تقديم
جاء في إحدى فقرات رواية (شجرات وخرائط) للقاص والروائي حسن إمامي قوله:
“ما دام بحثا في الشجرة وفروعها المتطورة وتوظيفاتها المتشعبة حياتيا؛ فلا بد أن يجعل أساس غرسها أصيصاً معتنى به ومكتملا في مواصفات الرعاية لشجرة قد تكون في حجمها أكبر من إطاره.”
قد يكون التورط في فعل الكتابة السردية أمرا مستساغا حين نتغلب على الظواهر النفسية والحياتية، ونفضي بالذات إلى محكيات قديمة ذات بعد شخصي؛ يدرج في السيرة أو التخيل أو التمثل أو غيرها.. لكن حين نقارب المفهوم ونراقب الواقع ونترقب الذات ونقترب من الماضي التاريخي فذاك بعد وظيفي يتحدى الكائن إلى الممكن..
الشجرات، أو الخرائط حين تتراقص بين أقفاص الماضي، وتحول القرية تاريخها من سلطة عامة إلى رمز من رموزها أو تصرخ المصابيح منتفضة ضد القهر والحرمان والتيه التاريخي و و و …. فإن حسن إمامي يستسلم لكل فعل سردي ويتخلف عن ركب الذات، ليسيخ بركبه في تاريخ شخصي غير مكتوب، تاريخ أمة ما زالت تنبش بحفرياتها في صلب الواقع، وتتمرس على كل الممكنات لتخترق فوضى الحواس والحواس الفوضوية للممارسة فعل الكتابة السردية الغير الممكنة.
1- التاريخ فعل وممارسة:
ماذا لو اشترك المبدع والمؤرخ في كتابة تاريخ أمة؟؟
سؤال الهوية، وسؤال الجذور: حيزان من البحث قد تسعفان الإنسان في إدراك محيطه؛ سواء بالفعل القوي أو الحضور التلقائي. ويكون البحث في حقيقة كل منهما مرتبطا بإدراك المؤلِّف لمستويات وجودها.
أستهل هذه القراءة بما جاء به ابن خلدون في تعريفه التاريخ إذ هو : “اِعلمْ أنه لما كانت حقيقة التاريخ أنه خبر عن الاجتماع الإنساني، الذي هو عمران العالم، وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال مثل التوحش والتأنس والعصبيات وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض، وما ينشأ عن ذلك من الملك والدول ومراتبها، وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكتب والمعاش والعلوم والصنائع.” وهو مبدأ يقترب من كونه فلسفيا يتأمل في وضع الإنسان/ الماضي واجتماعه أكثر من الدخول في مجال تأريخ الحروب والنزاعات والصراعات بمنأى عن التداخلات التي يشكلها الفعل الإنساني. كما أن التاريخ لا يحمل بصمة التسجيل فقط، بقدر ما يتجاوزه حينا إلى التحقيق والتحقق والتحليل والتعمق. لذلك قد لا نلجأ كثيرا إلى التاريخ المكتوب فقط، باعتبار ركونه إلى الرسميات في غالب الأحيان، أو توجيهات وتوجهات كبرى.
يتساءل حسن إمامي في نهاية روايته (قرية ابن السيد) بقوله: “تلك خفايا حيوية لجيوب المقاومة المدفونة في قعر البئر وخلف القمر وبين أغصان فروع الأشجار … وبين هذه المخطوطات المتنوعة… ذلك تاريخ لم يكتب بعد!!”
وموضوع حديثنا يندرج ضمن تأطير فعل التأريخ لدى حسن إمامي، لنكتشف أن الخط الزمني للحكي يمزج بين فعلين:
أولهما: سرد يتجنب الوقائع التاريخية، فينسج خيوطه انطلاقا من وقائع اجتماعية تسير السير العادي للرواية، ويمكن أن نصوغ هذا النسق انطلاقا من الخطاطة التالية:
الرواية الموضوع النسق الرابط
قرية ابن السيد المقاومة المغربية ضد المستعمر
حكاية ابن السيد وحفيده … الجمع بين الحكي العام سيرة ابن السيد والبحث عن تاريخ المنطقة البحث في تاريخ القرية انطلاقا من وثائق خاصة و من التاريخ الشفهي..
صرخة المصابيح إتلاف التراث القديم من المتاحف المغربية وتهريبها للخارج طمس الهوية التاريخية للمغرب البحث في تاريخ المغرب انطلاقا من تراثه وتحفه النادرة
شجرات وخرائط بحث البطل (فحص الخالدي) عن شجرة عائلة زوجته شادية اهتمام البطل بتاريخ المنطقة انطلاقا من تاريخ عائلة البحث في التاريخ انطلاقا من الوثائق القديمة (الشجرة العائلية°
أقفاص قصة الاعتقال السياسي، و التحرر الذي يلزم حياة الأقفاص النفسية تاريخ النضال الطلابي وحركته المبنية على التحرر من القيود النفسية والاجتماعية في سنوات الرصاص البحث في تاريخ الانتفاضات المغربية خاصة ما كان بفعل الاتحاد الطلابي
ولعل القراءة السريعة لهذا الجدول تبني فرضية التنسيق المسبق الذي يسطره المبدع لتحقيق نتيجة التسلسل والتكثيف القوي لخاصية التاريخ، والحضور المكثف أيضا للذات المؤمنة بفكر المقاومة في شتى أشكالها وفي مختلف توجهاتها.
