الكبار هم العارفون. و هم لسان الحقيقة. تلك كانت مسلمات، ما اعتقدت للحظة أنها يمكن ان تصبح محل مساءلة. و من ثم تبنيت كل ما افضت لي به جدتي من حكي و آراء. مستنتجا من خلاصاتها ان الانقسام و التضارب في الافكار و المعتقدات، ليست سمة إنسانية صرفة. بل و تشمل حتى الحيوانات و الحشرات أيضا. و ان النمل على سبيل المثال، فيه المسلم و النصراني. فالنمل المسلم هو النمل الأسود. و النمل النصراني هو ذاك الذي يشبههم في لونهم. و له جذع مرتفع، و مؤخرة منخفضة.
لم يكن الزمن بعيدا عن الحقبة الاستعمارية. و لذلك لم يكن هناك مجلس يخلو من حديث عن المأسي و المجازر التي ارتكبها المستعمرون في حق الأهالي. و لم اجد افضل من نمل النصارى كي اترجم ما كانت تتتركه في نفسي تلك الحكايات من انطباعات و اثر.
لا استطيع الان أن اقدر حجم المجازر التي ارتكبتها في حق ذلك النمل. و اجد اني كنت داعشيا بامتياز، من خلال ما اعتبرته جهادا يستحق ما اوليته له من جهد. و ما صرفته له من وقت.. جهود بذلتها بسخاء في البحث عن خلاياه و جحوره لإنجاز تصفية كانت تمنحني الثواب من جهة، و ترد اعتبارا كنت اجد نفسي مطالبة بتحقيقه.
لكن، و للحقيقة أعترف أني لم أكن معجبا بالنمل المسلم. هو بطئ جدا. يفتقد للسرعة و الرشاقة التي يملكها النمل النصراني. كما انه بدين بشكل مبالغ فيه. و يشبه تماما الفقهاء الذين عرفتهم. و الذين لم يجتهدوا في شئ قدر اجتهادهم في البحث عن ولائم. و حتى حين كان يصبح له أجنحة في بداية الخريف، فهو لم يكن يعرف كيف يوظفها. و حين كان يطير، يصبح لقمة سهلة جراء تطاوله على عالم له سادته.
النمل النصراني كان مثيرا و يدعو للاعجاب بالرغم من انه كان يصنف عدوا. سريع. مناور. يغير وجهة سيره مستخفا بكل التكهنات المتعلقة بمسار سيره. وهو يوحي بأن له انشغالات اضافية تميزه عن النمل المسلم الذي كان واضحا أنه يعيش ليأكل.
لكن النمل الأشقر لم يكن الحكاية الوحيدة لجدتي عن النمل.. بل كان لها حكاية أخرى. لكنها هذه المرة ليست مرتبطة بالمعتقد. و إنما مرتبطة بالثروة رغم حضور نفس اللونين السابقين.
لقد كان يتم دائما الاحتفاظ بقسط من لحم أضحية العيد بعد ان يجفف. مع حرص شديد على ان يكون ذيل الخروف من ضمن القطع المجففة. و ليتم إعداد قصعة الكسكس في ليلة عاشوراء. و كان الذيل يقضمه الاكثر حظوة مع متابعة من الجميع الذين يرددون لازمة تجسد تمن في ان يكثر الله البقر و المعز. رسالة لم يكن الله يتاخر في رد الجواب من خلال نوع النمل الذي سيجدونه في الصباح حول عظم الذيل الذي كان قد وضع تحت القصعة . فالنمل الاشقر كان دلالة على ان الله يسكثر البقر. و الاسود كان رمزا للمعز. و لا شك ان الجميع كان يتمنى رؤية النمل الاشقر في الصباح. و القاضم انذاك كان يعد صاحب بركات. و يتلقى تهانئ الجميع.
كنت في غلاقتي باللحم المجفف او القديد لا اختلف في شئ عن القطط. تأسرني رائحته حد الامتلاك. و ناضلت لسنين من اجل ان اكون يوما قاضم الذيل. و استعملت من أجل تحقيق ذلك كل الأسلحة الممكنة. و لم أصدق أني انتزعت أخيرا المكسب حين قدم لي الذيل.. و اذكر كيف أحطت بكل من في البيت وهم يوجهونني و يحذرونني من كسر العظم. و ان لا اتوقف عن ترديد اللازمة ّ غز... غز ... الله يقوي المعز.... قر ... قر الله يقوي البقر.."
