خير جليس طارق الطاهر - جولة في مكتبات خمسة مبدعين راحلين.. خزائن الأسرار ذاكرة تتحدى الغياب.. والتراب أحيانا!

خزائن الأسرار
ذاكرة تتحدى الغياب.. والتراب أحيانا!

ليست مجرد كائنات صماء قابعة على أرفف خشبية، ولا هي أوراق تتبدل ألوانها بفعل تأثيرات الزمن دون أن تشعر لأنها جامدة، لكنها مجموعة حيوات تعيد استنساخ أرواح أصحابها، فتستمد وجودها من علاقة حميمة جمعت بين لمساتهم وأوراقها ذات يوم بعيد. وهكذا يمكن أن نطّلع على الكتاب ذاته في أكثر من مكتبة فنشعر باختلاف واضح رغم ثبات المضمون. بصمة يد هنا، أو ملاحظة مدونة هناك، إهداء ذو دلالة، وآخر أقرب إلى “أكلاشيه” جاف! خط ممدود أسفل فقرة استهوت قارئه، يقابله انتقاد للفقرة ذاتها في نسخة أخرى لقارئ مختلف. إنها الشخصية التي تهزم ثبات الحروف بتفردها، واختلافها بين إنسان وآخر لدرجة قد تصل إلى النقيض.

كثيرا ما شغلتني فكرة المكتبة. ذلك التكوين الذي ابتكره البشر ليكون خزانة ضخمة، لا للمعرفة فقط، بل للأسرار أيضا، فوسط الصفحات قد تظهر عبارة تفضح سرا أخفاه صاحبها في هامش ينافس المتن، أو رسالة قديمة تكشف خبايا زمن لملم أوراقه ورحل. لهذا كنت حريصا على زيارة مكتبات المشاهير خاصة من رحلوا منهم، بعضها ظل يحظى بالاهتمام، والبعض الآخر قبع تحت وطأة تراب الإهمال! لكن العناوين في الحالتين تكشف أعماق من اقتناها، وتزيح النقاب عن مجالات لم نكن نتوقع أنها تحظي باهتمامه. إنها متعة الكشف التي ظلت تحركني على مدار سنوات طويلة، حتى قررت أن أدوّن جانبا منها لأفتح باب حجرة تشبه تلك الغرفة المحرّمة في الأساطير القديمة.

في هذا العدد اخترت خمسا من مكتبات مبدعين أثروا الأدب والسينما والفن التشكيلي، اجتذبتني بفرادة محتوياتها، التي تتشابه إلى حد كبير مع شخصيات أصحابها، حتى يصبح تحديد من منهما أثّر في الآخر بالغ الصعوبة، وعبر ملاحظات مدوّنة على صفحات الكتب، وكتابات سطرتها أقلامهم في أوراق متناثرة، وخطابات متبادلة، اكتشفت جوانب أخرى في شخصياتهم أزعم أن كثيرين لا يعلمون عنها شيئا. وتأكدت في النهاية أن للكتب ذاكرتها التي لا يمكن أن ينال منها الزمن، حتى لو نجح في قبض أرواح أصحابها.

في البدء كانت الكلمة، وفي النهاية كانت المكتبة ملاذا آمنا للحروف، وبين نقطتي البداية والنهاية يبقي الكتاب خير صديق لصاحبه، حتى لو وشى ببعض أسراره!

مكتبة فاروق عبد القادر تشارك صاحبها قدره

التأريخ للموت!

رحل وحيدا في دار مسنين.. ومكتبته انتقلت من عزلة المنزل إلى “تراب” روض الفرج!
أعمال سعد مكاوي والبساطي والخراط بدون إهداء.. وبهاء طاهر يداعبه: إلى الملاماتي الكبير!

تعد مكتبة الناقد الكبير الراحل فاروق عبد القادر انعكاسا حقيقيا وتأريخا دقيقا ليس فقط لحياته، بل لموته أيضا. ففي أواخر حياته تعرض لأزمة صحية حادة، ولأنه لم يكن متزوجا اضطر عدد من محبيه وتلاميذه إلى إيداعه إحدى دور المسنين ليتلقى العلاج، لكنه رحل بعد فترة وجيزة وحيدا في حجرته بها، وهو مشهد قريب لما حدث لمكتبة هذا الناقد الهام والمؤثر في مسيرة النقد المصري والعربي، فكما مات فاروق وحيدا، تم إفراغ منزله من محتوياته، باستثناء المكتبة التي انتظرت من ينقذها، فعندما دخل الزميل الشاعر جرجس شكري – وكان واحدا من المقربين لفاروق عبد القادر- المنزل وجد المكتبة فقط، بعد أن قام أحد أفراد عائلة الراحل بإخلاء الشقة من كل محتوياتها، تمهيدا لتسليمها لصاحب العمارة، وترك المكتبة فقط، التي تم نقلها على الفور لقصر ثقافة روض الفرج، ويسرد لي شكري هذه اللحظات قائلا: “في عزاء فاروق عبد القادر لم يكن هناك سوى زوج أخته وابن أخيه، وكنت أنا وإبراهيم أصلان ، وحسين عبد القادر ومحمد سلماوي وربما خمسة آخرون على الأكثر، وأنا أنظر إلى المقاعد الفارغة في قاعة مسجد آل رشدان تذكرت المكتبة التي أعرفها جيدا وهمست في أذن إبراهيم أصلان وأشرت إلى ابن شقيق فاروق عبد القادر وقلت له سوف يتخلص من المكتبة، لقد تخلصوا من الأثاث وسوف يسلمون الشقة لصاحب البيت، فماذا لو سلمناها لهيئة قصور الثقافة ووضعناها في قاعة باسمه، فقال لي عم إبراهيم افعل هذا فوراً، تسللت من قاعة العزاء الفارغة وتحدثت هاتفياً مع د.أحمد مجاهد الذي كان رئيساً للهيئة وقتذاك وأخبرته بالأمر فوافق وقال لي سوف أرسل لجنة لتتسلم المكتبة حين تتفق مع أقاربه، وعرضت الأمر على ابن أخ فاروق عبد القادر فرحب بالفكرة واتفقنا على البدء في اليوم التالي، وجاءت لجنة من قصور الثقافة لتتسلم المكتبة في اليوم التالي وذهبت لأول مرة إلى بيت عم فاروق دون أن يفتح لي الباب، كانت الشقة فارغة إلا من المكتبة، تناثرت بعض الملابس والأغراض في أنحاء البيت، تجولت في الغرف الحزينة حيث بعض الملابس التي سقطت أثناء تفريغ الشقة من محتواها. وكان دوري تسليم المكتبة للجنة، وأديت هذه المهمة وأنا أفكر في هذا البيت الذي مات صاحبه فتناثرت أشياؤه هنا وهناك غاضبة حزينة”.

هذا الغضب الذي شعر به صديقي جرجس شكري منذ سنوات، شعرت به في هذه الأيام، عندما قررت زيارة المكتبة في مقرها بقصر ثقافة روض الفرج، لا أبالغ إذا قلت إنني وجدتها “حزينة”. ولم لا؟ وقد تم وضعها في غرفة ملحقة بغرفة المكتبة الأساسية.. ولم لا؟ وقد ملأ التراب هذه الكتب التي كانت شاهدة على مسيرة ناقد من أهم نقاد العربية، لماذا لا أغضب وأحزن.. وأنا أرى هذه الكتب وقد وضعت على الأرفف بشكل مهين لمعنى وقيمة ومغزى “أي كتاب”، فما بالنا بمكتبة فاروق عبد القادر؟

رغم حزني على هذه المكتبة، إلا أنني اطلعت عليها بدقة، ربما أزعجت “أمينتها”، التي جاءت لي مشيرة بأدب جم إلى أن وقت الإغلاق قد حان، وهنا قلت لها: أنا على وشك الانتهاء مما أنا فيه، فقالت: لا توجد مشكلة “لسه باقي عشر دقائق”، ولم أكن في حاجة إلى هذه الدقائق، بقدر حاجتي إلى إعادة هيئتي إلى طبيعتها، بعدما أصبح التراب جزءا من ملابسي ويدي، وهنا قررت أن ترشدني إلى “الحمام” لكي أزيل هذا التراب بقدر المستطاع.

أعود إلى المكتبة التي حملت ختم قصر ثقافة روض الفرج، وهي تتكون من 5909 كتب وموسوعات ومعاجم في مختلف مناحي الأدب والفكر والثقافة والترجمة، بالإضافة إلى ركن خاص بالدوريات التي أحب أن يقتنيها فاروق عبد القادر.

إلى الملاماتي الكبير

أهم ما لفت نظري في تكوين المكتبة، أن الكثير من مقتنياتها دونما إهداء، أما الكتب التي حملت إهداءات، فانقسمت إلى قسمين، الأول ما يسمى بـ “الإهداء” الأكلشيه، أي لا تحمل معنى أكثر من الشكر أو التحية، أما القسم الثاني فهي الإهداءات التي تحمل معاني كثيرة ممن كتبها، من ذلك ما كتبه الكاتب الكبير بهاء طاهر في إهدائه لروايته “نقطة النور” إذ جاء في هذا الإهداء: ليس إلى الناقد القدير ولا إلى الصديق العزيز، ولكن في هذه المرة إلى الملاماتي الكبير فاروق عبد القادر.. مع خالص التحية والإعجاب من ملاماتي زميل! بهاء طاهر .. القاهرة 21/ 1/ 2001، أما الروائي حجاج أدول فكتب في إهداء روايته خوند حمرا، ما يشير ربما إلى استكمال لحوار سابق، اتخذ قرارا بعده بعدم اللقاء الشخصي بفاروق عبد القادر، إذ تضمن هذا الإهداء ما نصه: “الأستاذ/ فاروق عبد القادر.. مساء الخير. امتنعت عن ارتياد أماكن أحبها وأقدرها، حتى لا أتسبب في أي إزعاج لأصدقاء أكن لهم احتراما وتقديرا فمعذرة” ووقع على ثلاثة أسطر، كل سطر يتضمن أحد أسمائه الثلاثة وبجوار كل اسم تاريخ اليوم والشهر والسنة، كالتالي: حجاج 10، حسن 12، أدول 2006، أي أن هذا الإهداء وقع في 10 أكتوبر 2006. وقد كانت هذه الرواية من الكتب القليلة التي تجد فيها خط فاروق عبد القادر، فالغالبية العظمى من مكتبته، لا يوجد فيها تدوين داخل أي كتاب، باستثناءات قليلة منها رواية حجاج أدول، حيث كتب في صفحتها الداخلية التي تحمل اسمها، بالقلم الرصاص، وعلى يسار الصفحة ما يلي: ص 210 خلط الواقع المعاش بعصر المماليك، سواسوا: الجندي الصليبي القديم ص389، جريح الهرمدي ص456.

أما الأديب الكبير الراحل يوسف الشاروني ففي إهدائه لكتاب “دراسات معاصرة في قصص يوسف الشاروني”، يشير الإهداء إلى عدم الالتقاء من قبل مباشرة، وإن كان فاروق سبق أن تناول كتابات الشاروني بالتعليق والنقد، فقد جاء في هذا الإهداء: “إلى الصديق الذي أسعدني بصداقته عبر حروف المطبعة.. فاروق عبد القادر.. شاكرا كلماته التي أخجلتني، محييا إخلاصه وجديته” التوقيع يوسف الشاروني، في حين كتب الشاعر اللبناني محمد على شمس الدين في إهدائه لديوانه “أما آن للرقص أن ينتهي”: صديقي المبدع فاروق عبد القادر.. ذكرى لأيام لم نعشها بعد.. مع محبتي.. القاهرة 1989.

واختار عبد الوهاب داود أن يحمل إهداؤه لقب “المعلم” لفاروق عبد القادر، وبكل تأكيد هو محق في إطلاق هذا اللقب، الذي يتفق معه الكثير من الأجيال المختلفة، التي تنظر لفاروق عبد القادر على أنه “المعلم” فكتب عبد الوهاب داود في إهدائه لرواية “ظهورات”: الكاتب المعلم فاروق عبد القادر.. أرجو أن تجد فيها ما يستحق بعض من وقتك.. خالص محبتي .. عبد الوهاب داود.. 2 – 2006، وبلغة أدبية رفيعة المستوى، وبكلمات موجزة يهدي محمد برادة روايته “لعبة النسيان”: إلى العزيز فاروق عبد القادر..هذه الصفحات عن زمن متناسل عن النسيان.. مع محبتي.. الرباط 1987.. محمد برادة، ويصف الشاعر الراحل فاروق شوشة كتابات عبد القادر بأنها “ماء الشعر” فكتب في صدارة المجلد الأول لأعماله الشعرية الكاملة: إلى الصديق العزيز فاروق عبد القادر.. ناقدا ومبدعا، يتدفق في كتاباته ماء الشعر.. مع عميق محبتي فاروق شوشة 15/ 2/ 2004، وبإهداء يعبر عما يليق أن نقدمه من تقدير لفاروق عبد القادر، كتب محمود قرني في إهداء ديوانه “الشيطان في حقل التوت”: الكاتب الكبير الأستاذ فاروق عبد القادر.. تقديرا لما قدمته للثقافة المصرية والعربية.. أرجو أن تجد في هذا شيئا يستحق القراءة.. محمود قرني 28/ 3/ 2004، أما إهداء الفريد فرج لكتابه “أيام وليالي السندباد”: إلى الصديق العزيز والمفكر الأديب فاروق عبد القادر.. متمنيا أن تعجبك الحواديت.. ألفريد فرج 1978، أما الروائي الكبير الراحل جمال الغيطاني فقد أهداه نسخة من الطبعة الثانية من الزيني بركات، وجاء في الإهداء: أخي العزيز فاروق عبد القادر مع تقديري واحترامي لدوره في تدعيم الإبداع الحقيقي ومساندته في مواجهة قيم الزيف والضحالة.. أخوك جمال الغيطاني 20/ 7/ 1976.

