لنْ أقُول إنَّنا نفْتتِح بهذا العدد موسماً ثقافيا جديدا في المغرب فَمنْ نكون لسْنا مجلساً أو وزارةً تُخطِّطُ كما تُخطِّط الطبيعة حُمُرَ الوحش في الغابة، ولا ننتظر من الدولة أن تضُخَّ في الجسم الثقافي عبر جيوب هذه المجالس والوزارات ما ظهر من دواليبها وما بطن، ميزانيةً نَصْرفها لدعم ما نَراه مُناسِباً لسياستنا الحكومية الرشيدة ومُعاقِباً بمقصِّ الرقيب كل من جرَّ شعْرته رافضاً تدابيرها التي جارَ بها الزمان فاتَّهموه بالعصيان..!
إنَّما نفْتح بهذا العدد موسماً جديدا من ملحقنا " العلم الثقافي"، وكُلُّنا أملٌ أن تجد فيه أديبات وأدباء بلدنا أصواتهم ذات الإيقاع الداخلي، فابرُزُوا أيتها الضمائر المُسْتتِرة بغير ذلك الصوت الذي ضيَّعناه جميعا في زحام ميديا التكاسل الاجتماعي، فقد شلَّتْ بتشْويشها التفكير فما عُدنا نعرف مَنِ المُتكلِّم ومَنِ الصَّدى..!
نفْتتِح هذا العدد وأعْينُنا.. انظُرْ كمْ حالمةً وهي تحاول أن تتبيَّن مغربا ثقافيا آخر غير هذا الذي صِرنا يوما عن يوم نفْقد فيه القيمة، لكن هيْهات فبصرُنا للأسف يرتدُّ وقد عَلَق بالجفون ما يُثقل الأفق من عَمشٍ وغَبَشٍ، ليتنا أكْملنا الطَّريق فقط على درب النضال الثقافي لِما حقَّقه من مكتسبات أبسطها ٌ(مثلا وليس حصراً) الحفاظ على اتحاد كتاب المغرب قلعةً منيعة لمواجهة الخطاب الرسمي الذي أفرغ اليوم كل شيء من معناه، أما وبعد أن انهارت بسبب ما نخَرها من نفاق وارتزاق فلك أن ترفض نافضاً كل ما وقع فوق رؤوسنا من خراب، أو تتْبع النعْت في منعوته ولو لمْ يُعْجبْكَ حال..!
أعلم أن سؤال القيمة من الموضوعات الثقيلة في تراكمها المرجعي والفلسفي، والحبر الذي يكتبها أحوج لسائلٍ يُخفِّفه كما يخفِّف الشارب النِّحْرير نبيذه المُخثَّر بالماء درْءاً لسهرٍ يتلوه صُداع الرأس في الصباح، وقد قِيل بعد أن فطن الجميع أنَّا فقدْنا القيمة: البلد تُعوزها نُخْبة من الكفاءات فهي القيادة والزِّمام، ولكن ماذا نصنع والطاقات الحية والحرة فضَّلتْ مع انعدام المنافسة الشريفة وسيادة الأساليب الملتوية للفساد التراجع والصمت حفاظا على كرامتها من التمرُّغ في الوحل، وإذا لجأت الدولة لحُنجرة البرّاح مُناديةً على هذه الكفاءات وفق معايير تُمليها ثقوب الغربال انتقاءً، فماذا نصنع بديمقراطيتنا الفريدة التي لن تجِدَ لنموذجها التنموي مثيلا بين ديمقراطيات العالم، فنحن من استطاع بلسان التَّشدُّق أن يتخذ شعاراتها واجهةً زجاجية تخطف الأبصار، ولم ننْس وضْع السم مع الحلوى فوق الرفوف تاركين المجال مفتوحا عبر مسارب زبونية ضيِّقة للأحجام الصغيرة جدا على مستوى الوعي الفكري، لذلك سيطرتْ على حياتنا الاجتماعية عِوض الكفاءات أسراب الذباب والبعوض فلا تنتظر وقد عمَّ طنينها كل المنتديات والمؤتمرات أن تنتج عسلا، فقط قُلْ ليهُبَّ الجميع مُصحِّحاً خطأً لُغويّاً رغم أنَّكَ من فرْطِ صوابكَ فَقدْتَ الصواب: أكَلوني البراغيث..!