على عكسهم تماما لم اهتم لشئ بعد العشاء. كنت منتشيا. مستلذا طعم الذيل الذي نلته بعد نضال سنين. و لذلك بت غير مكترث عن نوع النمل الذي سيحضر في الصباح. بل لم اشك لحظة في كون النمل الاشقر ، سيتضامن مع نمل النصارى و يتخلف عن الحضور حتى لا احصل على ميزة صاحب بركات.
عبدالله البقالي
فاس 28 نونبر 2015
https://www.facebook.com/bakkali.abdh/posts/101564283838569768
لم يكن الزمن بعيدا عن الحقبة الاستعمارية. و لذلك لم يكن هناك مجلس يخلو من حديث عن المأسي و المجازر التي ارتكبها المستعمرون في حق الأهالي. و لم اجد افضل من نمل النصارى كي اترجم ما كانت تتتركه في نفسي تلك الحكايات من انطباعات و اثر.
لا استطيع الان أن اقدر حجم المجازر التي ارتكبتها في حق ذلك النمل. و اجد اني كنت داعشيا بامتياز، من خلال ما اعتبرته جهادا يستحق ما اوليته له من جهد. و ما صرفته له من وقت.. جهود بذلتها بسخاء في البحث عن خلاياه و جحوره لإنجاز تصفية كانت تمنحني الثواب من جهة، و ترد اعتبارا كنت اجد نفسي مطالبة بتحقيقه.
لكن، و للحقيقة أعترف أني لم أكن معجبا بالنمل المسلم. هو بطئ جدا. يفتقد للسرعة و الرشاقة التي يملكها النمل النصراني. كما انه بدين بشكل مبالغ فيه. و يشبه تماما الفقهاء الذين عرفتهم. و الذين لم يجتهدوا في شئ قدر اجتهادهم في البحث عن ولائم. و حتى حين كان يصبح له أجنحة في بداية الخريف، فهو لم يكن يعرف كيف يوظفها. و حين كان يطير، يصبح لقمة سهلة جراء تطاوله على عالم له سادته.
النمل النصراني كان مثيرا و يدعو للاعجاب بالرغم من انه كان يصنف عدوا. سريع. مناور. يغير وجهة سيره مستخفا بكل التكهنات المتعلقة بمسار سيره. وهو يوحي بأن له انشغالات اضافية تميزه عن النمل المسلم الذي كان واضحا أنه يعيش ليأكل.
لكن النمل الأشقر لم يكن الحكاية الوحيدة لجدتي عن النمل.. بل كان لها حكاية أخرى. لكنها هذه المرة ليست مرتبطة بالمعتقد. و إنما مرتبطة بالثروة رغم حضور نفس اللونين السابقين.
لقد كان يتم دائما الاحتفاظ بقسط من لحم أضحية العيد بعد ان يجفف. مع حرص شديد على ان يكون ذيل الخروف من ضمن القطع المجففة. و ليتم إعداد قصعة الكسكس في ليلة عاشوراء. و كان الذيل يقضمه الاكثر حظوة مع متابعة من الجميع الذين يرددون لازمة تجسد تمن في ان يكثر الله البقر و المعز. رسالة لم يكن الله يتاخر في رد الجواب من خلال نوع النمل الذي سيجدونه في الصباح حول عظم الذيل الذي كان قد وضع تحت القصعة . فالنمل الاشقر كان دلالة على ان الله يسكثر البقر. و الاسود كان رمزا للمعز. و لا شك ان الجميع كان يتمنى رؤية النمل الاشقر في الصباح. و القاضم انذاك كان يعد صاحب بركات. و يتلقى تهانئ الجميع.
كنت في غلاقتي باللحم المجفف او القديد لا اختلف في شئ عن القطط. تأسرني رائحته حد الامتلاك. و ناضلت لسنين من اجل ان اكون يوما قاضم الذيل. و استعملت من أجل تحقيق ذلك كل الأسلحة الممكنة. و لم أصدق أني انتزعت أخيرا المكسب حين قدم لي الذيل.. و اذكر كيف أحطت بكل من في البيت وهم يوجهونني و يحذرونني من كسر العظم. و ان لا اتوقف عن ترديد اللازمة ّ غز... غز ... الله يقوي المعز.... قر ... قر الله يقوي البقر.."
على عكسهم تماما لم اهتم لشئ بعد العشاء. كنت منتشيا. مستلذا طعم الذيل الذي نلته بعد نضال سنين. و لذلك بت غير مكترث عن نوع النمل الذي سيحضر في الصباح. بل لم اشك لحظة في كون النمل الاشقر ، سيتضامن مع نمل النصارى و يتخلف عن الحضور حتى لا احصل على ميزة صاحب بركات.
عبدالله البقالي
فاس 28 نونبر 2015
https://www.facebook.com/bakkali.abdh/posts/101564283838569768