إهداءات نمطية

وعلى جانب آخر، ومن أمثلة الإهداءات التي تدخل في إطار الإهداءات الاعتيادية، ما كتبه محيي الدين اللباد في إهدائه لكتابه “حسن فؤاد.. نهر الفن والحياة”: إلى فاروق عبد القادر.. الصديق والأخ.. محيي الدين اللباد 17/ 12/ 1987، كما جاء إهداء شريف حتاتة لكتابه “النوافذ المفتوحة” على المنوال السابق: إلى الناقد والكاتب الأستاذ فاروق عبد القادر.. مع المودة والتقدير.. شريف حتاتة 9/ 5/ 1993، وفي نفس هذا السياق يجيء إهداء الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد لكتابه “مؤامرة أم مراجعة.. حوار مع قادة التطرف في سجن العقرب”: إلى الصديق الأستاذ فاروق عبد القادر. أرجو أن يحظي الكتاب باهتمامك، أما الدكتور قدري حفني فاكتفى في إهدائه كتابه “الإسرائيليون من هم؟ دراسة نفسية” بأن يكون كالتالي: إلى الصديق العزيز الأستاذ/ فاروق عبد القادر مع خالص تقديري .. قدري حفني 12/ 7/ 1994.

وفي سياق هذه النوعية من الإهداءات، كتبت منى حلمي في إهدائها لديوانها “الأشياء الهاربة”: إلى الأستاذ فاروق عبد القادر.. مع تقديري واعتزازي.. أهدي هذه القصائد، كما أهداه الناقد والفنان والأديب عز الدين نجيب مجموعته القصصية “أغنية الدمية” بهذا الإهداء: الصديق الناقد الكبير الأستاذ فاروق عبد القادر.. مع خالص محبتي وتقديري عز الدين نجيب 2/ 4/ 1989، وعلى هذا النهج أهدت له الكاتبة العراقية بتول الخضيري روايتها “غايب” بـ: إهداء إلى السيد فاروق عبد القادر، مع الاحترام.. بتول.. القاهرة 1 / 3 / 2005 مؤتمر الرواية العربية.

.. وكتب بلا إهداءات

ومن عناوين الكتاب الموجودة في المكتبة بدون أي إهداء: “علم النفس الصناعي والتنظيمي” د. فرج عبد القادر، “أيام من حياتي” زينب الغزإلى، “مقاهي الشرق” إعداد جيرار جورج ليمير، تقديم جمال الغيطاني، ترجمة محمد عبد المنعم جلال، “الحروب الصليبية كما رأها العرب” نقلها إلى العربية د. عفيفي دمشقية، أمين معلوف، “خارج المكان” إدوارد سعيد، ترجمة فواز طرابلسي، “مروان قصاب باشا..رحلة الحياة والفن” عبد الرحمن منيف، “السائرون نياما” سعد مكاوي، “البدوي الآخر.. نصوص جديدة” محمد الماغوط، “الحرب والسلام” ليو تولستوي، ترجمة إدوار الخراط، “المسألة الهمجية” جميل عطية إبراهيم، “حكايات لرجل فوق السطح” محمد البساطي، “دوائر عدم الإمكان” مجيد طوبيا، “الدم والعصافير” عمرو عبد السميع، “الحفيدة الأمريكية” إنعام كجة جي، “في البنية الإيقاعية في الشعر” كمال أبوديب، “حكايات من دفتر الوطن” صلاح عيسى، “كسبان حتة” فؤاد قنديل، “بهجر في المهجر” جورج البهجوري، “الطواحين” أمين ريان، “الكرة ورأس الرجل” محمد حافظ دياب، “حجر الضحك” هدى بركات، الأعمال الكاملة لمحمود درويش، “ملفات السويس” محمد حسنين هيكل، وقد كتب فاروق عبد القادر في الصفحة التي بها العنوان الداخلي، ما يشبه الفهرست الخاص به: قرار الحرب 300، كتاب التوجيه 312، مصادر تتبع الإخوان 334، كسينجر 526، كل الخيوط في يد السادات 528، السلبيات 581، وجاءت الكتابة بالقلم الرصاص، الذي كان يستخدمه في الحالات القليلة التي يدون فيها ملاحظاته في صدر الكتب.

أما الدوريات التي احتفظ بها فاروق عبد القادر فهي أعداد مختلفة من: “مجلة الثقافة الجديدة”، إبداع، فصول، تواصل.
شاعر السينما سمير فريد مكتبتان يفصلهما النيل!

الرحيل لم يُفرغ جُعبته
أرشيف كامل للسينما منذ 1932.. والمتشائل الذي بقي في حيفا ينتظر النشر

“كنا نسير على سور الأزبكية نلتقط كتابا هنا أو هناك والتقيت بالأستاذ المخرج المسرحي الفنان فتوح نشاطي، وكانت هذه الصورة في مارس 1963 صورها زميلي وصديقي إسماعيل العادلي ومعي في الصورة نبيل بدران ومحمود حافظ وهو الآخر زميلي وصديقي وكنا جميعا في المعهد في ثانية نقد”.

بينما كنت أتأمل مكتبة وأوراق الناقد الكبير الراحل سمير فريد، في منزله الثاني بالمهندسين، أعطتني زوجته منى غويبة صورة له مع أصدقائه وهو لم يتجاوز العشرين من عمره.. ما لفت نظري ليس فقط الصورة، التي كنت أعرف عن قرب أحد الموجودين فيها وهو الناقد الراحل نبيل بدران، وهو ناقد له باع طويل في الصحافة، وعندما التحقت بمؤسسة أخبار اليوم، كان بدران الناقد الفني لمجلة آخر ساعة، لكن ما لفت نظري السطور التي دونها سمير في خلفية الصورة، فهي بمثابة إشارة واضحة إلى تكوينه، وهي ملامح تقودك مع أمور أخرى في “المكتبة والأوراق” إلى قراءة جذور التكوين لديه.. هذه الجذور التي تسير نحو اتجاه واحد هو “التوثيق” الذي يكشف عن إيمان عميق لديه منذ صغره بأهميته في حياة ليس فقط الأفراد، بل الأمم والشعوب.

التوثيق كان الهم الأول لسمير فريد في كل مراحل حياته، وهو ما أشعره كثيرا بخيبة أمل عندما لم يستطع هو وجيله، بل والأجيال التالية حتى الآن، أن يؤسسوا “سينماتيك” يحمي تاريخ مصر ويوثق لذاكرتها البصرية والسينمائية.

أعود إلى الصورة التي أقرؤها من جانبين، الأول الإشارة الواضحة إلى المكان الذي جمع منه فريد عددا لا بأس به من كتبه، التي شكلت ذخيرته المعرفية وهو “سور الأزبكية”، الأمر الثاني هو التدوين الدقيق لمفردات الصورة، وهو منهجه طوال حياته، حيث يحرص على الإشارة إلى عام التقاط الصورة وهو 1963 وأن الذي صورها هو إسماعيل العادلي “بطبيعة الحال غير موجود في الصورة”، وأسماء من هم معه في هذه اللقطة، وتحديد مكانهم وهو سور الأزبكية وكذلك تحديد حالاتهم، بمعنى أنهم طلبة في “ثانية نقد”.

هذه الصورة هي واحدة من المفردات التي كنت أبحث عنها في “جذور” سمير فريد، وعلى أية حال لم تكن هي دليلي لقراءة عالمه، فقد حرصت على لمس ورؤية المقتنيات التي حرص على جمعها وتوثيقها طيلة حياته.. وكانت هناك أشياء كثيرة ردت لي غيبة سمير فريد، الذي كنت أعرفه عن قرب، فواحدة من مميزاته، أنه كان يحرص دائما على تشجيع الآخرىن “سواء كانوا شبابا أو من جيله أو أجيال قريبة منه”.

منذ أن تطأ قدماك منزل صاحب الـ66 كتابا مؤلفا ومترجما، تنتقل إلى عالم آخر، تنتصر فيه المعرفة على ما عداها، وتحتل الذاكرة البصرية مكانها الجدير بها، فتلمح توثيقا على الجدران للسينما المصرية والعربية من خلال البوسترات التي تقابلك سواء في مدخل الشقة أو في حجرة مكتبه، من ذلك بوستر مائة عام سينما، بوسترات للأفلام المأخوذة عن روايات نجيب محفوظ، بوسترات أيام قرطاج السينمائية، بوستر مهرجان الإسماعيلية الدولي الرابع للأفلام التسجيلية والقصيرة، بوسترات لنادي البحرين للسينما، وبوستر فيلم “يحيا الحب” وتظهر فيه صورتا محمد عبد الوهاب، وليلى مراد، فضلا عن مجموعة من الصور التي توثق لمراحل سنه المختلفة منذ أن كان في الخامسة من عمره إلى صوره في مهرجانات ومناسبات ثقافية وفنية مختلفة، كما يحتفظ سمير بصور مع الفنان الكبير الراحل عمر الشريف، وأخرى مختلفة لنجيب محفوظ بمفرده.

لم تكن الصورة التي أشرت إليها سابقا هي فقط التي قادتني إلى معرفة أحد مرتكزات التكوين، لكن سمير فريد الذي وثّق الكثير من المحطات الرئيسية لمشوار السينما المصرية والعربية، ترك لنا في كتبه ما يشير إلى تكوينه، فمن بين الكتب التي التقطتها من مكتبته تقديمه لديوان شعري في عام 2001، وهو الديوان الأول للشاعر أحمد خالد بعنوان “أخلو من محبتها” وصدر في سلسلة إشراقات جديدة، عن هيئة الكتاب، وكان لدى هذه السلسلة تقليد أن يكتب عن تجربة صاحب الكتاب ناقد، وتوضع هذه الدراسة أو التعريف بالشاعر وعالمه في نهاية الكتاب، وهو ما حدث في حالة سمير فريد، لكنه قبل أن يبدأ قراءة الديوان، كشف عن علاقته هو بالشعر كتابة ونقدا وهو جانب غير معروف عنه، فمما جاء في هذا التقديم: “هل يمكن أن يعرف إنسان عن آخر معلومات من دون أن يعرفها، وإنما بالشعور والإحساس؟ أم أن أحمد خالد بطبيعة المجدد الواضحة في كتابه الأول أراد أن يجدد في المقدمة أيضا، فطلب من ناقد سينمائي أن يكتبها. لقد أحالني هذا الطلب الذي أسعدني إلى السنوات السبع من دراستي في الثانوية العامة ودراستي في معهد الفنون المسرحية. ففي هذه السنوات تتلمذت على يد الناقد الأدبي الكبير أنور المعداوي في ثانية وثالثة ثانوي، وعلى يد تلميذه الناقد الأدبي الكبير رجاء النقاش الذي عرفني عليه المعداوي في قهوة “أندريانا” بالدقي، ثم تتلمذت على يد عميد نقاد الأدب الدكتور محمد مندور طوال أربع سنوات في المعهد. كان المعداوي يُعدني لنقد الشعر والأدب، وكانت أولى مقالاتي التي نشرها لي رجاء النقاش في الآداب اللبنانية وأنا لم أزل طالبا عن الشعر والأدب، وكنت أمارس كتابة الشعر، بل والمسرح الشعري، ولكنني لم أجرؤ على نشر كلمة واحدة من إنتاجي هذا، وعندما قلت للمعداوي إنني سوف أتفرغ للكتابة عن السينما، ضحك ضحكته المجلجلة التي عرف بها وقال كان الأزهري عندما يدرس القرآن ويتحول إلى شاعر يقال عنه “أزهري فسد” وأنت أيضا درست الشعر مثل الأزهري الذي فسد”.

ممنوع من السفر!

سمير فريد حالة فريدة في كتاباته، التي لابد أن نتأملها، فرغم شهرته العريضة كواحد من أهم النقاد في المجال السينمائي، إلا أن الطريق لاحتلال هذه المكانة لم يكن مفروشا بالورد، فمن يتأمل الكم الكبير من المهرجانات العالمية والعربية والمصرية التي شارك فيها وأسسها، يشعر أنه لم يواجه أي حروب قد تعوق مسيرته، ونظرا لكونه “صاحب رسالة” منذ بدايته وجد من يقف بجانبه، والغريب أن أكتشف قصة منعه من السفر لحضور واحد من المهرجانات من خلال تقديمه للرواية التي ترجمها صلاح عبد الصبور “الجلد”، وصدرت في كتاب عن المشروع القومي للترجمة بعد رحيل عبد الصبور، في هذا التقديم كشف سمير عن علاقته بمترجم الرواية ومن خلالها نتعرف عن منع سمير من السفر لولا حكمة وعقل صلاح عبد الصبور، كما نتعرف على منزلة الأخير لدي سمير الذي كتب: “هناك أيام لا تُنسى في حياة كل إنسان، ومن بين هذه الأيام في حياتي يوم موت صلاح عبد الصبور، كنت قد أحببت الشعر من خلال قراءة شعره، وأحببته من دون أن أعرفه شخصيا، وعندما تعرفت عليه أثناء رئاسته لهيئة الكتاب ازداد حبي له أو بالأحرى أحببت الإنسان كما أحببت الشاعر، وقتها كان الصحفي لكي يسافر إلى الخارج يحصل على تصريح عرف باسم “الورقة الصفراء”، وعندما منعني رئيس التحرير من السفر عام 1980 لتمثيل مصر في اللجنة الدولية لكتاب التاريخ العام للسينما التابعة للأمم المتحدة، أعطاني صلاح عبد الصبور الورقة الصفراء من هيئة الكتاب، بعد موافقة منصور حسن وزير الثقافة آنذاك، ولم أكن موظفا في الهيئة، ولكنه لم يعبأ بالقوانين حتى أسافر”، وعن الظروف التي أدت به إلى كتابة هذه المقدمة يوضح: “في إطار الاحتفال بذكرى ميلاد صلاح عبد الصبور تحت قيادة د.جابر عصفور الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، اقترحت إصدار الرواية مرة أخرى في كتاب، وكانت قد نشرت مسلسلة في مجلة صباح الخير، ورأيت أن تكون مقدمة الترجمة لمقال نشرته عقب مشاهدة الفيلم في عرضه العالمي الأول 1980.. فرواية الجلد أو جلد الإنسان للكاتب الإيطإلى كوزريوما لابارته.. كنت قد شاهدت الفيلم الذي أخرجته ليليانا كافاني عن هذه الرواية.