ثانيهما: سرد تاريخي، يشتغل على الحقائق التاريخية كما سطرتها الكتب والمؤلفات التي تهتم بهذا المجال، إلى جانب تاريخ لم يكتشف بعد وقد نبحث عنه من خلال:
الوثائق والشجرات والخرائط، وفي هذا المجال يؤكد حسن إمامي على ضرورة الانتقال إلى مصدر الحدث والتأريخ له بصورة موضوعية، وقد اختار له في رواية (قرية ابن السيد) حفيد الفقيه محمد بن مصطفى بن الشيخ الفقيه؛ الذي نعته الكاتب بصفة “سيدنا الفقيه العالم الكريم والشيخ الجليل”، فقد تكلف الحفيد بجمع الوثائق: “لقد عمل محمد على جمع كل الوثائق التي يمكنها أن تسجل ذاكرة القرية وما يرتبط بها.”
الوقائع التاريخية: التي يؤرَّخ لها من لدن المهتمين بالمجال، نذكر مثلا تاريخ الحركة الطلابية وما ترتب عنها من اعتقالات في صفوفهم في كثير من مدن المغرب. ثم سنوات الرصاص التي ألجمت العديد من الأفواه وأخرستها في زنازن تزمامرت وغيرها: “نهاية عقد السبعينيات من القرن العشرين، هي سنة 1979. غشت، شهر الهروب من اللهيب القاري، لكنه شهر انعقاد المؤتمر السادس عشر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب….” وقوله: “وصلتنا رسائل خفية أثبتت ما دار في قبة البرلمان. عززتها شهادات خارجية أثارت ملف الاعتقال السياسي وجحيم تازمامارت ونحن من سبق نقلهم إلى سجن مدني.”
التاريخ المكتوب: من خلال رواية بعض الأحداث المتعلقة بتاريخ المغرب كحديثه عن بعض فصول كتاب (الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس) لابن أبي زرع الفاسي، وما يتعلق برحلته التي ابتدأت مع تأليفه في العهد المريني في القرن الثامن الهجري نهاية سنة 786 ه، إلى جانب اشتغاله الأساس على المخطوطات باعتبارها سندا تاريخيا يؤسس الفعل التوثيقي لكثير من القضايا والبحوث الميدانية.
التأريخ الزمني: ويتحدد بتوثيق الوقائع بتواريخ مفصلة (اليوم الشهر والسنة)، ومن أمثلة ذلك نذكر؛
الدار البيضاء 26 يوليوز 2012
بعض المعاهدات والاتفاقات الدولية
الظهير الشريف
التعريف ببعض الشخصيات، شخصية جوزي تودا الفيلسوف الياباني
تاريخ الاعتقالات الطلابية
“يوم 23 في ثلاثاء أسبوع من سنة 2010 تحرك الهاتف الخلوي بدبدبته الكاتمة للصوت”
غير أن معاينة التواريخ وضعتنا أمام معضلة لن يفك شفرتها إلا الكاتب نفسه، إذ تم الوقوف عند تسجيل تاريخ يومي غير مضبوط وهو كما ورد ذكره في قوله:
“قبل أن يضرب لهم لقاء في الأسبوع الموالي لليوم الذي سيصادف الخميس 14 أكتوبر 2014.” غير أن البحث في اليومية كشف لنا أن هذا اليوم يصادف الثلاثاء وليس الخميس. فلو كان الأمر مقصودا لتعين علينا تأكيد أسبقية المؤلف في توليف التواريخ قبل تأليفها، بمعنى سحب البساط أمام القارئ ليتيه في خضم التواريخ المزيفة التي تثبت زيف بعض الوقائع التاريخية الرسمية، أما والأمر يتعلق بخطإ فذاك أمر لا يثير أي فضول أو تأويل.
2- الحكي الموازي، أو خيط الربط بين التاريخي والاجتماعي:
ما يمكن تسجيله حول الخيط الرابط بين الروايات الأربع (قرية ابن السيد- صرخة المصابيح- شجرات وخرائط- أقفاص) هو حضور بعض التيمات المتكررة، ونقصد بالتكرار إثارة قضايا اجتماعية بطريقة تكشف حضورها الفعلي في ذهن المبدع ونفسيته وشعوره أو لا شعوره. وهذا لا يعني بالضرورة عيشها بقدر ما يكشف تفكيرا مسبقا فيها أو استشرافها مستقبلا.
