ولا عَليْك: عبارةٌ نسْمعها دائما ولا تبقى حبيسة آذننا ولو كانت صمَّاء، بل تنْزِلُ إلى الصدور كما تنزل الرحمة بالسكينة على الموتى، وإذا لم تُحْيِ سامعها فهي لا تُمِيت!
ما أكثر العبارات المَسْكوكة بمِطْرقة اللِّسان في دارجِنا اليومي، تكون وليدة حالات إنسانية ونداءاتٍ من صُلْب الواقع تحتاج إلى صيغة بليغة للتعبير، لكن بعض العبارات تتجاوز في بعدها التواصلي وظيفتها من حيث الدلالة والمعنى، لتُجسِّد مواقف بشريَّة تتراوح في سُخريتها بين الجِد والهزْل، فلا نعرف هل نُصدِّق مضمون العبارة أم صاحبها الذي يتوسَّل بسياستها في لحظة ضغْطٍ كمنْ يريد التخلُّص من حصار، ولا عليْك، واحدة فقط من الأمراض اللسانية المُسْتشْرية التي لم تكتف بتأجيل أحلام الأفراد في عيش دون قهر اجتماعي، بل جعلت كل البلد مُؤجَّلا في ترتيبه الأخير وهو يُخْلِف من حيث التغيير موعده مع أكبر الثورات!
ولا عليْك: كلمة طيِّبة ولكن أغلب من يتفوَّه بمسْكها العَطِر هذه الأيام ليسوا في مثل طيبتها، إنَّما الغرض أن يجعلوك راقداً في الغرور، فلا تكاد تلتفت منصرفاً وقد اطمأنَّتِ النَّفس بهذه العبارة التي عزفت على أرقِّ وتر، حتى يلتفتوا عنك وقد قضوا من الثِّقة العمْياء الوطَر!
ولاعليْك: تسْمعُها في كل الإدارات وأنت تدْفع الأوراق غير مدسوسةٍ بأوراق قمينةٍ بمبالغها المُحْترمة أن تجعلك مُحترماً، تسمعها وأنت تدفع طلباً غير مشفوع بوساطات من الإنس أو الجن لمن يسخِّر أحجبة لاستِجْلاب القبُول، تسمع: ولا عليك فتمضي دائخاً بخَدرِها الجميل أدراج السراب، ويمضي معك آلاف المواطنين في اليوم لا يملكون إلا عزاءها الكاذب، ولا أعجب إلا للحكومات المُتعاقبة على المقاليد في بلادنا وهي تعاني بحثا عن حلول تفرِّج من كُرْبة أزماتنا المُدْقِعة، بينما الحل كل الحل مهما استعصى المُشْكل يوجد في: ولا عليْك!
ولا عليك: أسْمعُها من صديقي الحميم، فأعْلم أنه يؤجِّلني، وبسببها لأنَّه خذلني أفقد صداقته للأبد، ومع ذلك لا يمكن الاستهانة بهذه العبارة لمن يُجيد استعمالها في المَقْتل المناسب، فبوعودها الكاذبة في التنمية ضمنَّا توازننا النفسي ولا يهم إذا اختل توازننا الاقتصادي المهم استقرار البلد، لا يمكن العيش دون ولا عليك، فهي الحُقْنة التي تبثُّ راحة نفسية تكفي الفرد طيلة اليوم، وثمة من يتحلَّى بنوايا حسنة قد تكفيه حين يسمعها مرة واحدة لبقية العمر، أما من لم يتعوَّد على الصَّدمات في الأجواء المُكَهْربة فقد تُعجِّل في وفاته، قلْ لي ولا عليك فأنا مقطوع من أفيونها والصيدليات لا تبيعها كباقي الحبوب الممنوعة، ولن يحظى بدوائها الهشِّ الذي يذوب على طرف اللسان إلا من دبَّج له الطبيب في ورقة الدواء: ولا عليْك!