فإذا كانت الفقرة السابقة تشير إلى محاولة منعه من السفر بواسطة أحد رؤساء جريدة الجمهورية، التي التحق بالعمل فيها من 1965 حتى 2003، و لكن ما السر في هذا المنع.. الحقيقة أن هذا الأمر يعود إلى الوضوح السياسي الذي يتميز به سمير فريد في كل الحقب التي شهدتها مصر، فكان سبب المنع هو معاقبته على مشاركته في الاحتجاج على مشاركة إسرائيل في معرض الكتاب في عام 1980، وهو ما أدى أيضا إلى نتيجة أكثر قسوة بعدها بعام، عندما أصدر الرئيس أنور السادات قرارا جمهوريا عام 1981 يمنع سمير فريد ونخبة من المثقفين والكتاب وأساتذة الجامعة من مزاولة أعمالهم، ونقلهم إلى أماكن أخرى، وكان نصيب فريد النقل لهيئة الاستعلامات!

كانت هذه القصة دافعا لي للبحث في أوراق سمير فريد عن المهرجانات التي شارك فيها، فقد كان يحتفظ بالدعوات التي توجه له، والأوراق البحثية التي يقدمها إذا كانت لهذه المهرجانات ندوات مصاحبة، وكذلك احتفظ بعدد من البوسترات الخاصة بها، خاصة أنه بدأ في حضور المهرجانات الدولية منذ 1967، و شارك في المهرجان الأهم في تاريخ السينما العالمية وهو مهرجان كان، ولم ينقطع عن حضوره بشكل منتظم وسنوي منذ 1970 وحتى رحيله (2017). هذا المهرجان الذي حل ضيفا علىه منذ الستينيات، اختاره ليكون عضوا في لجنة التحكيم الدولي للنقاد في دورتي 1973 و1981، ومنحه – أيضا- في عام 1997 ميدالية ذهبية بمناسبة يوبيله الذهبي، مع 19 ناقدا من مختلف دول العالم، وكان الوحيد الذي يمثل مصر والعالم العربي والأفريقي، وتكرر منحه ذات الميدالية في 2007 بمناسبة الدورة الستين لمهرجان كان.

من بين أوراقه الخاصة بالمهرجانات، تلك التي شارك في تأسيسها، إذ تشغل مجموعة من البوسترات حجرة مكتبه منها: بوستر مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي الذي شارك في تأسيسه 2007، وكذلك مهرجان أبوظبي الدولي لأفلام البيئة 2013، وسبق لفريد أن شارك في تأسيس العديد من المهرجانات المصرية، ويبدو أن قدرته على التنظيم والمتابعة الدقيقة لحال السينما المصرية جعلته يشارك في تأسيس المهرجان القومي للأفلام التسجيلية عام 1970، أي بعد خمس سنوات فقط من تخرجه، وتوالت بعد ذلك مشاركاته التأسيسية لـ: المهرجان القومي للأفلام الروائية الطويلة 1971، المهرجان القومي للسينما 1991، مهرجان أفلام الاتحاد الأوروبي 2005، مهرجان أفلام حوار الثقافات 2006، مهرجان أفلام المرأة 2007.

سر الدولاب الصغير

خلال تصفحي لأوراق مشاركاته المختلفة في المهرجانات الدولية والعربية والمصرية، فتحت منى غويبة دولابا صغيرا، هو جزء من المكتبة، الجزء الأكبر فيه كان عبارة عن دوسيهات وكتب مجلدة باللون الأسود، من بينها الطبعة الأولى من موسوعة “بهجة المعرفة” وهي موسوعة علمية مصورة مترجمة إلى العربية من الإنجليزية، وتقع في عشرة مجلدات، وتدور في ميادين العلوم الطبيعية والإنسانية والاجتماعية والحضارية، وصدرت طبعتها الإنجليزية في 1977، وبعدها بثلاث سنوات صدرت طبعتها العربية في ليبيا، وأشرف على تحريرها: الصادق النيهوم، كريم عزقول، فاروق البقيلي، أما المجلدان الآخران اللذان كانا في نفس الصف، فهما عن سمير فريد نفسه، وفيهما تدوين دقيق لعناوين كافة المقالات التي كتبها، والتي بدأها وهو طالب 1962 وأماكن نشرها، فمقالته الأولى نُشرت بمجلة القاهرة، ثم توالى النشر داخل وخارج مصر. ويشير هذان المجلدان بوضوح إلى مكانته الفريدة في عالم النشر، إذ أعتقد أنه الوحيد من أبناء جيله وربما أجيال كثيرة في الحياة الثقافية، الذي استطاع أن ينشر في أكثر من مائة جريدة ومجلة داخل وخارج مصر، فعندما قمت بحصر سريع لأماكن النشر، كما هو مدون بجانب عناوين المقالات، وجدته نشر في مجلات وصحف 17 دولة بخلاف مصر، وهذه الدول هي: لبنان، ليبيا، سوريا، العراق، تونس، الجزائر، الإمارات، الكويت، البحرين، قطر، سلطنة عمان، فرنسا، بريطانيا، سويسرا، قبرص، الولايات المتحدة الأمريكية، واليونان، واللافت للنظر- أيضا- أنه كان ينشر في كبريات المجلات التي تحتل مكانتها الهامة في تاريخ الثقافة العربية، ومنها: الطليعة، الهلال، الثقافة الجديدة، العلوم، صباح الخير، قضايا عربية، فنون، روز اليوسف، عالم الفن، الكتب.. وجهات نظر، ولفت نظري – أيضا – في هذا الأرشيف أنه كان يوقع باسمه على كل مقالاته، فيما عدا المقالات التي كتبها في جريدة الأهالي المصرية عام 1978، فكان يوقعها باسم مستعار هو كامل توفيق، ربما يعود ذلك للمناخ السياسي في ذلك الوقت، فجريدة الأهالي جريدة تصدر عن حزب معارض وهو حزب التجمع، وسمير فريد صحفي في جريدة قومية وهي جريدة الجمهورية.

أما “الدوسيهات” الموجودة في هذا الدولاب فلها قصة، فهي الأوراق التي كان يجمعها للإعداد لمقالاته وأبحاثه التي يشارك فيها في المهرجانات المختلفة، وكذلك كتبه، وقد لاحظت أوراقا مجمعة، ولكنها لم تصدر من قبل في كتاب. سألت منى عن هذه الأوراق، فأجابت باقتضاب أنه كان يجهز قبل رحيله لأكثر من كتاب، ربما ثلاثة كتب على الأقل، عن شخصيات ارتبط بها وبقضاياها، أثناء كلام منى كنت أتجول بسرعة شديدة لتأمل هذه الأوراق – الكتب – فوقع بصري على أوراق تحمل عنوان “إميل حبييي المتشائل الذي بقي في حيفا” بمناسبة الذكرى العشرين لرحيله، ودوّن سمير فريد على هذا الكتاب أنه انتهى منه في 2016، وهو واحد من الكتب التي لم تصدر للآن.

بالتأكيد لم تكن موسوعة “بهجة المعرفة” هي الموسوعة الوحيدة في مكتبة سمير فريد، بل تقريبا كل الموسوعات التي صدرت في السبعينيات والثمانينيات، هي جزء من هذه المكتبة، التي تتنوع عناوينها لتكشف ثقافة موسوعية لصاحبها، إذ وجدت موسوعات وكتب في مجال الفن التشكيلي، من ذلك: تاريخ الفنون الجميلة عند قدماء المصريين، تأليف شكري صادق 1909، موسوعة وصف مصر، ترجمة زهير الشايب، القاهرة في ألف عام، شارع المعز، الرسم المصري المعاصر تأليف د.رضا عبد السلام، ومجموعة كتب تعود لفترة الثلاثينيات للمؤرخ أحمد راسم، وهي أربعة كتب تحديدا عن: محمود سعيد، أمي نمر، صباغ، سيمون ماري، ولكنني لاحظت أنها ليست أصلية بل نسخ تصوير، فأوضحت لي منى أنه قرر أن يهدي الكتب الأصلية إلى أحد الأصدقاء، ويحتفظ هو بنسخ مصورة.

وفي هذا الركن من المكتبة وجدت الكتب التي أصدرها الفنان الكبير الراحل محيي الدين اللباد، وموسوعة قصة الحضارة، و”التصوير الحديث في مصر”.. “يميه ازار” لـ: إداور الخراط ونعيم عطية، وكذلك مجموعة كبيرة من عناوين المركز القومي للترجمة، وسلسلة هيئة الاستعلامات التي كانت تصدر في الثمانينيات عن الفنانين التشكيليين من أمثال: تحية حليم، محمود سعيد، عبد الهادي الجزار وغيرهم، وهذه السلسلة لم تصدر منها سوي طبعة وحيدة، كما يوجد بشكل لافت للنظر كتالوجات لعدد كبير من الفنانين من بينهم الفنان النحات آدم حنين، كما يملك مكتبة لا بأس بها من السيديهات الخاصة بالفن التشكيلي، ومن بين عناوين هذه السيديهات: موسوعة بينالي الإسكندرية لدول البحر المتوسط، الدورات المختلفة لصالون الشباب، الدورات المتعددة لبينالي القاهرة الدولي، من رواد الفن المصري.. لبيب تادرس أغنية لم تكتمل، وكذلك الأعداد الكاملة، أو شبه الكاملة لمجلات: الإضاءة الأخرى، العصور الجديدة، وجهات نظر، فصول، الديمقراطية، فنون مصرية، فضلا عن عدد من المؤلفات التي تتناول “حقوق الملكية الفكرية” ومن بين عناوين المكتبة: “ذاكرة .. أيام قرطاج السينمائية” إعداد وإشراف خميس الخياطي.

يحتفظ سمير فريد بطبعات مختلفة لعدد كبير من أعمال الأدباء، وأشارت لي منى غويبة أنه يملك معظم الطبعات الأولى لأعمالهم (جزء كبير منها موجود في مكتبته الأولى)، من هؤلاء: إبراهيم أصلان، محمد البساطي، جمال الغيطاني، نجيب محفوظ، الذي ألف عنه كتابا صدر في 1990 بعنوان “نجيب محفوظ والسينما” كما كتب عنه فصلا من فصول كتابه “أدباء مصر والسينما” الصادر 1999، الذي ضم – أيضا – فصولا عن: محمد حسين هيكل، طه حسين، يوسف إدريس، سعد الدين وهبة، إحسان عبد القدوس، صلاح عبد الصبور، يحيى حقي، وكل هؤلاء وغيرهم يحتفظ بأعمالهم في مكتبته، كما أنه أهدى يحيى حقي كتابه “أفلام في الظل” الصادر 2000.

في المكتبة الأولى

أثناء كلامها معي كانت منى تشير دائما إلى أن مكتبته الأصلية في بيت زوجته الأولى السيدة الفاضلة آمال ممتاز، الذي يقع في الزمالك، وبالفعل كنت قبل مقابلتي لمنى، أجريت اتصالا مع الزميل الموهوب محمد سمير فريد، لكي أزورهم، رتب لي موعدا في بيتهم بالزمالك، لم يكن النيل هو الفاصل الوحيد بين المكانين، لأنني شعرت أن مكتبة الناقد الكبير في الجزيرة الشهيرة نقلتني لعالم آخر.. قربتني أكثر من سنوات التكوين والجهد الرهيب الذي قام به سمير فريد لتوثيق ليس فقط السينما المصرية والعربية، بل والعالمية.

بداية وجدت مكتبته منتشرة بشكل منظم في كل أرجاء المنزل، لكن كانت هناك أجزاء خلت من الأرفف، وفسر لي محمد هذا الأمر، حيث قام والده بإهداء عدد لا بأس به من الكتب لمكتبة الإسكندرية.

هذه المكتبة الضخمة مقسمة حسب أنواع المعارف الإنسانية، سياسة واجتماع، أدب مصري وعربي، أدب عالمي، معاجم، موسيقى، ثقافة أفريقية، القواميس والمعاجم، المسرح الفرنسي، المسرح المصري والعربي، تاريخ الأديان، علم الاجتماع السياسي، فلسفة، فضلا عن مكتبة متكاملة عن شكسبير وكافة أعماله بالإنجليزية، وكذلك ترجماته بالعربية، أعمال نجيب محفوظ، يوسف إدريس، جمال الغيطاني، محمد البساطي، إبراهيم أصلان، علاء الأسواني، وغيرهم، فمن عناوين هذه المكتبة الكبيرة: “الأمثال العامية” أحمد تيمور باشا، “مصر في عيون الغرباء” للدكتور ثروت عكاشة ويقع في جزءين، “معجم تاريخ مصر” جوان فوتشر كنج، ترجمة عنان علي الشهاوي، مراجعة عاصم الدسوقي، “الهرطقة في الغرب”، “الإلحاد في الغرب”، “ملحدون محدثون ومعاصرون”، “موسوعة الرقابة .. الأعمال المصادرة في العالم” وهي من مؤلفات د.رمسيس عوض، “أوراق هنري كورييل” دراسة د. رؤوف عباس، “التعريف بشكسبير” عباس محمود العقاد، “عوليس جيمس جويس”، ترجمة د.طه محمود طه، “موسوعة جيمس جويس” ترجمة د.طه محمود طه، “الأدب الأفريقي” علي شلش، “أفريقيا التحدي” وانغاري ما ثاي، ترجمة أشرف محمد كيلاني، “التراث الثقافي للأجناس البشرية في أفريقيا بين الأصالة والتجديد” د.عبد العلىم عبد الرحمن خضر، وغيرها المئات من الكتب في كافة المجالات والتخصصات.