لا يتعلَّق الأمر هنا كما يتعلَّق قميصٌ مُهْترىءٌ مُتعبٌ بأقرب مِشْجبٍ، بانقلابٍ نمارسه بضربة نقد أو نرْدٍ نيتشوية على قِيم بالية موروثة تُعرْقل سيرورة الحياة وتطورها، ويا ليْتنا نُنْتج قِيماً ومفاهيم حداثية تتماشى مع روح العصر، لكن جهْلنا ليس للأسف بمستوى هذا النبوغ، إنما نكتفي بالسَّعي وسعْيُنا غير مشكور في توسيع هُوَّة فراغنا الفكري ليس بالعُمق الكافي بل بالسطح الوافي لندفن أنفسنا أحياءً مع الانبعاثات الكريهة للجيفة، وإذا كانت هذه حقيقتنا المُتَّسخة فالأبشع أنْ تجد بين البشر من لا يستطيع العيش بدون هذه الحقيقة المُرة رغم كونها خطأ فادحاً يُدهور المجتمع، قل ما قيمتنا ونحن نُحقِّر ما ينتج كل قِيم الإنسان، وعلى رأسها التعليم الذي مازال عندنا يتعلَّم ولم يستقر في مناهجه على طريقة مستوردة أو محلِّية لا تتاجر بعقول أبنائنا سنويا، فالخيَّاط البارع في حشو الوسائد بدقَّة وسرعة، أهون على هذه الأدمغة الفتية من ركام المُقرَّرات الدراسية باهظة التكاليف ولا تنفع حتى البهائم في التعليف، تعليمُنا الذي ينتج قيمتنا فَقَد أيضاً الثقة في اللغة العربية، وما زال يبحث في لغات العالم ما يناسب حصَّةً في العلوم تبدأ بتشريح ضفدعة وتنتهي بقطع لساني..!
ما قيمة الوطن إذا فَقَد فيه الإنسان قيمته ومعها الثقة في كل شيء من حواليه، وصار مهزوزاً نفسيا كمنْ يخطو على رمال مُتحرِّكة، كانَ أحْرى أن تشُدَّه من الجذور ثوابت يعتزُّ بالانتماء للغتها ورموزها في الماضي والحاضر الذي لا يمكن أن يُؤسِّس بأشباحه المُنتشرِين اليوم للمستقبل، لِنقُلْ بما تبقَّى لنا من أحرُفٍ في لساننا العربي أو الأمازيغي سيَّان، إنَّ فُقدان القيمة في بلدنا هي حقيقتنا المُرَّة التي لا يسْتهين بخطورتها سوى جاهلٍ أو متجاهلٍ كلٌّ من موقعه في أسلاك الدولة التي تُركت عارية دون تغليف لتُكَهْرِبنا، ولا أعْرف هل هو نزوعٌ اجتماعي نحو الفَرْدانية أو باتِّجاه القِرْدانية التي ينطلق تفكيرها من أسفلِ على إيقاع هِزْ يا وِزْ، حذار حيث تضع خُطاك فالأرض مفروشةٌ بقشور الموزْ..!
