لمن يعتمد بما فيه الكفاية الرأى القائل بان علاقة القيمة بالحقيقة تعد احدى المشكلات المركزية للفلسفة كما تقدم نفسها اليوم ، وكما كانت – فى واقع الامر – دائما هكذا . اذا قيل بأن الحقيقة أو الكينونة الحقيقية بأنهما هدف التأمل ، هذا لأن المفترض دائما أن الحقيقة والقيمة هما فى التحليل الأخير شىء واحد أو على الاقل علاقة لا يمكن فصمها .
هنا تبدو المسلمة المتأصلة فى تفكيرنا . اننا نجد أن الحقيقة لاتطاق دون ارتقائها الى مجال القيمة ، بل وأيضا ، اننا نجد أن من الصعب للغاية التفكير فى القيمة دون اعطائها شكلا من أشكال الكينونة . ومن ثم اذا كان مركز الجاذبية للتفكير الفلسفى فى الآونة الاخيرة قد تم تحريكه -بوعى - من الكينونة الى القيمة ، هذا فقط لأن ما كان يفترض ضمنا صار معروفا بشكل واضح .
مع ذلك – كما سعيت لأظهر فى مقالة سا بقة " القيمة والوجود " "1" بدقة أن تفكيرنا فى الأسئلة الجوهرية لهذه المسائل فى الوقت الراهن غير متماسك ، عندما يكون من الممكن لنفس المفكر أن يقول – تقريبا – فى نفس الوقت – بأن القيمة موجودة وأن الوجود قيمة "2" . وانه – أى نفس المفكر – قد يكون فى الواقع مقدما التعبير عن هذه المسلمة التى يتعذر استئصالها من الفكر ، الا أنه كان بوسعه أن يدعى با لكاد المعقولية .
فالقيم حقيقية بمعنى ما والقليلون من ينكرون ذلك . سوا تم التعبير عن هذه القناعة فى تعبير جاف من برجماتى بالقول بأن "القيم موجودة مثل الصفات الاخرى ""3 " أو فى تصريحات أكثر حذرا مثل ، " الخير الذى يهدف اليه المرء يجب أن يكون معروفا لديه ، والا فانه لايستطيع أن يستهدفه أو ينوى ذاك، وتكون معرفته حاصلة على الحقيقة والوجود "4" او مرة أخرى ، يظل بصفة عامة أننا ، عندما تكون لدينا القيمة فبقد ر ماهى لدينا نكون حاصلين على الحقيقة ضمنا "5" . وفى كل حالة يكون الاقتناع هو نفسه . وتنشأ الصعوبات عندما نسعى الى توضيح الاقتناع وجعل تعبيرنا عنه واضحا . والآ ن يجب أن ننتقل الى هذه المهمة .
ان جزءا كبيرا من العمل الممهد لمثل هذا التعهد قد تم با لفعل . فالآراء المتناقضة عن علاقة القيمة بالحقيقة سبق الاشارة اليها فى مقالة سابقة ، وقد بدا أن ذلك يرجع الى حد كبير الى مراوغات فى مفهوم القيمة نفسه ويترتب على تعريفا ت القيمة بمصطلحا ت الصفة والعلاقة .وقد وجدنا أن القيمة بشكل نهائى ليست صفة ولاتقريرا للكينونة ، بل هى شكل فريد ومستقل للموضوعية . بهذه الاستنتاجات تختفى الصعوبات العديدة للمشكلة "6" .
لكن ما تم القيام به – فى أحسن الأحوال – هو جزء من العمل فحسب . اذا كان التناقض وعدم الاتساق اللذين شكونا منهما فيما سبق حقا يرجعان جزئيا الى الغموض فى مفهوم القيمة والتعريفا ت التى لايمكن الدفاع عنها ، فانها ليست أقل خطورة من الغموض فى مفهومى الوجود والحقيقة . فليس من قبيل الصدفة أنه – كما هو الحال فى أحد التصريحات التى اقتبست – أننا غالبا ما نفول " الحقيقى أو الموجود بمعنى ما " . فى هذا الاستعمال فى تقدير المحمولات الانطولوجية .
الجانب الأفضل من جرأة وحصافة الفيلسوف – بلا شك – سوف يدخل مجال المناقشة بحذر شديد ، الا أننى لا أرى كيف يمكن تجنب هذه المناقشة . وبالتالى سأحاول للاختصار قدر الامكان ، تصنيف وتحليل الافكار عن الوجود والحقيقة ، وأبدأ بمفهوم الوجود .
II
لقد وجدنا من المفيد بالفعل أن نفرق بين أ لآ راء " الأضيق نطاقا ولأوسع نطاقا " عن القيمة . وقد وجدنا مراوغة مماثلة فى مفهوم الوجود . بالنسبة للرأى الأضيق نطاقا نجد أن للوجود معنى واضح ومحدد . وقد ميز بشكل حاد عن الأشكال الاخرى المحتملة للكينونة ، مثل – على سبيل المثال – الحضور أو الجوهر . التقرير الزمنى شرط لا غنى عنه ، وهناك نوعان لا أكثر من الوجود ، فيزيقى وعقلى . والوجود بالنسبة للعقل والارادة يعد وجودا زائفا "7" .
وابالنسبة لوجهة النظر الاوسع نطاقا – من جهة أخرى – تم تصورها بتحرر أكثر بكثير . فهى قد تشمل – كما هو الحال – فى العرض الأخير لهذا الرأى "8" ، الوجود المباشر ، والوجود غير المباشر ( الفيزيقى والعقلى ) ، والوجود التمثيلى ، أو الحضور والوجود المنطقى او الصدق والوجود الحتمى ، أو وجود المعايير ، وقيم الارادة . بشكل عام تختلف فكرة الوجود – هنا – فى كل جانب عن مفاهيم النطاق الا ضيق ، لان النطاق الأوسع ينزل الوجود الى طايع هام لكل الموضوعا ت . فى قول أخير ، لكى نقول بان شيئا ما موجود فا نه يعد أمرا بلا معنى حتى يقال ما طريقة وجوده وبأى معنى كان موجودا .
ليس ضروريا أن نختار فى هذه المرحلة بين هذين الرأيين . ويكفى للاعتراف بهما أن نضع فى اعتبارنا أن مفهومنا فيما يخص علاقة القيمة بالوجود يجب أن يحدد بالضرورة من خلال الموافقة بوعى ، أو بدون وعى على أحد الرأيين . والآن دعونا ننظر فى مفهوم الحقيقة .
غالبا ما يستخدم مفهوم الوجود والحقيقة بالتبادل . ف "روبس" يؤكد"9" – على سبيل المثال – صراحة على أنه سوف يستخدمهما هكذا . ولكن – بالتأكيد – اذا كان مثل هذا الاجراء يفترض نظرية فلسفية كاملة ، فانه على الأقل يعنى المفهوم الأوسع نطاقا للوجود . ويكفى هنا ان نلاحظ اذا المرء وافق على الرأى الاضيق ، فيجب عليه ان يميز بين الوجود والحقيقة . هذا ، والعديد من الباحثين ، قد وجدوا أن من من الضرورى القيام بذلك ، قائلين بجوهر أوحضور ما لم يوجد بعد .
" حقيقة المستقبل الأصلى " يمكن أن أن تدعى بمعنى ما حقيقة بصرف النظر عن الوجود . نحن بالكاد نستطيع أن ننكر حدثا تم فى الماضى ، على الرغم من انه لم يعد موجودا . فقد كان وجوده لمرة واحدة قد منحه حقيقته . ولكن استقلاال علاقات الزمان والمكان يمكن أن تحمل أكثر من ذلك . موضوع المنضدة غير الموجودة بعد ، والتى لن تكون موجودة الآن ، والى الأبد بشكل جوهرى مختلف ، ودعونا نقول مثلا – بأن التشايه والاختلاف حاضران ، الا أنهما بطبيعة الحال لا وجود لهما ابدا . وهكذا اتسعت الحقيقة لتشمل – الى جانب الوجود بالمعنى الضيق –مفهوم الوجود المحتمل "10" .
مع ذلك فانه من المشكوك فيه ما اذا كان بوسعنا باستثناء التعسف تماما ، التوقف عند هذه المرحلة . يوجد الكثير ممن يرون ذلك دون انتهاك شعورنا بالحقيقة – اذا جاز التعبير – وليس بوسعنا أن نرفض أن يشمل ما يسمى بالحضور ، هكذا راى " كولب Kiilpe " "11" ، فقد وجد الحقيقى فى المباشر او الفورى – والذى فيه من ثم – الوجود والحضور قد تم تمييزهما . وهكذا أيضا رفض "ليسنج Lessing " ان ينكر الحقيقة فى الموضوعا ت الحاضرة ، مؤكدا على أنها لن تقوم بطلب المتعة – على سبيل المثال – حيث تكون موضوعات البهجة daseinsfreie Gegenstdnde " .
باعتبار نتيجة هذه الصعوبات بشكل جزئى ، وبالنبسة لأسباب أخرى سوف تبدو فى التتمة ، يوجد للحقيقة مفهوم ثالث ثابت بطريقة معقولة الى حد ما فى تاريخ الفكر ويختلف عن أى مما سبق بشكل حيوى . فى المقام الأول ، انه لا يعترف بأى من هذه الحدود . للحقيقة معنى لا يتحدد بأى من هذه التعريفات المتطلعة للوراء ، ولا مع اتخاذها كلها معا . بل هى بالأحرى – كما صاغها أحد الكتاب السمة التى تسهل للانسان والفيلسوف بالمثل الموضوعات التى تعزى اليها اهمية خاصة .
المديح مفهوم - قيمة لا ينفصل عن الفكرة . ولا يمكن استخدامه الا بشكل متحيز الا فى التناقض مع المثالى أو غير ذلك ، الذى يصير بذلك غير واقعى . ماتم تطبيقه الآن هو احداها ، والآن الى الاخرى ، لتعريفات الوجود المدروسة مع هذا التطبيق نسترشد دائما بمفهوم الأهمية . بدون هذه الاختلافات تنطبق الكينونة على كافة الموضوعات ايا كانت ، ولكن هذا المفهوم يصبح من ثم بلا معنى . ما هو مهم يعد جوهريا بالضرورة ، وما هو جوهرى يعد حقيقيا . أو كما تمت صياغته من قبل "ايوخين " Euchen " ففى التفكير النهائى تتطابق القيمة والحقيقة ، لأن الموضوع الاسمى لمثل هذا التامل هو الاساس الكلمل لقيمة الوجود فحسب " . بالاعتراف بدلالة القيمة غير المنفصلة عن الفكرة ، ياتى مفهوم اضافى لدرجات الحقيقة .
مع هذه المفاهيم المتباينة للوجود والحقيقة يكون القارىء بالطبع فى ألفة تامة . فهو يدرك انها – أى المفاهيم – لها نصيب كبير فى سبب التشوش فى نظرية القيمة وانها يجب أن تؤخذ بعين الاعتبا ر فى أى محاولة للتخلص من اربا ك الصعوبا ت التى تحدق بمشكلة الحقيقة والقيمة .
III
لقد قلنا الكثير على سبيل التمهيد . دعونا ننتقل الأن الى المشكلة نفسها . لقد تم وضعها أمامنا فى تصريحنا الأصلى عن المسلمة المتاصلة فى تفكيرنا . كما اننا نجد ان الحقيقة لاتطاق دون ارتقائها الى مجال القيمة ، أيضا نجد ان من المستحيل التفكير فى القيمة دون تضمنها للحقيقة ، او أنها هى نفسها ذات شكل من أشكال الكينونة . دعونا ننظر فى الجزء الثانى أولا. كما ذكرنا ، تنقسم مشكلتنا الى سؤالين محددين . وهما يشكلان على وجه التحديد المشكلتين الانطولوجيتين الأكثر جدلا للقيمة ، ونحن فى اجاباتنا على السؤالين اكثر تنافرا .
أول ما يمكن قوله هو على النحو الآتى . هل تعتمد القيمة على الحقيقة ؟ هل تفترض القيمة الحقيقة بشكل مسبق على هذا السؤال – كما هو معروف جيدا – تختلف الاجابات ، وهذا يتوقف على مفهوم الحقيقة المعتمد من قبل البعض – كما راينا – القيمة متوقعة فقط للموضوعات الحقيقية ( الموجودة او الممكنة الوجود) ، وبالنسبة للآ خرين اى موضوع – فحسب باعتباره موضوعا – قد يكون حاصلا على القيمة .
يتعلق السؤال الثانى ب "حقيقة " القيمة او القيم فى حد ذاتها . هل توجد قيم ؟ وهل هى حقيقية ؟هنا أيضا ـ تباينت الاجابات اعتمادا على مفهومى الوجود والحقيقة . وقد قيل بأن "ا "موجودة ، وان "ب " غير موجودة ولكن لديها حضورا . أما "ج " فليست موجودة وليست حاضرة ، الا أنها صحيحة ( صادقة ) فحسب .
كلا السؤالين قد اثيرا فى مقالاتنا السا بقة ، وبقدر ما ترتب على ذلك من استنتاجا ت عبر تحليلنا للقيمة ، بقدر ما ذكرا بالفعل . لقد كانا – أى السؤالين – مع ذلك مؤقتين على وجه التحديد بقدر ما كان مفهوما الحقيقة والوجود لا زالا بدون تحليل . من الضرورى بالتالى للتقدم بدراستنا خطوة ابعد من هذا . من ثم دعونا ننظر فى الجزء الأول من الافتراض بأن القيمة تفترض الحقيقة بشكل مسبق ، وأن لدينا قيمة ولدينا ضمنا الحقيقة .
ربما لم يكن ما يعنيه الافتراض المسبق أو الضمنى واضحا تماما . مع ذلك ، ربما لانبتعد كثيرا عن الخطأ اذا قلنا ان أى عنصر مفترض مسبقا ليس متضمنا فى الخبرة نفسها ولكن ما يظهر فى التحليل الابستمولوجى ليس مجرد تحليل سيكولوجى للخبرة . فى الواقع ، سواء كان هناك – حقا – معنى ابستمولوجى آخر للمصطلح غير المعنى المنطقى ، او ما اذا كانت جميع الحالات يمكن اختزالها الى علاقة منطقية للجزء بالكل ، فاننا قد نتركها غير محددة . على أى حال ، ان الرأى هنا هو ان التحليل ليس مجرد تحليل سيكولوجى . ومن ثم هل تفترض القيمة مسبقا وجود موضوعها .
البيان الككلاسيكى للموقف الايجابى هو – بطبيعة الحال – ل "مينونج " وأنا أعتبره صنع عهدا جديدا فى تحليل القيمة على الرغم من أنه ليس نهائيا ، كما سوف يظهر ذلك فى نقدنا . لقد ذكر صراحة فى الصياغة المبكرة للنظرية أن القيمة تفترض مسبقا وجود موضوعها ، أو فى شكلها السيكولوجى يفترض الشعور بالقيمة مسبقا الحكم الوجودى . وقد أوضح فى مكان آخر أن التصريح لا يمكن الابقاء عليه فى أى من الصياغتين . نحن هنا غير معنيين بالجانب السيكولوجى "13" . لمرحلة أكثر موضوعية للمشكلة قدمنا بالفعل اجابة سلبية فى مقال القيمة والوجود .ولكن بالنسبة لهدفنا الحالى يجب أن تمضى الحجة الى الامام .
بطبيعة الحال – الصحيح الآن ان أى موضوع لكى يكون ذا قيمة أو لكى يكون قيما – كما تفضل ( أو يحلو لك ) القول – يجب أن يكون بمعنى ما كينونة الموضوع . هذا صحيح الا أننا نعتبره قيمة ،سواء أننا أخذناه بالمعنى السيكولوجى أو اخذناه بالمعنى المنطقى . اذا أخذنا الوجود بالمعنى الأوسع فان الافتراض يكون صحيحا بلا شك ولكنه بلامعنى . الا أن هذا ليس هو المقصود . باتخاذ المعنى الاضيق – مع ذلك – يكون الوجود غير ضرورى بالتأكيد . وعدم امكانية الدفاع عن هذا الرأى معترف بها بصفة عامة ، حتى اننى ربما اعتذ ، عن العمل على هذه النقطة"14" .
بدون تكرار التحليل هنا يمكن القول بلا تردد أن هناك العديد من الحالات التى يدخل فيها الوجود فحسب باعتباره افتراضا . من ثم أليس من الممكن القول بأن الوجود المحتمل ، او الحقيقة بمعنى التعريف الضيق ، لاتزل موجودة كا فتراض مسبق ضرورى للقيمة ؟ . يفدم " مينونج " الكثير لمفهوم الامكانية "15" ولكن موقفه – حتى مع هذا التعديل – لا يمكن الحفاظ عليه . توجد عدة موضوعا ت توصف بأنها "مثالية " ولا يمكن أن يعزى اليها حتى الوجود الممكن ، ولكن يبدو من الصعب انكار قيمتها . ونحن قد نقسمها بشكل متميز الى فئتين : ( أ ) تلك التى بحكم طبيعتها لا يمكن أن توجد ( بالمعنى الضيق للمصطلح ) ، ولكن يمكن القول أنها حاضرة ، و (ب ) تلك التى لاوجود لها ولاحضور ، " الموضوعات المستحيلة " . دعونا ننظر فى الفئة الأولى .
فى الجدل ضد الوجود ، سواء الفعلى أو المحتمل ،باعتباره افتراضا مسبقا للقيمة ، أبدى "بيرى" رايه قائلا " أنا أميل الى ان 2+2 =4 " . والآن بالنسبة لى شخصيا بوسعى الا أجد معنى لهذا التصريح ، فالعبثية الكامنة فى شكل هذا التعبير تبدو كارثية لدج القيمة ب " الميل " و"عدم اليل " . ولكنها تكفى لاثارة المسأ لة .
