ضوء رمادي يتماوج، مثل دخان السجائر، يغلّف أشياء الحجرة، تضيع المعالم، لكنه يعرف مكان كل قطعة، شكلها ولونها، منذ كانت نظراته تميز الألوان. له مع الساعة الخامسة رباط مقدس، منذ زمن لا يدرك امتداده. يغلب على ظنه أنها الخامسة قرب الغروب، إذ لا تزال رواسب من ضوضاء الشارع تطنّ في فراغ رأسه، ولكن متى فتح هذا الكازينو الصاخب في صميم المنطقة السكنية؟ هل بلغ التسيّب إلى أن تمنح تراخيص الملاهي في مناطق العائلات المحترمة؟! مع هذا لا يعرف كيف وجد نفسه في حومة الرقص. وأنه كان مبتهجاً إذ يتحرك بخفّة شاب رياضي أصبح من ذكرياته الغابرة. كيف واتته العافية وتجاعيد يديه بادية وهو يشوّح بهما على أنغام الديسكو؟ على أيّ حال لم يطل به الأمر. توقف طوعيا في ناحية، وراح يرمق القاعة المكتظّة بمزيج من الامتنان والحسد. من موقعه النائي لمح بابي القاعة المتقابلين، كأنهما كوتان في جدار قلعة. في البداية لم يعرهما اهتمامًا، لكنه بالتكرار، لاحظ أنّ أفرادا يتقاطرون من إحدى الفتحتين، في إيقاع رتيب، داخلين إلى القاعة، إذا أشرف أحدهم رفع ساعديه، وحرك قدميه، وانخرط في الرقص محافظاً على توافق حركته مع الإيقاع المستمر، وعلى وجهه ملامح جدّية تناقض ما تصنع يداه وقدماه. حين دقق النظر في الفتحة المقابلة رأى أشخاصاً يتسللون خارجين، منسلخين عن طابور الرقص. كانت لحظة عجيبة: في ذروة الحماسة، وفوران الدم، وجلبة التصفيق والدق بالأقدام، تنادى أحدهم فتحة الخروج، على الفور تتدلى اليدان، وتهدأ الانفعالات، وتتجمد الخطوات، ثم يميل إلى جانب كسفينة جانحة، وفي لمحة يمر من الباب الضيق، ملقيا على القاعة نظرة منطفئة، لا تلمح فيها غير بريق الحسرة... ويستمر الرقص.
عجبا.. إذا كانت نظم البلدية أدركها التسيّب وسمحت بإقامة صالة للرقص بين البيوت فكيف سمح هو لنفسه بالمشاركة في عمل من أعمال الطيش؟! مع هذا كان جسده يهتز بالفرح، بشيء من نشوة المغامرة وكسر حاجز المراقبة. تحركت يده نحو فمه ليكتم ضحكة تترقرق بها معدته، توشك أن تصعد، لكنها لم تطاوعه.. سقطت في الطريق، أشرع عينيه دهشا. كانت يد رقية تمسك برسغه بين إصبعين ابتسمت في وجهه:
- نبضك باسم الله ما شاء الله، ولا شاب في العشرين.
امتعض قليلا، كان قلبه مشغولاً بحلقة الديسكو.
استأنفت:
- شاب في الثلاثين.. عشرة زيادة من أجلك!!
ابتسم بتحفظ، اعتدل قليلا، سارعت إلى وضع وسادة خلفه، قالت وهي تمسح جبينه:
- صباح النور على البنور... تحيتي المفضلة لا أرضى بها بديلاً.
- إنها الخامسة صباحا إذن؟!
- وهذا موعد برشامة الحديد.. يا حديد.
- لابدّ أنه قادم الآن، أخشى ما أخشاه أن الصالة أغلقت الطريق أمام انطلاقته.
