ميلود خيزار - "قيم" الدرس النقدي .... و خياناته..

من علامات و عوامل انحطاط الكتابة الإبداعية، هذا التّداول الإعلامي "الأعمى و السّطحي" و "الكسيح" لنصوص "أدبية" يستحي القارئ البصير أن يعدّها أكثر من كونها "محاولات كتابة". يحدث هذا في غياب كلّي لمنابر "متخصّصة" تسمح بالتناول المعرفي و التداول الموضوعي للنصوص و التجارب.
وظيفة "الدرس التقدي"، عمليا، هي توفير مقاربات، مناهج و أدوات دراسة و تحليل النص (الخطاب) الأدبي، و الكشف عن آليات إنتاجه و مواطن "الجمال" فيه بوصفه "فنّا".
لكن، لا يمكن لهذا الدرس أن يتجرّد من قيم الصدق و الأمانة العلمية ولا ان يعفى من واجب تحرّي الحيادية و الموضوعية و الصّدق و التعالي عن شبهات التعاطي المنحاز و الترويجي للنصوص التي قد لا تجد ما يبرر "تناولها" حتى كموضوع نقدي مستحقّ. و على العموم فان الغاية الأولى من وجود هذه الأدوات هي بالضبط تحقيق وظيفة هذا الدرس في إطار القيم التي أنتجته و جعلته ممكنا و بررت ضرورة وجوده.
ما معنى أن تتمّ، عبر الدّرس النقدي الأكاديمي، الإشادة و الاحتفاء، سنويا، بالكثير من النصوص الشّعرية و السّردية "المهزوزة" لغة و بنية و رؤية ؟ ما معنى هذا "الركام" الموسميّ من الأطروحات و الرسائل و هذه المداخلات التي توفّرها ملتقيات و دوريات ما يسمّى بالمخابر الأكاديمية ؟
ما معنى أن "يستحوذ" اسم شعري "متواضع جدا" على ثلث حصاد موسم أكاديمي كامل، من الأطروحات و الرسائل بإحدى جامعات شرق الوطن ؟ و الأرشيف أمامكم، و يمكنكم استنطاقه.
لماذا تسلك كل البحوث، المدججة، عادة، بالأدوات و المناهج الصارمة، ذلك المسلك الآمن، المسالم، المتخاذل، التمجيدي، المهادن، حيال نصّ أو عمل أدبي ما، كما لو انه يقول "الحقيقة" المطلقة و ما على الدرس النقدي سوى "تفسير" المقال ؟
ماذا يعني وجود "لوبيات" و "ميليشيا" تابعة لكتائب "الدرس النقدي" و فرق "مخابر تحليل الخطاب"، تكاد تنحصر مهمتها الأساس في الترويج لنصوص رديئة و تكريس أسماء متواضعة ؟ لماذا "تتهامس" هوامش الملتقيات الأدبية بهذه "الخطايا" و "الجرائم" و لا تجرؤ على مواجهتها ؟
إذا كان الدرس النقدي موضوعيا ومحايدا فعلا و يتحدث باسم العلم و المعرفة، فمن المفترض أن يكون "مجردا" من كل "ذاتية" و أنّ ما يقوله أو يخلص إليه ليس "موقفا شخصيا" من النص، و لا يعبر عن ذلك. بل هو صوت الأداة و المنهج و المقاربة ؟
و إذا كان ذاتيا و منخرطا و متورطا، فماذا يبرّر الزجّ بمناهج و أدوات الدرس النقدي، في معركة "وسخة" و"محسومة سلفا" و هل تعي هذه المليشيا أنها، بوعيها "الزيف"، تقوم "بتزييف الوعي" تماما، كما يفعل "إعلام العار" في منظومات الاستبداد ؟ ماذا بقي للنص الأدبي المبدع و الأصيل أن ينتظر من "عقل أكاديمي" متورّط في جرائم انتحال و سرقة ؟
ما معنى أن يتكفل قارئ أكاديمي واحد، كالدكتور محمد الأمين بحري، بترميم العذرية الأخلاقية لهذا الدرس، بتعرية نصوص سردية لكتاب مشهورين و مكرّسين و بشكل "مريب"، كـ "واسيني" و "الـزاوي" و "مستغانمي"، كاشفا عن الأعطاب الخطيرة التي تعانيها نصوص هؤلاء، لغة و بنية و رؤية ؟
لماذا يجد القارئ الأكاديمي حرجا كبيرا في وضع العمل الأدبي،" المهزوز" أصلا، أمام "حقيقته الأدبية" و لا يشعر بأي خجل و هو "يوظف" المنهج و المقاربة لإنقاذ هذا النص بالذات من "أثار الاهتزاز" التي يحملها كتشوهات و عاهات ؟ (يكفي أن أشير هنا إلى الاستعمال المفرط للمنهج السيميائي في البحوث الشعرية، بحثا عن شعريات هامشية (العتبة، العنوان، البياض) في نماذج و أعمال و نصوص هي ابعد ما تكون عن الشعر لكونها تفتقد إلى مبرر وجودها: الشّعرية النصيّة. و إني لأتساءل، مثلا: ماذا يبرر كل هذا الكم الهائل من البحوث و الأطروحات و الرسائل الموسمية التي تناول أعمال "متواضعة جدا" كنصوص عبد الله حمّادي، في جامعة قسنطينة و من طرف طلبتها ؟
أنا استعدي كل الجبهات و العصابات و المليشيات الثقافية و الأكاديمية، لأني أتحدث بصوت مرتفع ما يُهمس به في الملتقيات و أثير بكل صدق هذه القضايا "المزعجة" و أتلقى "يوميا" تهما بالحسد و الغرور و الغيرة.
عليّ، اخلاقيا، ان استثني بعض الاعمال البحثية الجادّة التي، للاسف الشديد، لا يمكنها محاربة كل هذه "الخيانات" الموصوفة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...