اذا كانت دراساتنا السابقة صالحة يمكن أن تكون هناك اجابة واحدة فحسب على السؤال . الموضوعات الحاضرة المجردة قد تكون حاصلة على – بلا شك – على القيمة . ونحن نحتاج فقط الى تحميل نتائجها على هذه النقطة المحددة . وكما ذكرنا فى عرضنا لشمولية مقولة القيمة ، أن القيمة هى شكل مسبق للموضوعات فى حد ذاتها "16" . قيمة الموضوعات المجردة الحاضرة مفترضة . واظهار أن العلاقة " أفضل من " ليست قاصرة على الموضوعات الموجودة وأنها مفهومة ضمنا كذلك " 17 "
ومع ذلك هناك فئة أخرى من الموضوعات التى تطرح صعوبات خطيرة جدا . فى رأى سابق "18" قلت اننى أميل الى الاعتقاد بأن حتى عدم حضور الموضوع يعد ضروريا لقيمته . فى الواقع هذا متضمن فى مبدأ الشمولية لمقولة القيمة أيضا . لكن لعدة أسباب تعتبر الدراست التفصيلية لهذه النقطة ضرورية أيضا . ولأمر يتعلق بما تدعى " موضوعا ت مستحيلة " .
الأكثر لفتا للنظر واثارة للاهتمام من هذه الموضوعات ،المثل والمفاهيم المحددة والمنظمة ، اذا صح التعبير ، فى مجال التقويم الاخلاقى . " المثل " بصفة عامة لد يها خاصية أنها لم تكن ، لكن يجب أن تكون . والآن العديد – وربما أكثر – قد يكون لديه وجودا ممكنا ، ولكن من المؤكد أن بعضها ليس كذلك . وهى ما نسميه ب " الموضوعات المستحيلة " المتناقضة بطبيعتها . وهذا – على سبيل المثال – فان الموضوع الذى لايتغير ، أو السعادة الخالصة . ذلك موضوع لاشك فيه . وأنا قد أفكر فيه وأفهمه ، على الرغم من أننى لا أستطيع تصوره .
والآن قد يكون جيدا انه ليس الوحيد غير الموجود ، بل المستحيل . فمن الممكن احتوائه على تناقض فى بنيته الذاتية ، بل وهو يحتوى أيضا على دلالة القيمة التى لايمكن تجريدها . من هذه موضوعات السعادة المثالية التامة والتحقيق الكامل للذات ، ويبدو لى بلا معنى هذا القول – على الرغم من انها ( أى الموضوعات ) ليست كذلك – وفى الواقع لا يمكن أن تكون ( بأى معنى للوجود ) ولكنها يجب ان تكون "19" .
لكن ليس فقط المجال الأخلاقى الذى نجد فيه هذا الموقف . هناك توجد – على سبيل المثال – موضوعات مثل آلة عدم الاحتكاك ، والحركة الدائبة المتنقلة . المستحيلة على حد سوا ء ادراكيا أو منطقيا . وهى فى علاقة بموضوعا ت ممكنة ، وأن قيمة الأخير ترتبط بقيمة السابق . والعلم نفسه ملىء بموضوعات من هذا القبيل ، ومن هذه القصص الخيالية ، كم كان " فايهينجر Vaihinger" يطلق عليها . الكميات التخيلية والقليل ( الصغير ) بلا حدود ، والأثير المتصور على أنه سائل كامل أو الهلام التام هى أمثلة على ذلك .
لماذا أو كيف كان الأمر هكذا ولم يكن واضحا أيضا . وقد قدمت أسبا ب متبا ينة .بالنسبة للموضوعا ت المستحيلة فى العلوم فان التفسير البرجماتى ، مع مفهومه عن القيمة الوسيلية البحتة ، ربما لا يكون كافيا . وبالنسبة لما يسمى بالموضوعات المستحيلة فى الاخلاق والدين هى بالتأكيد ليست كما سوف نرى فى الوقت الحالى . كل مانحن معنيين به هنا هو بلا شك حقيقة أن الموضوعات المستحيلة قد تكون حاصلة على القيمة . قيمة الموضوع مستمرة حيث لا يمكن تفسير كينونة الموضوع باعتبارها وجودا أو وجودا محتملا ، أو امكانية منطقية .
بالنسبة للحقائق هناك الكثير . والآن لتأثيرها على " المسلمة المتأصلة " فى تفكيرنا التى بدأنا بها هل سوف نرسم الاستنتاج المتطرف ل "نيتشه " – على سبيل المثال – فى مجال الانفعال ، و"فايهينجر" فى مجال الفكر البارد ، وانه ليست هناك صلة ضرورية بين قيمة الموضوع وحقيقته ؟ الاستنتاج يبدو لا مفر منه . وحتى الان اعترف بأنه بالنسبة لى شخصيا ، لا يمكن أن أكون راضيا عن ذلك ، و امكانيته المنطقية .
من جهة أخرى أنا متاثر بحقيقة انه عندما تكون لدينا قيمة ، وبقدر حصولنا عليها يكون لدينا تضمين للحقيقة "21" . لأنه ليس الاهتمام فقط ، سيكولوجيا ، يعنى الافتراض المسبق للحقيقة أو افتراض الحقيقة ، و" التحيز تأيدا للحقيقة " – ان صح التعبير . والتحليل الجدلى لفكرة القيمة فى حد ذاتها يظهر أنها مفترضة مسبقا . وانه تكمن فى طبيعة القيمة ذاتها – وكما رأينا" 22" – فان وراء الموضوع المقوم هناك دائما موضوع آخر أكثر قيمة أو اقل قيمة ، وأن أى موضوعين معطيين يجب ان يكون أحدهما أكثر من الآخر .والآن نحن مضطرون وفقا لهذه الصيغة المسبقة للقيمة ، اذا كان لا يمكن تحقيق المسلمة ، فاننا سوف نكون فى عالم لا يطاق "23" .
لقد عبر " ليسنج " عن نفس النقطة "24" بقوله أن وجود القيمة ( موضوع القيمة ؟ ) هو ببداهة أفضل من عدم وجودها . يبدو أن هناك سؤالين مثارين من خلاا هذا التصريح . اذا كان هذا صحيحا ، فاما الحضور يجب ان يستهان به باعتباره شكلا من أشكال الوجود ( التى قال بها ليسنج ) ، او ان الموضوعا ت الخا لدة يجب ان تستبعد من مجال القيم ، وبالنسبة للوجود بالمعنى الاضيق لا ينطبق هذا عليه على الاطلاق . فى الواقع هناك العديد من الحالات التى يكون فيها وجود الموضوع المقوم أفضل من عدم وجوده ، ولكن هناك حالات ايضا يكون فيها وجود موضوع الكينونة مستحيلا ، هذا التعبير نفسه لا معنى له . ويبدو واضحا أن التصريح بصيغته الحالية غير صحيح .
ان ما نسجله حقا هو أن الافتراض المسبق المتأصل للحقيقة فى كل القيم . هذ ، وانا اعتبره اللب الحقيقى ل " الدليل الانطولوجى " ، والاحياء الدائم له سيكون من نوع اكذوبة (فضيحة ) من النوع الأكثر خطورة ،ان لم يكن فقط لأن الحقيقة التى يعبر عنها شىء كامن فى فكرة القيمة نفسها .
من ثم هنا ، جاء ارتباكنا الحقسقى بوعى القيمة ، ان لم يكن التناقض الانطولوجى الفعلى للقيمة . مواقف عديدة ممكنة هنا . يمكننا أن نقول مع " فايهينجر " أن هذه هى تراجيديا الفكر ، فالموضوعات الأكثر قيمة لا قيمة لها بشكل حقيقى . ومع " كانط " نحن قد نضيف الى عالم الكينونة كما هو معرف حتى الآن عالم " الحقيقة العملية " . او قد نلجأ فى النهاية الى اعادة تعريف وتحليل مفهوم الحقيقة نفسه . بالنسبة للظرف الحالى انا اترك الوضع كما هو عليه .
IV
لننتقل الآن الى سؤالنا المحدد الثانى الذى تأتى فيه المشكلات الانطولوجية فى المقدمة ، والذى يتجلى فيه تنافر تفكيرنا ذاته . هل القيمة موجودة ؟ وهل القيمة حقيقية ؟ ان لم اكن مخطئا فان التنافر ( عدم الاتساق ) يصل الى حده الأقصى هنا ، وبناءا على نفس الدراسة سيتبين أنه ناجم عن نفس الارتباك ( الخلط ) ، وينطوى على نفس التناقض الذى كشفت عنه دراسة السؤال السا بق .
نحن نجد صعوبة فى التفكير فى القيمة بدون تضمنها للحقيقة ، بل ونجد من الصعب بنفس القدر التفكير فى القيمة دون اعطائها شكلا من اشكال الكينونة . وردا على السؤال هل القيمة موجودة ؟ . قدمنا اجابة فى دراسات سا بقة ، وانا ما كان الجواب هنا ايضا مؤقتا فقط لأننا لم نحلل حتى الان مفهومى الوجود والحقيقة . دعونا نمضى بالدراسة خطوة الى الأمام .
هل القيم موجودة ؟ . الاجابا ت – كما رأينا – متنوعة ومتناقضة بما فيه الكفاية . " نعم بكل تاكيد " - هى اجابة واحدة – نعم هى موجودة اذا شعرنا بها . مثل الجاذبية والضغط والاصطدامات ، والوجود "25" . ومن جهة اخرى تماما ويشكل قاطع ، يقال بأن القيمة " هراء " . التساؤل عما اذا كانت القيم موجودة يبدو أنها بالنسبة ل " ريكارت " "26" كنوع من الصياغات صعبة الفهم فى الفكر الفلسفى .
مثل هذا الصراع فى الراى بمثابة اكذوبة تعادل فى رأيى ما لا حاجة اليه . ويعود الصارع جزئيا - بطبيعة الحال - الى الخلط بين القيمة والمقوم "27"، والخلاف حول ما اذا كانت القيمة صفة أو علاقة ، ولكن مصدر الخلاف النهائى هو المعنى الملتبس للوجود . لان من الواضح تماما أننا اذا أخذنا الوجود بمعنى التعريف الأوسع ، مثلما فعل " شيلدون " – على سبيل المثال – يمكننا القول – بالطبع – أن القيمة موجودة ، مثل كل شىء فى عا لم الموضوعا ت . لكن تصريحنا لامعنى له بشكل كلى حتى نقول كيف كانت موجودة .
من جهة أخرى – اذا نحن اعتبرناه با لمعنى الضيق ، الذى يبدو أن التفكير يتطلبه – فان القيمة لا يمكن أن توجد . الشعور بالقيمة موجود . والصفات المقومة تسمى أحيانا قيما ، وحضورا ، وكذلك علاقة القيمة بالموضوع . ولكن القيمة على هذا النحو ، صالحة بوضوح . والآن – بالتاكيد قد اتضح اعتبار الوجود بالمعنى الاوسع ، وللحد من تصريحنا بالقول أن القيمة موجودة بسبب الارادة ، او أن " لديها حتمية وجود" . ولكن فى الاحتفاظ بوجودها صعوبة لمواجهة اتهاما ت أولئك الذين يصرون على أن لدينا الأمر الذى حولها الى شبه وجود .
ولكن دعونا نكون واضحين تماما فى هذه المسألة . فى الواقع ، يوجد مبرر أكيد لهذه الطريقة الاخيرة من التحدث ، فلا يمكن ان يكون هناك ضررا عمليا فى القول بأن القيم موجودة عندما نعنى بذلك أن مشاعر معينة وعواطف واحتياجات موجودة . كما رأينا ، فى مناقشاتنا لموضوعية القيمة "28" انه ليس من الانصاف أن نسال ما اذا كانت هذه القيم ذات صلة بالشعور الانسانى ، او حقيقة موضوعية ، انها كلاهما . عند النظر فى الطبيعة الاجتماعية للتقويم ، فان التبادل بين الموضوعية والنسبية للشعور الانسانى يعد امرا غير سليم تماما .
ولكن من الواضح تماما أن سؤالا آخر يلوح هنا فى القضية . هل نستطيع بالمعنى الصحيح - لمعا نى هذه المصطلحا ت – الحديث عن " موضوعية القيمة " نفسها على انها موجودة .بهذه الصلاحية – بعيدا عن مصادر ما يجب ( الينبغية ) كشكل من أشكال الكينونة – وكوجود للارادة أو " حتمية وجود " ؟ . نحن لانستطيع – فيما اعتقد - بدون ازالة المعنى الواضح للوجود "29"واذا تحدثنا فلسفيا فبوسعنا – نادرا – أن نقول بأن القيمة موجودة ، وهناك القليل من الاسباب للقول بأن القيمة حاضرة ، اوعلاقة " القيمة بالذات " حاضرة . بالمعنى الدقيق للكلمة الحضور للارادة متناقض مثل الوجود للارادة . القيمة نفسها صالحة فحسب ، هذه هى موضوعيتها .
الاجابة عن المشكلة الثانية التى لدينا هى مثل تلك التى بداناها فى الحالة الأولى . من الصعب التفكير فى القيمة دون اعكطئها نوعا ما من الكينونة ، وما زالت المطالب الواضحة التى يجب ان نلبيها . يبدو أن الاستنتاج لامفر منه ، ولكن هنا أيضا اجد من المستحيل ، أكون راض عنه. ومن الوضح أن التناقض الانطولوجى للقيمة قد عاد فى شكل مختلف قليلا . " ريكارت " الذى ربما اضطلع بهذا الخط الاخير للفكر كان أكثر اتساقا من اى شخص آخر ، ويبدو انه يشعر بالقوة المطلقة للصعوبة . فهو يعترف بأنه " قد جرت العادة فى الفلسفه ان نستدعى اى مبدا سابق وبناءا عليه تاتى الفلسفة ، حقيقة" . وباعتبار أن المطلق تم تعريفه مفاهيميا بالحقيقة .
الكلمة الحقيقية عندما تستخدم هكذا تستخدم مع " تركيز معين " . وتم التعرف عليها مع الأسمى والأعمق والأوغل والأكثر أهمية او مفردات التفوق الأخرى وراء لا شىء قابل للتحقيق . ومن ثم القول بأن القيمة المطلقة هى الصالحة فحسب وليست حقيقية ، يبدو متضمنا على تناقض فى المصطلحا ت . نحن نختار بالنسبة لها مصطلح " قيم – حقيقة Wert-Realitdt " . ومع ذلك مازال " ريكارت " مصرا على أن التفكير الواضح لا يسمح بذلك ، ومقتنع بأن يترك التناقض كما هو "30" .
V
مشكلة هذه المقالة هى العلاقة بين القيمة والحقيقة . هذه هى المشكلة الانطولوجية للقيمة ، وقد وجدنا أنه يمكن أن يكون مريحا تقسيمها الى مجموعتين محددتين من الأسئلة . هل القيم تفترض مسبقا حقيقة موضوعاتها ؟ . هل القيم موجودة ، وهل هى حقيقية ؟ على هذين السؤالين بوسعنا تقديم اجابات محددة . هى باختصار هكذا : بقدر ما الحقيقة مقصورة على اى تعريفات بأثر رجعى ضيقة النطاق فى مصطلحا ت الوجود والوجود المحتمل ، اوالحضور ، فان اجابة السؤالين يجب أن تكون سلبية .
من جهة أخرى ، قد وجدنا لأسباب جيدة على حد سواء ان القيمة لا يمكن فصلها عن الحقيقة. على الرغم من أننا ليس بوسعنا القول بان القيمة تفترض مسبقا اما وجود او حضور موضوعها ، ونحن نشعر بأننا نضطر للقول با نها تفترض مسبقا الحقيقة . على الرغم من أننا لانستطيع القول بأن القيمة – متحدثين بشكل صحيح – اما موجودة أو حاضرة ، ونحن مجبرون ان نقول بان القيم الصحيحة حقيقية .هل يوجد حل لتناقضات وعى القيمة ؟ .
الان لاشك فى ان الفلاسفة بصفة عامة على استعداد أيضا للعثور على المتناقضات أينما وجدت .وصحيح ايضا أن التناقضات الواضحة هى غالبا بسبب غياب التعريف والتحليل . قد يكون الأمر كذلك فى هذه الحالة . وقد يكون الانفصال الواقعى والواضح بين القيمة والحقيقة – وقد راينا بعض جوانب منه – كما يقول " بوزانكيت " لا يمكن " المجادلة فى المعقولية للقيمة الكاملة " "31" .ومن الممكن تصور أن العيب فى مفاهيمنا عن الحقيقة .
من الممكن تماما – علىالأقل– ان يكون هذا التحيز لصالح الحقيقة المتضمن فى كل تقويم ، والماثل فى كل نقد ، يتسق تماما مع التعريف الصحيح للحقيقة . هذا فى اعتقادى الخاص . وانا فى سعيى لتبريره سوف اقدم اول خيط من الحجج التى تبدو لى جديدة وهامة على حد سواء . وهويقوم على هذا " التحيز لصالح الحقيقة " فى حد ذاته .
لقد تم استخدام الاهتمام فى الآونة الاخيرة لتعبير " التحيز لصالح الحقيقة " ، وقد قيل ان التحيز لصالح الموضوعات الموجودة ادى بنا الى تجاهل اهمية التفكير فى ومعرفة الموضوعات الحاضرة فحسب ، التى لم تكن موجودة ولا تستطيع أن تكون حاصلة على الوجود . المثالية المعرفية ممكنة بسبب هذا التحيز بشكل رئيسى ومعها مفهوم "الوجود بالنسبة للعقل " .