هذيان الشيخوخة ليس غريبا علا طبيبة ممارسة مضى عليها في تنقية أوجاع الناس ربع قرن، لكنه - قبل كل شيء - والدها المحبوب. الذهب لا يتحول إلى تراب غير أنها لم تعرف هل توافقه أم تراجعه، الأمر يتوقف على نوعية القادم، لهذا قالت بعبارة محايدة:
- هل تظن ذلك حقا؟
- بكل تأكيد. خمسين سنة، خمسين سنة، لم يتخلف يوما عن الخامسة، دقات أقدامه ثابتة الإيقاع .. لماذا يتأخر اليوم؟
لم تفهم، كان لابد أن تقول شيئاً:
- لم ألاحظ ذلك يا أبي.
- أنت صغيرة، ومشغولة بعيالك، كان الله في عونك.. و.. لم تكن غرفتك على الشارع.
أمال رأسه لناحية، استجمع عضلات وجهه حول أذنيه، قال بجذل طفولي:
- هو ذا، ألم أقل لك إنه لا يمكن أن يتأخر. أيام الخدمة كنت أضبط ساعتي عليه!!
حاولت أن تستنتج، أن تتذكر ما سلف من حكاياته، حول المائدة، في السرير في ليالي الشتاء حيث تتلاقى الأقدام الدافئة تحت اللحاف، على رمال الشاطئ تحت الشمسية. لم تفلح. صمتها أغراه بالمعاودة:
- هو فعلا. بصراحة، أنا الآن مشغول جدا بالتفكير في هذا الأمر. لا تنزعجي إذا قلت لك إنني أريد أن أصل إلى كلمة نهائية في الموضوع. الحياة قصيرة، ولازم نحصل على يقين في أمور محددة.
- طبعا طبعا يا بابا (لطفك يارب، إلى أين يشرد وتسوقه هلوساته؟)
- ما يجذبني إليه إيقاعه الثابت الجميل.
استنتجت أنه شيء طيب يحبه، سارعت في إظهار تأييدها.
- ياه!! لم أكن أعرف أنك شغوف به إلى هذه الدرجة.
- ولم لا ؟! السجين يتعود قيوده. في الزمن الذي تولّى.. يا سلام.. آ.. قلت لي.
وسَّدَتْ يده إلى جانبه، أحكمت الغطاء، تململ كطفل مدلل.
- نعم يا نور عيني!
- لم أر زوجك اليوم.
- نوبتجي، بات في المستشفى.
أغمض عينيه، ابتسم، أضاف:
- والبلابل الموسيقية؟
- نائمون، فرصة، المدرسة عطلة، فيها لجنة انتخاب.
ردّد مستهينا:
- انتخاب!! (تنهّد، استجمع فكره، دعك ذقنه برويّة) تعرفين يا رقية أحسن انتخاب حصل؟
- في مصر؟
- في أي مكان.
- لا أعرف.
- الانتخاب الطبيعى. هذا أحسن وأدق انتخاب في تاريخ البشرية.
اتسعت ابتسامتها، لم ينس مهنته القديمة، خريج زراعة عتيق، موجّه علوم غادر مكتبه في الوزارة منذ ربع قرن. لم تدر كيف تقول. فتحت زجاجة الكبسول، قدمت إليه كبسولة سوداء طويلة، وأخرى بيضاء مستديرة، أشار إلى كوب الماء، ضحكت بصوت لتبدّد صمت الغرفة، قالت وهي تشعر أن كلماتها زائدة عن الحاجة، لكنه كلام والسلام:
- برشام لتنشيط الذاكرة وأنسى تقديم الماء معه!! أنا أحق به منك.
قال مباهيا عن اقتناع:
- أنا ذاكرتي حديد، أحمد الله عليها، أنا.. أنا.. طفولتي أراها الآن أمامي، كأنني لا أزال فيها، صدقيني، يخيّل لي أحيانا أنني أستطيع ركوب الدراجة ويداي في الهواء!! ضحك، ضحك حتى سعل. وضحكت رقية حتى دمعت عيناها.
بذلت جهدا أن تتذكر أمرا آخر مما كان يتحدثان فيه لتعيده إليه، فلم تكتشف كيف بدأ الكلام. أنقذها جرس الباب ودخول زوجها الذي اتجه فورا إلى الغرفة المضاءة، استهلّ بضوضاء محسوبة:
- ما شاء الله، عيني عليك باردة، شاب ولا في... السبعين!!
