رامز النويصري - والكثير يحدث في زمن الحرب

الحروب أحد الموضوعات التي عمل الكتاب على إعادة إنتاجها روائيا، ولعل رواية (الحرب والسلام) أحد أكبر الأعمال الروائية في هذا الموضوع، والسبب ما تكشفه الحروب من جوانب مخفية في سلوك الإنسان على المستويين الفردي والجماعات.
الكاتب “أحمد نصر” صدرت له رواية (في زمن الحرب)*، وهي رواية ترتكز بشكل أساسي على أحداث فبراير 2011، والصراع المسلح الذي شهدته بعض المدن الليبية، بين الثوار وقوات نظام القذافي، وتحديدا بقرية الجعافرة، بمدينة الخمس، مسرح أحداث الرواية.

اختار الكاتب لروايته شخصية “عبدالله النعاس” بطلا، والذي قبل عودته لليبيا كان ضمن قوائم المعارضين لنظام القذافي، لأكثر من ربع قرن، في المتجر في بريطانيا، والذي يقرر العودة بعد أن أبدى النظام تسامحا مع معارضيه فيما يعرف بمشروع ليبيا الغد، ليصل طرابلس قبيل فبراير 2011 بأسابيع. تقرر أسرته السكن بمنزلهم بمنطقة زاوية الدهماني بالعاصمة، ويتجه هو للسكن بالبيت الذي ابتناه بقريته الجعافرة، وهو يخطط للعودة والاستقرار في مسقط رأسه، بجانب بيت العائلة القديم، في مشهد ذي ثلاث مستويات، فبينما بحثت الزوجة عن الاستقرار، ومزاولة عملها في مجال التدريس بالجامعة، اجتهد الأبناء في استكشاف البلاد والمدينة التي سمعوا الحكايات الكثيرة عنها، كان “عبدالله” بطلنا، الزوج والأب يبحث عن السكين والاطمئنان بالرجوع للماضي، والركون إليه.
الكاتب أحمد نصرالكاتب أحمد نصر

ما الذي يحدث في زمن الحرب؟
هذا السؤال دالة مفتوحة الاحتمالات، لكن الكاتب اختار التركيز على مجموعة منها، خوفا علينا من التوهان، من خلال أحداث الرواية التي انتهت بتحرير طرابلس.

ركز الكاتب بشكل مباشر على المشاعر الإنسانية الدفينة، التي قد نعتقد إنها انتهت، أو تلاشت، خاصة ما يمس العاطفة والقلب، ودقات القلب الأولى، ليكتشف “عبدالله” أن الحب القديم الذي ظنه انتهى، إنما كان ساكنا منتظرا الغيث ليعاود الازدهار من جديد. العلاقات البريئة التي تنشأ أوان الطفولة ونعايشها في لحظات قصيرة، في المدرسة، في الطريق، على هامش لقاء، يكون أثرها أكثر وقعا في النفس عندما تستيقظ، فهي وإن لم تكون معلنة، فإنها صادقة وخالصة من شوائب الغواية.
وها هي “فاطمة” الجارة، والرفيقة، تعود ساحبة معها عمرا من البراءة والمشاعر التي تربت على الحياء والعفة، وهنا يختار الكاتب أن يحولها إلى (شهريار)، ويتحول الليل إلى ركح يمارسا من خلالها القصة عبر الهاتف، في إشارة إلى احترام القيم والأعراف التي تحكم المجتمع، والتي يحترمها “عبدالله” ويقدرها.

وهي ذاتها العلاقات التي تحكم المجتمع، المجتمع الليبي تحديدا، مجتمع الرواية، والتي ركز عليها الكاتب وأكد من خلال تسمية الأماكن والحدود، والقبائل والعائلات، ودرجات المصاهرة، لبيان قوة الرابطة الاجتماعية وقدرتها على تجاوز المحن والاختبارات الكبرى التي تعرضت لها خلال فبراير 2011، والفتن التي اشتعلت أو أشعلت بين أبناء العمومة.

يقال إن الحرب، تخرج إما أسوء ما في المجتمع، أو أفضل ما فيه.
والمجتمع الليبي، لم يخرج عن هذه القاعدة. ففي مقابل من استغل المحنة التي تعرضت لها البلاد وامتحان فبراير 2011، في المقابل هناك من أطلق الاختبار طاقته الإيجابية، في خدمة المجتمع والمحيط، بل وكشفت عن المعدن الحقيقي للبعض، وما يمكن لهذا الحدث من تحرير أنفس الناس من عقالها.

الرواية تركز بشكل كبير على العلاقات الاجتماعية، في رسالة أراد الكاتب “أحمد نصر” إيصالها، قوة الروابط الاجتماعية للمجتمع الليبي، وأنها قادرة على لم الشمل وتجاوز ما يعانيه الوطن من مشاكل وأزمات.

مع تصفح الرواية، نكتشف عناية الكاتب برسم المشاهد، والتقاطها، والتركيز على الطبيعة، وكأنه بحضورها والتركيز على الجوانب والعلاقات الإنسانية، يحاول العودة بنا إلى منابع الطبيعة الأصيلة وصفائها. على مستوى السرد الروائي، تتمتع الرواية بإيقاع سردي هادئ يوافق طبيعة الروائي الذي قصد إلى كتابة رواية تحاول التوثيق لمرحلة مهمة في التاريخ الليبي.
فيما يخص اللغة، يلاحظ اهتمام الروائي باللغة من ناحية اختياره للمفردات، والتي تخدم المشهد الذي يلتقطه أو يقوم على تشكيله، وأيضا من ناحية اختياره للجمل الطويلة، والقصد مباشرة للمعنى، دون مواربة أو محاولة.

في زمن الحرب، رواية تقول الكثير، حاول الكاتب “أحمد نصر” من خلالها رصد ماقبل فبراير 2011، والأحداث التي عاشها المجتمع الليبي من خلال التركيز على مدينة بعينها، وقرية فيها بشكل خاص. وفي ظني نجح الكاتب في إيصال رسائله التي عمل عليها، والتي لم يحاول تغليفها بقدر ما قدمها بما تحمل من لمسة جمالها الطبيعي.

___________________________________
* أحمد نصر (في زمن الحرب)، مكتبة طرابلس العلمية العالمية، 2019.





تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...