من الواضح أن هناك معرفة بما هو غير موجود – على سبيل المثال الرياضيات ، وبما أن ماهو معروف ليس موجودا خارجنا ، لذا يجب ان يكون فى عقولنا كفكرة . لو أن كل معرفتنا كانت عن الموجودات ، فان هذا سوف يكون ممكنا بالكاد . والان هناك بلا شك معنى فى هذا الحديث عن التحيز لصالح الوجود اوالحقيقة . الا عتراف بعالم عظيم للموضوعات غير الموجودة التى تعد ذات قيمة حتى الآن بالنسبة للمعرفة ، وفى الواقع هو التحيز الذى من شأنه حرمانها من الموضوعية لأنها ليست موجودة .
لكن هل يجوز لنا الا نمضى بهذا الخط من الفكر الى ماهو أبعد من ذلك ؟ اليس هو التحيز الذى أدى " بافلاطون " لتحديد الحقيقة حصريا مع الجوهر ؟ هنا أيضا يكون المهم بحكم الأمر الواقع الحقيقى ، ليس حقيقيا فقط ، بل الحقيقى . ومن ثم اذا كان يوجد تحيز اما للوجود أوالحضور ، وقد لا بكون هناك تحيز لصالح الاشكال الخصوصية للحقيقة بالمثل على حد سواء وضد الاشكال الأخرى للحقيقة ؟
كل هذا لأن الحقيقة لم يتم تعريفها بأى من هذه المقولات ، وقد نرى فيما يلى . يجوز لنا – فى الواقع – الحديث عن التحيز لصالح الوجود أو الحضور ، ولكن هل يمكننا بانصاف مساو الحديث عن تحيز لصالح الحقيقة ؟ با لنسبة لى يبدو هذا تناقضا فى المصطلحات . أنا قد اتهم انسانا ما بالتحيز لصالح مجال ما أو جانب من جوانب الحقيقة ، ولكن أن اتهمه بالتحيز للحقيقة باعتبارها ضد اللاحقيقة يبدو أن هذا ابتذال ممكن فقط لفيلسوف انتهت فطنته . لا استطيع بدون هذا الابتذال تحويل اهتمام انسان ما عن الموضوعات الحقيقية الى الموضوعات غير الحقيقية . اذا سعيت الى التخلص من تحيزه لصالح الموضوعات الموجودة ، فاننى بالتا لى افترض ان الموضوعات غير الموجوة حقيقية بمعنى ما .
الاحتجاج الأبدى ضد اى فلسفة تدعو عالم الموضوعات الجمالية عالما غير حقيقى يسجل هذه الحقيقة . عالم الكينونة ، وعالم المسلمات ،- كما يقول " راسل " – " سار لكل من يحب الكمال أكثر من الحياة " فى هذا ربما يوجد عنصر من " التحبب الخاص " وسيكون فى الواقع تحيزا للتعرف على الحقيقة بشكل كلى بهذا العالم العالم ، ولكن من المؤكد أنه مجرد عناد ان يقال بانه " مجرد الفة يتطور فيها العقل البشرى الى مجالات معينة للجوهر . قيمتها تفترض مسبفا حقيقتها . هذا التحيز للحقيقة ليس مجرد مسأ لة " ميل او عدم ميل " ، بل هو شرط لا غنى عنه لكل تفكير على الا طلاق .
هل خط هذا التفكير سليم ؟ اعتقد ذلك .اذا كان كذلك ، فما الذى علينا القيام به ؟ . على هذا تترتب عدة نتائج هامة .
فى المقام الأول هذا الذى ندعوه تحيزا لصالح الحقيقة ليس تحيزا بل ضرورة فكرية . العنصر المدحى – فى واقع الأمر – لا مفر منه . بالنسبة للحقيقة المتأملة المطلقة والقيمة يجب أن تكونا متطابقتين ، فالموضوع الأسمى للتفكير هو الاساس الكامل وقيمة الوجود . ولان حقيقة القيمة تعنى وجودها أو حضورها ، فهى مع ذلك مسألة تحيز . صعوبة الفكير فى القيمة دون اختزالها الى احد اشكال الكينونة يرجع الى التفضيلات الخاصة التى ، على الرغم من أنها عمليا واجتماعيا متعذر استئصالها. وريما تكون واضحة بما فيه الكفاية بناءا على التأمل .
لكن اذا كان هذا هو الحال ، فان شيئا آخر يترتب على ذلك ، ومن الواضح أن " الحقيقة لا يمكن تعريفها بالوجود " والوجود المحتمل أو الحضور ، بأى منها منفردا أو بجميعهم معا . ومن الواضح أيضا ان المحمول الانطولوجى لا معنى له حتى نذكر بالتحديد المجال الذى يتم فيه نطبيقه ، وأن هذا المعنى يتحدد دائما من قبل قيمة الاعتراف المفترضة مسبقا . وبالتالى فاننا مضطرون الى التخلى عن مفاهيم الحقيقة واتخاذ وجهة النظر الاوسع التى ذكرت من قبل .
من ثم تصبح الحقيقة ، دالة التقويم للانسان العادى والفيلسوف على السواء سمة الموضوعات التى تعزى اليها أهمية خاصة . صحيح أن كلا من الانسان العادى والفيلسوف يعرف الحقيقة – الان مع الوجود او الوجود المحتمل – او مرة اخرى مع الجوهر ، لكن وهما يفعلان ذلك – اى الانسان العادى والفيلسوف – فهذا يكون دائما بحكم التركيز على التبرير لتقويم معين دائما ؟ معنى الحقيقة لا يمكن أن يستنفذ أبدا على اى من هذه التعريفات التى تحدد بين الفينة والاخرى باثر رجعى .
هذا بدوره يؤدى الى شىء أكثر همية ، واعتقد انه الاستنتاج الذى يشكل الموضوع الرئيسى للمناقشة فى هذا الجزء الثانى من مقا لى . هذا الرأى عن المحمول الانطولوجى يبدو لى متضمنا ايضا لمفهوم الأولوية المنطقية للقيمة . المحمول الانطولوجى لامعنى له الا باعتباره محددا من قبل الاعتراف بالقيمة المفترضة مسبقا . هذا واضح ولكن بطريقة تكنيكية لتبيان النصف الاخر للافتراض الذى بدأنا به ، ونحن لانستطيع التفكير فى الحقيقة نهائيا دون ارتقائها الى مجال القيمة .وقد وجدنا أنه من المستحيل تنفيذ افتراض أن القيمة تعنى الوجود او الكينونة . الا يمكن اقامة العكس ، الوجود والكينونة يتضمنان القيمة دائما ؟اليس التماسك الذى نبحث عنه من الممكن تحقيقه فى هذا الاتجاه ؟ . دعنا نرى.
VI
مع بعض أشكال المفهوم يكون العا لم الفلسفى مألوفا مع البراجماتية والحتمية لدى "فند لباند " و "ريكارت " .اذا ان قراتهما على نحو قويم ، فاحد الدوافع الاساسية فى كلتا الحالتين لهاتين المحاولتين الجريئتين لحل المشكلة كان على وجه التحديد عدم التماسك فى فكرنا الذى تم التأكيد عليه من البداية . ولهذا السبب فقد سعى كل منهما الى تغيير مركز ثقل الفكر منا لكينونة الى القيمة . ولكنهما – هما نفسهما – لم يفلتا من التنافر ( عدم الاتساق ) ، وقد اشرت الى نقاط عديدة فى المقالا ت السا بقة بخصوص هذا الامر . المسأ لة هى ما اذا كان مفهوم أولوية القيمة ، ومفهوم الحقيقة نفسها باعتبارها قيمة ، يمكن القول بتماسكهما على الاطلاق ، بالنسبة لى أنا نفسى ، اعتقد ان ذلك ممكنا .
للنظر فى هذه المسألة دعونا بداية نلاحظ أن المشكلة المثارة هنا هى على العكس مما ذكرنا فى القسم الثالث . هناك بدأنا بافتراض أن كل قيمة تفترض مسبقا وجود او حقيقة موضوعها ، لكن بناءا غلى الدراسة كانت القيمة مستمرة ليس فقط عند الوجود ، بل أيضا مع كل المفاهيم الأضيق للحقيقة ، التى اقصيت . والان يجب ان نسأل الى اى مدى القيمة متضمنة فى الاحكام الوجودية ، أوالانطولوجية عموما ، ويمكن أن تصبح محتملة أو يمكن منعها فى النهاية ، وتبقى أهميتها باعتبارها احكاما ومحمولات ؟ .
دون التعامل مع البرجماتية باستخفاف شديد ، قد نتفق – فيما اعتقد – على أن المناقشات التى احتدمت حول تكريسها للتبرير الرئيسى لرفضنا لوجهة التظر بهذه الصيغة . كانت صحيحة – كما قلت – وان الأحكام السيكولوجية وكل الأحكام الوجودية وأحكام الحقيقة مرجعياتها القيمة . ولكن النقد اوضح انها قد تصبح محتملة للغاية – وبتسام شديد حقا – وان كل القيم بالمعنى الأضيق " اخلاق المنفعة ، والقيم الجمالية" قد تكون مستبعدة . الكل ماعدا قيمة الحقيقة ذاتها ، وكل الاهتمامات ما عدا الاهتمام بالحقيقة ، والتحيز لصالح الحقيقة نفسها .
ومن المحتمل فعلا ان افتراض القيمة بالمعنى الأضيق موجود سيكولوجيا ، مع أنه منطقيا صحبح بالتأكيد لأننى يمكن أن أرغب فى معرفة الحقيقة دون أى اشارة الى هذه القيمة . مارايك فيما تسمى قيمة الحقيقة ؟ هنا النقطة التى تدخل منها الحتمية . ومن حسن حظنا وضعت هذه المشكلة فى شكل متكيف مع منهجنا بدقة .
جميع الاحكام التى تظهر الكينونة الترنسندنتالية تسمح بالتحول – وهذه كلمة مهمة – الى مجرد تا كيد لحقائق الوعى ، وفى هذا النموذج فقط لاتدع مجالا للشك . هذه التحولات ، يمكن أن تنفذ ففى جميع حالات الأحكام على الاطلاق ، حتى الادراك الحسى ( فبدلا من القول اشرقت الشمس يمكننى القول : ارى الشمس ) وانكار الكينونة الترنسندنتالية لا يؤدى أبدا الى تناقضات مالم - ننكر القيمة – هذه نقطة مهمة - ويترتب على ذ لك الالتزام بالقيام بهذا التمييز .
انكار هذاه الحقيقة يجعل جميع تصريحاتنا بلا معنى . ومن ثم هنا هل نقطة تحولاتنا يجب ان تتوقف ؟ هذا هو العنصر الاخير للقيمة فى محمولاتنا الانطولوجية التى لا يمكن استبعادها . الصلاحية والاشارة الترنسندنتالية للحقيقة ، هى قيمة واحدة مطلقة بناءا على وضع كل هذه الفروق . الحد الادنى الترنسندنتالى هو القيمة . فماذا نقول لهذا ؟ .
أولا وقبل كل شىء يجب ان يكون واضحا للناقد المختص والنزيه أن صياغة هذا الموقف لا تفتح الباب أمام العديد من الانتقادات التى تنطبق على البرجما تية ، بشكل عام ، ولاعلى هذا النوع السطحى من الاعتراض الذى اتهمها بالاعتقاد الروما نتيكى بان الا شياء يجب ان تكون جميلة وخيرة حتى تكون موجودة ، أو ان ما يعد موجودا يجب أن يرضينا . غير انه مع استبعاد هذا النوع من النقد ، يظل السؤال ما اذا كان الرأى سيتمسك يالتحليل المنطقى .
انا اعترف الآن بلا تردد بأن نماذج الموقف عادة معلنة ، والنظرية الحتمية ونظرية الارادة ، والصعوبا ت الخطيرة الحالية . تنافر ( عدم تماسك ) البرجماتية جلى . فالرغبة والارادة يفترضان مسبقا الوجود والحقيقة ، بالنسبة للقيمة هنا يعنى العلاقة بالرغبة والارادة . لكن بما أن الرغبة والقيمة نفسهما موجودتان ، فليس من الممكن القول بأن الوجود والحقيقة يفترضان القيمة مسيقا . ليس الوضع يختلف حقا بالنسبة للنظرية الحتمية ونظرية الارادة . الأ خيرة – كما رأينا "33" – لم تفلت من النظرية السيكولوجية ، ومن المشكوك فيه ما اذا كانت النظرية الحتمية على اية حال افضل . لايمكنك اقتلاع علاقة الالتزام او فعل الارادة بعيدا عن مجال الوجود فقط بتسميتها فردية مفرطة ، ولا يمكن تجاوز علم النفس بمجرد تقديم مصطلح ترنسندنتالى .
لكن ليس من الواضح على الاطلاق أن هذا هو الشكل الوحيد الذى يجوز أن يكون فيه هذا الموقف . لقد أكدت على مفهوم القيمة باعتبارها موضوعية فريدة من نوعها - والاسبا ب التى من اجلها أعيد تعديلها فعلا وليس من الضرورى تكرارها هنا – التهرب من هذه الاعتراضات . ولا تزال هذه النقطة تقدم بعض الصعوبات المنطقية .
من جهة قيل أن بنية مفهومى القيمة والكينونة ( او الحقيقة ) تحظر تطابق اواحلال احداهما محل الاخرى . اللا وجود واللاحقيقة يناقضان الوجود واحقيقة ، ولكن القيم السلبية لاتناقض القيم الايجابية . بطريقة أخرى قمنا باستخدام هذا الفرق الجوهرى لاظهار استحالة تصور القيمة كشكل من اشكا ل الكينونة "34 . اليس هذا الحاجز ذا فعالية ضد ادراج الكينونة او الحقيقة ضمن القيمة ؟ لا اعتقد ذلك . السبب الخاص لهذا الاعتقاد هو فى الحقيقة ما اكدت عليه طوال الوقت ، الا هو المعنى المزدوج للحقيقة . هناك معنى واحد – كما رأينا- تم تحديده بواحد من المفاهيم ، الوجود والحضور وما الى ذلك ، وربما معها كلها مجتمعة .
والان اللاوجود متناقض مع الوجود فى حين أن القيمة السلبية لاتتناقض مع القيمة . ولكن يوجد معنى آخر للحقيقة وفقا له لا تتناقض اللاحقيقة مع الحقيقة . فا لسلبى له قوة النفى فى هذه المفاهيم مثل اللاطبيعى واللاانسانى . كما فى التعريف الدقيق للطبيعى والانسانى هناك تدخل أهمية القيمة التى يكون النفى بدونها بلا معنى . لذلك – كما راينا فى المفهوم النهائى للحقيقة يوجد عنصر اطرائى لاسبيل الى استبعاده . اى مفهوم ل " درجات الحقيقة " وليس هناك بكل تاكيد درجا ت للحضور أو الوجود على هذا النحو . اذا حددت الحقيقة باى درجة من هذه الدرجات ، لايكون فى العا لم شىء أكثر حقيقية من اى شىء آخر . ولكن قد تكون هناك بشكل جيد للغاية علاقات بدرجة ما بين الأ شكال الموضوعية هذه .
لكن سوف اترك هذه النقطة للحظة ( وسوف اتناول مسألة درجات الحقيقة فى النهاية ) ، دعونا ندرس ما ظل أكثر الانتقادات جوهرية . انه ذلك الراى الذى ينطوى على - شكل من أشكال - الحلقة المفرغة مع التصريح بأن الواقع والحقيقة حاصلان على القيمة ، ونحن لسنا بحاجة للخصام – هذا ما يقوله النقاد . وليسوا – فى الواقع – مع افتراض أن كل أحكام الحقيقة يجب أن تكون أكيدة . ولكننا لانستطيع أن نستنتج ان كل الاحكام صحيحة ويجب ان تكون مؤكدة ، او ان الحقيقة هى القيمة.
لكن اذا اعترفنا بأن الحكم الوحيد المعتمد هو حكم الحقيقة . ماذا يعنى – بعد كل شىء - هنا "يجب " ؟ هو يعنى حقا ان القيمة مسلم بها ، ولكن ماهذه القيمة ؟ هل هى ليست فقط ماكنا معتادين أن ندعوها حقيقة ؟ . والا يتعين علينا مجرد تكرار الكلام ، فالاحكام الحقيقية هى تلك الأحكام الصحيحة ؟ واذا كنا نسعى الى دعم الحقيقة والواقع للعودة الى القيمة ، الا نتحرك نحن فى الحلقة المفلرغة تماما كما رأينا ذلك حقا عندما سعينا الى تعريف القيمة بمصطلحات الوجود والحقيقة "35 " .
أنا اعترف بأننى لفترة طويلة اعتقدت فى ان هذا الاعتراض كاف بشكل نها ئى . وانا اميل الآن الى أنه لاتوجد حلقة مفرغة ، وبالطبع ، هذا واضح فى البراجماتية . واعتقد انه موجود أيضا فى النظرية الحتمية ونظرية الارادة . الاعتراف با لا لتزام بالفردية المفرطة ، او بالافتراض المسبق بالارادة الفردية المفرطة ، كما سبق ان اشرنا بالفعل الى الحكم على وجود هذه الارادة او حقيقة هذا الالتزام .
لكنى اميل الى الاعتقاد بان الصعوبة ليست موجودة اذا تم الحفاظ على مفهوم القيمة على انه "موضوعى " . ومن ثم لاينبع حكم الحقيقة او الواقع من الاعتراف ب " يجب " . بل ان هذا الاعتراف ب "يجب " قد ولى لأن القيمة المعترف بها موضوعية صحيحة. وقبل الالتزام كان الاعتراف بموضوعية القيمة "36" .
