخاصة به .
ولكن ما يعد أكثر من ذلك – فيما اعتقد – فى الجزء الثانى من هذه المشكلة هو سوء فهم خطير . من جهة اخرى – اذاعرف الاهتمام القيم ، من ثم فان القيم ليست مسائل ذات اهتمام على الاطلاق ، بل صفات لموضوعات يجهز الاهتمام من اجلها الحساسية المطلوبة بوضوح . هذا الخلط مرة اخرى بين القيمة والمقوم يلعب دوره ، ولكن الاهم من ذلك هو افتراض أن القيمة يجب ان تكون اما علاقة أو صفة . ولكن هل هذه هى الخبارات المتاحة فقط ؟ . بالتاكيد لا ، اذا كان نقدنا لهذين المفهومين سليما ، والحجة صادقة بالنسبة للقيمة الموضوعية .
بالتاكيد ان " بيرى " لايخلط بين صفات الموضوع المدركة من خلال الحواس مع وجودها بوصفها مدركة عن طريق الحكم . فلماذا يخلط بين صفات الموضوع على اعتبا رأنه مقوم مع القيمة ذاتها ، وحقيقة انه يجب ان يكون .
اعتقد أنه سوف يكون واضحا للجميع ممن يتابعون جدلنا الان ، أنه مهما كانت القوة الواضحة لهذه المعضلة بسبب الغموض فى مصطلحى الادراك والقيم . وتحديدا القيم والكينونة من قبل الاهتمام ، فادراك القيمة – كما قيل لنا – يمكن أن يكون لاشىء سوى ، الملاحظة والمقارنة والوصف المنهجى للاهتماما ت فى علاقاتها بموضوعاتها وببعضها البعض . والآن اذا كان بادراك القيم هنا نعنى ما يسمي علم القيم –ليس لدى أى اعتراض على ذلك . عملى الخاص والذى يهدف الى أن يكون مساهمة فى هذا العلم ، هو فحسب مثل الوصف المنهجى .
ولكن من جهة أخرى اذا كان ادراك القيمة لايعنى على الأقل أن ما توصف به العلاقة – بين الوجود والقيمة لا يمكن تحديدها بشكل نهائى كعلاقة – ومن ثم فان ادراك القيمة لا يمكن أن يكون بهذا الوصف . فان الذى يكمن فى طبيعة القيمة على هذا النحو مختلف الى الأبد عن ما يكمن فى طبيعة الوجود أو الحقيقة . ويحدد مصطلح التقدير هذا الاختلاف بوضوح .
لكن كل هذا لا علاقة له بالاسئلة المثارة حول سوء الفهم المطلق لمشكلة القيمة . فى رايى – أن مايعد أكثر أهمية هو انتقادات "كروتشه " اللاذعة التى تم ملاحظتها بالفعل عندما تفهم الآثار المترتبة عليها بشكل تام . انها – اى الانتقادات – تتوجه الى جذور علاقات القيمة بالكينونة ، ولهذا السبب هى ذات مغزى خاص من وجهة نظر مناقشاتنا لعلاقة القيمة بالحقيقة الآن .
بالنسبة له ( أى لكروتشه ) – كما رأينا – ما يسمى حكم قيمة هو بوضوح مجرد عبث ، ومسخ منطقى ، وما يسمى حكم قيمة يجب الاعتراف به باعتباره مجرد تعبيرات عن الشعور . يقول لنأخذ حكم القيمة فى صورته العادية ، " ا " باعتباره يجب أن يكون ، أو سلبا باعتباره لا يجب أن يكون . من الواضح أننا أمام حكم ، لأنه يؤكد لنا بشكل ضمنى وجودا محددا ل " أ " الحكم الوجودى مفترض مسبقا فى أحكام القيمة بلا شك ، ولكن يجب على المرء الا يخلط بين الشرط والمشروط .
بهذه الفرضية يشرع "كروتشه " فى الكشف عن المسخ المطقى . ومن الأفضل النظر فى الشكل السلبى ، لأنه اذا كان " ا " موجودا ، فهو بافعل كما يجب أن يكون ، لأنه لايمكن أن يكون خلاف ذلك . ولكن الشكل الايجابى ليس الأفضل . " أ " هو ما يجب أن يكون . اذا تخلص هذا الشكل من التناقض فانه يقع فىى تكرار المعنى ، لأنه اذا كان " أ " موجودا فهو بالفعل ما يجب أن يكون .