كما أفرد سمير فريد جزءا للكتب المهداة إليه، وخاصة في السنوات الأخيرة، ومن ذلك: “أوراق عمري من الملك إلى عبد الناصر والسادات” للدكتور على السمان، وجاء في الإهداء: “العزيز الأستاذ سمير فريد. تحية قدوم لك أهدي إليك قصة نصف قرن من عمري في خدمة الحوار والسلام والمحبة.. على السمان 23/ 4/ 2014″، أما الأديب عبد الرشيد محمودي فأهدى له روايته “بعد القهوة” بهذا الإهداء: “إلى الأستاذ الناقد الذواقة مع خالص المودة والتقدير”، في حين أهداه الناقد السينمائي المتميز الزميل عصام زكريا ترجمته لكتاب “العار لاجا” لتسليمة نصرين، بهذه الكلمات التي تعبر عن تقدير لا محدود لسمير فريد: إلى الأستاذ سمير فريد أحد المثل العليا في علمه، وعلميته، وتفكيره التقدمي، قدوة يهتدي بها جيلنا في معركة المستقبل ضد الماضي. عصام زكريا.. 5/ 7/ 1996، وجاء إهداء الراحل الكبير الفنان أحمد فؤاد سليم لكتابه “شاهد عيان على حركة الفن المصري المعاصر”: سمير.. إلى صديق العمر بحق، مهما اتسعت المسافات الجغرافية.. أحمد فؤاد سليم 9/ 6/ 2008.

وبذات معاني التقدير والاعتراف بالجميل، يأتي إهداء محمد بدر الدين لكتابه “تجديد الفكر الناصري.. نهج جمال عبد الناصر وجمهورية 25 يناير” ويكتب في هذا الإهداء: إلى صديقنا وأستاذنا سمير فريد .. أصغر أساتذتي وأحبهم إلى قلبي، وأكثر من يهمني أن يقرأوا هذا الكتاب، وأن أعرف رأيهم فيه، لأنك من قلت لي يوما: إن الناصرية بحاجة إلى كتاب يجمل، ويعبر عنها بين دفتين ويقدمها إلى الأجيال الجديدة، وأقصى ما أتمناه أن أكون نجحت في أن أقدم الناصرية فيه.. بعين اليوم والمستقبل وليس بعين الأمس والسلف الصالح!.

أسرار السينما

وكلما أبديت إعجابي بمقتنيات المكتبة، كان محمد سمير يقول لي سأحتفظ لك بالمفاجآت في نهاية جولتك، ومن شدة رغبتي في معرفة هذه المفاجآت، أنهيت جولتي بين مقتنيات هذه المكتبة، بعد أن اطلعت عليها بتفاصيلها، لأسأل محمد عن المفاجآت، فيأخذني إلى المكان الذي تشم منه رائحة سمير فريد، إلى حجرة مكتبة فريد، التي هي- أيضا- فريدة في تكوينها، فهذه الحجرة مليئة بأسرار السينما المصرية والعربية، ففيها أرشيف لا مثيل له في أي مكان آخر، فهناك ملفات عن الحركة السينمائية في الدول العربية: ليبيا، عمان، موريتانيا، السودان، قطر، اليمن، البحرين، السعودية، الإمارات، سوريا، وكذلك أرشيف عن كافة المهرجانات العربية بكل دوراتها، والمفاجأة الكبرى كانت في أرشيف متكامل عن السينما المصرية، فتوجد ملفات مقسمة حسب السنوات، بدأها من 1932 وحتى 2017، في كل أرشيف صمم استمارة لكل فيلم يعرض، مكونة من خانات، شاملة لكافة عناصر الفيلم: الإخراج، الممثلين، المؤلف، كاتب السيناريو، الأغاني، ملخص الفيلم، إلى آخره، كما توجد ملفات متعلقة بقضايا السينما والفن، مثل ما كُتب عن تكفير السينما، قضية فان جوخ، المعارك السينمائية، تحريم النحت، كما خصص أقساما في مكتبته لرموز السينما من ممثلين ومخرجين وكتاب سيناريو وغيرهم، وبين أرجاء المكتبة تنشر أشرطة أفلام السينما، وأشرطة كاسيت لعبد الحليم حافظ، محمد عبد الوهاب، شادية، نجاة وغيرهم الكثير.

أرشيف السينما العالمية

وبعد أن تفقدت هذه الحجرة، صحبني لحجرته التي تركها بعد زواجه، ليمتد إليها عطاء سمير فريد، فأجد فيها أرشيفا للسينما العالمية، ولنجوم الفن السينمائي العالمي، وللمهرجانات الدولية في بلدان عدة: فرنسا، أستراليا، كندا، بولندا، دول البلقان، السويد، أيرلندا.

كما شهدت في هذه الحجرة أرشيف سمير فريد للمواد التي استعان بها في مؤلفاته، فمن وجهة نظري كان حلم سمير فريد الأكبر هو إنشاء سينماتيك لحفظ تاريخ السينما المصرية والعربية، شعرت بهذا جليا وأنا بين كتبه وأبحاثه، فما آمن به كان هو الدافع الأساسي – من وجهة نظري – إلى أن يمتلك مكتبة حقيقية لتاريخ السينما، قام هو بتأليفها، إذ لديه 63 كتابا مؤلفا ومترجما، تتناثر في أركان شقته، هذه العناوين هي المقابل الموضوعي لسيرة ومسيرة وشخصية سمير فريد، الذي بدأ رحلته في عالم التأليف في عام 1966، عندما أصدر كتابه الأول “سينما 1965″، وتوالت بعد ذلك الإصدارات التي ناقشت وأرخت ووثقت لتطور وقضايا السينما، ومن ذلك كتبه: “الدليل السينمائي” الذي نشر في يناير 1967، وتضمن أربعة فصول: دليل أفلام العام، دليل الأفلام المصرية، حول النشاط السينمائي، ملامح سينما 1967، وكذلك ركز في مجموعة أخرى على القضايا العامة المرتبطة بالسينما مثل مؤلفاته: “هوية السينما العربية” 1970، “الواقعية الجديدة في السينما المصرية” 1992، “سينما القهر وسينما التحرير” 1992، “السينما العربية المعاصرة”، “مدخل إلى تاريخ السينما العربية” 2001، وفي مؤلفات أخرى ألقى الضوء على مسيرة نجوم أثروا السينما في مجالاتها المختلفة إخراجا وتأليفا، من ذلك كتابه: “القاموس الصغير لمخرجي السينما في مصر” 1974، “أضواء على سينما يوسف شاهين” 1992، “حوار مع السينما المصرية” 1993، وفيه قدم بورتريها لمجموعة من المخرجين والمصورين السينمائيين والفنانين، بلغ عددهم 15 شخصية: نيازي مصطفي، أحمد كامل مرسي، هنري بركات، صلاح أبو سيف، كمال الشيخ، يوسف شاهين، توفيق صالح، حسين كمال، شادي عبد السلام، سعيد مرزوق، محمد راضي، ممدوح شكري، على بدرخان، عبد العزيز فهمي، سعاد حسني، وفي هذا الاتجاه نجد – أيضا – كتابه “فاتن حمامة” 1995، “يسرا: فنانة في زمن التكفير” 2009، “حسن إمام عمر: عميد الصحافة الفنية” 1999، “مخرجون واتجاهات في السينما العربية” صدر عام 2000 وأهداه إلى اسم مارون بغدادي الذي رحل 1993، وفي هذا الكتاب توقف عند: محمد ملص، أسامة محمد، دريد لحام، رياض شيا، سمير ذكري، عبد اللطيف عبد الحميد، مارون بغدادي، ومن مؤلفاته أيضا- في هذا الاتجاه: “مخرجون واتجاهات في السينما المصرية” 2000، “نجوم وأساطير في السينما المصرية” 2000، وفيه قدم بورتريهات لـ : أم كلثوم، محمد عبد الوهاب، ليلي مراد، نجيب الريحاني، أسمهان، أحمد سالم، آسيا، شكري سرحان، كاميليا.

وقبل مغادرتي لمنزله كنت أمتلك الكتب الأربعة التي كتبت عن سمير فريد. اثنان منها كنت قد قرأتهما من قبل، لكنني لم أشأ أن أرد هدية تحمل اسمه، وهذه الكتب هي: “رسائل موسكو من سيد عيسي ومحمد كامل القليوبي إلى سمير فريد” تحرير جلال الجميعي 2000، “سمير فريد: مغامرة النقد” وائل عبد الفتاح 2005، “رسائل توفيق صالح إلى سمير فريدط تحرير جلال الجميعي 2006، أما الكتاب الأخير فهو “سمير فريد.. تفرد وإنجاز” إعداد صفاء الليثي.

لوحات شادي عبد السلام تنافس الكتب

المكتبة بدأت من السرير!

هجر عمارة أستاذه حسن فتحي.. والتحق بمدرسة جاره صلاح أبو سيف
رسوماته لعبلة وأبطال المماليك والمومياء في ضيافة 1740 كتابا بدون إهداء

لا يختلف اثنان على موهبة شادي عبد السلام (1930 – 1986 ) ودوره المؤثر في تاريخ السينما المصرية والعربية.. ما شغلنى وأنا أقلب فى أوراق وكتب هذا الإنسان “الفذ” متعدد المواهب، هو البحث عن “جذور” الموهبة.. كيف تكوّن شادى وما أفكاره الرئيسية؟ وهل أستطيع من خلال عباراته المنتشرة فى معرضه الدائم بمكتبة الإسكندرية وكذلك مكتبته التى تقع فى “القلب” من هذا المعرض، أن أضع يدي على مفردات هذه الموهبة الاستثنائية فى تاريخ السينما؟

بالفعل وجدت الإجابات، فشادى بموهبته كان يعلم أنه سيكون بلاشك قدوة للأجيال القادمة، وأراد أن يوصّل رسالته بوضوح، كان ما يعنيه هو أن يعرف الإنسان المصرى تاريخه وسر تفرده: “إنني أسعى لسينما تفيد الناس، تُعلمهم لكن بفن، وكان عليّ أن أكشف طريقة أو أسلوبا سينمائيا جديدا، فيلما تعليميا دون جفاف.. فيلما يعطي المعلومة ويراعي الإنسان ولا يخلو من المتعة، فيلما طريقة السرد فيه متقدمة والمعلومات مبسطة ويخلو فى الوقت نفسه من عبارات المتخصصين الضخمة والتى قد لا تصل للمتفرج العادي الذى أسعى إليه، إنما اخترت أن أتوجه للأسرة المصرية العادية، الأسرة التى تجلس أمام التليفزيون بكل أفرادها، وأعتقد أننا لو أردنا إحداث تحسين فعلينا الاهتمام بالبيت المصري لأنه هو المستقبل، ومنذ بدأت أعمل وأنا أعتقد أن لي قضية.. فقضيتي هي التاريخ الغائب أو المفقود.. الناس الذين تراهم في الشارع والبيوت والمزارع والمصانع، هؤلاء الناس لهم تاريخ، ساهموا يوما في تشكيل الحياة بل وفي صنع الحياة، أغنوا الإنسانية… كيف نعيدهم للدور نفسه. كيف نستعيد مساهمتهم الإيجابية والقوية في الحياة.. لابد أولا أن يعرفوا من هم.. وماذا كانوا وماذا قدموا.. لابد أن نوصل بين إنسان اليوم وإنسان الأمس لنقدم إنسان “بكرة”.. هذه هي قضيتي”.

هذا ما كتبه شادى بنفسه في عام 1982، عن جوهر ما يريد أن يصل إليه وهو الإنسان المصري الذي ساهم في تشكيل الإنسانية بقيمه ومبادئه وحضارته، لكن كيف وصل شادي إلى هذه القناعات، مكتبته خير شاهد على كيفية تكوينه، هذه المكتبة التي تشكّلت استجابة لمتطلباته في مراحله المختلفة، بدأ في تكوينها عندما أصيب بمرض أقعده السرير لمدة العامين، ومن هنا تشكلت علاقته بالقراءة والكتاب: “قد حاولت أن أقرأ، ولكن مكتبة والدي كانت قاصرة على كتب التاريخ والقانون الصعبة.. وفي سن الثالثة عشرة لم يكن هناك مفر من القراءة، إذ رقدت عامين في الفراش حتى الخامسة عشرة لأن طول قامتى المتزايد كان يعرض قلبي للخطر”. المكتبة كاشفة عن مسيرة شادي، والمجالات المختلفة التي أجادها، فهو رسام محترف، ورسوماته وتصميماته تنتشر في الأنحاء المختلفة لمكتبته، التي يتوسطها بورتريه لشادي عبد السلام، بريشة الفنان القدير الراحل حسن سليمان، وفي أنحاء المعرض نتوقف عند رسوماته لشخصيات تحولت إلى لحم ودم في عدد من الأفلام، إذ نجد من فيلم “وا إسلاماه” رسومات بريشة شادي عبد السلام لـ: محمود في زى المماليك وهي عبارة عن ألوان مائية على كانسون، عربة التتار بعجلتين وهي بالألوان المائية على كانسون وكتابات بالرصاص، زي السلطان محمود بالألوان المائية على كانسون، زي لجهاد في مرحلة الطفولة بالألوان المائية على كانسون، فضلا عن رسمة كبيرة بالباستيل على ورق أزرق لمدخل وسور القصر، وتتوالى رسوماته للشخصيات والمناظر المختلفة للأفلام التي شارك فيها باعتباره مصمم أزياء وديكور مثل فيلم “عنتر وعبلة” الذي صمم أزيائه، فنجد عبلة مرسومة بالألوان المائية على كانسون.

شادي عبد السلام أجاد رسم الشخصيات في أفلامه المختلفة، ويبدو منها التمكن الواضح من قراءة الفترة الزمنية التي يعبر عنها، مثل رسوماته لفيلم “ألمظ وعبده الحامولي”، الذى صمم له الملابس والديكور، من هنا نطالع لوحة مرسومة “زي ألمظ” بالألوان المائية على كانسون، وكذلك زي الخديوي مرسوم بالألوان المائية على كانسون وزي عبده الحامولى بالألوان المائية على كانسون.