من بين ما ورد نذكر:
أولا: تيمة الحب الشرعي بين الأزواج، أو الحب المرتبط بالعلاقة المستمرة الغير الشرعية؛
– قرية ابن السيد: محمد بن المصطفى وسارة /سعيد وكلير (فتاة كندية) مشروع زواج.
– صرخة المصابيح: سعيد الحاكي ولبنى
– شجرات وخرائط: فحص الخالدي وشادية
– أقفاص: عمران ووفاء، وعمران مع نادية…
ثانيا: الفضاء المكاني المرتبط بأوربا:
قرية ابن السيد: محمد بن المصطفى/ فرانكفورت ألمانيا…
صرخة المصابيح: علي بن محمد / فرنسا
شجرات وخرائط: عائلة فحص الخالدي/ الإقامة في باريس
أقفاص/ السيد عمران/ الإقامة في إسبانيا و بمدينة برشلونة بحي (سانت بوا دي لوبركا)، وبباريس بفرنسا..
ثالثا: المشاكل الاجتماعية المرتبطة ببنية الأسرة المغربية ومحاولة اختراق القيود المضروبة بين الزوجين، كتحرر فحص الخالدي في نهاية المطاف بعد قرار انفصاله عن زوجته، وانفصال عمران عن زوجته نادية والارتباط بوفاء حبيبته الأولى التي توفي زوجها.
رابعا: البحث عن تاريخ الفرد والجماعة، الذي يولد صراعات اجتماعية بين ذوي الأرحام والقرابات..
وغيرها من التيمات التي شكلت حضورا قويا، وفعلا رمزيا يثبت النسج المسبق للكاتب، واستحضار المتلقي الذي يفك رموز هذا الترابط التاريخي والاجتماعي والنفسي بين فصوص الروايات، وفصوص الذات والمجتمع.
خامسا: حضور التفسير الفعلي للعنوان داخل المتن، ما يؤكد أيضا حسن اختيار عتبته الأولى ومقصدية الإبداع والتلقي.
قرية ابن السيد: الإشارة إلى سبب تسمية القرية بهذا الاسم: “فكان أن بقي التشجيع على استقطاب من يعلّم ويفقه في الدين ويؤم الناس في المسجد.. ولكن، لا نسيان لذكرى نور المكان المنير الفقيه السيد في هذه القرية: قرية (ابن السيد).”
صرخة المصابيح: “قد أتفق معك. لكن الإشباع للكتابة لا يكون عندي إلا مع إيفاء المكان حقه واستحضار تفاعلاته. ربما أحذف هذه الفقرات في كتابة صرخة المصابيح. ربما الصرخة هي للأمكنة إلى جانب التحف الفنية.” فحسن إمامي يركز على فعل السبق التأويلي للعنوان بشرحه في كثير من مواقف الرواية، وهو ما يشترك في كل الروايات مع اختلاف في الصيغة والسبيل الذي يشتغل عليه المؤلف لإيصال الفكرة. ففي هذا الحيز نلحظ استغراقه في تحديث صفحة الرواية بتخليق صفة الباحث عن العنوان المناسب للرواية، فيجعل الصرخة أكثر مناسبة للأمكنة، وأن التحف مبرر وجودي لفعل نبش التاريخ ونهشه.
شجرات وخرائط: ومما يمكن التركيز عليه في هذه الرواية، أن الخيط الرابط أثمر تواترا فعليا لحركة الخريطة التي تؤثثها الشجرة؛ والشجرة هنا تتوزع بين التعريف الحقيقي لها كونها نبات الأرض خاصة مع الشجرة/ الرمز في حديقة بيت فحص الخالدي، والشجرة/ البحث عن تاريخ أسرة الزوجة: “فما دام بحثنا في الشجرة وفروعها المتطورة وتوظيفاتها المتشعبة حياتيا، فلا بد له أن يجعل أساس غرسها أصيصا مغتنى به ومكتملا في مواصفات الرعاية لشجرة قد تكون في حجمها أكبر من إطاره.”
أقفاص:
نقف هنا قليلا لتحديد تعريف القفص كما جاء به حسن إمامي في روايته، حيث نؤكد أن القفص لم يثبت فعله باعتباره سجنا ماديا فقط، بقدر ما تجاوزه إلى فعل نفسي يعيشه الإنسان في حياته إثر كثير من القيود التي يسجُن بها نفسه، أو تتحرك دواليب الآخر لتفعيلها.