VII
دعونا الان نعود الى نقطة من الحجة الفنية المذكورة . كان هدفنا الوحيد هو تحقيق قدر من التماسك فى مفاهيمنا عن العلاقة بين القيمة والحقيقة . والحجة الحالية تسعى فحسب الى تبرير" الاولوية المنطقية " للقيمة ، والاعتقاد بأن مفهوم الحقيقة يتضمن آثار القيمة التى لايمكن استبعادها . وقد وجدنا ان كل قيمة تفترض مسبقا حقيقة موضوعها .الا اننا نستطيع استبعاد كل الافتراضات المسبقة المحددة للوجود ، والوجود المحتمل والحضور وما الى ذلك ، وتظل القيمة باقية .
من جهة أخرى يطبق نفس المنهج لافتراض ان كل حكم انطولوجى يفترض مسبقا الحكم او الاعتراف بالقيمة ، ونفس النتيجة لاتتبع . فمعظم الآثار المترتبة على القيمة يمكن استبعادها ، ولكن ليست كلها . فالحد الادنى الترنسندنتالى فى هذه الاحكام هو فى حد ذاته قيمة .
انا اعتبر هذا الاستنتا ج هاما ، على الرغم من أننى أحافظ عليه مع تردد كبير . صحيح اننى قدمت الى حد ما مايشبه مفهوم اولوية القيمة فى الفصل الاخير من كتا بى عن " التقويم " لكننى لم أكن ادرك انعكاساته وصعوباته ، وقد وضعت بعض هذه الصعوبات بعين الاعتبار . والصعوبات التى لا تزال قائمة فى المفهوم واضحة بما فيه الكفاية بالنسبة لى ويجب ان تكون واضحة لكل قارىء متخصص ، لكننى واثق تماما انه بشكل ما هو الوحيد الذى يجعل فكرنا متماسكا .
باخصارالسبب فى اننا لانستطيع التفكير فى القيمة دون أن تتضمن حقيقة موضوعها ، على الرغم من ان الموضوع غير حقيقى فى اى معتى محدود من التعريفات ، هذا لأن الحقيقة فى حد ذاتها بالمعنى المقصود هى مفهوم القيمة .والسبب هو اصرارنا على القول بأن القيمة حقيقية عندما تكون مطالبات التفكير واضحة ، ونحن اما ندعوها اما غير موجودة أوغير حاضرة ، وفى عملنا هذا نؤكد فحسب على طابع القيمة باعتبارها موضوعية بشكل نهائى . وسوف أشير فى الفقرات الباقية الى بعض أسباب القول بهذا الراى . اولا وقبل كل شىء ، دعنا مرة أخرى ندرس ما نسميه بالتنا قضات الانطولوجية للقيمة .
التحيز المبتذل لصالح الحقيقة هو مصدر دائم لتشويش وعى القيمة فى الجمال والأخلاق ، وهو فعال بشكل خاص فى الدين . وهو مستغل باستمرار من قبل الفلاسفة . وقد قيل أنه لاجدوى لاعتماد الايمان الدينى على صحة القيم . الا ان " بيرى " يرى أنه يجب أن تكون القيم موجودة . وقال "بالدوين " ليس بوسعنا اثبات حقيقة الموضوعا ت الدينية ،وضد تحولها الى قيم ، فان المقولات غيرالمتحققة للعقل سوف تكون محتجة دائما"37 " ، وجميعها واضحة بما فيه الكفاية اذا كنا لانزال فى تحيزنا لصالح الحقيقة .
لكن ماذا هناك مايمنع العقل البشرى بشكل نهائى من التحرر من تحيزه ؟. كما اشرت مطولا ، حيثما بكون الافتراض المسبق للحقيقة يعنى الوجود أو الضرورة المنطقية ، يكون الاعتراف بهذا الافتراض المسبق شرطا ضروريا للقيمة . ولكن هناك العديد من القيم لبس لديها الافتراض المسبق للحقيقة فى أى معنى من المعانى التى يمكن تحديدها ، كما بينت فى دراسا ت السا بقة وتحديدا فى المنا قشة الحالية ل " الموضوعا ت المستحيلة " . هنا حقيقة القيمة لاتعنى الوجود او امكانية منطقية لموضةعاتها .
وهذا – فى الواقع – ما رآه" كانط " منذ فترة طويلة فى مذهبة عن " الحقا ئق العملية " ولكن يجب الا تختلط وجهة النظر هذه مع البرجماتية ، او مع شكل آخر للتصريح الذى بدأ ب "ف .ا. لا نج F. A. Lange " ووجهة نظره المثا لية ، وقد أنتجت هذه المفاهيم الحديثة على هذا النحو عند "سا نتايانا " . فى تاكيد عا لم الخيال الذى يعد قيمة وفى الوقت نفسه هو غير حقيقى ، قد يفلتون من عدم اتساق البراجما تية ، لكن لكى يقعوا فى تفاهة لاتطا ق بدعوتنا للاهتمام بما ليس حقيقيا .
فى المفام الثانى ، هناك مفهوم درجات الحقيقة والذى سبق ان اشرنا اليه ، وواضح بشكل كاف انه – كما يقول المستر " برنارد موسكيو Mr. Bernard Muscio " "38" المفهوم لامعنى له الا اذا كانت الحقيقة هى " مفهوم القيمة بشكل واضح " ، بتجريد هذا من دلالة الاطراء فأن ايا من المحمولات الانطولوجية ( الوجود والحضور وما الى ذلك ) ليس لديه درجة .
من جهة أخرى ، نادرا ما يكون هناك اى تساؤل فى وبين مجالات الكينونة هذه ، وامكانية تطبيق درجات الحقيقة بكل معانيها ذات المغزى. لكن مستر " موسكيو " قد وقع با لكامل فى الخطأ – كما حاولت الاشارة فى مكان آخر – فى التفكير بأن الفكرة تقع على عاتق الفرضية القائلة بان الشمولية سوف ترضينا . لقد كانت – فى الواقع – على عاتق شىء مختلف تماما . انها تكمن فى فكرة القيمة فى حد ذاتها ، بداهة ، كل موضوع لديه اما فعلا أو احتمالا موضعا فى سلم القيمة وفكرة الد رجة ( المرتبة ) تتحول الى الحقيقة التى تنطوى عليها فكرة القيمة . لكن هذا التضمن ليس لديه شيئا يقوم به اما مع الرغبة أو الاعتقاد ، بل مع البصيرة .
فهو لايبقى على الاعتقاد الرومانتيكى أو العاطفى بان الاشياء تحتاج الى ان تكون خيرا او جميلة او روحية لكى توجد على الاطلاق . ولكن بناءا على الاعتراف الهادىء ان بحلول بنية كينونتنا ، نحن ملزمون بأن نجد الاهتما م وقيمة الموضوعات التى ليست – وبالنسبة للجميع يمكننا أن نرى انها لايمكن أن تكون – حقيقية فى أى تعريفات طبيعية او بأثر رجعى لهذا المصطلح . لكن انكار هذه القيم ، يعنى تفاهة لاتطاق من أجل
العثور على الاهتمام بما هوغير حقيقى .
مع ذلك ، فالأ كثر أهمية من اى من هذه الاستنتاجات ، هى الآثار الاضافية الا كيدة المتعلقة بالمشكلات الأ ساسية للفلسفة . بانصاف المثالى الحديث المتهم بالمراوغة فى استعمال مصطلحات الحقيقة ودرجات الحقيقة ، لأنه اذا عرف الحقيقة باعتبارها " احد الجوانب التى لاتنفصل عن التجربة الحية " ، فمن المؤكد حقا أن لاشىء يمكن ان يكون أكثر واقعية من أى شىء آخر .
بالنسبة له – اى المثالى الحديث – يمكن أن تكون هناك درات من الحقيقة ليست أكثر بالنسبة للواقعى الذى يعرف الحقيقة فى مصطلحات " مستقلة عن الوجود الواعى " . طالما يحدد المثالى الوجود بالحقيقة ، فان الانتقاد يعد سليما تماما . لا يسمح الوجود للدرجات سواء كانت محددة بشكل مثا لى أو واقعى . الواقعى على حق حتى الان بلا شك . وانما اذا كان يتجنب المراوغة ، فان هذا فقط لعدم جدوى التملق .
تعريف الحقيقة باعتبارها مستقلة عن الذات يعد تماما بمثابة تدهورها الى العمومية حيث تصبح بلا معنى . بالطبع كل الموضوعات الحقيقية مستقلة عن الذات ، لا نها جميعها ( جزء لاتجزا من الخبرة ) . لاعطائه أى معنى لمحموله الانطولوجى ، كان عليه ان يميز الفروق داخل عا لم الموضوعات . ولكن مع ظهور هذه الفروق ، أ لا يجب أن تظهر فروق القيمة أيضا ؟ . كما لا يمكن الحصول على موضوعين او اكثر دون ان يتبع ذلك بداهة ان احدهما تكون قيمته اكثر من الآ خر ، لذا لايمكن ان تحصل على موضوعين او كثر من أنواع الموضوعية دون أن يتبع ذلك أن أحدهما اكثر اهمية ، وبالتالى اكثر واقعية من الاخر . درجا ت الحقيقة سوف تتسلل "شاء أو ابى " .
حقيقة الأمر أن منا قشات الواقعى والمثالى تبرهن على ان مفهومنا صحيح . عندما يأخذ الفيلسوف كمعيار له عن الحقيقة " الاستقلال أو التماسك " فانه ياخذ حقا قيما محددة باعتبارها مصطلحاته الخاصة ، وجوانب الخبرة المهمة من وجهات نظر مختلفة . يعرض " رويس " لهذا الاستقلال بطريقة موحية ومقنعة للغا ية . وقد كانت معارك الفلاسفة حقيقية لكن اللعب ببعض القيم ضد البعض الآخر ، وتحديد الحقيقة بهذا الآن ، ومع معنى آخر للوجود الذى قدم تجاوزا للتفسير الأوسع نطاقا للوجود . هذا لم يفسر الاستمرار فقط ، والنضال من اجل الوجود ، ولبعض الاتجاهات الاساسية فى الفلسفة ، بل ويقترح ايضا بأن حل المشكلة يجب أن يقع على خط فلسفة القيم التى يجب أن تزن الاهمية النسبية لهذه الدوافع المختلفة فى الخبرة .
مفهوم الواقع طور التجاوز ، وبالتا لى فان التنا قض المثا لى - الواقعى كما قدم عادة – كما اعتقد فى فلسفة حقيقية – استنادا الى المفهوم الصحيح للقيمة ، يعد أبعد من الواقعية والمثالية . ولكن هذه قصة اخرى .
*************
الهوامش
This JOURNAL, Vol. XIII., pp. 449-452 -1
Op. cit., p. 449. 2-
"- Value and Existence,” p. 4573 -3
F. B. Jevons, Philosophy, What Is It?, 1914, p. 104.4-
فرانك بايرون جيفونز Frank Byron Jevons (1858-1936
موسوعى – ومدير جامعة دورهام –من اهم اعماله
- (2011). Comparative Religion .
- Evolution .
- (1886). A History of Greek Literature: From the Earliest Period to the Death of Demosthenes.
- Personality .
- (1908). An Introduction To The Study Of Comparative Religion
5-B. Bosanquet, The Principle of Individuality and Value, p. 317.
Op. cit., p. 464. - 6-
- 7-Meinong. Also B. Russell, Problems of Philosophy, p. 155.
- 8-Marbe Vierteljahrsschrift fiur Wissenschaftliche Philos. u. Sociologie, 1912,
XXXVI., Heft 2, a most valuable discussion. Also, J. M. Baldwin, Dict. of
Philos. and Psych., p. 421, on "Existence, " as " denoting determination´-or-givenrLess
in a context, by which its meaning is largely determined." So used also
throughout his Genetic Logic.
- 9-J. Royce, The World and the Individual, Vol. 1, p. 51, note.
- Meinong, in numerous connections. -10
Die Realisierung. Also Russell, op. cit., p. 157. -11
- 12-Studien zur Wertaxciomatik, p. 19. So also Wodehouse, The Presentation
of Reality, seems to demand this broader conception of reality, holding that it is
coextensive with presentation and recognizing various universes of reality.
13-For a statement and criticism of his view, see my Valuation, etc., pp. 38-49.
- 14-R. B. Perry, " The Definition of Value," this JOURNAL, Vol. XI., p. 151.
-" - 15-Fur die Psychologie und gegen den Psychologismus," etc., Logos,
Vol. III.
" - 16-CKnowledge of Value," etc., this JOURNAL, VOl. XIII., p. 675.
- Ibid., p. 678.17-
" - 18-Value and Existence," this JOURNAL, VOl. XIII., p. 464.
19- هذا هو الفكر الذى يكمن وراء هذا التناقض الظاهرى . التقديرات التقريبة للمثل العليا ممكنة . ولكنها ابعد من اى سعادة معينة او درجة فردية ، هناك دائما يكون الاعلى ( مع طريقتنا فى المواحهة المتضمنة للفكرة التى هى ابعد من الموضوع المقوم ، وهناك موضوعات ذات قيمة اكثر او اقل ) وعن – افضل من –تترتب البداهة ويجب ان تكون . الموضوعات المستحيلة متضمنة بالممكن من خلال علاقة القيمة البديهية نفسها . فعلا ، اليس – على سبيل المثال – من الممكن تماما مقارنة القيمة الجوهرية لموضوعين اذا كانا مستحيلين ، والقول بان احدهما افضل من الاخر او يجب ان يكون بدلا من الاخر ؟ وهكذا لناخذ اثنين من السعادة الخالصة والنشاط الكامل ، كما فى توضيح "بولسن " عن المخدرات ، فانه – كما اعتقد – سوف يكون ممكنا القول بأن احدهما يجب ان يكون بدلا من الاخر حتى لوكانا من الموضوعات المستحيلة .
Perry, op. cit. - 20
Bosanquet, op. cit. - 21
" K Knowledge of Value, " etc., p. 677. -22
23-Cf. my paper, “On Intolerables, “ Philos. Rev., Sept., 1915, p. 492.
Studien zur Wertaxiomatik, 1914, p. 21. -24
25-W. H. Sheldon, " The Empirical Definition of Value," this JOURNAL, Vol.
XI., p. 123.
26-H. Rickert, " Zwei Wege der Erkentnisstheorie, Kantstudien, 1909.
27-Value and Existence," this JOURNAL, p. 456
" 28-K nowledge of Value," etc., this JOURNAL, P. 681
29- فى هذا الصدد اسمحوا لى ان أوضح النقطة التى كا نت مسئولة عن عدم اتساقنا فى هذه المسألة . نحن نتكلم عن تحقيق القيمة واحداث القيمة فى الوجود .الا يعنى هذا ان القيم موجودة ؟ . الا أن ادنى درجا ت التحليل تظهر أن هذه هى أغلظ المفاهيم . فعندما أتحدث عن احداث القيمة فى الوجود ، ما أعنيه – فى الواقع – هو أن وجود موضوع ما أفضل من عدم وجوده . وأن الموضوع قد أدخل الى حيز الوجود .أو مرة اخرى ان الموضوع مرغوب ، او قد شعر به باعتباره قيمة ، والتى لم تكن من قبل ، ويقال ان القيمة أحدثت فى الوجود .هنا مرة أخرى ، ما احدث فى الوجود هو الرغبة أو الشعور وليس القيمة . عن الوجود بالنسبة للموضوع ، أو عن الشعور الذى يرتبط به سوف اتحدث ولكن ليس عن القيمة .لقد اتيحت لى الفرصة لانتقاد تصريح ليسنج "وجود القيمة بداهة أفضل من عدم وجودها ". وهناك رأينا اذا كان يعنى بالقيمة انها الموضوع المقوم ، فان هذا ببساطة غير صحيح . ونحن نرى اتخاذه فى طبيعته الأصلية بلا معنى .
30-Der Gegenstand der Erkentniss, 3d edit., p. 360.
Op. cit., p. 300 - 31
-32-Meinong, "Uber Gegenstandstheorie," in the Grazer Untersuchungen zur
Gegenstandstheorie und Psychologie, pp. 1-2.
" 33-Value and Existence," this JOURNAL, Vol. XIII., p. 465.
" 34-Knowledge of Value," etc., this JOURNAL, Vol. XIII., p. 680.
" 35-Value and Existence," this JOURNAL, VOl. XIII., p. 455.
- 36-In this I am, I think, in essential agreement with the position of Emil
Lask, Die Lehre vom Urteil.
37-M. Baldwin, Genetic Theory of Beality –p.155
فريدريك البرت لانج FRIEDRICH ALBET LANG - ( 1828- 1875 )
فيلسوف وعا لم اجتماع المانى .
- " 38-Degrees of Reality," Philosophical Review, November, 1913
برنا رد موسكيو BERNARD MUSCIO ( 1887-1926 )
فيلسوف استرالى ورائد علم النفس الصناعى –استاذ كرس الفلسفة فى جامعة سيدنى عام 1922 ومؤسس الجمعية الاسترالية للفلسفة .
-39- ليس من العبث – على سبيل المثال – الحديث عن درجات الحقيقة فى عا لم الموجودات ، باتخاذ التمييز بين الهلوسة والوضع الطبيعى للا دراك الحسى ، هناك معنى فى القول بأن هذا الاخير أكثر واقعية من السابق ، على الرغم من ان كلاهما بلا شك موجود وليس فى وجوده درجات . ولا شىء خلاف ذلك فى الحالات التى تقع خارج الوجود . فكل من الدائرة الهندسية والمربعات المستديرة موضوعات ، على الرغم من عدم وجودهما . للدائرة حضور ، وربما يقال يأن المربعات ا لمستد يرة تنفرد بالشكل الثا لث الذى ميزه " مينونج " عن الكينونة . لكن على الرغم من ان الاول مجرد حضور ، والثانى ليس له اى شكل من اشكال الوجود ، الا انه مازال من الممكن القول دون عبث بان الدائرة حقيقية أكثر من المربعا ت المستد يرة . لكن ماذا تعنى هذه الحقا ئق ؟ انها تعنى ببساطة ان المرء لايستطيع انكار معنى هذه الطريقة فى الحديث وانا ليس بوسعى ان أرى كيف يمكن للمرء الا يعترف بضرورة التمييز بين الحقيقة والقيمة فى اى شكل من اشكال التعريف فحسب ، بل وايضا تلازم ( عم انفصال ) فكرتى الحقيقة والقيمة .