من قال إن الشَّعْب تنْخُره في الفؤاد أزمة ثقة من السياسات الاسْتِشرافية التي تُدبِّر مُسْتقبله وتنسى أنَّه طالبُ مَعاشه في الحاضر، وأنَّ ما يشْقى لأجله نهارا يصْرف دراهمه المعدودات في الليل دون احتساب وجبة العشاء، فهي في خفَّتها بين الوجود والعدم وتقي من السُّمنة، من ادَّعى أنَّ هذه السياسات التي تتخذ مِن ولا عليك مرجعية دون أدب أوعلوم، تزعزع ثقة الأنفس في الذي مضى وفي ما هو آتٍ فلا يتبقَّى بين الأنقاض إلا الغضب، أمَا كان أجْدر أن نلتقط الإشارات في خُطب الزُّعماء فما خلقهم الله لنا إلا ليصنعوا الأمل، ورغم أن هذه الخُطب في معدنها النَّفيس من الصناعات الثقيلة ولو لمْ تشيِّد قناطر أو تُغْني من جوع، إلا أنها تقع في الأنْفس موقعا خفيفاً لطيفاً فلا تَكُفَّ لسانكَ عنْ: ولا عليك!
ولاعليك: قُلْها ومضْمِضْ بمائها الزُّلال فمكَ وأنت تتأهَّب بالوضوء للانفصال بالإيمان عن الشيطان، أو اطلق أحرفها في لسانك بالزغاريد فهي كفيلة بأنْ تجعل مأتمك عُرْساً، صحيح أن هذه العبارة الساخرة تُوقف كل المشاريع الصغيرة كما يقف الانتحاري في كل اللحظات التي لم يعِشْها بين الموت والحياة، ولكن لا تبتئس، فكما في كل بيت فلسطيني شهيد كذلك في كل بيت مغربي عاطل!
فقط تذكَّر واحذرْ، إذا سمعتَ أحدهم يلْهَج بعبارة ولا عليك، فاعلمْ أنَّك أضْحيتَ في مرمى لسانه كالكرة في قدم المُراوغ، وقريبا ستسْتقر في الشباك دون أن تحْرِز الهدفْ!
محمد بشكار
(افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" ليومه الخميس 24 أكتوبر 2019)
https://www.facebook.com/mohamed.bachkar.1/posts/10220073307244472
ما أكثر العبارات المَسْكوكة بمِطْرقة اللِّسان في دارجِنا اليومي، تكون وليدة حالات إنسانية ونداءاتٍ من صُلْب الواقع تحتاج إلى صيغة بليغة للتعبير، لكن بعض العبارات تتجاوز في بعدها التواصلي وظيفتها من حيث الدلالة والمعنى، لتُجسِّد مواقف بشريَّة تتراوح في سُخريتها بين الجِد والهزْل، فلا نعرف هل نُصدِّق مضمون العبارة أم صاحبها الذي يتوسَّل بسياستها في لحظة ضغْطٍ كمنْ يريد التخلُّص من حصار، ولا عليْك، واحدة فقط من الأمراض اللسانية المُسْتشْرية التي لم تكتف بتأجيل أحلام الأفراد في عيش دون قهر اجتماعي، بل جعلت كل البلد مُؤجَّلا في ترتيبه الأخير وهو يُخْلِف من حيث التغيير موعده مع أكبر الثورات!
ولا عليْك: كلمة طيِّبة ولكن أغلب من يتفوَّه بمسْكها العَطِر هذه الأيام ليسوا في مثل طيبتها، إنَّما الغرض أن يجعلوك راقداً في الغرور، فلا تكاد تلتفت منصرفاً وقد اطمأنَّتِ النَّفس بهذه العبارة التي عزفت على أرقِّ وتر، حتى يلتفتوا عنك وقد قضوا من الثِّقة العمْياء الوطَر!