نفْتح إذا عدداً جديداً من هذا الملحق في انتظار أن يستعيد بلدنا رُشده من هذه العشوائيات التي لا تصلح سكنا للروح والبدن، ولن نفْتري على الحقيقة جريا وراء مانشيطات بعض الصحف مبشِّرين بالدخول الثقافي أو السياسي أو المدرسي الجديد، فجديدنا قديم ويكاد بانتكاسته التي سبَّبتها سياسة التجهيل يتوارى لعهود غابرة، ويكفينا أملاً هذا الملحق الذي تُمسك بوْصلته أكثر من يدٍ تكتب وتؤْمن بجدوى الثقافة وجذوتها في التغيير، أما موسمنا الثقافي المغربي الذي يُروِّج لدخوله الخطاب الرسمي بالحَبَّة والبارود دخانا في الهواء، فما زالت بوصلته عن العقول ضائعة لك شوق يا رجل أي قبر ثواك..؟
محمد بشكار
(افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" لعدد يومه الخميس5 سبتمبر 2019)
https://www.facebook.com/mohamed.bachkar.1/posts/10219616007692269
إنَّما نفْتح بهذا العدد موسماً جديدا من ملحقنا " العلم الثقافي"، وكُلُّنا أملٌ أن تجد فيه أديبات وأدباء بلدنا أصواتهم ذات الإيقاع الداخلي، فابرُزُوا أيتها الضمائر المُسْتتِرة بغير ذلك الصوت الذي ضيَّعناه جميعا في زحام ميديا التكاسل الاجتماعي، فقد شلَّتْ بتشْويشها التفكير فما عُدنا نعرف مَنِ المُتكلِّم ومَنِ الصَّدى..!
نفْتتِح هذا العدد وأعْينُنا.. انظُرْ كمْ حالمةً وهي تحاول أن تتبيَّن مغربا ثقافيا آخر غير هذا الذي صِرنا يوما عن يوم نفْقد فيه القيمة، لكن هيْهات فبصرُنا للأسف يرتدُّ وقد عَلَق بالجفون ما يُثقل الأفق من عَمشٍ وغَبَشٍ، ليتنا أكْملنا الطَّريق فقط على درب النضال الثقافي لِما حقَّقه من مكتسبات أبسطها ٌ(مثلا وليس حصراً) الحفاظ على اتحاد كتاب المغرب قلعةً منيعة لمواجهة الخطاب الرسمي الذي أفرغ اليوم كل شيء من معناه، أما وبعد أن انهارت بسبب ما نخَرها من نفاق وارتزاق فلك أن ترفض نافضاً كل ما وقع فوق رؤوسنا من خراب، أو تتْبع النعْت في منعوته ولو لمْ يُعْجبْكَ حال..!
أعلم أن سؤال القيمة من الموضوعات الثقيلة في تراكمها المرجعي والفلسفي، والحبر الذي يكتبها أحوج لسائلٍ يُخفِّفه كما يخفِّف الشارب النِّحْرير نبيذه المُخثَّر بالماء درْءاً لسهرٍ يتلوه صُداع الرأس في الصباح، وقد قِيل بعد أن فطن الجميع أنَّا فقدْنا القيمة: البلد تُعوزها نُخْبة من الكفاءات فهي القيادة والزِّمام، ولكن ماذا نصنع والطاقات الحية والحرة فضَّلتْ مع انعدام المنافسة الشريفة وسيادة الأساليب الملتوية للفساد التراجع والصمت حفاظا على كرامتها من التمرُّغ في الوحل، وإذا لجأت الدولة لحُنجرة البرّاح مُناديةً على هذه الكفاءات وفق معايير تُمليها ثقوب الغربال انتقاءً، فماذا نصنع بديمقراطيتنا الفريدة التي لن تجِدَ لنموذجها التنموي مثيلا بين ديمقراطيات العالم، فنحن من استطاع بلسان التَّشدُّق أن يتخذ شعاراتها واجهةً زجاجية تخطف الأبصار، ولم ننْس وضْع السم مع الحلوى فوق الرفوف تاركين المجال مفتوحا عبر مسارب زبونية ضيِّقة للأحجام الصغيرة جدا على مستوى الوعي الفكري، لذلك سيطرتْ على حياتنا الاجتماعية عِوض الكفاءات أسراب الذباب والبعوض فلا تنتظر وقد عمَّ طنينها كل المنتديات والمؤتمرات أن تنتج عسلا، فقط قُلْ ليهُبَّ الجميع مُصحِّحاً خطأً لُغويّاً رغم أنَّكَ من فرْطِ صوابكَ فَقدْتَ الصواب: أكَلوني البراغيث..!