نفطة ضعف الاتنفادا ت واضحة بما فيه الكفاية . والتوصل الى الموضع الحقيقى لحكم القيمة المفترض ( القيمة الجوهرية ) – كما هو بالفعل – بافتراض أن الموضوع يجب أن يكون أو يجب ألا يكون ، لقد سعى " كروتشه " لاظهار أن الحكم بهذا الشكل مستحيل . ومع ذلك – من أجل القيام بذلك كان يجب عليه وضع افتراضات معينة هى بالتأكيد مثيرة للجدل .
أول هذه الافتراضات أن القيمة صفة ، ومعها افتراض بأن حكم القيمة لكى يكون حكما يجب أن يكون من نوع ( س هى ب .) والان – كما رأينا "18" – لايأتى التناقض بالتأكيد اذا كانت القيمة ينظر اليها باعتبارها صفة ، واذا كان ما يجب هو المحمول فى هذا الحكم . الصفات متاصلة فى الموضوعات ، ونظرا لأن الصفة هى التى تجعل الموضوع ما هو عليه ، فان الحكم يفترض مسبقا أن الموضوع ما هو عليه . جعل القيمة معادلة ل ( يجب ان يكون ) وجعل – الينبغية – صفة للكينونة ، هنا يكتمل المسخ المنطقى .
لكن لدينا أيضا كل الاسباب للاعتقاد بأن القيمة ليست صفة . ومع ذلك – لا يوجد سبب لافتراض أن حكم القيمة يجب أن يكون من نوع (س هى ب ) . فى الحقيقة – فيما اعتقد – أنه فى حين أن " كروتشه " وجد الموضع الحقيقى لحكم القيمة ، الا أنه اخطأ فى الشكل ، وصعوبته حقا تعود الى هذا . حكم القيمة ليس هو " أ " باعتباره يجب ان يكون بل بالأحرى هو أن " أ " يجب أن يكون . هذه هى طبيعة حكم القيمة الذى يدرك ، وليس شيئا محددا بالكامل ، بل بالأحرى شيئا كائنا . القيمة ليست قرارا للكينونة ، بل اتجاها نحو الصيرورة . .
الافتراض الثانى غير المبرر هو ان حكم القيمة – يؤكد لنا ضمنا – وجود( أ ) المحدد .ولكن اذاكان ( أ ) موجودا ، هذا بالفعل باعتباره ما يجب أن يكون وما الى ذلك . هذا الافتراض – كما نرى بالفعل – لا مبرر له على الاطلاق . فحكم القيمة لايقدم لنا معرفة بالوجود . وليس الوجود افتراضا مسبقا للقيمة . بالاعتراف بهذه الحقيقة يختفى المصدر الآخر للتناقض والعبث .
بطبعة الحال لايمكن الهرب من القارىء المتعمق بأن نفترض أن الصعوبة التى استغلها " كروتشه " حقا تثير مشكلة ميتا فيزيقية قديمة عن القيمة والوجود . بالنسبة للمثالية التى يعتنقها " كروتشه " ، تطابق بين القيمة والوجود بشكل نهائى ، و " أ " بالفعل كما يجب أن يكون ، أيا ماكان يعد صحيحا . القول بأن الموضوع يجب ان يكون او يجب ألا يكون ، يجب أن يكون تعبيرا عن الشعور الذاتى . والآن فان القيمة والحقيقة لاينفصلان تبقى - فى نهاية المطاف - مسلمة متاصلة فى تفكيرنا .
كما انا نجد أن الحقيقة لاتطاق بدون ارتقائها الى مجال القيمة ، كذلك فاننا نجد صعوبة مساوية عند التفكير فى القيمة دون اعطائها شكلا من أشكال الكينونة . هذا يحدد بشكل نهائى – وبصعوبة أكثر – المشكلة الانطولوجية للقيمة ، ولسوف تشغل اهتمامنا فى المقال التا لى . ولكن شيئا واحدا على الاقل صار وضحا . لا يوجد مبرر للدوجماطيقية التى يتمسك بها " كروتشه " هنا ، والتى لازا لت أقل من ان تستخدم كحجة ضد حكم القيمة . الصعوبا ت فى طريق القيمة باعتبارها صفة او تقريرا للكينونة قد اتضحت الآن تماما ، فاذا كان هذا المفهوم الخاطىء تمتازالته فان الصعوبات الاكثر خطورة على حكم القيمة تختفى .
**********************
الهوامش
This JOURNAL, Vol. XIII., p. 449 - -1
هذه الورقة مثل السابقة ، مع التوسع فى بعض الاطروحات المعروضة على الجمعية الفلسفية الامريكية – فى ديسمبر 1915 .