ولاعليْك: تسْمعُها في كل الإدارات وأنت تدْفع الأوراق غير مدسوسةٍ بأوراق قمينةٍ بمبالغها المُحْترمة أن تجعلك مُحترماً، تسمعها وأنت تدفع طلباً غير مشفوع بوساطات من الإنس أو الجن لمن يسخِّر أحجبة لاستِجْلاب القبُول، تسمع: ولا عليك فتمضي دائخاً بخَدرِها الجميل أدراج السراب، ويمضي معك آلاف المواطنين في اليوم لا يملكون إلا عزاءها الكاذب، ولا أعجب إلا للحكومات المُتعاقبة على المقاليد في بلادنا وهي تعاني بحثا عن حلول تفرِّج من كُرْبة أزماتنا المُدْقِعة، بينما الحل كل الحل مهما استعصى المُشْكل يوجد في: ولا عليْك!
ولا عليك: أسْمعُها من صديقي الحميم، فأعْلم أنه يؤجِّلني، وبسببها لأنَّه خذلني أفقد صداقته للأبد، ومع ذلك لا يمكن الاستهانة بهذه العبارة لمن يُجيد استعمالها في المَقْتل المناسب، فبوعودها الكاذبة في التنمية ضمنَّا توازننا النفسي ولا يهم إذا اختل توازننا الاقتصادي المهم استقرار البلد، لا يمكن العيش دون ولا عليك، فهي الحُقْنة التي تبثُّ راحة نفسية تكفي الفرد طيلة اليوم، وثمة من يتحلَّى بنوايا حسنة قد تكفيه حين يسمعها مرة واحدة لبقية العمر، أما من لم يتعوَّد على الصَّدمات في الأجواء المُكَهْربة فقد تُعجِّل في وفاته، قلْ لي ولا عليك فأنا مقطوع من أفيونها والصيدليات لا تبيعها كباقي الحبوب الممنوعة، ولن يحظى بدوائها الهشِّ الذي يذوب على طرف اللسان إلا من دبَّج له الطبيب في ورقة الدواء: ولا عليْك!
من قال إن الشَّعْب تنْخُره في الفؤاد أزمة ثقة من السياسات الاسْتِشرافية التي تُدبِّر مُسْتقبله وتنسى أنَّه طالبُ مَعاشه في الحاضر، وأنَّ ما يشْقى لأجله نهارا يصْرف دراهمه المعدودات في الليل دون احتساب وجبة العشاء، فهي في خفَّتها بين الوجود والعدم وتقي من السُّمنة، من ادَّعى أنَّ هذه السياسات التي تتخذ مِن ولا عليك مرجعية دون أدب أوعلوم، تزعزع ثقة الأنفس في الذي مضى وفي ما هو آتٍ فلا يتبقَّى بين الأنقاض إلا الغضب، أمَا كان أجْدر أن نلتقط الإشارات في خُطب الزُّعماء فما خلقهم الله لنا إلا ليصنعوا الأمل، ورغم أن هذه الخُطب في معدنها النَّفيس من الصناعات الثقيلة ولو لمْ تشيِّد قناطر أو تُغْني من جوع، إلا أنها تقع في الأنْفس موقعا خفيفاً لطيفاً فلا تَكُفَّ لسانكَ عنْ: ولا عليك!
ولاعليك: قُلْها ومضْمِضْ بمائها الزُّلال فمكَ وأنت تتأهَّب بالوضوء للانفصال بالإيمان عن الشيطان، أو اطلق أحرفها في لسانك بالزغاريد فهي كفيلة بأنْ تجعل مأتمك عُرْساً، صحيح أن هذه العبارة الساخرة تُوقف كل المشاريع الصغيرة كما يقف الانتحاري في كل اللحظات التي لم يعِشْها بين الموت والحياة، ولكن لا تبتئس، فكما في كل بيت فلسطيني شهيد كذلك في كل بيت مغربي عاطل!
فقط تذكَّر واحذرْ، إذا سمعتَ أحدهم يلْهَج بعبارة ولا عليك، فاعلمْ أنَّك أضْحيتَ في مرمى لسانه كالكرة في قدم المُراوغ، وقريبا ستسْتقر في الشباك دون أن تحْرِز الهدفْ!
محمد بشكار
(افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" ليومه الخميس 24 أكتوبر 2019)
https://www.facebook.com/mohamed.bachkar.1/posts/10220073307244472