قرأت مرة في عمل روائي لسجين يحكي كيف كان يتدبر الزمن داخل زنزانته. و كيف كان يشغل تفكيره كي يظل داخل المنطق و التعقل. و هو من أجل ذلك، لم يكن يتوقف للحظة عن قياس مختلف الأبعاد لزنزانته. معتمدا في كل مرة وحدة قياس مختلفة، كراحة يده أو باطن قدمه أو أنامله و أظافره... و يعمد إلى اختبار ذاكرته بعمليات مختلفة. و كل هذا من أن أجل أن يحافظ على اللغة المشتركة التي تربطه بالأسوياء.
أنت أمضيت ثمانية عشرة سنة ليس خلف القضبان، و إنما وراء الحياة. ثمانية عشرة سنة تبدو كرقم صدمة حين يضع الإنسان صوب عينيه ذلك الزمن ككم عيش مجردا من كل ما يصنع تلون الأيام المجسد في لحظات الفرح و حرارة و لهيب الانتظارات و الرهانات، و الرغبة في ان يعشق الحياة أكثر. عشت عكس هذا بين فواجع الرفاق و الأنين الذي تخلفه الانتكاسات و إرق الانكسارات و مقاومة رغبة جلاد شاء أن يكتبك عبرة لمن ينظر إليه فاتحا عينيه.
ثمانية عشر سنة داخل مختبر ينساب فيه الزمن عكس مسار الحياة كأشرطة يدقق فيه محقق من خلال جعلها في أبطئ سرعة ممكنة، باحثا عن جزئيات في منتهى الصغر مرت بسرعة قد لا تثير انتباها.
ثمانية عشر سنة جردت فيها من كل شئ عدا ما هو محتبئ في قلاعك السرية التي تفشل من يحاول اقتحامها. و من ثم أتخيلك طوال ذلك الزمن جالسا و قد فتحت شرفتك على أنفاقك السرية، مسلطا مجهرك على خريطة المسالك الكثيفة التي خطها استعجالك و أنت تهرول نحو حلم كان يوما ما مستقبلا. و من ثم قد تكون المفارقة أن وجدت الرقعة تتغير كليا حين تصبح قمة الإنجاز هو أن تظل أنت هو أنت، ليس كمتطلع لكتابة عنوان للمستقبل، و إنما فقط ككائن ينتمي للحياة.
كان مطلوبا ان تعيد البناء بعد أن تهدم كل شئ. لكن صلابتك و صرامتك و أنت تستعيد و تحكي ما جرى تبدو فيه و كأنك تصف شيئا لم تكن فيه معنيا. فمن أهداك وصفة ذلك التجرد المحير و كأنك فيه لم يلفظك الجحيم؟
تغيب أشياء و تحضر أخرى، لكني أستحضرك في كل العمر الذي غيبت فيه جالسا القرفصاء تحت كوة تنساب عبرها روائح الأزمنة.تمر بك الوجوه. تستعيد الحوارات. تؤنب نفسك حينا بعد أن تنتبه لما فاتك الانتباه إليه. و تبتسم حينا حين تمدك وقائع على دليل فطنتك. تفعل ذلك و غيره من غير ان ترى افواهنا التي فتحها الإدهاش و الغرابة و ذلك السؤال ما إن كان العمالقة يقاسون بطول القامة، أم بالعزائم الفولاذية.
1
أنت أمضيت ثمانية عشرة سنة ليس خلف القضبان، و إنما وراء الحياة. ثمانية عشرة سنة تبدو كرقم صدمة حين يضع الإنسان صوب عينيه ذلك الزمن ككم عيش مجردا من كل ما يصنع تلون الأيام المجسد في لحظات الفرح و حرارة و لهيب الانتظارات و الرهانات، و الرغبة في ان يعشق الحياة أكثر. عشت عكس هذا بين فواجع الرفاق و الأنين الذي تخلفه الانتكاسات و إرق الانكسارات و مقاومة رغبة جلاد شاء أن يكتبك عبرة لمن ينظر إليه فاتحا عينيه.
ثمانية عشر سنة داخل مختبر ينساب فيه الزمن عكس مسار الحياة كأشرطة يدقق فيه محقق من خلال جعلها في أبطئ سرعة ممكنة، باحثا عن جزئيات في منتهى الصغر مرت بسرعة قد لا تثير انتباها.
ثمانية عشر سنة جردت فيها من كل شئ عدا ما هو محتبئ في قلاعك السرية التي تفشل من يحاول اقتحامها. و من ثم أتخيلك طوال ذلك الزمن جالسا و قد فتحت شرفتك على أنفاقك السرية، مسلطا مجهرك على خريطة المسالك الكثيفة التي خطها استعجالك و أنت تهرول نحو حلم كان يوما ما مستقبلا. و من ثم قد تكون المفارقة أن وجدت الرقعة تتغير كليا حين تصبح قمة الإنجاز هو أن تظل أنت هو أنت، ليس كمتطلع لكتابة عنوان للمستقبل، و إنما فقط ككائن ينتمي للحياة.
كان مطلوبا ان تعيد البناء بعد أن تهدم كل شئ. لكن صلابتك و صرامتك و أنت تستعيد و تحكي ما جرى تبدو فيه و كأنك تصف شيئا لم تكن فيه معنيا. فمن أهداك وصفة ذلك التجرد المحير و كأنك فيه لم يلفظك الجحيم؟
تغيب أشياء و تحضر أخرى، لكني أستحضرك في كل العمر الذي غيبت فيه جالسا القرفصاء تحت كوة تنساب عبرها روائح الأزمنة.تمر بك الوجوه. تستعيد الحوارات. تؤنب نفسك حينا بعد أن تنتبه لما فاتك الانتباه إليه. و تبتسم حينا حين تمدك وقائع على دليل فطنتك. تفعل ذلك و غيره من غير ان ترى افواهنا التي فتحها الإدهاش و الغرابة و ذلك السؤال ما إن كان العمالقة يقاسون بطول القامة، أم بالعزائم الفولاذية.
1