أمل الكردفاني/ هل أنا ضد الحب؟

هل انا ضد الحب؟
لا بالتأكيد...
لكن خبرتي بالحياة التي لا بأس بها جعلتني في مواجهة مذعورة من خبايا الحب..
الحب ما معناه؟ كسؤال يطرح للحصول على إجابة عقلانية ولكنها مرفوضة من الجميع..اولئك الباحثين عن المثالية..
مع ذلك فهذه الإجابة اللا عقلانية هي التي بإمكانها وحدها أن تمنح الانسان درعه الواقي من الأزمات التي تخلقها الإجابة المثالية أو الحالمة ، فهذه الأخيرة أي الازمات تنتج عن فيروس اللا علاقنية. واللا عقلانية هي مدار هذا العالم.
فهذا العالم مقسوم لقسمين:
أقلي عقلانية.
وأغلبية لا عقلانية.
الأقلية العقلانية هي التي تنتج مسلسل تركي عاطفي وتوزعه على الأغلبية اللا عقلانية وتربح منهم ملايين الدولارات.
لماذا يقضي شاب او شابة أكثر من ساعة ولمدة ثلاثين يوما وهو ينتظر عودة الحبيبة لحبيبها في المسلسل التركي؟
إنه/ها يتمثل نفسه داخل القصة ، يحلم بالحبيبة ذاتها. ويعتقد أنه البطل.. هو ليس مجنونا لكن ذلك الجزء اللا عقلاني يجعله متلذذا بذلك الخيال. فلنتحيل بطلا مسلسل وهما فتاة قبيحة جدا وشاب قبيح جدا. يمكن لهذا المسلسل ان ينجح في حالة واحدة فقط !! وهي أن يكون كوميدي. بمرور الوقت ستنشأ رابطة عاطفية بين البطلين وبين المشاهد. لكنها ستظل في ذلك الإطار الإنساني. لذلك فالقلة العقلانية لا يمكنها أن تجازف وتخاطب جانبا غائما لا يمكن المراهنة عليه طويلا ؛ لذلك هم ينفقون الملايين على ممثلة جاذبة بجمالها وشاب جاذب بوسامته..لأن المشاهد الذكر سيضع نفسه موضع البطل والمشاهدة الأنثى ستضع نفسها موضع البطلة.. هنا ينتقل التفاعل من الموضوع إلى الذات... فالقصة لا تعني بطلا وبطلة مفارقين بل تعني المشاهد البطل والمشاهدة البطلة. وهنا تمد القلة العقلانية يدها وتسرق جيب المشاهد...الجيب الذي لا يسرقه المسلسل وحده بل الدعايات التجارية التي تمارس هي بدورها اللعب على وتر الفرد كذات وتدمجه بالسلعة...
أتذكر أن أحد أصحاب المدارس الإسلامية الضخمة عندنا كان ابنه يدرس في مدارس بريطانية ، وهذا هو الذكاء.. اللعب على وتر الدين.
وهذا لا يختلف في شيء عن العاطفة اللا عقلانية تجاه القومية أو اللغة أو العرق...الخ...فلكلٍ هذه العواطف تجارها ولكلٍ مستهلكيها..لكلٍ أقلية ذكية ولكلٍ أغلبية مثالية ولا أقول حمقاء.
لذلك فالإجابة العقلانية على سؤال: ما هو الحب؟ هي التي ترفضها الأغلبية...لأن الحب (بتعريفه المثالي) يسمح لنا بالانغماس في الحزن العشقي...الحزن العشقي حتى في حالة وجود قبول من الطرف الآخر...لأن الإنسان لا يمكنه أن يستمتع بأي شيء معنوي بدون ألم...فالألم هو كالملح بالنسبة للطعام..وإلا كان كطعام المرضى في المستشفيات. إن أعظم السيمفونيات والمقطوعات الموسيقية السريعة والصاخبة لن تنال عظمتها من تلك السرعة والصخب فقط بل لابد أن تمتزج بلحن حزين بعيد يقبع خلف الواجهة...بل وفي أعظم حالات ابتهاج الإنسان فإنه يبكي...وكذلك الحب المثالي فهو يخفي وراءه دائما حزنا خفيا يستغله العقلانيون أفضل الاستغلال.
إننا نستطيع أن نخلص الحب من كل أسراره ولكنه حينها سيتعرى وسيتحول لهيكل كلب لا يفرح من يراه ولا من يشمه.
لكن كآبة الحب في حقيقته المثالية ضرورة إنسانية.. البارحة استمعت لمسرحية قوية من مسرحيات هنرك آبسن الكاتب النرويجي باسم بيت الدمية.. وآبسن من عباقرة المسرح العالمي...بيت الدمية تتحدث عن زوجين سعيدين ؛ الزوجة امرأة تضحك دائما ولا خبرة لها بالحياة..عندما مرض زوجها استدانت سراً من مراب لعلاجه ثم زارتها جارة قديمة كانت قد تزوجت من رجل غني لتعول اخوتها ثم توفي الزوج ولم يترك لها شيئا فعادت تبحث عن واسطة للعمل في البنك من زوج صديقتها الذي ترقى كمدير. تكشف الأحداث أن المرابي ذو الأخلاق السيئة يعمل تحت إمرة زوج المرأة في البنك والزوج قرر الاستغناء عنه لفساد أخلاقه فيستغل المرابي دينه على زوجة مديره ليبتز الزوجة ويدفعها لاجبار زوجها على عدم إقالته من الوظيفة. تنتهي المسرحية بأن الصديقة الأرملة لم تكن سوى حبيبة المرابي الذي كان مفلسا والذي ساءت أخلاقه بعد زواج حبيبته من الرجل الغني...ولما عادت له تلك الحبيبة ترك الربا وترك حتى دين زوجة مدير البنك ليعيش مع الحبيبة القديمة. في الوقت الذي اكتشفت فيه الزوجة أن زوجها المدير كان يخاف على سمعته أكثر من الخوف عليها فتقرر الانفصال عنه بعد حب وهمي استمر لأكثر من ثماني سنوات. وبالتالي فإن آبسن تحرك في اتجاهين متنافرين.. حب مثالي وحب عقلاني...ينتصر فيه الحب المثالي على الأول. ولا شك أن هذا النصر يسعد الغالبية اللا عقلانية...الغالبية التي بكت حينما اكتشفت أن انهيار المرابي الأخلاقي كان وراءه قلب جريح...لقد تحول المرابي في نظرها من انتهازي لبطل مهزوم..
لقد سعدت الغالبية بهذا الوهم وأنا أيضا سعدت به...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...