ارتفعت معنوياته، اتجهت عيناه إليه في انتقال سريع كأنما كان يدّخر كلامه حتى يلقاه.
- اسمع يا خليفة يا ابني، تاقت نفسي إلى صلاة الفجر في الجامع، سأفعلها.. غدا، فاهم!! سأفعلها.
بدون تردّد:
- فاهم، فاهم ياعميّ.
اتجهت إليه عينا زوجته محذرة من مغبّة المجاراة، لكنه استمرّ:
- هذه الرغبة دليل القوة الكامنة، وقدرة الجسد محكومة أصلا بحيوية الروح، ربنا يزيد إيمانك.
- هذا رأيي..
استعدّت رقية لإبداء مخاوفها، همس إليها زوجها:
- من هنا لبكرة تفرج، ووالدك في وضع لم يعد يضره فيه شيء. اتركيه يحقق أي رغبة ممكنة، هذا ما بقي له.
قالها بثقة علمية باردة، وتقدم لجسّ النبض، قال فور ملامسة الرسغ النحيل:
- ما شاء الله، ولا الحصان.
استردّ وعيه الحاد بمطلبه الذي يتراءى له ويختفى كالسراب، تأوّه من شيء غامض يضنيه. ردّد كأنه يملي؟
- الحصان.. الحصان.
أغمض عينيه، استسلم لدفء الفراش وهجمة النعاس. انسحب الزوجان برفق.
حين سمع أذان الفجر استنفر تصميمه المؤجل منذ زمن لا يدريه، توضأ بالماء الدافئ، احتاط بعباءة الصوف، مشى على أطراف أصابعه، وقف خلف الإمام وصلى بوقار من يستأذن للدخول إلى منطقة محميّة ترصدها شواخص لا يراها. خرج، اقترب من باب بيته، جلس على مقعد حجري مستندًا إلى جذع شجرة، حين اقترب الإيقاع النشط وقف، أشار بيده، أوقف العربجي حصانه دون صياح يخدش صمت الصباح الباكر.
- أي خدمة؟
- عندي سؤال:
أقصى الدهشة، لكن، فليكن، ربما هي مقدمة إلى لقمة حلال:
- خير يا حاج ..
- أنا صاحب هذه الشقة (التفت إلى خلفه وأشار إلى فوق) أسمع خطوات حصانك هذا منذ خمسين سنة .. لم يهتد الرجل إلى موضع، فقال:
- ربنا يعطيك الصحة.. وبعدين؟
استمرّ:
- في نفس الوقت بالضبط. هل تتفضل بالتفسير؟ زادت حيرة الشاب، ماذا يقول، أمعن في وجه الشيخ، تعاطف معه، صباح الفل إن شاء الله، الكلام الطيب حسنة. قال:
- بسيطة يا والدي.. أنت تسمع الصوت خمسين سنة كما قلت..
- تمام..
- من خمسين سنة كانت عربة غير العربة، يركبها والدي، وتجرها فرس، هي جدّة هذا المهر.
أنهى كلامه وفرقع بكرباجه في الفضاء، تحركت العربة، وانتظم إيقاع الأقدام، تجدد لديه دافع يكن، فارتفع صوته بالغناء.
محمد حسن عبدالله
عجبا.. إذا كانت نظم البلدية أدركها التسيّب وسمحت بإقامة صالة للرقص بين البيوت فكيف سمح هو لنفسه بالمشاركة في عمل من أعمال الطيش؟! مع هذا كان جسده يهتز بالفرح، بشيء من نشوة المغامرة وكسر حاجز المراقبة. تحركت يده نحو فمه ليكتم ضحكة تترقرق بها معدته، توشك أن تصعد، لكنها لم تطاوعه.. سقطت في الطريق، أشرع عينيه دهشا. كانت يد رقية تمسك برسغه بين إصبعين ابتسمت في وجهه:
- نبضك باسم الله ما شاء الله، ولا شاب في العشرين.
امتعض قليلا، كان قلبه مشغولاً بحلقة الديسكو.
استأنفت:
- شاب في الثلاثين.. عشرة زيادة من أجلك!!