- Loc. Cit., p. 455.2-
0. 3-Liebmann, "Gedenken u. Thatsachen," IVol. II., pp. 370-74.
اوتو ليبمان – (1840-1912) Otto Liebmann- فيلسوف المانى – من أعماله :
- (1865) (Kant and his inferior successors)
- (1866) (On free will)
- (1869) (On the objective point of view)
- (1884) (The climax of theory)
- (1901) (Outline of critical metaphysics)
-(1882–1904) (Thoughts and facts)
-4-B. Russell, "The Problems of Philosophy," p. 118.
5-Cf. my paper "On Intolerables," Philos. Rev., September, 1915 -
6- يسرنى أن تكون هذه العقيدة الشاملة للقيمة قدمت من قبل الجمعية فى ديسمبر 1915- وقد وجد ت ايضا أن " ريكارت " فى " Gegenstand der Erkentniss," -،الطبعة الثا لثة – 1915 –ص 230 . وقد وصل الى ذلك من خلال خط مختلف تماماللجدل ، والذى لايمكن استنساخه هنا . وقد استنتج مع ذلك أنه يمكننا الحصول على موضوع المعرفة بدون القيمة بدرجة اقل من الحصول عليها بدون شكل .
Simmel, "Philosophie des Geldes," p. 5 7-
8- هذا مشابه تماما للأ فعال غير المبالى بها adiaphora - -فى مجال الاخلاق . والمعنى الدقيق للكلمة ، ان مثل هذه الافعال لاوجود لها . وتمييز الخير والشر ، مثل كتمييز القيمة بشكل عام ، هو تمييز جذرى . فلا يمر اى شىء صغير جدا من هذا المنخل . ولكن العديد من الاعمال تعد تافهة وغير مهمة ولاتستحق عناء الحكم . ويمكن تجاهلها ، ولكن على ما يبدو انها عديمة القيمة wert frei.
- "9-Studien zur Wertaxiomatik," Leipzig, 1914, p. 42, note
10- J. M. Baldwin, " Genetic Theory of Reality, " New York and London,
1915 . See my review, this JOURNAL, VOl. XIII., p. 356.
جيمس مارك بالدوين James Mark Baldwin (1861-1934 )
فيلسوف وعالم نفس امريكى – من اعماله :
-Elements of Psychology (1893)
-Social and Ethical Interpretations in Mental Development (1898)
-Story of the Mind (1898)
-Mental Development in the Child and the Race (1896)
Thought and Things (London and New York, 1906
-11-بجانب هذه المسأ لة انظر ايضا : ريكارت : مرجع سابق – ص ص 264-271 . حيث يستخدم النفى كمعيار لتمييز القيمة تماما من الوجود . سواء كما يعتقد البعض ، وهذه الحقيقة تشكل حاجزا فعالا بنفس القدر ضد تصور الوجود والحقيقة كقيمتين ، وضد راى الحكم الوجودى باعتباره حكم قيمة ، المنظور اليه الآ ن. هذا الرأى سوف يحصل على الاعتبار الكامل فيما بعد . ونحن هنا نشعر بالقلق فحسب مع وصف المشكلة بأن القيمة ليست شكلا من اشكال الكينونة .
"12-Valuation, Its Nature and Laws," Chap. XIV., pp. 386-395. See also
De Laguna, "Introduction to the Science of Ethics," p. 336
-13-أن نستنتج من ذلك ان القيمة مستقلة عن أى ذات يعنى الفشل فى التمييز الهام الذى قدمه د. و. فيشر فى : The Problem of the Value Judgment," Philos. Rev., 1913, Vol. 22) . فى الاونة الاخيرة للتأكيد على التمييز بين القيمة وعلاقة القيمة بالذات . وهذا الاخير هو اقتراح حقيقى ، ومثل اى شى آخر خالد . وقد كانت العلاقة بين قيمة الذهب بالسكان حقا كما هى الان ، ولكن القيمة على هذا النحو لم تكن كذلك ، باستثناء – فى الواقع – معنى أن من المحتمل أن كل موضوع يجب أن يجد نفسه فى نطاق قيمة ايجابية أو سلبية .
- Value and Existence,” pp. 464-65 -14
15 -" Value and Existence," p. 42.
16-R. B. Perry, "The Definition of Value," this JOURNAL, Vol. XI., p. 152.
- Value and Existence," p. 457.17-
" Value and Existence," p. 459 -- 18