ترجمة : د. رمضان الصباغ
هنا تبدو المسلمة المتأصلة فى تفكيرنا . اننا نجد أن الحقيقة لاتطاق دون ارتقائها الى مجال القيمة ، بل وأيضا ، اننا نجد أن من الصعب للغاية التفكير فى القيمة دون اعطائها شكلا من أشكال الكينونة . ومن ثم اذا كان مركز الجاذبية للتفكير الفلسفى فى الآونة الاخيرة قد تم تحريكه -بوعى - من الكينونة الى القيمة ، هذا فقط لأن ما كان يفترض ضمنا صار معروفا بشكل واضح .
مع ذلك – كما سعيت لأظهر فى مقالة سا بقة " القيمة والوجود " "1" بدقة أن تفكيرنا فى الأسئلة الجوهرية لهذه المسائل فى الوقت الراهن غير متماسك ، عندما يكون من الممكن لنفس المفكر أن يقول – تقريبا – فى نفس الوقت – بأن القيمة موجودة وأن الوجود قيمة "2" . وانه – أى نفس المفكر – قد يكون فى الواقع مقدما التعبير عن هذه المسلمة التى يتعذر استئصالها من الفكر ، الا أنه كان بوسعه أن يدعى با لكاد المعقولية .
فالقيم حقيقية بمعنى ما والقليلون من ينكرون ذلك . سوا تم التعبير عن هذه القناعة فى تعبير جاف من برجماتى بالقول بأن "القيم موجودة مثل الصفات الاخرى ""3 " أو فى تصريحات أكثر حذرا مثل ، " الخير الذى يهدف اليه المرء يجب أن يكون معروفا لديه ، والا فانه لايستطيع أن يستهدفه أو ينوى ذاك، وتكون معرفته حاصلة على الحقيقة والوجود "4" او مرة أخرى ، يظل بصفة عامة أننا ، عندما تكون لدينا القيمة فبقد ر ماهى لدينا نكون حاصلين على الحقيقة ضمنا "5" . وفى كل حالة يكون الاقتناع هو نفسه . وتنشأ الصعوبات عندما نسعى الى توضيح الاقتناع وجعل تعبيرنا عنه واضحا . والآ ن يجب أن ننتقل الى هذه المهمة .
ان جزءا كبيرا من العمل الممهد لمثل هذا التعهد قد تم با لفعل . فالآراء المتناقضة عن علاقة القيمة بالحقيقة سبق الاشارة اليها فى مقالة سابقة ، وقد بدا أن ذلك يرجع الى حد كبير الى مراوغات فى مفهوم القيمة نفسه ويترتب على تعريفا ت القيمة بمصطلحا ت الصفة والعلاقة .وقد وجدنا أن القيمة بشكل نهائى ليست صفة ولاتقريرا للكينونة ، بل هى شكل فريد ومستقل للموضوعية . بهذه الاستنتاجات تختفى الصعوبات العديدة للمشكلة "6" .
لكن ما تم القيام به – فى أحسن الأحوال – هو جزء من العمل فحسب . اذا كان التناقض وعدم الاتساق اللذين شكونا منهما فيما سبق حقا يرجعان جزئيا الى الغموض فى مفهوم القيمة والتعريفا ت التى لايمكن الدفاع عنها ، فانها ليست أقل خطورة من الغموض فى مفهومى الوجود والحقيقة . فليس من قبيل الصدفة أنه – كما هو الحال فى أحد التصريحات التى اقتبست – أننا غالبا ما نفول " الحقيقى أو الموجود بمعنى ما " . فى هذا الاستعمال فى تقدير المحمولات الانطولوجية .
الجانب الأفضل من جرأة وحصافة الفيلسوف – بلا شك – سوف يدخل مجال المناقشة بحذر شديد ، الا أننى لا أرى كيف يمكن تجنب هذه المناقشة . وبالتالى سأحاول للاختصار قدر الامكان ، تصنيف وتحليل الافكار عن الوجود والحقيقة ، وأبدأ بمفهوم الوجود .
II
لقد وجدنا من المفيد بالفعل أن نفرق بين أ لآ راء " الأضيق نطاقا ولأوسع نطاقا " عن القيمة . وقد وجدنا مراوغة مماثلة فى مفهوم الوجود . بالنسبة للرأى الأضيق نطاقا نجد أن للوجود معنى واضح ومحدد . وقد ميز بشكل حاد عن الأشكال الاخرى المحتملة للكينونة ، مثل – على سبيل المثال – الحضور أو الجوهر . التقرير الزمنى شرط لا غنى عنه ، وهناك نوعان لا أكثر من الوجود ، فيزيقى وعقلى . والوجود بالنسبة للعقل والارادة يعد وجودا زائفا "7" .
وابالنسبة لوجهة النظر الاوسع نطاقا – من جهة أخرى – تم تصورها بتحرر أكثر بكثير . فهى قد تشمل – كما هو الحال – فى العرض الأخير لهذا الرأى "8" ، الوجود المباشر ، والوجود غير المباشر ( الفيزيقى والعقلى ) ، والوجود التمثيلى ، أو الحضور والوجود المنطقى او الصدق والوجود الحتمى ، أو وجود المعايير ، وقيم الارادة . بشكل عام تختلف فكرة الوجود – هنا – فى كل جانب عن مفاهيم النطاق الا ضيق ، لان النطاق الأوسع ينزل الوجود الى طايع هام لكل الموضوعا ت . فى قول أخير ، لكى نقول بان شيئا ما موجود فا نه يعد أمرا بلا معنى حتى يقال ما طريقة وجوده وبأى معنى كان موجودا .
ليس ضروريا أن نختار فى هذه المرحلة بين هذين الرأيين . ويكفى للاعتراف بهما أن نضع فى اعتبارنا أن مفهومنا فيما يخص علاقة القيمة بالوجود يجب أن يحدد بالضرورة من خلال الموافقة بوعى ، أو بدون وعى على أحد الرأيين . والآن دعونا ننظر فى مفهوم الحقيقة .
غالبا ما يستخدم مفهوم الوجود والحقيقة بالتبادل . ف "روبس" يؤكد"9" – على سبيل المثال – صراحة على أنه سوف يستخدمهما هكذا . ولكن – بالتأكيد – اذا كان مثل هذا الاجراء يفترض نظرية فلسفية كاملة ، فانه على الأقل يعنى المفهوم الأوسع نطاقا للوجود . ويكفى هنا ان نلاحظ اذا المرء وافق على الرأى الاضيق ، فيجب عليه ان يميز بين الوجود والحقيقة . هذا ، والعديد من الباحثين ، قد وجدوا أن من من الضرورى القيام بذلك ، قائلين بجوهر أوحضور ما لم يوجد بعد .
" حقيقة المستقبل الأصلى " يمكن أن أن تدعى بمعنى ما حقيقة بصرف النظر عن الوجود . نحن بالكاد نستطيع أن ننكر حدثا تم فى الماضى ، على الرغم من انه لم يعد موجودا . فقد كان وجوده لمرة واحدة قد منحه حقيقته . ولكن استقلاال علاقات الزمان والمكان يمكن أن تحمل أكثر من ذلك . موضوع المنضدة غير الموجودة بعد ، والتى لن تكون موجودة الآن ، والى الأبد بشكل جوهرى مختلف ، ودعونا نقول مثلا – بأن التشايه والاختلاف حاضران ، الا أنهما بطبيعة الحال لا وجود لهما ابدا . وهكذا اتسعت الحقيقة لتشمل – الى جانب الوجود بالمعنى الضيق –مفهوم الوجود المحتمل "10" .
مع ذلك فانه من المشكوك فيه ما اذا كان بوسعنا باستثناء التعسف تماما ، التوقف عند هذه المرحلة . يوجد الكثير ممن يرون ذلك دون انتهاك شعورنا بالحقيقة – اذا جاز التعبير – وليس بوسعنا أن نرفض أن يشمل ما يسمى بالحضور ، هكذا راى " كولب Kiilpe " "11" ، فقد وجد الحقيقى فى المباشر او الفورى – والذى فيه من ثم – الوجود والحضور قد تم تمييزهما . وهكذا أيضا رفض "ليسنج Lessing " ان ينكر الحقيقة فى الموضوعا ت الحاضرة ، مؤكدا على أنها لن تقوم بطلب المتعة – على سبيل المثال – حيث تكون موضوعات البهجة daseinsfreie Gegenstdnde " .
باعتبار نتيجة هذه الصعوبات بشكل جزئى ، وبالنبسة لأسباب أخرى سوف تبدو فى التتمة ، يوجد للحقيقة مفهوم ثالث ثابت بطريقة معقولة الى حد ما فى تاريخ الفكر ويختلف عن أى مما سبق بشكل حيوى . فى المقام الأول ، انه لا يعترف بأى من هذه الحدود . للحقيقة معنى لا يتحدد بأى من هذه التعريفات المتطلعة للوراء ، ولا مع اتخاذها كلها معا . بل هى بالأحرى – كما صاغها أحد الكتاب السمة التى تسهل للانسان والفيلسوف بالمثل الموضوعات التى تعزى اليها اهمية خاصة .
المديح مفهوم - قيمة لا ينفصل عن الفكرة . ولا يمكن استخدامه الا بشكل متحيز الا فى التناقض مع المثالى أو غير ذلك ، الذى يصير بذلك غير واقعى . ماتم تطبيقه الآن هو احداها ، والآن الى الاخرى ، لتعريفات الوجود المدروسة مع هذا التطبيق نسترشد دائما بمفهوم الأهمية . بدون هذه الاختلافات تنطبق الكينونة على كافة الموضوعات ايا كانت ، ولكن هذا المفهوم يصبح من ثم بلا معنى . ما هو مهم يعد جوهريا بالضرورة ، وما هو جوهرى يعد حقيقيا . أو كما تمت صياغته من قبل "ايوخين " Euchen " ففى التفكير النهائى تتطابق القيمة والحقيقة ، لأن الموضوع الاسمى لمثل هذا التامل هو الاساس الكلمل لقيمة الوجود فحسب " . بالاعتراف بدلالة القيمة غير المنفصلة عن الفكرة ، ياتى مفهوم اضافى لدرجات الحقيقة .
مع هذه المفاهيم المتباينة للوجود والحقيقة يكون القارىء بالطبع فى ألفة تامة . فهو يدرك انها – أى المفاهيم – لها نصيب كبير فى سبب التشوش فى نظرية القيمة وانها يجب أن تؤخذ بعين الاعتبا ر فى أى محاولة للتخلص من اربا ك الصعوبا ت التى تحدق بمشكلة الحقيقة والقيمة .
III
لقد قلنا الكثير على سبيل التمهيد . دعونا ننتقل الأن الى المشكلة نفسها . لقد تم وضعها أمامنا فى تصريحنا الأصلى عن المسلمة المتاصلة فى تفكيرنا . كما اننا نجد ان الحقيقة لاتطاق دون ارتقائها الى مجال القيمة ، أيضا نجد ان من المستحيل التفكير فى القيمة دون تضمنها للحقيقة ، او أنها هى نفسها ذات شكل من أشكال الكينونة . دعونا ننظر فى الجزء الثانى أولا. كما ذكرنا ، تنقسم مشكلتنا الى سؤالين محددين . وهما يشكلان على وجه التحديد المشكلتين الانطولوجيتين الأكثر جدلا للقيمة ، ونحن فى اجاباتنا على السؤالين اكثر تنافرا .
أول ما يمكن قوله هو على النحو الآتى . هل تعتمد القيمة على الحقيقة ؟ هل تفترض القيمة الحقيقة بشكل مسبق على هذا السؤال – كما هو معروف جيدا – تختلف الاجابات ، وهذا يتوقف على مفهوم الحقيقة المعتمد من قبل البعض – كما راينا – القيمة متوقعة فقط للموضوعات الحقيقية ( الموجودة او الممكنة الوجود) ، وبالنسبة للآ خرين اى موضوع – فحسب باعتباره موضوعا – قد يكون حاصلا على القيمة .
يتعلق السؤال الثانى ب "حقيقة " القيمة او القيم فى حد ذاتها . هل توجد قيم ؟ وهل هى حقيقية ؟هنا أيضا ـ تباينت الاجابات اعتمادا على مفهومى الوجود والحقيقة . وقد قيل بأن "ا "موجودة ، وان "ب " غير موجودة ولكن لديها حضورا . أما "ج " فليست موجودة وليست حاضرة ، الا أنها صحيحة ( صادقة ) فحسب .
كلا السؤالين قد اثيرا فى مقالاتنا السا بقة ، وبقدر ما ترتب على ذلك من استنتاجا ت عبر تحليلنا للقيمة ، بقدر ما ذكرا بالفعل . لقد كانا – أى السؤالين – مع ذلك مؤقتين على وجه التحديد بقدر ما كان مفهوما الحقيقة والوجود لا زالا بدون تحليل . من الضرورى بالتالى للتقدم بدراستنا خطوة ابعد من هذا . من ثم دعونا ننظر فى الجزء الأول من الافتراض بأن القيمة تفترض الحقيقة بشكل مسبق ، وأن لدينا قيمة ولدينا ضمنا الحقيقة .
ربما لم يكن ما يعنيه الافتراض المسبق أو الضمنى واضحا تماما . مع ذلك ، ربما لانبتعد كثيرا عن الخطأ اذا قلنا ان أى عنصر مفترض مسبقا ليس متضمنا فى الخبرة نفسها ولكن ما يظهر فى التحليل الابستمولوجى ليس مجرد تحليل سيكولوجى للخبرة . فى الواقع ، سواء كان هناك – حقا – معنى ابستمولوجى آخر للمصطلح غير المعنى المنطقى ، او ما اذا كانت جميع الحالات يمكن اختزالها الى علاقة منطقية للجزء بالكل ، فاننا قد نتركها غير محددة . على أى حال ، ان الرأى هنا هو ان التحليل ليس مجرد تحليل سيكولوجى . ومن ثم هل تفترض القيمة مسبقا وجود موضوعها .
البيان الككلاسيكى للموقف الايجابى هو – بطبيعة الحال – ل "مينونج " وأنا أعتبره صنع عهدا جديدا فى تحليل القيمة على الرغم من أنه ليس نهائيا ، كما سوف يظهر ذلك فى نقدنا . لقد ذكر صراحة فى الصياغة المبكرة للنظرية أن القيمة تفترض مسبقا وجود موضوعها ، أو فى شكلها السيكولوجى يفترض الشعور بالقيمة مسبقا الحكم الوجودى . وقد أوضح فى مكان آخر أن التصريح لا يمكن الابقاء عليه فى أى من الصياغتين . نحن هنا غير معنيين بالجانب السيكولوجى "13" . لمرحلة أكثر موضوعية للمشكلة قدمنا بالفعل اجابة سلبية فى مقال القيمة والوجود .ولكن بالنسبة لهدفنا الحالى يجب أن تمضى الحجة الى الامام .
بطبيعة الحال – الصحيح الآن ان أى موضوع لكى يكون ذا قيمة أو لكى يكون قيما – كما تفضل ( أو يحلو لك ) القول – يجب أن يكون بمعنى ما كينونة الموضوع . هذا صحيح الا أننا نعتبره قيمة ،سواء أننا أخذناه بالمعنى السيكولوجى أو اخذناه بالمعنى المنطقى . اذا أخذنا الوجود بالمعنى الأوسع فان الافتراض يكون صحيحا بلا شك ولكنه بلامعنى . الا أن هذا ليس هو المقصود . باتخاذ المعنى الاضيق – مع ذلك – يكون الوجود غير ضرورى بالتأكيد . وعدم امكانية الدفاع عن هذا الرأى معترف بها بصفة عامة ، حتى اننى ربما اعتذ ، عن العمل على هذه النقطة"14" .
بدون تكرار التحليل هنا يمكن القول بلا تردد أن هناك العديد من الحالات التى يدخل فيها الوجود فحسب باعتباره افتراضا . من ثم أليس من الممكن القول بأن الوجود المحتمل ، او الحقيقة بمعنى التعريف الضيق ، لاتزل موجودة كا فتراض مسبق ضرورى للقيمة ؟ . يفدم " مينونج " الكثير لمفهوم الامكانية "15" ولكن موقفه – حتى مع هذا التعديل – لا يمكن الحفاظ عليه . توجد عدة موضوعا ت توصف بأنها "مثالية " ولا يمكن أن يعزى اليها حتى الوجود الممكن ، ولكن يبدو من الصعب انكار قيمتها . ونحن قد نقسمها بشكل متميز الى فئتين : ( أ ) تلك التى بحكم طبيعتها لا يمكن أن توجد ( بالمعنى الضيق للمصطلح ) ، ولكن يمكن القول أنها حاضرة ، و (ب ) تلك التى لاوجود لها ولاحضور ، " الموضوعات المستحيلة " . دعونا ننظر فى الفئة الأولى .
فى الجدل ضد الوجود ، سواء الفعلى أو المحتمل ،باعتباره افتراضا مسبقا للقيمة ، أبدى "بيرى" رايه قائلا " أنا أميل الى ان 2+2 =4 " . والآن بالنسبة لى شخصيا بوسعى الا أجد معنى لهذا التصريح ، فالعبثية الكامنة فى شكل هذا التعبير تبدو كارثية لدج القيمة ب " الميل " و"عدم اليل " . ولكنها تكفى لاثارة المسأ لة .
