كاهنة عباس - الأنا التائه..

هذا " الأنا ".
هذا " الأنا "، خرج عن طوعي، تجاوزني ألما وانتشاء، تقلصا واتساعا ، وابتدع لنفسه لغة أخرى وعالما لا يشبهني ولا يشبه ما كنت عليه من ذي قبل .
هذا " الأنا" ،توزع ، تشتت، وامتد ليطال الصباحات المشرقة و الليالي المضاءة ،
هذا " الأنا"، تحول إلى دروب عرفناها، وقرى كنا قد زرناها ومدنا سكناها ،
هذا " الأنا"، شردني وتوزع خارج عني لا انفصاما أو جنونا، لا طموحا أو رغبة بل إنه انشق عني بفعل المحبة .
كلما لاحقته ازداد غيابا ، ازداد ولها وانسلاخا ، ازداد تمردا وهو ينسج من ضياعه خياما أخرى .
هذا " الأنا"، بات يرى المحبوب ولا يراني، يعرفه ولا يعرفني ، يفكر فيه ولا يفكر بي ، أصبح غريبا عن كيانه، يبحث عن نفسه في صورة أخرى وبقعة أخرى وكيان غير كيانه ليؤلف حكاية حبه .
حتى، كأني به يلتقي بالبحر وينسجم مع امتداده ، ويسرح مع سحب السماء ، وكالطير يحلق بعيدا عني ، لا يشعر بالوقت إلا من حيث أنه انتظار أو لقاء .
هذا "الأنا" ،شردني ،بددني وتنكر لابتسامتي ، وحرم علي النوم والراحة وهجرني مسافرا هناك، حيث لا أدري .
هذا "الأنا"، أمسى يدرك لغة الورد ويعيد رسم خريطة العالم بحبر وجده ، هو لا يسمع غير موسيقاه ولا يفقه غير فيض مشاعره، إنه يرقص ثم يبكي يرقص ثم يبكي، لأن الفرح لديه قد امتزج بالألم دون تمييز أو تفرقة.
يغني عذابه ثم يصلي، عسى أن يتحرر من سلطة المحبوب عليه ، سجين وتائه ، قد وهب كل نفسه لغيره ولم يترك ما يقيه قسوة الخيبة والوجع والغدر .
هذا " الأنا"، كان قد ابتلى بعمى الحب ، فكان لا ينام ولا يصحو ،حتى باتت له القدرة على فهم كل اللغات والإشارات والعبارات والكلمات والحركات .
لقد أدرك قبل نهاية الرحلة، أن الحب سنة وشريعة تسكن الأرض شبرا شبرا وكل الكائنات الصغيرة منها والكبيرة والحيوانات الوحشية منها و الأليفة ، فكل ما يولد،يولد بفعل المحبة.
هذا " الأنا"، أدرك أنه عاش انفتاحا توغلا داخل نفسه ،بفضلهما أدرك أفق أخرى تتجاوز مرآته الصغيرة حتى كأني به يتوحد بما هو أكبر وأعظم وأشمل .
هذا " الأنا "،كلما فاض عطاء، كلما أحاط به النور من كل جهة وجانب ، بات جامعا للمتناقضات مفتونا بالماء والنار ، يرى فيهما الطاقة التي تطهره من وجع الوحدة والحرمان، يدب في أوصاله الجمال ، كل الجمال ، فيصبو بحبه إلى الأقصى، إلى الأعالي، إلى قمة القمم، وتنصهر فيه الشهوة كالشمعة فتضيء جوهر ذاته .
هذا " الأنا" ، بات يطوف بالحب الذي يسكنه دورانا ذوبانا توحدا حتى الفناء، تأخذه الغيبوبة خارج نفسه ، ليكتشف حركة العالم وانسجامه، ويصبح أكثر انتباها لموسيقاه الخفية .
فلم يكن المحبوب سوى صورة ، كان خلفها باب ،ما إن فتح حتى بانت للانا مرآة تعكس نقطة صغيرة هي في الحقيقة ذاته التائهة في أفق لا حد لها .
هذا " الأنا "، بات مكتفيا بما علم ، يرى في جرحه مسارا ، إشارة لاسمه الجديد بعد اعتناقه ديانة الحب وقد اكتشف أنه حرف ضائع في مدى أوسع يرقبه ويرعاه .
هذا " الأنا" ، لم يعد إلى ما كان عليه قبل التجربة ، بعد أن تاه في صحراء شرقية مقفرة ليواجه العواصف الهوجاء، كان يزيحها بكلتا يديه ويتقدم مقتفيا أثر المسيح والحلاج ، والريح قائمة والصحراء خالية والرمال مبعثرة تنشر الغبار وتجعل الرؤية أكثر ضبابية .
وهذا " الأنا "، مصر على إتباع أو هكذا تراءى له، أثر المسيح والحلاج ،عسى أن يفقه ما لم يتبين له بعد ،فهل توضحت له الطريق وأتيحت له فرصة معرفة نفسه أم أنه تاه من جديد؟ لا أدري ..........

كاهنة عباس
التفاعلات: خليل محمد حسين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...