هناك القفص بمعناه اللغوي، ويظهر جليا من خلال اعتقال مجموعة الطلبة الذين خاضوا مظاهرات أو حركات أغضبت السلطات، كالحبس الانفرادي الذي حكم عليه به فأقام سبع سنوات عجاف،
ثم الانتقال إلى سجن ثان أكثر رحمة؛ لكن القيد النفسي أثر بشكل واضح على سير حياته. يقول حسن إمامي في هذا الصدد: “رغم أنني لم أستسغ وجود جهاز مراقبة على مشاعري لم أجد بديلا أفضل. راسلتُ أسرتي الصغيرة بالبلدة، وراسلت وفاء. تلقيتُ جوابا وردا من الأولى، بينما لم يأت خبر عن الثانية، أقواس جديدة فتحت داخل هذه الأقفاص التي أعيش فيها.”
القفص الذهبي؛ بيت الزوجية، الذي رأى فيه قيدا تحرر منه فعليا حينما قرر عمران الانفصال عن نادية رغم تعلقه بها: “قبَّلها ومسح دمعة ساخنة بشفتيه… حرية جديدة وتحليق جديد. هكذا رفرف في دواخله همس بطاقة جديدة يحتاجها لعيش ما تبقى له من هذا العمر.” وهي ضرورية ليعيش هذا الفضاء الزماني والمكاني، وينعم بالحرية من القفص الصدئ أو القفص الذهبي: “عزوبية جديدة هي، لكنها ضرورية لكي يعيش بهذا الارتياح. لقد عاش القفص الصدئ وعاش القفص الذهبي.”
قفص المدينة والوطن، إذ اختار العيش بعيدا عن وطنه متحررا من كل القيود التي رآها كاتمة لصوت الكلمة والتعبير، وخافضا رتبة الزمان والمكان: “ربما هو حلم شعري ومتخيل يحلق به من جديد كنورس كل مرة في فضاء.”
القفص الفكري؛ فنسجل اعتراض السيد عمران على استغلال ملف حقوق الإنسان ضد الشعب الفلسطيني، فكانت ردة فعل كبيرة جعلته “يستقيل من مهامه الرسمية ويعيش حريته كمثقف وأديب.”
القيد الزماني والمكاني، وقد اعتبر عمران تحرره الفكري تحررا من “المكان والمؤسسات” فعاش بالديار الإسبانية ثم الفرنسية حالة الشرعية بإقامة ثقافية ومشاركة فعلية في الأنشطة واللقاءات التي تؤسس لفعل التحرر والعودة للقيد الاختياري التطوعي بالارتباط بوفاء الحب القديم: “وزن الحرية الذي رأى به عمران بن يوسف موجة وروح السيدة وفاء، زادته فرنسا سحرا وفك ارتباط بهواجس أفكار تملّكته وقيدته كثيرا.”
حضور القفص في عتبة الغلاف، وفي سطور المسرحية التي أخرجها عزيز زكرياء، والتي أضاف إليها السيد عمران مشهد الأقفاص: “ربما هي البيان الأخير والفصل الأخير الذي سيتضمن رحلة النورس في البحث عن الحرية والتخلص من أغلال الأقفاص. سيتلقى بعد أيام ردا إلكترونيا يتضمن تصورا لمشهد جديد ينضاف إلى المسرحية دائما.”
قبل غلق صفحة رواية أقفاص وما تتميز به من خصوصيات الإبداع، نقف وقفة قصيرة عند دلالة الرقم (سبعة) وحضوره الفعلي القوي في ثنايا الأحداث، ونؤكد مقصدية الكاتب في هذا الحيز إذ يختار هذا الرقم وما يكسبه من مرجعية صوفية، لا مجال للتفصيل فيها، ورؤية ثاقبة للمرجعية القرآنية من خلال قصة يوسف عليه السلام. وقد استدرك الكاتب عدم تحقق رقم 7 في معادلة رياضية أثبت قولنا السابق. يقول في إحدى فقرات الرواية: “قفص الحياة الخارجية: ثلاث عشرة سنة، أربع عشرة إلا واحدة. وقع الاستثناء ولكن لم تكتمل السبع التي تحدث البركة في الذكر.”
خلاصة:
تبقى القراءة الحالية مجرد تساؤلات تنتظر البحث والتنقيب، ما دام المبدع ذاته وقف الموقف نفسه في نهاية أغلب رواياته. وقد استغل كذلك فضاء الإبداع ولغة المثقف الواعي الملتزم بدوره في تحقيق التواصل مع القارئ سواء بسرد الحدث والاعتماد على الميتاسرد الذي يفبرك الرواية ويجعلها بين يدي القارئ الذي يواصل فعل الكتابة؛ أم بفعل التأريخ اليومي والتواصل بالمتلقي عن طريق اللقاءات والندوات والملتقيات…
فكرة التأريخ وحضور التاريخ في الرواية المغربية، والاشتغال على الوقائع التاريخية إما كونها حقيقة لا مفر منها أو باعتبارها محطات تستوجب إعادة النطر، أو بتغليط القارئ أو خلق وقائع تاريخية متخيلة… كلها سبل تستوجب الوقوف في محطات أكثر عمقا.
27 ربيع الثاني 1438 الموافق لـ26 يناير 2017.