اذا كانت دراساتنا السابقة صالحة يمكن أن تكون هناك اجابة واحدة فحسب على السؤال . الموضوعات الحاضرة المجردة قد تكون حاصلة على – بلا شك – على القيمة . ونحن نحتاج فقط الى تحميل نتائجها على هذه النقطة المحددة . وكما ذكرنا فى عرضنا لشمولية مقولة القيمة ، أن القيمة هى شكل مسبق للموضوعات فى حد ذاتها "16" . قيمة الموضوعات المجردة الحاضرة مفترضة . واظهار أن العلاقة " أفضل من " ليست قاصرة على الموضوعات الموجودة وأنها مفهومة ضمنا كذلك " 17 "
ومع ذلك هناك فئة أخرى من الموضوعات التى تطرح صعوبات خطيرة جدا . فى رأى سابق "18" قلت اننى أميل الى الاعتقاد بأن حتى عدم حضور الموضوع يعد ضروريا لقيمته . فى الواقع هذا متضمن فى مبدأ الشمولية لمقولة القيمة أيضا . لكن لعدة أسباب تعتبر الدراست التفصيلية لهذه النقطة ضرورية أيضا . ولأمر يتعلق بما تدعى " موضوعا ت مستحيلة " .
الأكثر لفتا للنظر واثارة للاهتمام من هذه الموضوعات ،المثل والمفاهيم المحددة والمنظمة ، اذا صح التعبير ، فى مجال التقويم الاخلاقى . " المثل " بصفة عامة لد يها خاصية أنها لم تكن ، لكن يجب أن تكون . والآن العديد – وربما أكثر – قد يكون لديه وجودا ممكنا ، ولكن من المؤكد أن بعضها ليس كذلك . وهى ما نسميه ب " الموضوعات المستحيلة " المتناقضة بطبيعتها . وهذا – على سبيل المثال – فان الموضوع الذى لايتغير ، أو السعادة الخالصة . ذلك موضوع لاشك فيه . وأنا قد أفكر فيه وأفهمه ، على الرغم من أننى لا أستطيع تصوره .
والآن قد يكون جيدا انه ليس الوحيد غير الموجود ، بل المستحيل . فمن الممكن احتوائه على تناقض فى بنيته الذاتية ، بل وهو يحتوى أيضا على دلالة القيمة التى لايمكن تجريدها . من هذه موضوعات السعادة المثالية التامة والتحقيق الكامل للذات ، ويبدو لى بلا معنى هذا القول – على الرغم من انها ( أى الموضوعات ) ليست كذلك – وفى الواقع لا يمكن أن تكون ( بأى معنى للوجود ) ولكنها يجب ان تكون "19" .
لكن ليس فقط المجال الأخلاقى الذى نجد فيه هذا الموقف . هناك توجد – على سبيل المثال – موضوعات مثل آلة عدم الاحتكاك ، والحركة الدائبة المتنقلة . المستحيلة على حد سوا ء ادراكيا أو منطقيا . وهى فى علاقة بموضوعا ت ممكنة ، وأن قيمة الأخير ترتبط بقيمة السابق . والعلم نفسه ملىء بموضوعات من هذا القبيل ، ومن هذه القصص الخيالية ، كم كان " فايهينجر Vaihinger" يطلق عليها . الكميات التخيلية والقليل ( الصغير ) بلا حدود ، والأثير المتصور على أنه سائل كامل أو الهلام التام هى أمثلة على ذلك .
لماذا أو كيف كان الأمر هكذا ولم يكن واضحا أيضا . وقد قدمت أسبا ب متبا ينة .بالنسبة للموضوعا ت المستحيلة فى العلوم فان التفسير البرجماتى ، مع مفهومه عن القيمة الوسيلية البحتة ، ربما لا يكون كافيا . وبالنسبة لما يسمى بالموضوعات المستحيلة فى الاخلاق والدين هى بالتأكيد ليست كما سوف نرى فى الوقت الحالى . كل مانحن معنيين به هنا هو بلا شك حقيقة أن الموضوعات المستحيلة قد تكون حاصلة على القيمة . قيمة الموضوع مستمرة حيث لا يمكن تفسير كينونة الموضوع باعتبارها وجودا أو وجودا محتملا ، أو امكانية منطقية .
بالنسبة للحقائق هناك الكثير . والآن لتأثيرها على " المسلمة المتأصلة " فى تفكيرنا التى بدأنا بها هل سوف نرسم الاستنتاج المتطرف ل "نيتشه " – على سبيل المثال – فى مجال الانفعال ، و"فايهينجر" فى مجال الفكر البارد ، وانه ليست هناك صلة ضرورية بين قيمة الموضوع وحقيقته ؟ الاستنتاج يبدو لا مفر منه . وحتى الان اعترف بأنه بالنسبة لى شخصيا ، لا يمكن أن أكون راضيا عن ذلك ، و امكانيته المنطقية .
من جهة أخرى أنا متاثر بحقيقة انه عندما تكون لدينا قيمة ، وبقدر حصولنا عليها يكون لدينا تضمين للحقيقة "21" . لأنه ليس الاهتمام فقط ، سيكولوجيا ، يعنى الافتراض المسبق للحقيقة أو افتراض الحقيقة ، و" التحيز تأيدا للحقيقة " – ان صح التعبير . والتحليل الجدلى لفكرة القيمة فى حد ذاتها يظهر أنها مفترضة مسبقا . وانه تكمن فى طبيعة القيمة ذاتها – وكما رأينا" 22" – فان وراء الموضوع المقوم هناك دائما موضوع آخر أكثر قيمة أو اقل قيمة ، وأن أى موضوعين معطيين يجب ان يكون أحدهما أكثر من الآخر .والآن نحن مضطرون وفقا لهذه الصيغة المسبقة للقيمة ، اذا كان لا يمكن تحقيق المسلمة ، فاننا سوف نكون فى عالم لا يطاق "23" .
لقد عبر " ليسنج " عن نفس النقطة "24" بقوله أن وجود القيمة ( موضوع القيمة ؟ ) هو ببداهة أفضل من عدم وجودها . يبدو أن هناك سؤالين مثارين من خلاا هذا التصريح . اذا كان هذا صحيحا ، فاما الحضور يجب ان يستهان به باعتباره شكلا من أشكال الوجود ( التى قال بها ليسنج ) ، او ان الموضوعا ت الخا لدة يجب ان تستبعد من مجال القيم ، وبالنسبة للوجود بالمعنى الاضيق لا ينطبق هذا عليه على الاطلاق . فى الواقع هناك العديد من الحالات التى يكون فيها وجود الموضوع المقوم أفضل من عدم وجوده ، ولكن هناك حالات ايضا يكون فيها وجود موضوع الكينونة مستحيلا ، هذا التعبير نفسه لا معنى له . ويبدو واضحا أن التصريح بصيغته الحالية غير صحيح .
ان ما نسجله حقا هو أن الافتراض المسبق المتأصل للحقيقة فى كل القيم . هذ ، وانا اعتبره اللب الحقيقى ل " الدليل الانطولوجى " ، والاحياء الدائم له سيكون من نوع اكذوبة (فضيحة ) من النوع الأكثر خطورة ،ان لم يكن فقط لأن الحقيقة التى يعبر عنها شىء كامن فى فكرة القيمة نفسها .
من ثم هنا ، جاء ارتباكنا الحقسقى بوعى القيمة ، ان لم يكن التناقض الانطولوجى الفعلى للقيمة . مواقف عديدة ممكنة هنا . يمكننا أن نقول مع " فايهينجر " أن هذه هى تراجيديا الفكر ، فالموضوعات الأكثر قيمة لا قيمة لها بشكل حقيقى . ومع " كانط " نحن قد نضيف الى عالم الكينونة كما هو معرف حتى الآن عالم " الحقيقة العملية " . او قد نلجأ فى النهاية الى اعادة تعريف وتحليل مفهوم الحقيقة نفسه . بالنسبة للظرف الحالى انا اترك الوضع كما هو عليه .
IV
لننتقل الآن الى سؤالنا المحدد الثانى الذى تأتى فيه المشكلات الانطولوجية فى المقدمة ، والذى يتجلى فيه تنافر تفكيرنا ذاته . هل القيمة موجودة ؟ وهل القيمة حقيقية ؟ ان لم اكن مخطئا فان التنافر ( عدم الاتساق ) يصل الى حده الأقصى هنا ، وبناءا على نفس الدراسة سيتبين أنه ناجم عن نفس الارتباك ( الخلط ) ، وينطوى على نفس التناقض الذى كشفت عنه دراسة السؤال السا بق .
نحن نجد صعوبة فى التفكير فى القيمة بدون تضمنها للحقيقة ، بل ونجد من الصعب بنفس القدر التفكير فى القيمة دون اعطائها شكلا من اشكال الكينونة . وردا على السؤال هل القيمة موجودة ؟ . قدمنا اجابة فى دراسات سا بقة ، وانا ما كان الجواب هنا ايضا مؤقتا فقط لأننا لم نحلل حتى الان مفهومى الوجود والحقيقة . دعونا نمضى بالدراسة خطوة الى الأمام .
هل القيم موجودة ؟ . الاجابا ت – كما رأينا – متنوعة ومتناقضة بما فيه الكفاية . " نعم بكل تاكيد " - هى اجابة واحدة – نعم هى موجودة اذا شعرنا بها . مثل الجاذبية والضغط والاصطدامات ، والوجود "25" . ومن جهة اخرى تماما ويشكل قاطع ، يقال بأن القيمة " هراء " . التساؤل عما اذا كانت القيم موجودة يبدو أنها بالنسبة ل " ريكارت " "26" كنوع من الصياغات صعبة الفهم فى الفكر الفلسفى .
مثل هذا الصراع فى الراى بمثابة اكذوبة تعادل فى رأيى ما لا حاجة اليه . ويعود الصارع جزئيا - بطبيعة الحال - الى الخلط بين القيمة والمقوم "27"، والخلاف حول ما اذا كانت القيمة صفة أو علاقة ، ولكن مصدر الخلاف النهائى هو المعنى الملتبس للوجود . لان من الواضح تماما أننا اذا أخذنا الوجود بمعنى التعريف الأوسع ، مثلما فعل " شيلدون " – على سبيل المثال – يمكننا القول – بالطبع – أن القيمة موجودة ، مثل كل شىء فى عا لم الموضوعا ت . لكن تصريحنا لامعنى له بشكل كلى حتى نقول كيف كانت موجودة .
من جهة أخرى – اذا نحن اعتبرناه با لمعنى الضيق ، الذى يبدو أن التفكير يتطلبه – فان القيمة لا يمكن أن توجد . الشعور بالقيمة موجود . والصفات المقومة تسمى أحيانا قيما ، وحضورا ، وكذلك علاقة القيمة بالموضوع . ولكن القيمة على هذا النحو ، صالحة بوضوح . والآن – بالتاكيد قد اتضح اعتبار الوجود بالمعنى الاوسع ، وللحد من تصريحنا بالقول أن القيمة موجودة بسبب الارادة ، او أن " لديها حتمية وجود" . ولكن فى الاحتفاظ بوجودها صعوبة لمواجهة اتهاما ت أولئك الذين يصرون على أن لدينا الأمر الذى حولها الى شبه وجود .
ولكن دعونا نكون واضحين تماما فى هذه المسألة . فى الواقع ، يوجد مبرر أكيد لهذه الطريقة الاخيرة من التحدث ، فلا يمكن ان يكون هناك ضررا عمليا فى القول بأن القيم موجودة عندما نعنى بذلك أن مشاعر معينة وعواطف واحتياجات موجودة . كما رأينا ، فى مناقشاتنا لموضوعية القيمة "28" انه ليس من الانصاف أن نسال ما اذا كانت هذه القيم ذات صلة بالشعور الانسانى ، او حقيقة موضوعية ، انها كلاهما . عند النظر فى الطبيعة الاجتماعية للتقويم ، فان التبادل بين الموضوعية والنسبية للشعور الانسانى يعد امرا غير سليم تماما .
ولكن من الواضح تماما أن سؤالا آخر يلوح هنا فى القضية . هل نستطيع بالمعنى الصحيح - لمعا نى هذه المصطلحا ت – الحديث عن " موضوعية القيمة " نفسها على انها موجودة .بهذه الصلاحية – بعيدا عن مصادر ما يجب ( الينبغية ) كشكل من أشكال الكينونة – وكوجود للارادة أو " حتمية وجود " ؟ . نحن لانستطيع – فيما اعتقد - بدون ازالة المعنى الواضح للوجود "29"واذا تحدثنا فلسفيا فبوسعنا – نادرا – أن نقول بأن القيمة موجودة ، وهناك القليل من الاسباب للقول بأن القيمة حاضرة ، اوعلاقة " القيمة بالذات " حاضرة . بالمعنى الدقيق للكلمة الحضور للارادة متناقض مثل الوجود للارادة . القيمة نفسها صالحة فحسب ، هذه هى موضوعيتها .
الاجابة عن المشكلة الثانية التى لدينا هى مثل تلك التى بداناها فى الحالة الأولى . من الصعب التفكير فى القيمة دون اعكطئها نوعا ما من الكينونة ، وما زالت المطالب الواضحة التى يجب ان نلبيها . يبدو أن الاستنتاج لامفر منه ، ولكن هنا أيضا اجد من المستحيل ، أكون راض عنه. ومن الوضح أن التناقض الانطولوجى للقيمة قد عاد فى شكل مختلف قليلا . " ريكارت " الذى ربما اضطلع بهذا الخط الاخير للفكر كان أكثر اتساقا من اى شخص آخر ، ويبدو انه يشعر بالقوة المطلقة للصعوبة . فهو يعترف بأنه " قد جرت العادة فى الفلسفه ان نستدعى اى مبدا سابق وبناءا عليه تاتى الفلسفة ، حقيقة" . وباعتبار أن المطلق تم تعريفه مفاهيميا بالحقيقة .
الكلمة الحقيقية عندما تستخدم هكذا تستخدم مع " تركيز معين " . وتم التعرف عليها مع الأسمى والأعمق والأوغل والأكثر أهمية او مفردات التفوق الأخرى وراء لا شىء قابل للتحقيق . ومن ثم القول بأن القيمة المطلقة هى الصالحة فحسب وليست حقيقية ، يبدو متضمنا على تناقض فى المصطلحا ت . نحن نختار بالنسبة لها مصطلح " قيم – حقيقة Wert-Realitdt " . ومع ذلك مازال " ريكارت " مصرا على أن التفكير الواضح لا يسمح بذلك ، ومقتنع بأن يترك التناقض كما هو "30" .
V
مشكلة هذه المقالة هى العلاقة بين القيمة والحقيقة . هذه هى المشكلة الانطولوجية للقيمة ، وقد وجدنا أنه يمكن أن يكون مريحا تقسيمها الى مجموعتين محددتين من الأسئلة . هل القيم تفترض مسبقا حقيقة موضوعاتها ؟ . هل القيم موجودة ، وهل هى حقيقية ؟ على هذين السؤالين بوسعنا تقديم اجابات محددة . هى باختصار هكذا : بقدر ما الحقيقة مقصورة على اى تعريفات بأثر رجعى ضيقة النطاق فى مصطلحا ت الوجود والوجود المحتمل ، اوالحضور ، فان اجابة السؤالين يجب أن تكون سلبية .
من جهة أخرى ، قد وجدنا لأسباب جيدة على حد سواء ان القيمة لا يمكن فصلها عن الحقيقة. على الرغم من أننا ليس بوسعنا القول بان القيمة تفترض مسبقا اما وجود او حضور موضوعها ، ونحن نشعر بأننا نضطر للقول با نها تفترض مسبقا الحقيقة . على الرغم من أننا لانستطيع القول بأن القيمة – متحدثين بشكل صحيح – اما موجودة أو حاضرة ، ونحن مجبرون ان نقول بان القيم الصحيحة حقيقية .هل يوجد حل لتناقضات وعى القيمة ؟ .
الان لاشك فى ان الفلاسفة بصفة عامة على استعداد أيضا للعثور على المتناقضات أينما وجدت .وصحيح ايضا أن التناقضات الواضحة هى غالبا بسبب غياب التعريف والتحليل . قد يكون الأمر كذلك فى هذه الحالة . وقد يكون الانفصال الواقعى والواضح بين القيمة والحقيقة – وقد راينا بعض جوانب منه – كما يقول " بوزانكيت " لا يمكن " المجادلة فى المعقولية للقيمة الكاملة " "31" .ومن الممكن تصور أن العيب فى مفاهيمنا عن الحقيقة .
من الممكن تماما – علىالأقل– ان يكون هذا التحيز لصالح الحقيقة المتضمن فى كل تقويم ، والماثل فى كل نقد ، يتسق تماما مع التعريف الصحيح للحقيقة . هذا فى اعتقادى الخاص . وانا فى سعيى لتبريره سوف اقدم اول خيط من الحجج التى تبدو لى جديدة وهامة على حد سواء . وهويقوم على هذا " التحيز لصالح الحقيقة " فى حد ذاته .
لقد تم استخدام الاهتمام فى الآونة الاخيرة لتعبير " التحيز لصالح الحقيقة " ، وقد قيل ان التحيز لصالح الموضوعات الموجودة ادى بنا الى تجاهل اهمية التفكير فى ومعرفة الموضوعات الحاضرة فحسب ، التى لم تكن موجودة ولا تستطيع أن تكون حاصلة على الوجود . المثالية المعرفية ممكنة بسبب هذا التحيز بشكل رئيسى ومعها مفهوم "الوجود بالنسبة للعقل " .