لا يتعلَّق الأمر هنا كما يتعلَّق قميصٌ مُهْترىءٌ مُتعبٌ بأقرب مِشْجبٍ، بانقلابٍ نمارسه بضربة نقد أو نرْدٍ نيتشوية على قِيم بالية موروثة تُعرْقل سيرورة الحياة وتطورها، ويا ليْتنا نُنْتج قِيماً ومفاهيم حداثية تتماشى مع روح العصر، لكن جهْلنا ليس للأسف بمستوى هذا النبوغ، إنما نكتفي بالسَّعي وسعْيُنا غير مشكور في توسيع هُوَّة فراغنا الفكري ليس بالعُمق الكافي بل بالسطح الوافي لندفن أنفسنا أحياءً مع الانبعاثات الكريهة للجيفة، وإذا كانت هذه حقيقتنا المُتَّسخة فالأبشع أنْ تجد بين البشر من لا يستطيع العيش بدون هذه الحقيقة المُرة رغم كونها خطأ فادحاً يُدهور المجتمع، قل ما قيمتنا ونحن نُحقِّر ما ينتج كل قِيم الإنسان، وعلى رأسها التعليم الذي مازال عندنا يتعلَّم ولم يستقر في مناهجه على طريقة مستوردة أو محلِّية لا تتاجر بعقول أبنائنا سنويا، فالخيَّاط البارع في حشو الوسائد بدقَّة وسرعة، أهون على هذه الأدمغة الفتية من ركام المُقرَّرات الدراسية باهظة التكاليف ولا تنفع حتى البهائم في التعليف، تعليمُنا الذي ينتج قيمتنا فَقَد أيضاً الثقة في اللغة العربية، وما زال يبحث في لغات العالم ما يناسب حصَّةً في العلوم تبدأ بتشريح ضفدعة وتنتهي بقطع لساني..!
ما قيمة الوطن إذا فَقَد فيه الإنسان قيمته ومعها الثقة في كل شيء من حواليه، وصار مهزوزاً نفسيا كمنْ يخطو على رمال مُتحرِّكة، كانَ أحْرى أن تشُدَّه من الجذور ثوابت يعتزُّ بالانتماء للغتها ورموزها في الماضي والحاضر الذي لا يمكن أن يُؤسِّس بأشباحه المُنتشرِين اليوم للمستقبل، لِنقُلْ بما تبقَّى لنا من أحرُفٍ في لساننا العربي أو الأمازيغي سيَّان، إنَّ فُقدان القيمة في بلدنا هي حقيقتنا المُرَّة التي لا يسْتهين بخطورتها سوى جاهلٍ أو متجاهلٍ كلٌّ من موقعه في أسلاك الدولة التي تُركت عارية دون تغليف لتُكَهْرِبنا، ولا أعْرف هل هو نزوعٌ اجتماعي نحو الفَرْدانية أو باتِّجاه القِرْدانية التي ينطلق تفكيرها من أسفلِ على إيقاع هِزْ يا وِزْ، حذار حيث تضع خُطاك فالأرض مفروشةٌ بقشور الموزْ..!
نفْتح إذا عدداً جديداً من هذا الملحق في انتظار أن يستعيد بلدنا رُشده من هذه العشوائيات التي لا تصلح سكنا للروح والبدن، ولن نفْتري على الحقيقة جريا وراء مانشيطات بعض الصحف مبشِّرين بالدخول الثقافي أو السياسي أو المدرسي الجديد، فجديدنا قديم ويكاد بانتكاسته التي سبَّبتها سياسة التجهيل يتوارى لعهود غابرة، ويكفينا أملاً هذا الملحق الذي تُمسك بوْصلته أكثر من يدٍ تكتب وتؤْمن بجدوى الثقافة وجذوتها في التغيير، أما موسمنا الثقافي المغربي الذي يُروِّج لدخوله الخطاب الرسمي بالحَبَّة والبارود دخانا في الهواء، فما زالت بوصلته عن العقول ضائعة لك شوق يا رجل أي قبر ثواك..؟
محمد بشكار
(افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" لعدد يومه الخميس5 سبتمبر 2019)
https://www.facebook.com/mohamed.bachkar.1/posts/10219616007692269