جاء في إحدى فقرات رواية (شجرات وخرائط) للقاص والروائي حسن إمامي قوله:
“ما دام بحثا في الشجرة وفروعها المتطورة وتوظيفاتها المتشعبة حياتيا؛ فلا بد أن يجعل أساس غرسها أصيصاً معتنى به ومكتملا في مواصفات الرعاية لشجرة قد تكون في حجمها أكبر من إطاره.”
قد يكون التورط في فعل الكتابة السردية أمرا مستساغا حين نتغلب على الظواهر النفسية والحياتية، ونفضي بالذات إلى محكيات قديمة ذات بعد شخصي؛ يدرج في السيرة أو التخيل أو التمثل أو غيرها.. لكن حين نقارب المفهوم ونراقب الواقع ونترقب الذات ونقترب من الماضي التاريخي فذاك بعد وظيفي يتحدى الكائن إلى الممكن..
الشجرات، أو الخرائط حين تتراقص بين أقفاص الماضي، وتحول القرية تاريخها من سلطة عامة إلى رمز من رموزها أو تصرخ المصابيح منتفضة ضد القهر والحرمان والتيه التاريخي و و و …. فإن حسن إمامي يستسلم لكل فعل سردي ويتخلف عن ركب الذات، ليسيخ بركبه في تاريخ شخصي غير مكتوب، تاريخ أمة ما زالت تنبش بحفرياتها في صلب الواقع، وتتمرس على كل الممكنات لتخترق فوضى الحواس والحواس الفوضوية للممارسة فعل الكتابة السردية الغير الممكنة.
1- التاريخ فعل وممارسة:
ماذا لو اشترك المبدع والمؤرخ في كتابة تاريخ أمة؟؟
سؤال الهوية، وسؤال الجذور: حيزان من البحث قد تسعفان الإنسان في إدراك محيطه؛ سواء بالفعل القوي أو الحضور التلقائي. ويكون البحث في حقيقة كل منهما مرتبطا بإدراك المؤلِّف لمستويات وجودها.
أستهل هذه القراءة بما جاء به ابن خلدون في تعريفه التاريخ إذ هو : “اِعلمْ أنه لما كانت حقيقة التاريخ أنه خبر عن الاجتماع الإنساني، الذي هو عمران العالم، وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال مثل التوحش والتأنس والعصبيات وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض، وما ينشأ عن ذلك من الملك والدول ومراتبها، وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكتب والمعاش والعلوم والصنائع.” وهو مبدأ يقترب من كونه فلسفيا يتأمل في وضع الإنسان/ الماضي واجتماعه أكثر من الدخول في مجال تأريخ الحروب والنزاعات والصراعات بمنأى عن التداخلات التي يشكلها الفعل الإنساني. كما أن التاريخ لا يحمل بصمة التسجيل فقط، بقدر ما يتجاوزه حينا إلى التحقيق والتحقق والتحليل والتعمق. لذلك قد لا نلجأ كثيرا إلى التاريخ المكتوب فقط، باعتبار ركونه إلى الرسميات في غالب الأحيان، أو توجيهات وتوجهات كبرى.
يتساءل حسن إمامي في نهاية روايته (قرية ابن السيد) بقوله: “تلك خفايا حيوية لجيوب المقاومة المدفونة في قعر البئر وخلف القمر وبين أغصان فروع الأشجار … وبين هذه المخطوطات المتنوعة… ذلك تاريخ لم يكتب بعد!!”
وموضوع حديثنا يندرج ضمن تأطير فعل التأريخ لدى حسن إمامي، لنكتشف أن الخط الزمني للحكي يمزج بين فعلين:
أولهما: سرد يتجنب الوقائع التاريخية، فينسج خيوطه انطلاقا من وقائع اجتماعية تسير السير العادي للرواية، ويمكن أن نصوغ هذا النسق انطلاقا من الخطاطة التالية:
الرواية الموضوع النسق الرابط
قرية ابن السيد المقاومة المغربية ضد المستعمر
حكاية ابن السيد وحفيده … الجمع بين الحكي العام سيرة ابن السيد والبحث عن تاريخ المنطقة البحث في تاريخ القرية انطلاقا من وثائق خاصة و من التاريخ الشفهي..
صرخة المصابيح إتلاف التراث القديم من المتاحف المغربية وتهريبها للخارج طمس الهوية التاريخية للمغرب البحث في تاريخ المغرب انطلاقا من تراثه وتحفه النادرة
شجرات وخرائط بحث البطل (فحص الخالدي) عن شجرة عائلة زوجته شادية اهتمام البطل بتاريخ المنطقة انطلاقا من تاريخ عائلة البحث في التاريخ انطلاقا من الوثائق القديمة (الشجرة العائلية°
أقفاص قصة الاعتقال السياسي، و التحرر الذي يلزم حياة الأقفاص النفسية تاريخ النضال الطلابي وحركته المبنية على التحرر من القيود النفسية والاجتماعية في سنوات الرصاص البحث في تاريخ الانتفاضات المغربية خاصة ما كان بفعل الاتحاد الطلابي
ولعل القراءة السريعة لهذا الجدول تبني فرضية التنسيق المسبق الذي يسطره المبدع لتحقيق نتيجة التسلسل والتكثيف القوي لخاصية التاريخ، والحضور المكثف أيضا للذات المؤمنة بفكر المقاومة في شتى أشكالها وفي مختلف توجهاتها.