من الواضح أن هناك معرفة بما هو غير موجود – على سبيل المثال الرياضيات ، وبما أن ماهو معروف ليس موجودا خارجنا ، لذا يجب ان يكون فى عقولنا كفكرة . لو أن كل معرفتنا كانت عن الموجودات ، فان هذا سوف يكون ممكنا بالكاد . والان هناك بلا شك معنى فى هذا الحديث عن التحيز لصالح الوجود اوالحقيقة . الا عتراف بعالم عظيم للموضوعات غير الموجودة التى تعد ذات قيمة حتى الآن بالنسبة للمعرفة ، وفى الواقع هو التحيز الذى من شأنه حرمانها من الموضوعية لأنها ليست موجودة .
لكن هل يجوز لنا الا نمضى بهذا الخط من الفكر الى ماهو أبعد من ذلك ؟ اليس هو التحيز الذى أدى " بافلاطون " لتحديد الحقيقة حصريا مع الجوهر ؟ هنا أيضا يكون المهم بحكم الأمر الواقع الحقيقى ، ليس حقيقيا فقط ، بل الحقيقى . ومن ثم اذا كان يوجد تحيز اما للوجود أوالحضور ، وقد لا بكون هناك تحيز لصالح الاشكال الخصوصية للحقيقة بالمثل على حد سواء وضد الاشكال الأخرى للحقيقة ؟
كل هذا لأن الحقيقة لم يتم تعريفها بأى من هذه المقولات ، وقد نرى فيما يلى . يجوز لنا – فى الواقع – الحديث عن التحيز لصالح الوجود أو الحضور ، ولكن هل يمكننا بانصاف مساو الحديث عن تحيز لصالح الحقيقة ؟ با لنسبة لى يبدو هذا تناقضا فى المصطلحات . أنا قد اتهم انسانا ما بالتحيز لصالح مجال ما أو جانب من جوانب الحقيقة ، ولكن أن اتهمه بالتحيز للحقيقة باعتبارها ضد اللاحقيقة يبدو أن هذا ابتذال ممكن فقط لفيلسوف انتهت فطنته . لا استطيع بدون هذا الابتذال تحويل اهتمام انسان ما عن الموضوعات الحقيقية الى الموضوعات غير الحقيقية . اذا سعيت الى التخلص من تحيزه لصالح الموضوعات الموجودة ، فاننى بالتا لى افترض ان الموضوعات غير الموجوة حقيقية بمعنى ما .
الاحتجاج الأبدى ضد اى فلسفة تدعو عالم الموضوعات الجمالية عالما غير حقيقى يسجل هذه الحقيقة . عالم الكينونة ، وعالم المسلمات ،- كما يقول " راسل " – " سار لكل من يحب الكمال أكثر من الحياة " فى هذا ربما يوجد عنصر من " التحبب الخاص " وسيكون فى الواقع تحيزا للتعرف على الحقيقة بشكل كلى بهذا العالم العالم ، ولكن من المؤكد أنه مجرد عناد ان يقال بانه " مجرد الفة يتطور فيها العقل البشرى الى مجالات معينة للجوهر . قيمتها تفترض مسبفا حقيقتها . هذا التحيز للحقيقة ليس مجرد مسأ لة " ميل او عدم ميل " ، بل هو شرط لا غنى عنه لكل تفكير على الا طلاق .
هل خط هذا التفكير سليم ؟ اعتقد ذلك .اذا كان كذلك ، فما الذى علينا القيام به ؟ . على هذا تترتب عدة نتائج هامة .
فى المقام الأول هذا الذى ندعوه تحيزا لصالح الحقيقة ليس تحيزا بل ضرورة فكرية . العنصر المدحى – فى واقع الأمر – لا مفر منه . بالنسبة للحقيقة المتأملة المطلقة والقيمة يجب أن تكونا متطابقتين ، فالموضوع الأسمى للتفكير هو الاساس الكامل وقيمة الوجود . ولان حقيقة القيمة تعنى وجودها أو حضورها ، فهى مع ذلك مسألة تحيز . صعوبة الفكير فى القيمة دون اختزالها الى احد اشكال الكينونة يرجع الى التفضيلات الخاصة التى ، على الرغم من أنها عمليا واجتماعيا متعذر استئصالها. وريما تكون واضحة بما فيه الكفاية بناءا على التأمل .
لكن اذا كان هذا هو الحال ، فان شيئا آخر يترتب على ذلك ، ومن الواضح أن " الحقيقة لا يمكن تعريفها بالوجود " والوجود المحتمل أو الحضور ، بأى منها منفردا أو بجميعهم معا . ومن الواضح أيضا ان المحمول الانطولوجى لا معنى له حتى نذكر بالتحديد المجال الذى يتم فيه نطبيقه ، وأن هذا المعنى يتحدد دائما من قبل قيمة الاعتراف المفترضة مسبقا . وبالتالى فاننا مضطرون الى التخلى عن مفاهيم الحقيقة واتخاذ وجهة النظر الاوسع التى ذكرت من قبل .
من ثم تصبح الحقيقة ، دالة التقويم للانسان العادى والفيلسوف على السواء سمة الموضوعات التى تعزى اليها أهمية خاصة . صحيح أن كلا من الانسان العادى والفيلسوف يعرف الحقيقة – الان مع الوجود او الوجود المحتمل – او مرة اخرى مع الجوهر ، لكن وهما يفعلان ذلك – اى الانسان العادى والفيلسوف – فهذا يكون دائما بحكم التركيز على التبرير لتقويم معين دائما ؟ معنى الحقيقة لا يمكن أن يستنفذ أبدا على اى من هذه التعريفات التى تحدد بين الفينة والاخرى باثر رجعى .
هذا بدوره يؤدى الى شىء أكثر همية ، واعتقد انه الاستنتاج الذى يشكل الموضوع الرئيسى للمناقشة فى هذا الجزء الثانى من مقا لى . هذا الرأى عن المحمول الانطولوجى يبدو لى متضمنا ايضا لمفهوم الأولوية المنطقية للقيمة . المحمول الانطولوجى لامعنى له الا باعتباره محددا من قبل الاعتراف بالقيمة المفترضة مسبقا . هذا واضح ولكن بطريقة تكنيكية لتبيان النصف الاخر للافتراض الذى بدأنا به ، ونحن لانستطيع التفكير فى الحقيقة نهائيا دون ارتقائها الى مجال القيمة .وقد وجدنا أنه من المستحيل تنفيذ افتراض أن القيمة تعنى الوجود او الكينونة . الا يمكن اقامة العكس ، الوجود والكينونة يتضمنان القيمة دائما ؟اليس التماسك الذى نبحث عنه من الممكن تحقيقه فى هذا الاتجاه ؟ . دعنا نرى.
VI
مع بعض أشكال المفهوم يكون العا لم الفلسفى مألوفا مع البراجماتية والحتمية لدى "فند لباند " و "ريكارت " .اذا ان قراتهما على نحو قويم ، فاحد الدوافع الاساسية فى كلتا الحالتين لهاتين المحاولتين الجريئتين لحل المشكلة كان على وجه التحديد عدم التماسك فى فكرنا الذى تم التأكيد عليه من البداية . ولهذا السبب فقد سعى كل منهما الى تغيير مركز ثقل الفكر منا لكينونة الى القيمة . ولكنهما – هما نفسهما – لم يفلتا من التنافر ( عدم الاتساق ) ، وقد اشرت الى نقاط عديدة فى المقالا ت السا بقة بخصوص هذا الامر . المسأ لة هى ما اذا كان مفهوم أولوية القيمة ، ومفهوم الحقيقة نفسها باعتبارها قيمة ، يمكن القول بتماسكهما على الاطلاق ، بالنسبة لى أنا نفسى ، اعتقد ان ذلك ممكنا .
للنظر فى هذه المسألة دعونا بداية نلاحظ أن المشكلة المثارة هنا هى على العكس مما ذكرنا فى القسم الثالث . هناك بدأنا بافتراض أن كل قيمة تفترض مسبقا وجود او حقيقة موضوعها ، لكن بناءا غلى الدراسة كانت القيمة مستمرة ليس فقط عند الوجود ، بل أيضا مع كل المفاهيم الأضيق للحقيقة ، التى اقصيت . والان يجب ان نسأل الى اى مدى القيمة متضمنة فى الاحكام الوجودية ، أوالانطولوجية عموما ، ويمكن أن تصبح محتملة أو يمكن منعها فى النهاية ، وتبقى أهميتها باعتبارها احكاما ومحمولات ؟ .
دون التعامل مع البرجماتية باستخفاف شديد ، قد نتفق – فيما اعتقد – على أن المناقشات التى احتدمت حول تكريسها للتبرير الرئيسى لرفضنا لوجهة التظر بهذه الصيغة . كانت صحيحة – كما قلت – وان الأحكام السيكولوجية وكل الأحكام الوجودية وأحكام الحقيقة مرجعياتها القيمة . ولكن النقد اوضح انها قد تصبح محتملة للغاية – وبتسام شديد حقا – وان كل القيم بالمعنى الأضيق " اخلاق المنفعة ، والقيم الجمالية" قد تكون مستبعدة . الكل ماعدا قيمة الحقيقة ذاتها ، وكل الاهتمامات ما عدا الاهتمام بالحقيقة ، والتحيز لصالح الحقيقة نفسها .
ومن المحتمل فعلا ان افتراض القيمة بالمعنى الأضيق موجود سيكولوجيا ، مع أنه منطقيا صحبح بالتأكيد لأننى يمكن أن أرغب فى معرفة الحقيقة دون أى اشارة الى هذه القيمة . مارايك فيما تسمى قيمة الحقيقة ؟ هنا النقطة التى تدخل منها الحتمية . ومن حسن حظنا وضعت هذه المشكلة فى شكل متكيف مع منهجنا بدقة .
جميع الاحكام التى تظهر الكينونة الترنسندنتالية تسمح بالتحول – وهذه كلمة مهمة – الى مجرد تا كيد لحقائق الوعى ، وفى هذا النموذج فقط لاتدع مجالا للشك . هذه التحولات ، يمكن أن تنفذ ففى جميع حالات الأحكام على الاطلاق ، حتى الادراك الحسى ( فبدلا من القول اشرقت الشمس يمكننى القول : ارى الشمس ) وانكار الكينونة الترنسندنتالية لا يؤدى أبدا الى تناقضات مالم - ننكر القيمة – هذه نقطة مهمة - ويترتب على ذ لك الالتزام بالقيام بهذا التمييز .
انكار هذاه الحقيقة يجعل جميع تصريحاتنا بلا معنى . ومن ثم هنا هل نقطة تحولاتنا يجب ان تتوقف ؟ هذا هو العنصر الاخير للقيمة فى محمولاتنا الانطولوجية التى لا يمكن استبعادها . الصلاحية والاشارة الترنسندنتالية للحقيقة ، هى قيمة واحدة مطلقة بناءا على وضع كل هذه الفروق . الحد الادنى الترنسندنتالى هو القيمة . فماذا نقول لهذا ؟ .
أولا وقبل كل شىء يجب ان يكون واضحا للناقد المختص والنزيه أن صياغة هذا الموقف لا تفتح الباب أمام العديد من الانتقادات التى تنطبق على البرجما تية ، بشكل عام ، ولاعلى هذا النوع السطحى من الاعتراض الذى اتهمها بالاعتقاد الروما نتيكى بان الا شياء يجب ان تكون جميلة وخيرة حتى تكون موجودة ، أو ان ما يعد موجودا يجب أن يرضينا . غير انه مع استبعاد هذا النوع من النقد ، يظل السؤال ما اذا كان الرأى سيتمسك يالتحليل المنطقى .
انا اعترف الآن بلا تردد بأن نماذج الموقف عادة معلنة ، والنظرية الحتمية ونظرية الارادة ، والصعوبا ت الخطيرة الحالية . تنافر ( عدم تماسك ) البرجماتية جلى . فالرغبة والارادة يفترضان مسبقا الوجود والحقيقة ، بالنسبة للقيمة هنا يعنى العلاقة بالرغبة والارادة . لكن بما أن الرغبة والقيمة نفسهما موجودتان ، فليس من الممكن القول بأن الوجود والحقيقة يفترضان القيمة مسيقا . ليس الوضع يختلف حقا بالنسبة للنظرية الحتمية ونظرية الارادة . الأ خيرة – كما رأينا "33" – لم تفلت من النظرية السيكولوجية ، ومن المشكوك فيه ما اذا كانت النظرية الحتمية على اية حال افضل . لايمكنك اقتلاع علاقة الالتزام او فعل الارادة بعيدا عن مجال الوجود فقط بتسميتها فردية مفرطة ، ولا يمكن تجاوز علم النفس بمجرد تقديم مصطلح ترنسندنتالى .
لكن ليس من الواضح على الاطلاق أن هذا هو الشكل الوحيد الذى يجوز أن يكون فيه هذا الموقف . لقد أكدت على مفهوم القيمة باعتبارها موضوعية فريدة من نوعها - والاسبا ب التى من اجلها أعيد تعديلها فعلا وليس من الضرورى تكرارها هنا – التهرب من هذه الاعتراضات . ولا تزال هذه النقطة تقدم بعض الصعوبات المنطقية .
من جهة قيل أن بنية مفهومى القيمة والكينونة ( او الحقيقة ) تحظر تطابق اواحلال احداهما محل الاخرى . اللا وجود واللاحقيقة يناقضان الوجود واحقيقة ، ولكن القيم السلبية لاتناقض القيم الايجابية . بطريقة أخرى قمنا باستخدام هذا الفرق الجوهرى لاظهار استحالة تصور القيمة كشكل من اشكا ل الكينونة "34 . اليس هذا الحاجز ذا فعالية ضد ادراج الكينونة او الحقيقة ضمن القيمة ؟ لا اعتقد ذلك . السبب الخاص لهذا الاعتقاد هو فى الحقيقة ما اكدت عليه طوال الوقت ، الا هو المعنى المزدوج للحقيقة . هناك معنى واحد – كما رأينا- تم تحديده بواحد من المفاهيم ، الوجود والحضور وما الى ذلك ، وربما معها كلها مجتمعة .
والان اللاوجود متناقض مع الوجود فى حين أن القيمة السلبية لاتتناقض مع القيمة . ولكن يوجد معنى آخر للحقيقة وفقا له لا تتناقض اللاحقيقة مع الحقيقة . فا لسلبى له قوة النفى فى هذه المفاهيم مثل اللاطبيعى واللاانسانى . كما فى التعريف الدقيق للطبيعى والانسانى هناك تدخل أهمية القيمة التى يكون النفى بدونها بلا معنى . لذلك – كما راينا فى المفهوم النهائى للحقيقة يوجد عنصر اطرائى لاسبيل الى استبعاده . اى مفهوم ل " درجات الحقيقة " وليس هناك بكل تاكيد درجا ت للحضور أو الوجود على هذا النحو . اذا حددت الحقيقة باى درجة من هذه الدرجات ، لايكون فى العا لم شىء أكثر حقيقية من اى شىء آخر . ولكن قد تكون هناك بشكل جيد للغاية علاقات بدرجة ما بين الأ شكال الموضوعية هذه .
لكن سوف اترك هذه النقطة للحظة ( وسوف اتناول مسألة درجات الحقيقة فى النهاية ) ، دعونا ندرس ما ظل أكثر الانتقادات جوهرية . انه ذلك الراى الذى ينطوى على - شكل من أشكال - الحلقة المفرغة مع التصريح بأن الواقع والحقيقة حاصلان على القيمة ، ونحن لسنا بحاجة للخصام – هذا ما يقوله النقاد . وليسوا – فى الواقع – مع افتراض أن كل أحكام الحقيقة يجب أن تكون أكيدة . ولكننا لانستطيع أن نستنتج ان كل الاحكام صحيحة ويجب ان تكون مؤكدة ، او ان الحقيقة هى القيمة.
لكن اذا اعترفنا بأن الحكم الوحيد المعتمد هو حكم الحقيقة . ماذا يعنى – بعد كل شىء - هنا "يجب " ؟ هو يعنى حقا ان القيمة مسلم بها ، ولكن ماهذه القيمة ؟ هل هى ليست فقط ماكنا معتادين أن ندعوها حقيقة ؟ . والا يتعين علينا مجرد تكرار الكلام ، فالاحكام الحقيقية هى تلك الأحكام الصحيحة ؟ واذا كنا نسعى الى دعم الحقيقة والواقع للعودة الى القيمة ، الا نتحرك نحن فى الحلقة المفلرغة تماما كما رأينا ذلك حقا عندما سعينا الى تعريف القيمة بمصطلحات الوجود والحقيقة "35 " .
أنا اعترف بأننى لفترة طويلة اعتقدت فى ان هذا الاعتراض كاف بشكل نها ئى . وانا اميل الآن الى أنه لاتوجد حلقة مفرغة ، وبالطبع ، هذا واضح فى البراجماتية . واعتقد انه موجود أيضا فى النظرية الحتمية ونظرية الارادة . الاعتراف با لا لتزام بالفردية المفرطة ، او بالافتراض المسبق بالارادة الفردية المفرطة ، كما سبق ان اشرنا بالفعل الى الحكم على وجود هذه الارادة او حقيقة هذا الالتزام .
لكنى اميل الى الاعتقاد بان الصعوبة ليست موجودة اذا تم الحفاظ على مفهوم القيمة على انه "موضوعى " . ومن ثم لاينبع حكم الحقيقة او الواقع من الاعتراف ب " يجب " . بل ان هذا الاعتراف ب "يجب " قد ولى لأن القيمة المعترف بها موضوعية صحيحة. وقبل الالتزام كان الاعتراف بموضوعية القيمة "36" .