تلميذ حسن فتحي

لم يكن مخرج “المومياء” يُتقن الرسم كموهبة فقط ولكن دراسة -أيضا-، إذ أنه سافر إلى إنجلترا لدراسة القانون، بعد تخرجه في مدرسة فيكتوريا ونيله للثانوية العامة 1948، مكث هناك لمدة عام واحد، ليعود ويلتحق بكلية الفنون الجميلة، وتحديدا قسم العمارة، ليدرس على يد المهندس المعماري العالمي حسن فتحي، وبعد تخرجه 1956 عمل مساعدا للمهندس المعماري القدير الفنان ويصا واصف، لكنه يقرر فجأة أن يترك مجال العمارة، ويلتحق بالعمل السينمائي، في خطوة شجاعة، سجلها بقوله: “فى عام 1959 جاءتنى الشجاعة يوما وطرقت باب صلاح أبوسيف في بيته.. قلت له أريد أن أعمل في السينما وذلك بعد أن عرفته بنفسي.. ولم يفتني أن أذكر له أنني جاره، فنحن نسكن في شارع واحد بالزمالك.. رحب بي صلاح أبوسيف وكنت معه في الاستديو كل يوم.. وكان أول فيلم «الفتوة».

عندما تُقلب في مقتنيات مكتبته تكتشف من أين جاء شادي بكل هذا التمكن في الإلمام بالأبعاد المختلفة للفترات الزمنية لشخصيات أبطال أفلامه، سواء التي اكتفى فيها بدور مصمم الملابس والديكور، أو تلك التى أخرجها، مكتبة شادي هي شاهد حي على هذا التكوين المتميز لفنان استطاع أن يحتل بفيلمه المومياء صدارة المخرجين المتميزين.

تحتوي مكتبته على 1740 كتابا تعكس روافد إيمانه بقضيته وهي تعريف المصريين بتاريخهم الغائب، وهذه الكتب جميعها بدون إهداء، وهي في مجالات الفنون بتفريعاتها المختلفة: تصميم الملابس، العمارة، التصوير الزيتى، النحت، الخزف، فنون السينما وكتابة السيناريو والحوار، ومجموعات من الروايات العالمية، وكذلك كتب عن التاريخ بحقبه المختلفة الفرعونية والقبطية والإسلامية، ونجد -أيضا- العديد من المراجع في تاريخ نشأة الحضارات وميثولوجيا الشعوب، خاصة مناطق الشرق الأوسط والهند وأفريقيا، وكذلك نلمح الكثير من الكتب المتعلقة بالفلسفة والتصوف والحضارة المصرية القديمة.

ومن عناوين هذه المؤلفات: كتاب “فجر الضمير” لـ جيمس هنرى بريستد، والغريب أننا نجد أكثر من نسخة لهذا الكتاب، “سندباد مصري” د.حسين فوزي، وهو عبارة عن رحلة فى تاريخ مصر، ومن الكتب اللافتة للانتباه فى مكتبة شادي عبد السلام، وجود إصدارات نادرة وتعد من أوائل المطبوعات، مثل كتاب “إخناتون” للأديبة البريطانية الشهيرة “أجاثا كريستي” التى تعد النص المسرحي الذى كتبته عام 1937، خلال فترة إقامتها مع زوجها بمدينة الأقصر، وكتبتها بالاستعانة بمعلومات الأثري “ستيفن فلانجيال” صديق زوجها “ماكس مالوان” ولم تنشر هذه الرواية إلا في عام 1973 في أعقاب معرض لكنوز توت عنخ أمون بالمتحف البريطاني.

ومن مقتنيات شادى عبد السلام – كذلك – عدد لا بأس به عن “إخناتون” وشخصيات تاريخية أخرى مثل شخصية أوديب، وكتب عن النبي موسى، فضلا عن مؤلفات تركز التاريخ المصرى القديم، لاسيما تاريخ الأسرة الـ18.

وفيما يدخل في إطار المجموعات النادرة، يمتلك شادي عبد السلام عددا من الإصدارات التي تؤرخ لفناني عصر النهضة الإيطاليين: مايكل أنجلو، رافايللو، ليوناردو دافينشي، ومقتنيات من كتالوجات متحف اللوفر بباريس، ومجموعة نادرة من كتب تؤرخ لفن الرسم الملون فى إيران.

لا تقتصر مكتبة ومعرض شادي عبد السلام في مكتبة الإسكندرية على مكتبته فقط، بل تضم مكتبه، وقامت إدارة المكتبة بتصميم المكان ليكون شبيها تماما لوضع المكتبة والمكتب في أتيليه شادي، قبل أن تقرر أخته السيدة الراحلة مهيبة عبد السلام، بيع هذه المقتنيات لمكتبة الإسكندرية.

إخناتون غير المكتمل!

هذه المكتبة بمقتنياتها تحكي لنا كل جوانب رحلة شادى عبد السلام وأسرار نبوغه، والمقتنيات التي كان يحرص على شرائها، فلا تقتصر على الكتب فقط، بل نجد أصول أعماله من تصميمات لمشاهد سينمائية وملابس وإكسسوارات، بعضها تم تنفيذه، ولكن البعض الآخر لم يمهله القدر لتنفيذه لاسيما تصميماته المتعلقة بفيلمه “إخناتون.. مأساة البيت الكبير” فهناك العديد من اللقطات الموجودة التي تكشف قيام شادي بتشكيل إكسسوارات من الخزف لهذا الفيلم، الذي لم ير النور للأسف، وقد سجل شادي قصته حسبما هي مدونة في المعرض: “لمنطقة المنيا تأثير كبيرعليّ، وإذا قرأت عن تل العمارنة سوف تعرف أنها بلد الشمس وقد شيدت على أجمل طراز معمارى، وكانت المدينة مخططة وفيها أشجار وحدائق، وكنت أقرأ ذلك كله، وعند زيارة المنطقة تجدها خرائب ولا توجد فيها جدران.. مأساة حقيقية محزنة.. وكنت أقرأ كثيرا عن تل العمارنة، ومن هنا جاء التفكير في فيلم إخناتون.. إخناتون هو شخص له وجهة نظر محددة، وعنده حلم قوي وكبير، وهو من هذه الناحية لم يكن يصلح حاكما، فالحاكم يجب أن يتميز بالدهاء، وبقدر من الخبث وبقدر من الخديعة وإدراك بالظروف ومتى يتكلم ومتى يصمت ومتى يحارب ومتى ينسحب. وهذه هي سمات الحاكم. أما إخناتون فكانت له سمات وملكات الفيلسوف، مثل الرصاصة إذا انطلقت لا يمكن استرجاعها أو تعديل مسارها وهذا هو تكوينه وقدره، وأهم مظهر في شخصية إخناتون حسبما أفهمها هو القوة، القوة العظيمة والثقة بالنفس. الفيلم جاهز للتصوير تماما، وكان من الممكن تنفيذه منذ عدة سنوات، ولكني أجاهد لإخراجه منذ عشر سنوات وأرجو أن أخرجه قريبا”، ولكن شاء القدر أن يرحل شادي قبل أن يظهر هذا الفيلم للنور، لكن رسوماته وتصميماته تحتل ركنا بجوار مكتبة شادي عبد السلام، وكذلك المشاهد المكتوبة، لاسيما النهاية والبداية لهذا الفيلم.

مجسم «المومياء»

بجوار مكتبته نجد أمورا أخرى تعكس جذور ما أطلق عليه “موهبة شادي عبد السلام”، حيث تنتشر قطع أثاث من طرز تاريخية مختلفة كانت موجودة في الأتيليه الخاص به، بالإضافة إلى مقتنيات مختلفة جمعها من أماكن عديدة، استخدم بعضها في أفلامه، مثل الأواني النحاسية التي تشير إلى حقب تاريخية مختلفة، وأدوات الرسم والتحبير التي استخدمها في رسوماته، وفي مكان بارز نجد مجسما لتابوت سيتي الأول وهو نسخة طبق الأصل للتابوت الحقيقي، وقد استخدم هذا المجسم في فيلم “المومياء”، الذي يحتل مكانة متميزة وسط مقتنيات شادي، إذ توجد الرسومات التي أبدعها لشخصيات ومشاهد الفيلم، وقد دوّن بجانب واحدة من الصور قصته: “لقد كتبت السيناريو والحوار قبل نكسة 5 يونيه 1967، وصُور الفيلم فى 22 مارس 1968، وكان لهذا اليوم تأثير كبير، سواء كان واضحا في الفيلم أو لا، لقد خجلت يومها من النظر إلى المرآة، وفي 12 ديسمبر توفى والدي، ولاشك أن لهذا اليوم تأثيره الكبير، إذ كان والدي بالنسبة لي يعني أكثر من مجرد كونه أبا”، وفي موضع آخر يستمر في شرح فكرة الفيلم: “المومياء ليس أكثر من 24 ساعة تمثل لحظة وعي أو ضمير لم تتضح بعد عام 1881 أي قبل عام من الزحف الاستعمارى الإنجليزي على مصر عام 1882، إننى أحاول في الواقع أن أعبر عن قضية عامة جدا لكنها تأخذ القالب المصري والبيئة والحياة والتاريخ الذي أعرفه وأحس به أكثر من غيره”.

وبين أرفف كتبه ومكتبته العامرة بأمهات المراجع القيمة، تنتشر شهادات التقدير والميداليات التى تُوج بها شادي وأعماله، والتى لم تنقطع بوفاته، فإبداعاته تؤكد أنها لا ترتبط بشخصه، بل بالقيم التي تركها لنا، وهي على الدوام محل تقدير، فقد حصل فيلم المومياء على هذه الجوائز التي تعرض في معرضه وبجوار مكتبته شهادات وميداليات وتواريخ حصوله عليها، منها: جائزة جورج سادول 1970، جائزة النقاد من مهرجان قرطاج 1970، جائزة تقدير من المخرج العالمى مارتن سكورسيزي رئيس المؤسسة العالمية للسينما وهي ممنوحة في إطار الدورة الثانية والستين لمهرجان كان السينمائى، أما فيلمه الفلاح الفصيح ففاز بالعديد من الجوائز التي تزين الجدران منها جائزة الأسد الفضي من المهرجان العالمي الحادي والعشرين للفيلم التسجيلي والقصير التابع للمهرجان العالمي للسينما ببينالي فينيسيا 1970، وشهادة الاشتراك فى مهرجان لندن السينمائى وتم اختيار الفيلم كواحد من أفضل أفلام 1970، ومن الجوائز الأخرى التي حصل عليها: جائزة مهرجان السينما الأفريقية من بادوفا بإيطاليا 1982 عن مجمل أعماله، جائزة الدولة التسشجيعية عن فيلم “كرسى توت عنخ آمون الذهبى” 1985، جائزة تقديرية من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الـ 43 عام 2009.

ولد شادي عبد السلام في 15 مارس 1930 بالإسكنرية ورحل في 8 أكتوبر 1986 بالقاهرة، وبينهما رحلة ملامحها مرصودة على جدران معرض ومكتبته، هذه الرحلة التى أسفرت عن إخراجه للأفلام التالية: “المومياء” 1969، “الفلاح الفصيح” 1970، “آفاق” 1972، “جيوش الشمس” 1974، “كرسي توت عنخ آمون الذهبي” 1982، “الأهرامات وما قبلها” 1984، “عن رمسيس الثاني” 1986، كما اشترك في إخراج فيلم “أنشودة وداع” 1970، وكتب سيناريو لم يصور “إخناتون.. مأساة البيت الكبير”.

وفي وسط مكتبته، نجد كتابا لم يره شادي عبد السلام، لكنه يقدم تأريخا دقيقا لمسيرته وهو من إصدارات مكتبة الإسكندرية وصدر في 2016.

أرفف كامل القليوبي تحفظ كتب الأجداد

الخطابات سيدة الموقف!

وحيد حامد يعتذر خطّيا.. وعبد الفتاح الجمل يحذّره من العودة إلى القاهرة لأسباب أمنية!
رسالة من أمه: عزيزي حمادة.. عايزين نطّمن عليك وانت ولا حس ولا خبر.. بلاش كسل

“لم يرحل.. فمكتبته هي قرينه الباقي”! هذا ما رددته بيني وبين نفسي عندما دخلت حجرة مكتبة محمد كامل القليوبي برفقة ابنه رامي في منزله بمدينة نصر. إذ تعد بمثابة سيرته الذاتية متكاملة، تستطيع أن تتعرف على مسار حياته ومصادر تكوينه ومشواره المهني وكتاباته، ورسائل أمه إليه وهو طالب بعثة في موسكو والأصدقاء الذين يتبادل معهم الأفكار والآراء. لا توجد صغيرة ولا كبيرة في حياة محمد كامل القليوبي إلا واحتفظ بها وأرشفها.. لا يحتفظ بالكتب التي اشتراها أو تلك التي أهديت إليه فقط، بل كذلك كتب عائلته، لاسيما جده لأمه، فالقليوبي منذ صغره اشتهر بين أقران عائلته بحب القراءة واقتناء الكتب، لهذا لم يجد الأجداد مثله لحفظ كتبهم التي اشتروها، وتعد الآن من أوائل الطبعات، مثل مقدمة ابن خلدون.

كنز معرفي

هذه المكتبة كنز معرفي، تعكس ليس فقط تكوين صاحبها، بل تكوين جيل آمن بأن الثقافة هي الطريق الحقيقي لأي تغيير، فلم أجد في مكتبته الإصدارات السينمائية المختلفة فقط، بل وجدت مكتبة متكاملة في شتى مناحي الثقافة والفنون، وجدت فيها كتبا عن الطب، العولمة، وتاريخ وآداب الشعوب، من ذلك على سبيل المثال كتاب “القصة القصيرة الأسترالية” باللغة الإنجليزية، ومعظم مؤلفات شكسبير باللغتين العربية والإنجليزية، ورغم إتقانه للروسية كتابة وتحدثا، إلا أننا نجد كتبا روسية مترجمة إلى العربية من الإنجليزية “الأعمال الكاملة لديستوفسكي” لسامي الدروبي، ومن الحقبة الروسية وجدت – على سبيل المثال – قاموسا سينمائيا باللغة الروسية، ويقع في مجلدين وصدر في موسكو 1970، كلاسيكيات السينما الروسية، وكذلك أعمال أندريه تاركوفسكي المترجمة للعربية، و- أيضا – ترجمات الشاعر الكبير عبد الرحمن الخميسي الذي تعرف عليه في روسيا، وقد أهداه هذه المؤلفات بهذا التصدير: “إلى الصديق الرفيق الفنان محمد كامل القليوبي رمز مودتي وتعبيرا عن احترامي” توقيع عبد الرحمن الخميسي 30 -11- 1982.