ابتسم بتحفظ، اعتدل قليلا، سارعت إلى وضع وسادة خلفه، قالت وهي تمسح جبينه:
- صباح النور على البنور... تحيتي المفضلة لا أرضى بها بديلاً.
- إنها الخامسة صباحا إذن؟!
- وهذا موعد برشامة الحديد.. يا حديد.
- لابدّ أنه قادم الآن، أخشى ما أخشاه أن الصالة أغلقت الطريق أمام انطلاقته.
هذيان الشيخوخة ليس غريبا علا طبيبة ممارسة مضى عليها في تنقية أوجاع الناس ربع قرن، لكنه - قبل كل شيء - والدها المحبوب. الذهب لا يتحول إلى تراب غير أنها لم تعرف هل توافقه أم تراجعه، الأمر يتوقف على نوعية القادم، لهذا قالت بعبارة محايدة:
- هل تظن ذلك حقا؟
- بكل تأكيد. خمسين سنة، خمسين سنة، لم يتخلف يوما عن الخامسة، دقات أقدامه ثابتة الإيقاع .. لماذا يتأخر اليوم؟
لم تفهم، كان لابد أن تقول شيئاً:
- لم ألاحظ ذلك يا أبي.
- أنت صغيرة، ومشغولة بعيالك، كان الله في عونك.. و.. لم تكن غرفتك على الشارع.
أمال رأسه لناحية، استجمع عضلات وجهه حول أذنيه، قال بجذل طفولي:
- هو ذا، ألم أقل لك إنه لا يمكن أن يتأخر. أيام الخدمة كنت أضبط ساعتي عليه!!
حاولت أن تستنتج، أن تتذكر ما سلف من حكاياته، حول المائدة، في السرير في ليالي الشتاء حيث تتلاقى الأقدام الدافئة تحت اللحاف، على رمال الشاطئ تحت الشمسية. لم تفلح. صمتها أغراه بالمعاودة:
- هو فعلا. بصراحة، أنا الآن مشغول جدا بالتفكير في هذا الأمر. لا تنزعجي إذا قلت لك إنني أريد أن أصل إلى كلمة نهائية في الموضوع. الحياة قصيرة، ولازم نحصل على يقين في أمور محددة.
- طبعا طبعا يا بابا (لطفك يارب، إلى أين يشرد وتسوقه هلوساته؟)
- ما يجذبني إليه إيقاعه الثابت الجميل.
استنتجت أنه شيء طيب يحبه، سارعت في إظهار تأييدها.
- ياه!! لم أكن أعرف أنك شغوف به إلى هذه الدرجة.
- ولم لا ؟! السجين يتعود قيوده. في الزمن الذي تولّى.. يا سلام.. آ.. قلت لي.
وسَّدَتْ يده إلى جانبه، أحكمت الغطاء، تململ كطفل مدلل.
- نعم يا نور عيني!
- لم أر زوجك اليوم.
- نوبتجي، بات في المستشفى.
أغمض عينيه، ابتسم، أضاف:
- والبلابل الموسيقية؟
- نائمون، فرصة، المدرسة عطلة، فيها لجنة انتخاب.
ردّد مستهينا:
- انتخاب!! (تنهّد، استجمع فكره، دعك ذقنه برويّة) تعرفين يا رقية أحسن انتخاب حصل؟
- في مصر؟
- في أي مكان.
- لا أعرف.
- الانتخاب الطبيعى. هذا أحسن وأدق انتخاب في تاريخ البشرية.
اتسعت ابتسامتها، لم ينس مهنته القديمة، خريج زراعة عتيق، موجّه علوم غادر مكتبه في الوزارة منذ ربع قرن. لم تدر كيف تقول. فتحت زجاجة الكبسول، قدمت إليه كبسولة سوداء طويلة، وأخرى بيضاء مستديرة، أشار إلى كوب الماء، ضحكت بصوت لتبدّد صمت الغرفة، قالت وهي تشعر أن كلماتها زائدة عن الحاجة، لكنه كلام والسلام:
- برشام لتنشيط الذاكرة وأنسى تقديم الماء معه!! أنا أحق به منك.