ثانيهما: سرد تاريخي، يشتغل على الحقائق التاريخية كما سطرتها الكتب والمؤلفات التي تهتم بهذا المجال، إلى جانب تاريخ لم يكتشف بعد وقد نبحث عنه من خلال:
الوثائق والشجرات والخرائط، وفي هذا المجال يؤكد حسن إمامي على ضرورة الانتقال إلى مصدر الحدث والتأريخ له بصورة موضوعية، وقد اختار له في رواية (قرية ابن السيد) حفيد الفقيه محمد بن مصطفى بن الشيخ الفقيه؛ الذي نعته الكاتب بصفة “سيدنا الفقيه العالم الكريم والشيخ الجليل”، فقد تكلف الحفيد بجمع الوثائق: “لقد عمل محمد على جمع كل الوثائق التي يمكنها أن تسجل ذاكرة القرية وما يرتبط بها.”
الوقائع التاريخية: التي يؤرَّخ لها من لدن المهتمين بالمجال، نذكر مثلا تاريخ الحركة الطلابية وما ترتب عنها من اعتقالات في صفوفهم في كثير من مدن المغرب. ثم سنوات الرصاص التي ألجمت العديد من الأفواه وأخرستها في زنازن تزمامرت وغيرها: “نهاية عقد السبعينيات من القرن العشرين، هي سنة 1979. غشت، شهر الهروب من اللهيب القاري، لكنه شهر انعقاد المؤتمر السادس عشر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب….” وقوله: “وصلتنا رسائل خفية أثبتت ما دار في قبة البرلمان. عززتها شهادات خارجية أثارت ملف الاعتقال السياسي وجحيم تازمامارت ونحن من سبق نقلهم إلى سجن مدني.”
التاريخ المكتوب: من خلال رواية بعض الأحداث المتعلقة بتاريخ المغرب كحديثه عن بعض فصول كتاب (الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس) لابن أبي زرع الفاسي، وما يتعلق برحلته التي ابتدأت مع تأليفه في العهد المريني في القرن الثامن الهجري نهاية سنة 786 ه، إلى جانب اشتغاله الأساس على المخطوطات باعتبارها سندا تاريخيا يؤسس الفعل التوثيقي لكثير من القضايا والبحوث الميدانية.
التأريخ الزمني: ويتحدد بتوثيق الوقائع بتواريخ مفصلة (اليوم الشهر والسنة)، ومن أمثلة ذلك نذكر؛
الدار البيضاء 26 يوليوز 2012
بعض المعاهدات والاتفاقات الدولية
الظهير الشريف
التعريف ببعض الشخصيات، شخصية جوزي تودا الفيلسوف الياباني
تاريخ الاعتقالات الطلابية
“يوم 23 في ثلاثاء أسبوع من سنة 2010 تحرك الهاتف الخلوي بدبدبته الكاتمة للصوت”
غير أن معاينة التواريخ وضعتنا أمام معضلة لن يفك شفرتها إلا الكاتب نفسه، إذ تم الوقوف عند تسجيل تاريخ يومي غير مضبوط وهو كما ورد ذكره في قوله:
“قبل أن يضرب لهم لقاء في الأسبوع الموالي لليوم الذي سيصادف الخميس 14 أكتوبر 2014.” غير أن البحث في اليومية كشف لنا أن هذا اليوم يصادف الثلاثاء وليس الخميس. فلو كان الأمر مقصودا لتعين علينا تأكيد أسبقية المؤلف في توليف التواريخ قبل تأليفها، بمعنى سحب البساط أمام القارئ ليتيه في خضم التواريخ المزيفة التي تثبت زيف بعض الوقائع التاريخية الرسمية، أما والأمر يتعلق بخطإ فذاك أمر لا يثير أي فضول أو تأويل.
2- الحكي الموازي، أو خيط الربط بين التاريخي والاجتماعي:
ما يمكن تسجيله حول الخيط الرابط بين الروايات الأربع (قرية ابن السيد- صرخة المصابيح- شجرات وخرائط- أقفاص) هو حضور بعض التيمات المتكررة، ونقصد بالتكرار إثارة قضايا اجتماعية بطريقة تكشف حضورها الفعلي في ذهن المبدع ونفسيته وشعوره أو لا شعوره. وهذا لا يعني بالضرورة عيشها بقدر ما يكشف تفكيرا مسبقا فيها أو استشرافها مستقبلا.