ومن العناوين اللافتة للنظر في مكتبة القليوبي، “أفلام أنارت العالم” محمد الأحمد، “من منشورات وزارة الثقافة السورية”، “السينما الناطقة 1930 – 1960” الصادر عن المركز القومي للترجمة في مصر، أعداد متنوعة من سلسلة عالم المعرفة التي تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، وكذلك دائرة المعارف الإسلامية في 33 جزءا، وهي هدية كما هو مدون في الصفحة الأولى الداخلية من مركز الشارقة للإبداع الفكري، المجلدات الكاملة لألف ليلة وليلة، منشورات الفن السابع، موسوعة نجيب محفوظ 1947 – 2000 الصادرة عن أكاديمية الفنون.

ومن الإصدارات اللافتة للنظر بشكل واضح هو الكم الكبير للكتالوجات الفنية، الصادرة عن كبريات المتاحف الأوروبية، وعندما لمح رامي القليوبي اندهاشي من هذا الكم.. روى لي قصة هذه الكتالوجات: “جانب مهم من شخصية الوالد أنه محب للفن جدا.. فقد اشتغل في مصنع في ألمانيا، وكان يستغل وقت الفراغ في التجول بين متاحف لأوروبا، وتمكّن من جمع كتالوجات لأروع المتاحف الأوروبية”.

المخرج الشاب

وتحتل أعمال الأدباء من مختلف الأجيال مساحة لا بأس بها من مكتبة القليوبي، بعضها مدون عليه الإهداءات والبعض الآخر بغير إهداء، من هذه الأعمال مؤلفات محمد البساطي، الصادرة عن هيئة الكتاب، وقد وصف لي ابن القليوبي الكاتب الكبير الراحل محمد البساطي بقوله: “من أصدقاء بابا المقربين”، وجاء الإهداء: “العزيز محمد القليوبي (وكان يومها مخرجا شابا) أهدانا فيلمي ثلاثة على الطريق، والبقية تأتي” توقيع محمد البساطي 1995.

وواضح من تكوين مكتبته اهتمامه بالتاريخ المصري في كافة حقبه، ووجود كتب لا بأس بها من المؤلفات التي تؤرخ للحقب المصرية المختلفة، لاسيما التي رصدت لتاريخ الحركة الطلابية، ومن ذلك مجلد “اللطائف المصورة” الذي أهداه له الناقد السينمائي الراحل سمير فريد، ويعكس الإهداء العلاقة التي تربط أبناء هذا الجيل، الذين يشعرون أنهم يكملون بعضهم البعض ولا يتنافسون، إذ جاء في هذا الإهداء: “هدية إلى الصديق العزيز د.محمد كامل القليوبي.. يحتوي هذا المجلد على صور نادرة للزعيم سعد زغلول في أيامه الأخيرة ثم جنازته، والاحتفال بذكرى الأربعين لوفاته، وصفحات من مذكراته، وهذه المادة تصلح لفيلم” التوقيع سمير فريد 1994.

مكتبة القليوبي شاهدة – أيضا – على تاريخ السينما المصرية.. لحظات الازدهار والتوهج وسنوات السقوط.. فمن بين أوراقه، وجدت رسالة من المناضل السياسي جورج إسحاق، وقد أرسلها له وهو في بعثته بموسكو، وفيها يرصد إسحاق ما حدث لدور السينما في بورسعيد: “وأخيرا ذبحت سينما الحرية، وأنا ما زلت لا أصدق هذا الخبر، وأصبح عدد دور السينما في بورسعيد لا يتناسب إطلاقا مع عدد السكان، نحن ندعو للمحافظة على دور السينما في بلدنا، ثقة من أن هذا الفن سيزيد الجماهير إيمانا بحقها في الحياة”.

ونظرا للعلاقات الطيبة التي ربطت بين القليوبي والمستعربين الروس، تشير إحدى الرسائل إلى قيامه بحركة الوصل بين الثقافتين العربية والروسية، فواحد من المهتمين بالثقافة العربية على وجه العموم والسينمائية على وجه خاص، أرسل إليه يطلب مجموعة من الكتب، للقيام بدراسة عن السينما المصرية والعربية، إذ كتب له أناتولي شاخوف “عزيزي محمد، أتمنى لك ولأقربائك ولأصدقائك صحة ونجاحا، أرسل لك صورة فوتوغرافية عن إقامتك في روسيا. آمل أنك لا تمزقها ولن تدعها. يا محمد.. تفضل، ارسل لي قواميس (موسوعات) المخرجين السينمائيين للبلدان العربية وكتبا عن تأريخ كل السينما في العالم العربي، وذلك أحسن لعنوان د.شريف محمد عبد الحميد المستشار الثقافي بموسكو، وسأخذها منه، تحياتي وألف شكر. أناتولي شاخوف.. مايو/ 2001”.

رسالة وحيد حامد

وبحكم منصبه في معهد السينما بأكاديمية الفنون “رئيسا لقسم السيناريو”، أشرف على تحكيم مشروعات الطلبة، وكان يستعين بذوي الخبرات في سبيل إنجاح هذه المهمة بحيادية تامة، ومن بين هؤلاء السيناريست الكبير وحيد حامد، الذي لم تسعفه الظروف من أن ينجز هذه المهمة بدرجة الشفافية التي يتمناها. فأرسل خطابا إلى القليوبي يعتذر فيه عن هذا العمل لأسباب أوردها في رسالته: “الأستاذ الدكتور محمد كامل القليوبي، خالص احترامي وتقديري. اتخذت هذا القرار اليوم في تمام الساعة التاسعة والنصف وأنا استعد للحضور إليكم حسب الاتفاق الذي بيننا. ولكنني قررت الاعتذار للأسباب الأتية: 1- ضيق الوقت لم يمكني من قراءة كل الأعمال المقدمة حيث وصلتني يوم السبت 10/ 6، ولا يمكن بأي حال الاستيعاب الكافي للحكم عليها بموضوعية وأمانة، خاصة أنها تتعلق بمصير طلبة أعزاء يتطلب التحكيم بينهم أكبر قدر من العدالة، 2- الأعمال التي قمت بقراءتها أقل من نصف العدد.. التمس العذر. وأرجو أن أكون عند حسن ظنكم دائما.. مع شكري العميق لشخصكم الكريم، وهذه الثقة التي أعتز بها، المخلص وحيد حامد”.

وفي نطاق دائرة عمله في أكاديمية الفنون، أستاذا بمعهد السينما، وجدت – أيضا – في مكتبته، جزءا خاصا لرسائل الماجستير والدكتوراه، سواء التي أشرف عليها أو كان ضمن لجنة التحكيم، وعلى عكس الكتب التي لم يكن يدون فيها أية ملاحظات، وجدت في بعض هذه الرسائل تدوينا يبين وجهة نظره في هذه الرسالة أو ذاك، حرص على كتابته في الصفحة الأولى بعد الغلاف، ومن بينها وجدت رسالة عنوانها “توظيف الصدفة والحل القدري في السينما الروائية المصرية المعاصرة في الفترة من 1975 – 1987.. دراسة نقدية تحليلية بالتطبيق على نماذج من الأفلام المصرية” مقدمة من الباحثة أسماء إبراهيم أبو طالب للحصول على درجة الماجستير، تحت إشراف الأستاذ الدكتور محمود بسيوني أستاذ ورئيس قسم الدراسات السينمائية بالمعهد العالي للنقد الفني، وقد دوّن د.القليوبي تعليقا على هذه الرسالة: (ولكن، وبالرغم من ذلك، فإن توظيف الصدفة بهذا النهج السهل في معظم أفلام السينما المصرية مازال يمثل أحد آفاتها التي لم تستطع التخلص منها)، وأضاف: (فالظهور المفاجئ لإحدى القطط في طريق شخصية ما، يمكن أن يوظف للكشف عن إحدى صفاتها الشخصية بكونها شريرة أو طيبة.. وقد تكون حمار أو كلب أو إنسان على الأقل، إنه في النهاية طريق لابد أن يسير فيه شئ ما، ورد فعل الشخصية يكشف عن سلوكها دون احتياج لأية صدفة).

العميد يستدعيه والجمل يحذر

ومن الخطابات التي تنتمي لفترة السبعينيات، وهي فترة التحاقة بمعهد السينما، وجدنا تلغرافا مؤرخ في 29/ 4/ 1975، وفيه يطلب عميد المعهد حضور القليوبي: “الطالب محمد كامل القليوبي، تحية طيبة وبعد، رجاء الحضور إلى المعهد لمقابلتنا للأهمية. عميد المعهد موسى حقي” ويبدو أن هذا الاستدعاء كان لأمر إداري، لأننا لم نجد في سيرته ما يشير إلى وجود أي إجراء عقابي ضد القليوبي، وإن كان بعد هذا الخطاب بسنوات أربع – كان القليوبي قد تخرج من المعهد – أرسل له الكاتب الكبير الراحل عبد الفتاح الجمل، صاحب الدور المؤثر في هذه الأجيال، برقية يتضح منها أن القليوبي في بيروت، يحذره من العودة في هذه الفترة للقاهرة: “بيروت في 18/12/ 1979، أيها الصديق العزيز، طلب منا أصدقاء أن نبلغك الرسالة التالية على وجه السرعة. لا تذهب الآن إلى القاهرة ولأسباب أمنية.. نرجو أن تصلك الرسالة بسرعة. عبد الفتاح الجمل” وتوجد رسائل أخرى من الجمل أرسلت للقليوبي أثناء بعثته في روسيا، تتسم بروح الجمل التي تميل للدعابة، ففي إحدى هذه الرسائل يحكي له عن موقف حدث له، وعن وشاية لم يصدقها الجمل، فمما جاء في هذه الرسالة الطويلة: “أما أخونا سعد صمويل غفر الله له، فقد قدمني من الباب للطاق بأنني كنت في أيامي الأولى من الإخوان المسلمين، هكذا ونحن نتجه ليلا إلى سهرة عند عمك بهجت عثمان. طيب يا سعد وعرفت منين، من محمد القليوبي. طيب تسمح لي أن أبعث أسأله. فهاج وماج. وعندها شممت رائحة كذبه. كان ذلك بحضور ومعاتبة أخيك القديس عبد الحميد سعيد الذي شاركني الدهشة.. وكلما قابلت سعد بعدما ذكر الواقعة.. يا عم سعد أنا في عرضك وفي طولك، حتى أصبحت أصاب بالصرع كلما صافحت عيني وجهه الكريم، ومنذ ذلك ذاب كل شئ وبس”. وفي موضع آخر من هذه الرسالة تشعر بكم الود الذي كان بين الجمل والقليوبي، وهو ما دفع عبد الرحمن الجمل مع صديق آخر إلى زيارة بيت عائلة القليوبي، وتذكر الأيام التي كانت تجمعهما، والمنزلة الرفيعة لأم القليوبي في نفوس أصدقائه، مما يدفعهم إلى الاطمئنان عليها، لشعورهم أنهم من أفراد العائلة: “كانت جلستنا في بيتكم جرافة.. قرأنا فيها خطابك إلى أمك وطشت فيها الدماء في العروق، وبضت العواطف والذكريات حتى أصبح من اللازم الجازم علىنا، عمر وأنا أن نفتعل الأسباب لنزور أمك العظيمة، آملين أن نراك أعلى، وأن نحس ولو لحظات أننا من العائلة المقدسة”.

يكتب شكوى نيابة عن الأبنودي

يتمتع القليوبي على مدار تاريخه بعلاقات طيبة ومتينة في الوسط الثقافي والأدبي، وقد تبدى لي ذلك بوضوح من خلال متابعتي لمسيرته ولقاءات شخصية جمعتني به، وكذلك عندما اطلعت على رسائل عدد من الأدباء له، الذين كانوا يعتبرونه سندا قويا لهم وللمواهب الشابة، ومن ذلك رسالة الأديب الكبير سعيد الكفراوي، الذي يحتفظ القليوبي بأعماله الكاملة، في هذه الرسالة كتب الكفراوي: “الدكتور محمد القليوبي الحبيب، تحياتي ومحبتي. حسام علوان أخي وابن بلدي، موهبة طيبة تتفتح على يديك، أوصيك به وصية خاصة، يخرج خلفا لخير سلف، وصادق ودي ومحبتي أخوك سعيد الكفراوي»، أما الرسالة الأخرى أو بمعني أصح مسودة الورقة التي يحتفظ بها القليوبي وهي تبين علاقته الوثيقة بالشاعر الكبير الراحل عبد الرحمن الأبنودي، فهي مسودة الشكوى التي كتبها القليوبي بخط يده: “السيد الدكتور وزير المواصلات: طلبت نقل تليفون رقم 3849 باب اللوق إلى الزمالك، رقم التشغيل 212 من ديسمبر 1970 وتخطاني الدور كثيرا، أرجو تحقيق شكواي. التليفون باسم زوجتي عطيات عوض محمود. الشاعر عبد الرحمن الأبنودي».

رسائل أمه

رائحة أسرته منتشرة في كل أرجاء المكتبة من خلال الصور التي يحتفظ بها، سواء في أركان المكتبة المختلفة، وتجمعه مع أمه أو أبيه، وكذلك جده، أو الصور الفردية التي وضعها أسفل زجاج المكتب، وفيها صور لابنه رامي وزوجته وجده وأمه، وكذلك صور طفولته، فضلا عن مجموعة الرسائل البديعة التي كانت تكتبها أمه له وهو في بعثته، وفيها تروي أحوال العائلة وتطمئنه عليهم، وكذلك تحثه على الكتابة المتواصلة لها وعدم الكسل، فهي تريد أن تعرف كل أخباره، ومن ذلك هذه الرسالة: “عزيزي حمادة.. قبلاتي وأشواقي الكثيرة.. مضت مدة طويلة منذ سفرك ولم يصلنا منك أي خطاب، بعثت لك قبل ذلك بخطاب وفيه صورة أحمد فلعله وصلك أكتب لنا سريعا وطمنا عن أخبارك، الجميع هنا بخير ولا جديد من الأنباء. الجو حر وشم النسيم قرب وكل سنة وانت طيب. طبعا هناكل رنجة بس مش مشوية ولا ايه. وسلامي وقبلاتي إلى أولجا وإن شاء الله أسمع عنكم كل خير. بس بلاش كسل واكتب بسرعة لأنك دايما واحشني وفي انتظار أخبار. إلى اللقاء. والدتك 9/ 4/ 1982″، وفي رسالة أخرى تطمئن على صحة ابنه رامي المولود حديثا: “ابني الحبيب حمادة. قبلاتي وأشواقي الكثيرة لك وللعزيزة أولجا. مضت مدة طويلة جدا ولا تصلني أخبار منك، فلعل المانع خير، لم تطمننا للآن عن أخبار مولودكم الجديد وكيف صحته هو وأولجا وهل انتهيت من رسالة الدكتوراه. كل دي أخبار مهمة عايزين نطمئن علىها وأنت لا حس ولا خبر وعارف أد إيه أنا بابقي قلقانة.. اتصل بي الأستاذ عبد الفتاح الجمل اليوم وأخبرني أن المخرج علي بدرخان مسافر وتفضل مشكورا بتوصيل الخطاب إليه. أرجو أن تطمننا في الحال وتتصل بينا تليفونيا وبلاش كسل. والدتك”.