قال مباهيا عن اقتناع:
- أنا ذاكرتي حديد، أحمد الله عليها، أنا.. أنا.. طفولتي أراها الآن أمامي، كأنني لا أزال فيها، صدقيني، يخيّل لي أحيانا أنني أستطيع ركوب الدراجة ويداي في الهواء!! ضحك، ضحك حتى سعل. وضحكت رقية حتى دمعت عيناها.
بذلت جهدا أن تتذكر أمرا آخر مما كان يتحدثان فيه لتعيده إليه، فلم تكتشف كيف بدأ الكلام. أنقذها جرس الباب ودخول زوجها الذي اتجه فورا إلى الغرفة المضاءة، استهلّ بضوضاء محسوبة:
- ما شاء الله، عيني عليك باردة، شاب ولا في... السبعين!!
ارتفعت معنوياته، اتجهت عيناه إليه في انتقال سريع كأنما كان يدّخر كلامه حتى يلقاه.
- اسمع يا خليفة يا ابني، تاقت نفسي إلى صلاة الفجر في الجامع، سأفعلها.. غدا، فاهم!! سأفعلها.
بدون تردّد:
- فاهم، فاهم ياعميّ.
اتجهت إليه عينا زوجته محذرة من مغبّة المجاراة، لكنه استمرّ:
- هذه الرغبة دليل القوة الكامنة، وقدرة الجسد محكومة أصلا بحيوية الروح، ربنا يزيد إيمانك.
- هذا رأيي..
استعدّت رقية لإبداء مخاوفها، همس إليها زوجها:
- من هنا لبكرة تفرج، ووالدك في وضع لم يعد يضره فيه شيء. اتركيه يحقق أي رغبة ممكنة، هذا ما بقي له.
قالها بثقة علمية باردة، وتقدم لجسّ النبض، قال فور ملامسة الرسغ النحيل:
- ما شاء الله، ولا الحصان.
استردّ وعيه الحاد بمطلبه الذي يتراءى له ويختفى كالسراب، تأوّه من شيء غامض يضنيه. ردّد كأنه يملي؟
- الحصان.. الحصان.
أغمض عينيه، استسلم لدفء الفراش وهجمة النعاس. انسحب الزوجان برفق.
حين سمع أذان الفجر استنفر تصميمه المؤجل منذ زمن لا يدريه، توضأ بالماء الدافئ، احتاط بعباءة الصوف، مشى على أطراف أصابعه، وقف خلف الإمام وصلى بوقار من يستأذن للدخول إلى منطقة محميّة ترصدها شواخص لا يراها. خرج، اقترب من باب بيته، جلس على مقعد حجري مستندًا إلى جذع شجرة، حين اقترب الإيقاع النشط وقف، أشار بيده، أوقف العربجي حصانه دون صياح يخدش صمت الصباح الباكر.
- أي خدمة؟
- عندي سؤال:
أقصى الدهشة، لكن، فليكن، ربما هي مقدمة إلى لقمة حلال:
- خير يا حاج ..
- أنا صاحب هذه الشقة (التفت إلى خلفه وأشار إلى فوق) أسمع خطوات حصانك هذا منذ خمسين سنة .. لم يهتد الرجل إلى موضع، فقال:
- ربنا يعطيك الصحة.. وبعدين؟
استمرّ:
- في نفس الوقت بالضبط. هل تتفضل بالتفسير؟ زادت حيرة الشاب، ماذا يقول، أمعن في وجه الشيخ، تعاطف معه، صباح الفل إن شاء الله، الكلام الطيب حسنة. قال:
- بسيطة يا والدي.. أنت تسمع الصوت خمسين سنة كما قلت..
- تمام..
- من خمسين سنة كانت عربة غير العربة، يركبها والدي، وتجرها فرس، هي جدّة هذا المهر.
أنهى كلامه وفرقع بكرباجه في الفضاء، تحركت العربة، وانتظم إيقاع الأقدام، تجدد لديه دافع يكن، فارتفع صوته بالغناء.
محمد حسن عبدالله