من بين ما ورد نذكر:
أولا: تيمة الحب الشرعي بين الأزواج، أو الحب المرتبط بالعلاقة المستمرة الغير الشرعية؛
– قرية ابن السيد: محمد بن المصطفى وسارة /سعيد وكلير (فتاة كندية) مشروع زواج.
– صرخة المصابيح: سعيد الحاكي ولبنى
– شجرات وخرائط: فحص الخالدي وشادية
– أقفاص: عمران ووفاء، وعمران مع نادية…
ثانيا: الفضاء المكاني المرتبط بأوربا:
قرية ابن السيد: محمد بن المصطفى/ فرانكفورت ألمانيا…
صرخة المصابيح: علي بن محمد / فرنسا
شجرات وخرائط: عائلة فحص الخالدي/ الإقامة في باريس
أقفاص/ السيد عمران/ الإقامة في إسبانيا و بمدينة برشلونة بحي (سانت بوا دي لوبركا)، وبباريس بفرنسا..
ثالثا: المشاكل الاجتماعية المرتبطة ببنية الأسرة المغربية ومحاولة اختراق القيود المضروبة بين الزوجين، كتحرر فحص الخالدي في نهاية المطاف بعد قرار انفصاله عن زوجته، وانفصال عمران عن زوجته نادية والارتباط بوفاء حبيبته الأولى التي توفي زوجها.
رابعا: البحث عن تاريخ الفرد والجماعة، الذي يولد صراعات اجتماعية بين ذوي الأرحام والقرابات..
وغيرها من التيمات التي شكلت حضورا قويا، وفعلا رمزيا يثبت النسج المسبق للكاتب، واستحضار المتلقي الذي يفك رموز هذا الترابط التاريخي والاجتماعي والنفسي بين فصوص الروايات، وفصوص الذات والمجتمع.
خامسا: حضور التفسير الفعلي للعنوان داخل المتن، ما يؤكد أيضا حسن اختيار عتبته الأولى ومقصدية الإبداع والتلقي.
قرية ابن السيد: الإشارة إلى سبب تسمية القرية بهذا الاسم: “فكان أن بقي التشجيع على استقطاب من يعلّم ويفقه في الدين ويؤم الناس في المسجد.. ولكن، لا نسيان لذكرى نور المكان المنير الفقيه السيد في هذه القرية: قرية (ابن السيد).”
صرخة المصابيح: “قد أتفق معك. لكن الإشباع للكتابة لا يكون عندي إلا مع إيفاء المكان حقه واستحضار تفاعلاته. ربما أحذف هذه الفقرات في كتابة صرخة المصابيح. ربما الصرخة هي للأمكنة إلى جانب التحف الفنية.” فحسن إمامي يركز على فعل السبق التأويلي للعنوان بشرحه في كثير من مواقف الرواية، وهو ما يشترك في كل الروايات مع اختلاف في الصيغة والسبيل الذي يشتغل عليه المؤلف لإيصال الفكرة. ففي هذا الحيز نلحظ استغراقه في تحديث صفحة الرواية بتخليق صفة الباحث عن العنوان المناسب للرواية، فيجعل الصرخة أكثر مناسبة للأمكنة، وأن التحف مبرر وجودي لفعل نبش التاريخ ونهشه.
شجرات وخرائط: ومما يمكن التركيز عليه في هذه الرواية، أن الخيط الرابط أثمر تواترا فعليا لحركة الخريطة التي تؤثثها الشجرة؛ والشجرة هنا تتوزع بين التعريف الحقيقي لها كونها نبات الأرض خاصة مع الشجرة/ الرمز في حديقة بيت فحص الخالدي، والشجرة/ البحث عن تاريخ أسرة الزوجة: “فما دام بحثنا في الشجرة وفروعها المتطورة وتوظيفاتها المتشعبة حياتيا، فلا بد له أن يجعل أساس غرسها أصيصا مغتنى به ومكتملا في مواصفات الرعاية لشجرة قد تكون في حجمها أكبر من إطاره.”
أقفاص:
نقف هنا قليلا لتحديد تعريف القفص كما جاء به حسن إمامي في روايته، حيث نؤكد أن القفص لم يثبت فعله باعتباره سجنا ماديا فقط، بقدر ما تجاوزه إلى فعل نفسي يعيشه الإنسان في حياته إثر كثير من القيود التي يسجُن بها نفسه، أو تتحرك دواليب الآخر لتفعيلها.