ومن جانبه يحمل القليوبي تقديرا كبيرا لأسرته، واعترافا دائما بأن ما وصل إليه، أنما يعود إلى فضلهم، من ذلك رسالته التي جاء فيها: “الأستاذ كامل محمد القليوبي. 23 ش يوسف عباس، مدينة نصر ــ القاهرة، حبيبي بابا. كل سنة وأنت طيب.. وربنا يخليك لنا وتحتفل كل سنة بعيد ميلادك. قد ايه احنا سعداء وفخورين طول عمرنا وكل ما نكبر أكثر نفتخر بأن لينا أب زيك. نعم الأب ونعم الأخ ونعم الصديق وقبل كل ده نعم الإنسان. ما كنش ممكن نكون اللي أصبحنا عليه لولاك، وما كنش ممكن تحقيق أي شيء أو نبقى أي شيء أو يبقى لنا أي قيمة من غيرك. في عيد ميلادك وعيدنا كلنا ابعث لك من هنا كل الأمنيات كل الشكر وكل العرفان بالجميل الذي لا يمكن معه فعليا أن نسدد ولو جزءا ضئيلا منه. قبلاتي وأشواقي وحبي الذي لا ينتهي. ابنك».

يعلم ابنه العربية

كما كان القليوبي وفيا لأسرته ولأبيه، كذلك رامي يحمل تقديرا كبيرا لأبيه، وشغفا شديدا بمسيرته ومواقفه، فقد لاحظت أن واحدة من إهداءات الكتب بتوقيع رامي، فضحكت.. فروى لي قصة هذا الإهداء: “في أحد أعياد ميلاد الوالد، قررت أن أهدي له كتابا في السينما، فاهديت له كتاب “موسوعة الممثل في السينما المصرية 1927 – 1997” لـ: محمود قاسم ويعقوب وهبي، وكتبت هذا الإهداء: “إلى والدي العزيز محمد كامل القليوبي في يوم ميلاده الحادي والستين، مع أطيب التمنيات وخالص الحب والتحية.. ابنك رامي محمد القليوبي 8 مايو 2004″، بعد أن عرفت بقصة هذا الإهداء، طلب مني رامي أن ننتقل إلى مكان آخر في الشقة، وهي غرفته الشخصية، التي يوجد بها مكتبة خاصة به، ليقول لي إن الكتب هي كنز والدي الثمين، ودائما ما كان يعتبرها أحد حلوله في أي مشكلة تعترضه، حتى على المستوي الشخصي، وعندما لم أفهم مقصده، استطرد: “بحكم أنني نشأت فترة من الزمن في روسيا، فلغتي الأولى روسية، وحتى عندما جئنا للقاهرة، التحقت بالمدرسة الروسية، وبعدها استكملت تعليمي الجامعي وتخرجت في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الألسن، وأراد والدي في كل هذه المراحل ان أتعلم وأتقن اللغة العربية، ووسيلته في ذلك هو إهدائي لمجموعة من الكتب التي تساعدني ليس فقط على تعلم اللغة العربية، بل في مراحل أخرى على إتقانها، من هنا امتلك مجموعة لا بأس بها من كتب البلاغة والنحو، ولدي أعداد كبيرة من سلسلة الذخائر التي تصدر عن هيئة قصور الثقافة، التي نشرت أمهات الكتب الهامة في مسيرة الثقافة العربية”.

لا تقتصر مكتبة القليوبي على المؤلفات المختلفة وذكرياته من خلال الرسائل التي يحتفظ بها، ولكنني وأنا جالس على مكتبه وقعت عيني على الأدراج المختلفة، وهنا قال لي رامي: “افتحها فهي جزء مما نتحدث عنه، وكنت وقتها أبدي إعجابي بدقة القليوبي الكبيرة على الأرشفة، وبعد أن أذن لي رامي، فتحت الأدراج، لأجد نفسي أمام توثيق آخر للقليوبي، هذه المرة يوثق لنفسه من خلال الكتابة في مفكرات صغيرة، تتضمن ما يفعله أو ما يود أن يفعله بشكل يومي، ففي واحدة من هذه المفكرات، كتب: الثلاثاء 13 يوليو- 16 رمضان، موعد الأستاذ عبد الحي توجهت إليه بعد الفطور، الأربعاء 30 يوليو- 24 رمضان عقد قران أحمد وسميحة بالحلمية، وهكذا في كافة المفكرات، سرد لمواعيده والكتب التي يريد أن يشتريها وأرقام تليفونات الأصدقاء.

أوراق رسمية

يحتفظ القليوبي في مكتبته بمختلف الأوراق والتفاصيل الحياتية، وكذلك المرتبطة بعمله ونشاطه السينمائي، فنجد أوراقا للدعوات المختلفة التي تلقاها لحضور المهرجانات السينمائية خارج مصر، والكارنيهات الصادرة من هذه المهرجانات بصورة القليوبي، وكذلك القرارات الوزارية التي صدرت له بمناسبة تعيينه رئيسا للمركز القومي للسينما، وخطابات دعوته من مكتبة الإسكندرية للمشاركة في اللجان الاستشارية للمكتبة، محاضر اجتماعات لجنة السينما في المجلس الأعلى للثقافة في 2009، استمارة تقييم الأعمال المقدمة للفوز بجائزة الدولة للإبداع الفني والسفر إلى الأكاديمية المصرية في روما، ووقع على هذه الاستمارة بتاريخ 24 /4/ 1999، رئاسته للوفد المصري المسافر إلى كوريا الشعبية، طبقا للقرار الوزاري رقم 141 لسنة 2000.

وفي مختلف أركان المكتبة تنتشر العملات المعدنية والتذكارات من مختلف دول العالم، فقد أشار لي رامي أن من هوايات والده أنه لم يكن يغادر بلدا يزوره، إلا ومعه تذكار منه، وكذلك تم وضع الكتاب الذي يتضمن سيرة القليوبي على مكتبه، وهو بعنوان: “محمد كامل القليوبي.. حياة بلا ضفاف.. شهد عليها سيد سعيد”، وعندما سألت رامي عن مصير مكتبة والده، قال سنحتفظ بها كما رأيتها، ولكننا سنهدي الكتب الدراسية لتلاميذه والمعيدين بمعهد السينما.

قلم رصاص رافق نور الشريف في قراءاته

الهوامش تعانق المتن!

ملاحظات إخراجية على صفحات “اللجنة”.. وتعليق وحيد على “الجليد”: أقل أعمال صُنع الله قيمة!
الفنان الكبير كان حريصا على تدوين تاريخ بدء ونهاية القراءة في أولى صفحات الكتاب

“يعد الفنان نور الشريف واحدا من أفضل وأهم الممثلين المصريين الذين ظهروا خلال النصف الثاني من القرن الماضي.. بل أنه يعتبر واحدا من أهم الممثلين المصريين على الإطلاق.. فهو ممثل غير عادي ونجم غير تقليدي، لأنه ليس مجرد ممثل موهوب ودارس ومثقف فقط.. ولكنه ممثل صاحب رؤية فنية وفكرية وأيضا سياسية”. هذه الكلمات جاءت في مقدمة كتاب “صائد الجوائز” لمؤلفه وجيه خيري.

لكن من أين استمد نور الشريف هذا التفرد.. لاشك من موهبته الطاغية ودراسته الأكاديمية في معهد الفنون المسرحية، وبعد أن اطلعت على مقتنيات مكتبته، أستطيع أن أجزم أن تنمية موهبته جاءت من قراءاته المتعمقة.. هذا الشعور انتابني وأنا أطلع على طريقة قراءاته التي تبدت في أمور عدة، تصب كلها في خانة أننا أمام قارئ وناقد محترف، هذا ملخص ما خرجت به بعد ساعات من المتعة عشتها، وليس بيني وبين نور الشريف سوى كتبه التي اقتناها.

أحب أن أروي قصة إطلاعي على هذه المكتبة، وذلك قبل أن أتعرض لمضمونها، فوقتها كنت مهتما بالبحث عن مصير مجموعة من المكتبات الخاصة، وعلمت أن بعضها آل إلى مكتبة الإسكندرية، وبينما كنت في القاعة المخصصة لهذا الغرض، سمعت حوارا جانبيا بين موظفين، فهمت منه قرب انتهاء فهرسة مكتبة نور الشريف، التي أهدتها زوجته الفنانة بوسي للمكتبة. اعتبرت ما سمعته كنزا ثمينا، وعلى الفور أجريت اتصالا مع إدارة المكتبة لتسمح لي بالإطلاع، لأجد نفسي بالفعل أمام كنز يفسر لي سر تفوق نور، وهو القراءة بعمق وتعمق، فمكتبته مليئة بالكتب والإصدارات والموسوعات والمعاجم وكتالوجات الفن التشكيلي، وتغطي مناحي مختلفة من المعارف والفنون والترجمات، غير أن الأهم كان كيفية تعامل هذا الفنان الكبير مع مكتبته، إذ تشعر منذ اللحظة الأولى، أنه قارئ نهم، يحرص على شراء الكتب.. فرغم وجود عدد لا بأس به من الكتب المهداة من أدباء ومثقفين من مختلف الأجيال إلا أن هناك في المقابل المئات بدون إهداء.

يمتلك نور الشريف طقوسا خاصة عند القراءة، فهو يدون تاريخ بدئها، وكذلك تاريخ الانتهاء، وأحيانا يدون مكان بداية ونهاية القراءة، كما أنه من الذين يميلون إلى التعامل المباشر مع الكتاب، حيث تنتشر ملاحظاته المدونة بالقلم الرصاص سواء في الصفحة التي تلي الغلاف، أو في مناطق مختلفة من الكتاب، إذ يضع خطوطا على فقرات بعينها، وبجانبها يدون ملاحظاته أو انطباعاته، وفي بعض الأحيان يميل إلى تقييم الرواية التي يقرأها مقارنة بمجمل أعمال الروائي، مثلما حدث مع رواية “الجليد” لصنع الله إبراهيم. باختصار يمكن أن التأكيد على أن ملاحظات الفنان الكبير في الهوامش تعانق المتن!

يتعامل نور مع روايات صنع الله إبراهيم باحترام بالغ وتقدير لهذه الأعمال، يظهر ذلك في تفاعله معها وتدوينه ملاحظات عليها، إذ يهدي له صنع الله الطبعة الثانية من روايته “أمريكانلي (أمري كان لي)” بإهداء نصه: “الفنان العظيم نور الشريف.. 2007 عام جديد من الفن.. صنع الله إبراهيم” ويدون نور: بدأت القراءة في 24/ 5/ 2007، وانحصرت تعليقاته على الصفحات 5-6-7-8، وفي صـ 5 وضع دائرة على كلمة “السولاريوم” بدون تعلىق، وفي صـ 6 وضع دوائر على بعض الكلمات وخطوطا أسفل هذه الفقرة: “لفت نظري بطريقته في السير، إذ يميل بكل جسمه يسارا ويمينا مع حركة قدميه، وبتقطيبة غاضبة لا تغادر وجهه المتعفن” أما تعليق نور فجاء: “طريقة مشي وتعبير عن شخصية” وفي صـ 7 وضع تعليقه على هذه الجملة “أوشكت أن أهبط إلى عرض الطريق عند التقاطع التالي دون أن انتبه إلى إشارة المرور” جاء التعلىق: “لقطة لمصري في أوروبا وأمريكا”.

ملاحظات على “اللجنة”

حرص نور الشريف على تجليد رواية “اللجنة” باللون الأحمر، وهي – أيضا – طبعة ثانية واكتفى فيها صنع الله بهذا الإهداء: “إلى الفنان الكبير نور الشريف” ويبدو من التعليقات أنها كانت ستتحول إلى عمل درامي، ففي الفقرة التي بدأت في نهاية صـ 5 وبداية صـ 6، وضع أسفلها خطوطا مستخدما اللون الأخضر والأزرق، وهذه الفقرة هي: “لم يكن هناك مقعد غير الذي يجلس عليه الحارس، فوقفت إلى جواره، ووضعت حقيبتي “السامسونايت” على الأرض، ثم قدمت إليه سيجارة وأشعلت لنفسي أخرى. كان قلبي يدق بعنف طيلة الوقت، رغم محاولاتي للتماسك والسيطرة على أعصابي. وكررت لنفسي أكثر من مرة أن اضطرابي سيفقدني الفرصة المتاحة لي، إذ سأعجز عن تركيز انتباهي وهو ما أحتاج إليه بشدة في المقابلة القادمة” وكان تعليق نور في صدر الصفحة السادسة: “هل سنحتاج إلى مونولوج للتوضيح في البداية؟” ثم وضع خطوطا في الصفحة نفسها على هذه الفقرة “عدت أذرع الطرقة جيئة وذهابا وأنا أتطلع إلى ساعتي بين الفينة والأخرى، وكانت عقاربها قد اقتربت من العاشرة والنصف عندما رأيت الحارس ينتفض واقفا ويضع سيجارته على الأرض أسفل المقعد، ثم يدير مقبض باب الغرفة ويفتح بحذر، ثم يختفي وراءه. أسرعت أتخذ مكاني إلى جوار مقعد الحارس وقلبي يدق أسرع من ذي قبل. وتوقعت أن يطلب مني الدخول عندما يخرج، لكنه لم يفعل، وعندما عاد إلى كرسيه بعد أن تناول سيجارته وواصل التدخين في هدوء”. كتب نور: “جيد”.

القلق (صح)

وأحيانا يكون التعليق على فقرة بعلامات “صح” ويتبع ذلك بكلمة “هام” مثلما حدث مع هذه الفقرة في الرواية: “وفي إحدى المرات برز من الغرفة وهو يحمل في يده حذاء جلديا، ونادى على ماسح أحذية يقف في نهاية الردهة، فأعطاه الحذاء. وعندما أراد هذا أن يفترش الأرض قرب الباب، نهره الحارس وأشار إليه أن ينتحي بعيدا حيث كان” أما في صـ 8 فنجد هذا التعليق من جانب نور: “في حالة استخدام هذا الجزء، أفضل أن يكون سريعا جدا فوتو مونتاج” ونص الفقرة: “اقتربت أثناء سيري من مكان ماسح الأحذية الذي أقبل ينظف بحماس حذاء اللجنة (هكذا أسميته في سري وأعجبتني التسمية حتى أني ابتسمت). ورأيته قد انتهى من تلميع وجه الحذاء، فقلبه ومضى يطلي نعله السفلي”.

وتعليقا على هذه الفقرة في ذات الرواية “وتابعت برامج الذكاء والفوازير التي يذيعها التليفزيون” كتب نور: “يمكن استخدام ذلك بشكل طريف”، وعن هذه الفقرة “كان عددهم كبيرا حقا. ولأني كنت عاجزا عن التركيز، فلم أتمكن من إحصائه بالضبط”، علق “عدد اللجنة”.

لا يستخدم نور فقط التعليقات المباشرة، بل – أيضا – الأسهم التي تشير لكلمة بعينها وسط سياق، مثلما فعل في هذه الجملة من الرواية نفسها: “المهم أني رسمت لهم صورة عامة لنشأتي” هناك سهم يشير لكلمة “نشأتي” وتعليق بين قوسين (ما هي؟)، وبجانب بعض الفقرات وضع نور كلمة واحدة وهي “هام”، على سبيل المثال على هذه الفقرة: “تكلمت إحدى السيدات، وهي عجوز وقور، كانت تجلس في أقصى اليسار”، بينما وضع “هام جدا جدا” على هذه الفقرة: “تصرفت بسرعة وبراعة، طمعت في أن تشهدا لصالحي فعندما لم أجد ما أحزم به وسطي، خلعت رباط رقبتي، وعقدته حول خصري فوق عظام الحوض مباشرة، حيث يتمتع الجسم بمرونة بالغة”.

وتساءل نور: “هل يمكن ذلك؟” تعليقا على هذه الفقرة: “أومأ الأشقر رأسه فخلعت السروال، ووضعته فوق البنطلون بينما استقرت أنظار اللجنة على الجزء العاري من جسدي يتاملونه باهتمام”، وتعليقا على فقرة طويلة كتب نور: “هل يمكن استخدام دعاية؟” وهذه الفقرة هي: (ابتسمت وأنا أقول): “وهنا وجه الصعوبة يا سيدي. فمن الممكن أن نذكر مارلين مونرو. لأن هذه الفاتنة الأمريكية كانت حدثا عالميا حضاريا بمعنى الكلمة. لكنه حدث عابر، ولى أمره وانتهى، فمقاييس الجمال تتغير كل يوم على يد أشخاص موهوبين مثل ديور وكاردان”.

ووضع نور بجانب هذه الفقرة كلمة “اكسسوار”: واضطررت في أحد الأيام إلى الانقطاع عن الخروج، عندما شعرت بالإرهاق، فجلست أراجع البطاقات التي دونتها ووضعتها بنظام في صندوق أحذية من الكرتون، ليسهل عليّ العودة إليها واستخراج ما أريده منها.

وضمن أعمال صنع الله إبراهيم التي يقتنيها نور الشريف، الطبعة الثالثة من رواية “شرف” 2001 وجاء بالإهداء: “من صنع الله إبراهيم إلى الفنان العظيم نور الشريف.. تقديرا ومحبة.. صنع الله إبراهيم” ولا يوجد في هذه الرواية سوي تعليق وحيد في صـ 12 على هذه الجملة “مشهد طريف شاب يسير خلف فتاة” أما التعليق فهو: انضم للآكلين الذين زحموا الضيعة. أما رواية “التلصص” التي جاء إهداء صنع الله عليها غير مختلف عن الإهداء السابق، فلا يوجد فيها أي تعليقات من جانب نور الشريف، بينما جاءت رواية “نجمة أغسطس” الطبعة الثانية أغسطس 1976 بدون إهداء من صنع الله، والحال نفسه مع رواية الجليد الصادرة في 2011، لكن نور الشريف دوّن على الصفحة الداخلية التي تحوي العنوان: بدأت القراءة يوم الأحد 1/ 4/ 2012، بالإسكندرية/ المكس، وانتهيت منها يوم الاثنين 2/ 4/ 2012 بالإسكندرية، أي أنه قرأها في يوم واحد، وكتب – أيضا – على يمين هذه الصفحة هذا التعليق: “أقل أعمال صنع الله إبراهيم قيمة” ولا يوجد أي تعليق آخر في داخل الرواية.

ومن الأعمال التي اقتناها الفنان الكبير “عصافير النيل” لإبراهيم أصلان طبعة هيئة قصور الثقافة، الصادرة في عام 2000، وكانت بدون إهداء، ويوجد بها أربعة تعليقات فقط، منها تعليقه على هذه الفقرة: “وتلمست الجدار حافية حتى البوابة. وقفت تداري جسمها في صدغ الباب وتطل برأسها”، تعليق نور: “من عادات نساء الريف” وتعليقا على فقرة “رأى سلامة يجلس وهو يباعد ما بين ساقيه، ويتكئ بمرفقيه على ركبتيه، ويتطلع إليه وهو صامت” كتب نور: “حركة عند الجلوس” بينما كان تعليقه على هذه الجملة “مع الوقت تخلى تماما عن عاداته السابقة” هو: “سلوك واحد على المعاش”.

وبدون إهداء – كذلك – يحتفظ نور الشريف برواية علاء الأسواني »”شيكاجو” بينما جاء إهداء “نيران صديقة” الطبعة الأولى – دار نشر ميريت 2004: “الفنان العظيم نور الشريف.. مع محبتي وتقديري، علاء الأسواني 12/1/ 2005” ولا يوجد أي تدوين من قبل نور يشير إلى تاريخ القراءة، بينما لم تصل رواية “نادي السيارات” لنور الشريف عبر مؤلفها علاء الأسواني، بل عن طريق أحد معجبي الفنان، وجاء الإهداء يحمل كل معاني التقدير: “إلى أبي الذي لم ينجبني ولكني تعلمت منه كثيرا.. تعلمت منك العطاء والحب والوفاء وعدم الغرور والاحترام.. أشياء كثيرة لا أستطيع أن أحصيها.. إلى من علمني حرفا وسأسير له عونا طوال حياتي.. إلى أبي الفنان، ابنك كريم الحسيني”.

قراءة متأخرة!

ومن بين مقتنياته التي تحمل تعليقاته بخط يده، ما أورده في كتاب “القصة القصيرة في مصر..مئة عام من الحكي” إعداد وتقديم الزميل الكبير محمود الورداني، وهو صادر في 2002 منشورات أمانة عمان، وذلك بمناسبة اختيار عمان عاصمة للثقافة العربية، الكتاب بدون إهداء، وربما يكون نور قد حصل عليه خلال زيارته للمدينة، حيث حضر فعاليات افتتاح هذه المناسبة، وقد دوّن نور في صفحة الغلاف الداخلية “بدأت في 22 فبراير 2010، واستكملت القراءة في 21 / 1/ 2011″، أي أنه بدأ في قراءة هذا الكتاب بعد ثماني أعوام من صدوره، ويصادفك تعليقاته على عدد من القصص، ففي الفقرة الأولي من قصة “عم متولي” لمحمود تيمور، التي جاء فيها: “عم متولي بائع الفول السوداني واللب والحلوى بائع متنقل يعرفه سكان الحلمية القديمة والدرب الأحمر، وحارة نور الظلام” وضع نور الشريف مربع حول “نور الظلام” وكتب “اسم” وحول هذه الفقرة: “يسكن في عطفة عبد الله بك في شارع محمد على”، كتب نور: “ديكور”، بينما كتب عبارة: “مشهد ساحر كما هو”، على هذه الفقرة: “يؤوب الرجل إلى بيته بعد جولان متعب منهك لجسمه الضعيف في تلك الساعة الكئيبة المظلمة بعد أن قضى فريضة المغرب، ويشعل مصباحه الزيتي الضعيف النور ويجلس قبالة صندوقه ويخرج منه سيفا قديما، هو الأثر الباقي من أيام عزه الأولى، ويضعه على ركبتيه وهو سابح في تأملاته اللانهائية”، وفي الكتاب ذاته يعلق على قصة “في القطار” لمحمود البدوي، وبعد أن ترك أول سطرين بدون خطوط، بدأ وضعها من النصف الثاني من السطر الثالث، حتى نهاية الفقرة الطويلة التي تمتد لثلاث صفحات، وجاء تعليقه: “مشهد كما هو لإنسان يرغب أن يكون ضد التيار”.

ومن العناوين اللافتة للنظر في مكتبة نور، رائعة الكاتب السوري الكبير حنا مينا “حارة الشحادين” وهي الطبعة الثانية للرواية الصادرة في 2005 عن دار الآداب، وسجل في بدايتها بخطه: بدأت في القراءة يوم الجمعة 20/ 4/ 2012 في فيلا زايد وانتهيت منها في المنزل يوم الأحد 20/ 5/ 2012، أي أنه استغرق شهرا كاملا في قراءتها، وفي داخلها دون عددا من التعليقات منها ما كتبه بجانب هذه الجمل: “البشارة يا حمد، أنت محظوظ يا ابن التي قامت عنك، أما نحن، بعدك، فسنبقي ننتظر الفرج، والفرج لا يأتي!” كتب نور: “حوار هام داخل السجن، عند الإفراج على أحدهم” ومن الجمل التي كتب تعليقات عليها: “أنت غريب يا حمد! تقتل ولا يرف لك جفن، ثم يرق قلبك، وأنت خارج من السجن، كما يرق قلب المرأة!؟ هيا”. وكان تعليق نور: “حوار يعبر عن شخصيته” وبجوار فقرة “مبروك الإفراج يا حمد، أعرف أنك مظلوم، ولكن الحكم هو الحكم، وقد سعيت لإعفائك من ربع المدة، بسبب سلوكك الجيد.. كررت المسعى مرة بعد مرة، مذكرة بعد مذكرة، وأخيرا نجحت.. اجلس! سنشرب القهوة ونتحدث، حديث صديق لصديق”. كان تعليق نور الشريف على يمين الصفحة: “مشهد رائع بين مدير السجن ومفرج عنه في بلد تحت الاحتلال” وبكلمتين هما: “حوار رائع” علق نور على هذه الفقرة: “ليس من السهل أن يغير الإنسان جلده بسرعة، حتى لو أراد ذلك، وهذا ينطبق عليّ وعليك وعلى الجميع”.

ولم يكتف نور بالتعليق على الفقرة القادمة من رواية حنا مينا “حارة الشحادين” بقوله “حوار هام جدا جدا” بل وضع دوائر حول كلمات بعينها: آلية، كل سلطة، سلطة الاحتلال، وسلطة الاستقلال، انتزاع، وهي كلمات جاءت في هذه الفقرة: “هذا المساعد خيط من خيوط العنكبوت، رأس هذا الخيط المستشار في المندوبية، ونهايته في أصغر دركي، حيثما وجد.. من يقطع هذا الخيط؟ لا أحد! إنها آلية السلطة، كل سلطة، مع فارق واحد: سلطة الاحتلال سلطة أجنبية، وسلطة الاستقلال سلطة وطنية، ولابد من إزالة الأولى، كي يصبح في الإمكان انتزاع الحق من الثانية”. وبجانب هذه الفقرة: “كان من بين الموجودين شبير الحاوي يعرض أفاعيه، ودحموش يرقص سعادينه، وجنيد المشموش يأمر دبه، الذي يقف على خلفيته، يأخذ السلام للضيوف، وترنح الضاوي يعزف على المجوز، وبين الجميع المحتشد بعض أزلام الأغا، لحماية الضيوف وأخذ نصيبهم من النقود” كتب نور على يمين الصفحة: “فقراء حارة في الثلاثينيات من القرن الماضي في اللاذقية بسوريا”.

وإذا كانت رواية “حارة الشحادين” للكاتب السوري حنا مينا من غير إهداء، فنجد الكاتبة السورية الشهيرة كوليت خوري تكتب إهداء على روايتها.. “ومر صيف” الصادرة في عام 2000، وجاء فيه “هدية صغيرة إلى فنان كبير نعتز به في بلادنا.. إلى نور الشريف، مع محبتي كوليت خوري في 11/ 8/ 2002 اللاذقية”.

ونجد في مكتبته مجموعة كبيرة من الترجمات الصادرة عن المشروع القومي للترجمة، وإصدارات دار سعاد الصباح، إصدارات الدورات المختلفة لمهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، مطبوعات من سلسلة عالم المعرفة التي تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت، فضلا عن مجموعة من الموسوعات منها: الموسوعة العربية العالمية، موسوعة مصر القديمة لسليم حسن، موسوعة الفراعنة، وكذلك إصدارات أخرى بدون إهداءات لأدباء مصريين وعرب، من ذلك أعمال الكاتب الجزائري واسيني الأعرج: رماد الشر، خريف نيويورك الأخير، سيدة المقام، وديوان الشاعر المغربي محمد الأشعري “القوس والفراشة” وغيرها من المؤلفات التي تكشف عمق ثقافة الفنان المبدع نور الشريف”.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...