هناك القفص بمعناه اللغوي، ويظهر جليا من خلال اعتقال مجموعة الطلبة الذين خاضوا مظاهرات أو حركات أغضبت السلطات، كالحبس الانفرادي الذي حكم عليه به فأقام سبع سنوات عجاف،
ثم الانتقال إلى سجن ثان أكثر رحمة؛ لكن القيد النفسي أثر بشكل واضح على سير حياته. يقول حسن إمامي في هذا الصدد: “رغم أنني لم أستسغ وجود جهاز مراقبة على مشاعري لم أجد بديلا أفضل. راسلتُ أسرتي الصغيرة بالبلدة، وراسلت وفاء. تلقيتُ جوابا وردا من الأولى، بينما لم يأت خبر عن الثانية، أقواس جديدة فتحت داخل هذه الأقفاص التي أعيش فيها.”
القفص الذهبي؛ بيت الزوجية، الذي رأى فيه قيدا تحرر منه فعليا حينما قرر عمران الانفصال عن نادية رغم تعلقه بها: “قبَّلها ومسح دمعة ساخنة بشفتيه… حرية جديدة وتحليق جديد. هكذا رفرف في دواخله همس بطاقة جديدة يحتاجها لعيش ما تبقى له من هذا العمر.” وهي ضرورية ليعيش هذا الفضاء الزماني والمكاني، وينعم بالحرية من القفص الصدئ أو القفص الذهبي: “عزوبية جديدة هي، لكنها ضرورية لكي يعيش بهذا الارتياح. لقد عاش القفص الصدئ وعاش القفص الذهبي.”
قفص المدينة والوطن، إذ اختار العيش بعيدا عن وطنه متحررا من كل القيود التي رآها كاتمة لصوت الكلمة والتعبير، وخافضا رتبة الزمان والمكان: “ربما هو حلم شعري ومتخيل يحلق به من جديد كنورس كل مرة في فضاء.”
القفص الفكري؛ فنسجل اعتراض السيد عمران على استغلال ملف حقوق الإنسان ضد الشعب الفلسطيني، فكانت ردة فعل كبيرة جعلته “يستقيل من مهامه الرسمية ويعيش حريته كمثقف وأديب.”
القيد الزماني والمكاني، وقد اعتبر عمران تحرره الفكري تحررا من “المكان والمؤسسات” فعاش بالديار الإسبانية ثم الفرنسية حالة الشرعية بإقامة ثقافية ومشاركة فعلية في الأنشطة واللقاءات التي تؤسس لفعل التحرر والعودة للقيد الاختياري التطوعي بالارتباط بوفاء الحب القديم: “وزن الحرية الذي رأى به عمران بن يوسف موجة وروح السيدة وفاء، زادته فرنسا سحرا وفك ارتباط بهواجس أفكار تملّكته وقيدته كثيرا.”
حضور القفص في عتبة الغلاف، وفي سطور المسرحية التي أخرجها عزيز زكرياء، والتي أضاف إليها السيد عمران مشهد الأقفاص: “ربما هي البيان الأخير والفصل الأخير الذي سيتضمن رحلة النورس في البحث عن الحرية والتخلص من أغلال الأقفاص. سيتلقى بعد أيام ردا إلكترونيا يتضمن تصورا لمشهد جديد ينضاف إلى المسرحية دائما.”
قبل غلق صفحة رواية أقفاص وما تتميز به من خصوصيات الإبداع، نقف وقفة قصيرة عند دلالة الرقم (سبعة) وحضوره الفعلي القوي في ثنايا الأحداث، ونؤكد مقصدية الكاتب في هذا الحيز إذ يختار هذا الرقم وما يكسبه من مرجعية صوفية، لا مجال للتفصيل فيها، ورؤية ثاقبة للمرجعية القرآنية من خلال قصة يوسف عليه السلام. وقد استدرك الكاتب عدم تحقق رقم 7 في معادلة رياضية أثبت قولنا السابق. يقول في إحدى فقرات الرواية: “قفص الحياة الخارجية: ثلاث عشرة سنة، أربع عشرة إلا واحدة. وقع الاستثناء ولكن لم تكتمل السبع التي تحدث البركة في الذكر.”
خلاصة:
تبقى القراءة الحالية مجرد تساؤلات تنتظر البحث والتنقيب، ما دام المبدع ذاته وقف الموقف نفسه في نهاية أغلب رواياته. وقد استغل كذلك فضاء الإبداع ولغة المثقف الواعي الملتزم بدوره في تحقيق التواصل مع القارئ سواء بسرد الحدث والاعتماد على الميتاسرد الذي يفبرك الرواية ويجعلها بين يدي القارئ الذي يواصل فعل الكتابة؛ أم بفعل التأريخ اليومي والتواصل بالمتلقي عن طريق اللقاءات والندوات والملتقيات…
فكرة التأريخ وحضور التاريخ في الرواية المغربية، والاشتغال على الوقائع التاريخية إما كونها حقيقة لا مفر منها أو باعتبارها محطات تستوجب إعادة النطر، أو بتغليط القارئ أو خلق وقائع تاريخية متخيلة… كلها سبل تستوجب الوقوف في محطات أكثر عمقا.
27 ربيع الثاني 1438 الموافق لـ26 يناير 2017.