VII
دعونا الان نعود الى نقطة من الحجة الفنية المذكورة . كان هدفنا الوحيد هو تحقيق قدر من التماسك فى مفاهيمنا عن العلاقة بين القيمة والحقيقة . والحجة الحالية تسعى فحسب الى تبرير" الاولوية المنطقية " للقيمة ، والاعتقاد بأن مفهوم الحقيقة يتضمن آثار القيمة التى لايمكن استبعادها . وقد وجدنا ان كل قيمة تفترض مسبقا حقيقة موضوعها .الا اننا نستطيع استبعاد كل الافتراضات المسبقة المحددة للوجود ، والوجود المحتمل والحضور وما الى ذلك ، وتظل القيمة باقية .
من جهة أخرى يطبق نفس المنهج لافتراض ان كل حكم انطولوجى يفترض مسبقا الحكم او الاعتراف بالقيمة ، ونفس النتيجة لاتتبع . فمعظم الآثار المترتبة على القيمة يمكن استبعادها ، ولكن ليست كلها . فالحد الادنى الترنسندنتالى فى هذه الاحكام هو فى حد ذاته قيمة .
انا اعتبر هذا الاستنتا ج هاما ، على الرغم من أننى أحافظ عليه مع تردد كبير . صحيح اننى قدمت الى حد ما مايشبه مفهوم اولوية القيمة فى الفصل الاخير من كتا بى عن " التقويم " لكننى لم أكن ادرك انعكاساته وصعوباته ، وقد وضعت بعض هذه الصعوبات بعين الاعتبار . والصعوبات التى لا تزال قائمة فى المفهوم واضحة بما فيه الكفاية بالنسبة لى ويجب ان تكون واضحة لكل قارىء متخصص ، لكننى واثق تماما انه بشكل ما هو الوحيد الذى يجعل فكرنا متماسكا .
باخصارالسبب فى اننا لانستطيع التفكير فى القيمة دون أن تتضمن حقيقة موضوعها ، على الرغم من ان الموضوع غير حقيقى فى اى معتى محدود من التعريفات ، هذا لأن الحقيقة فى حد ذاتها بالمعنى المقصود هى مفهوم القيمة .والسبب هو اصرارنا على القول بأن القيمة حقيقية عندما تكون مطالبات التفكير واضحة ، ونحن اما ندعوها اما غير موجودة أوغير حاضرة ، وفى عملنا هذا نؤكد فحسب على طابع القيمة باعتبارها موضوعية بشكل نهائى . وسوف أشير فى الفقرات الباقية الى بعض أسباب القول بهذا الراى . اولا وقبل كل شىء ، دعنا مرة أخرى ندرس ما نسميه بالتنا قضات الانطولوجية للقيمة .
التحيز المبتذل لصالح الحقيقة هو مصدر دائم لتشويش وعى القيمة فى الجمال والأخلاق ، وهو فعال بشكل خاص فى الدين . وهو مستغل باستمرار من قبل الفلاسفة . وقد قيل أنه لاجدوى لاعتماد الايمان الدينى على صحة القيم . الا ان " بيرى " يرى أنه يجب أن تكون القيم موجودة . وقال "بالدوين " ليس بوسعنا اثبات حقيقة الموضوعا ت الدينية ،وضد تحولها الى قيم ، فان المقولات غيرالمتحققة للعقل سوف تكون محتجة دائما"37 " ، وجميعها واضحة بما فيه الكفاية اذا كنا لانزال فى تحيزنا لصالح الحقيقة .
لكن ماذا هناك مايمنع العقل البشرى بشكل نهائى من التحرر من تحيزه ؟. كما اشرت مطولا ، حيثما بكون الافتراض المسبق للحقيقة يعنى الوجود أو الضرورة المنطقية ، يكون الاعتراف بهذا الافتراض المسبق شرطا ضروريا للقيمة . ولكن هناك العديد من القيم لبس لديها الافتراض المسبق للحقيقة فى أى معنى من المعانى التى يمكن تحديدها ، كما بينت فى دراسا ت السا بقة وتحديدا فى المنا قشة الحالية ل " الموضوعا ت المستحيلة " . هنا حقيقة القيمة لاتعنى الوجود او امكانية منطقية لموضةعاتها .
وهذا – فى الواقع – ما رآه" كانط " منذ فترة طويلة فى مذهبة عن " الحقا ئق العملية " ولكن يجب الا تختلط وجهة النظر هذه مع البرجماتية ، او مع شكل آخر للتصريح الذى بدأ ب "ف .ا. لا نج F. A. Lange " ووجهة نظره المثا لية ، وقد أنتجت هذه المفاهيم الحديثة على هذا النحو عند "سا نتايانا " . فى تاكيد عا لم الخيال الذى يعد قيمة وفى الوقت نفسه هو غير حقيقى ، قد يفلتون من عدم اتساق البراجما تية ، لكن لكى يقعوا فى تفاهة لاتطا ق بدعوتنا للاهتمام بما ليس حقيقيا .
فى المفام الثانى ، هناك مفهوم درجات الحقيقة والذى سبق ان اشرنا اليه ، وواضح بشكل كاف انه – كما يقول المستر " برنارد موسكيو Mr. Bernard Muscio " "38" المفهوم لامعنى له الا اذا كانت الحقيقة هى " مفهوم القيمة بشكل واضح " ، بتجريد هذا من دلالة الاطراء فأن ايا من المحمولات الانطولوجية ( الوجود والحضور وما الى ذلك ) ليس لديه درجة .
من جهة أخرى ، نادرا ما يكون هناك اى تساؤل فى وبين مجالات الكينونة هذه ، وامكانية تطبيق درجات الحقيقة بكل معانيها ذات المغزى. لكن مستر " موسكيو " قد وقع با لكامل فى الخطأ – كما حاولت الاشارة فى مكان آخر – فى التفكير بأن الفكرة تقع على عاتق الفرضية القائلة بان الشمولية سوف ترضينا . لقد كانت – فى الواقع – على عاتق شىء مختلف تماما . انها تكمن فى فكرة القيمة فى حد ذاتها ، بداهة ، كل موضوع لديه اما فعلا أو احتمالا موضعا فى سلم القيمة وفكرة الد رجة ( المرتبة ) تتحول الى الحقيقة التى تنطوى عليها فكرة القيمة . لكن هذا التضمن ليس لديه شيئا يقوم به اما مع الرغبة أو الاعتقاد ، بل مع البصيرة .
فهو لايبقى على الاعتقاد الرومانتيكى أو العاطفى بان الاشياء تحتاج الى ان تكون خيرا او جميلة او روحية لكى توجد على الاطلاق . ولكن بناءا على الاعتراف الهادىء ان بحلول بنية كينونتنا ، نحن ملزمون بأن نجد الاهتما م وقيمة الموضوعات التى ليست – وبالنسبة للجميع يمكننا أن نرى انها لايمكن أن تكون – حقيقية فى أى تعريفات طبيعية او بأثر رجعى لهذا المصطلح . لكن انكار هذه القيم ، يعنى تفاهة لاتطاق من أجل
العثور على الاهتمام بما هوغير حقيقى .
مع ذلك ، فالأ كثر أهمية من اى من هذه الاستنتاجات ، هى الآثار الاضافية الا كيدة المتعلقة بالمشكلات الأ ساسية للفلسفة . بانصاف المثالى الحديث المتهم بالمراوغة فى استعمال مصطلحات الحقيقة ودرجات الحقيقة ، لأنه اذا عرف الحقيقة باعتبارها " احد الجوانب التى لاتنفصل عن التجربة الحية " ، فمن المؤكد حقا أن لاشىء يمكن ان يكون أكثر واقعية من أى شىء آخر .
بالنسبة له – اى المثالى الحديث – يمكن أن تكون هناك درات من الحقيقة ليست أكثر بالنسبة للواقعى الذى يعرف الحقيقة فى مصطلحات " مستقلة عن الوجود الواعى " . طالما يحدد المثالى الوجود بالحقيقة ، فان الانتقاد يعد سليما تماما . لا يسمح الوجود للدرجات سواء كانت محددة بشكل مثا لى أو واقعى . الواقعى على حق حتى الان بلا شك . وانما اذا كان يتجنب المراوغة ، فان هذا فقط لعدم جدوى التملق .
تعريف الحقيقة باعتبارها مستقلة عن الذات يعد تماما بمثابة تدهورها الى العمومية حيث تصبح بلا معنى . بالطبع كل الموضوعات الحقيقية مستقلة عن الذات ، لا نها جميعها ( جزء لاتجزا من الخبرة ) . لاعطائه أى معنى لمحموله الانطولوجى ، كان عليه ان يميز الفروق داخل عا لم الموضوعات . ولكن مع ظهور هذه الفروق ، أ لا يجب أن تظهر فروق القيمة أيضا ؟ . كما لا يمكن الحصول على موضوعين او اكثر دون ان يتبع ذلك بداهة ان احدهما تكون قيمته اكثر من الآ خر ، لذا لايمكن ان تحصل على موضوعين او كثر من أنواع الموضوعية دون أن يتبع ذلك أن أحدهما اكثر اهمية ، وبالتالى اكثر واقعية من الاخر . درجا ت الحقيقة سوف تتسلل "شاء أو ابى " .
حقيقة الأمر أن منا قشات الواقعى والمثالى تبرهن على ان مفهومنا صحيح . عندما يأخذ الفيلسوف كمعيار له عن الحقيقة " الاستقلال أو التماسك " فانه ياخذ حقا قيما محددة باعتبارها مصطلحاته الخاصة ، وجوانب الخبرة المهمة من وجهات نظر مختلفة . يعرض " رويس " لهذا الاستقلال بطريقة موحية ومقنعة للغا ية . وقد كانت معارك الفلاسفة حقيقية لكن اللعب ببعض القيم ضد البعض الآخر ، وتحديد الحقيقة بهذا الآن ، ومع معنى آخر للوجود الذى قدم تجاوزا للتفسير الأوسع نطاقا للوجود . هذا لم يفسر الاستمرار فقط ، والنضال من اجل الوجود ، ولبعض الاتجاهات الاساسية فى الفلسفة ، بل ويقترح ايضا بأن حل المشكلة يجب أن يقع على خط فلسفة القيم التى يجب أن تزن الاهمية النسبية لهذه الدوافع المختلفة فى الخبرة .
مفهوم الواقع طور التجاوز ، وبالتا لى فان التنا قض المثا لى - الواقعى كما قدم عادة – كما اعتقد فى فلسفة حقيقية – استنادا الى المفهوم الصحيح للقيمة ، يعد أبعد من الواقعية والمثالية . ولكن هذه قصة اخرى .
*************
الهوامش
This JOURNAL, Vol. XIII., pp. 449-452 -1
Op. cit., p. 449. 2-
"- Value and Existence,” p. 4573 -3
F. B. Jevons, Philosophy, What Is It?, 1914, p. 104.4-
فرانك بايرون جيفونز Frank Byron Jevons (1858-1936
موسوعى – ومدير جامعة دورهام –من اهم اعماله
- (2011). Comparative Religion .
- Evolution .
- (1886). A History of Greek Literature: From the Earliest Period to the Death of Demosthenes.
- Personality .
- (1908). An Introduction To The Study Of Comparative Religion
5-B. Bosanquet, The Principle of Individuality and Value, p. 317.
Op. cit., p. 464. - 6-
- 7-Meinong. Also B. Russell, Problems of Philosophy, p. 155.
- 8-Marbe Vierteljahrsschrift fiur Wissenschaftliche Philos. u. Sociologie, 1912,
XXXVI., Heft 2, a most valuable discussion. Also, J. M. Baldwin, Dict. of
Philos. and Psych., p. 421, on "Existence, " as " denoting determination´-or-givenrLess
in a context, by which its meaning is largely determined." So used also
throughout his Genetic Logic.
- 9-J. Royce, The World and the Individual, Vol. 1, p. 51, note.
- Meinong, in numerous connections. -10
Die Realisierung. Also Russell, op. cit., p. 157. -11
- 12-Studien zur Wertaxciomatik, p. 19. So also Wodehouse, The Presentation
of Reality, seems to demand this broader conception of reality, holding that it is
coextensive with presentation and recognizing various universes of reality.
13-For a statement and criticism of his view, see my Valuation, etc., pp. 38-49.
- 14-R. B. Perry, " The Definition of Value," this JOURNAL, Vol. XI., p. 151.
-" - 15-Fur die Psychologie und gegen den Psychologismus," etc., Logos,
Vol. III.
" - 16-CKnowledge of Value," etc., this JOURNAL, VOl. XIII., p. 675.
- Ibid., p. 678.17-
" - 18-Value and Existence," this JOURNAL, VOl. XIII., p. 464.
19- هذا هو الفكر الذى يكمن وراء هذا التناقض الظاهرى . التقديرات التقريبة للمثل العليا ممكنة . ولكنها ابعد من اى سعادة معينة او درجة فردية ، هناك دائما يكون الاعلى ( مع طريقتنا فى المواحهة المتضمنة للفكرة التى هى ابعد من الموضوع المقوم ، وهناك موضوعات ذات قيمة اكثر او اقل ) وعن – افضل من –تترتب البداهة ويجب ان تكون . الموضوعات المستحيلة متضمنة بالممكن من خلال علاقة القيمة البديهية نفسها . فعلا ، اليس – على سبيل المثال – من الممكن تماما مقارنة القيمة الجوهرية لموضوعين اذا كانا مستحيلين ، والقول بان احدهما افضل من الاخر او يجب ان يكون بدلا من الاخر ؟ وهكذا لناخذ اثنين من السعادة الخالصة والنشاط الكامل ، كما فى توضيح "بولسن " عن المخدرات ، فانه – كما اعتقد – سوف يكون ممكنا القول بأن احدهما يجب ان يكون بدلا من الاخر حتى لوكانا من الموضوعات المستحيلة .
Perry, op. cit. - 20
Bosanquet, op. cit. - 21
" K Knowledge of Value, " etc., p. 677. -22
23-Cf. my paper, “On Intolerables, “ Philos. Rev., Sept., 1915, p. 492.
Studien zur Wertaxiomatik, 1914, p. 21. -24
25-W. H. Sheldon, " The Empirical Definition of Value," this JOURNAL, Vol.
XI., p. 123.
26-H. Rickert, " Zwei Wege der Erkentnisstheorie, Kantstudien, 1909.
27-Value and Existence," this JOURNAL, p. 456
" 28-K nowledge of Value," etc., this JOURNAL, P. 681
29- فى هذا الصدد اسمحوا لى ان أوضح النقطة التى كا نت مسئولة عن عدم اتساقنا فى هذه المسألة . نحن نتكلم عن تحقيق القيمة واحداث القيمة فى الوجود .الا يعنى هذا ان القيم موجودة ؟ . الا أن ادنى درجا ت التحليل تظهر أن هذه هى أغلظ المفاهيم . فعندما أتحدث عن احداث القيمة فى الوجود ، ما أعنيه – فى الواقع – هو أن وجود موضوع ما أفضل من عدم وجوده . وأن الموضوع قد أدخل الى حيز الوجود .أو مرة اخرى ان الموضوع مرغوب ، او قد شعر به باعتباره قيمة ، والتى لم تكن من قبل ، ويقال ان القيمة أحدثت فى الوجود .هنا مرة أخرى ، ما احدث فى الوجود هو الرغبة أو الشعور وليس القيمة . عن الوجود بالنسبة للموضوع ، أو عن الشعور الذى يرتبط به سوف اتحدث ولكن ليس عن القيمة .لقد اتيحت لى الفرصة لانتقاد تصريح ليسنج "وجود القيمة بداهة أفضل من عدم وجودها ". وهناك رأينا اذا كان يعنى بالقيمة انها الموضوع المقوم ، فان هذا ببساطة غير صحيح . ونحن نرى اتخاذه فى طبيعته الأصلية بلا معنى .
30-Der Gegenstand der Erkentniss, 3d edit., p. 360.
Op. cit., p. 300 - 31
-32-Meinong, "Uber Gegenstandstheorie," in the Grazer Untersuchungen zur
Gegenstandstheorie und Psychologie, pp. 1-2.
" 33-Value and Existence," this JOURNAL, Vol. XIII., p. 465.
" 34-Knowledge of Value," etc., this JOURNAL, Vol. XIII., p. 680.
" 35-Value and Existence," this JOURNAL, VOl. XIII., p. 455.
- 36-In this I am, I think, in essential agreement with the position of Emil
Lask, Die Lehre vom Urteil.
37-M. Baldwin, Genetic Theory of Beality –p.155
فريدريك البرت لانج FRIEDRICH ALBET LANG - ( 1828- 1875 )
فيلسوف وعا لم اجتماع المانى .
- " 38-Degrees of Reality," Philosophical Review, November, 1913
برنا رد موسكيو BERNARD MUSCIO ( 1887-1926 )
فيلسوف استرالى ورائد علم النفس الصناعى –استاذ كرس الفلسفة فى جامعة سيدنى عام 1922 ومؤسس الجمعية الاسترالية للفلسفة .
-39- ليس من العبث – على سبيل المثال – الحديث عن درجات الحقيقة فى عا لم الموجودات ، باتخاذ التمييز بين الهلوسة والوضع الطبيعى للا دراك الحسى ، هناك معنى فى القول بأن هذا الاخير أكثر واقعية من السابق ، على الرغم من ان كلاهما بلا شك موجود وليس فى وجوده درجات . ولا شىء خلاف ذلك فى الحالات التى تقع خارج الوجود . فكل من الدائرة الهندسية والمربعات المستديرة موضوعات ، على الرغم من عدم وجودهما . للدائرة حضور ، وربما يقال يأن المربعات ا لمستد يرة تنفرد بالشكل الثا لث الذى ميزه " مينونج " عن الكينونة . لكن على الرغم من ان الاول مجرد حضور ، والثانى ليس له اى شكل من اشكال الوجود ، الا انه مازال من الممكن القول دون عبث بان الدائرة حقيقية أكثر من المربعا ت المستد يرة . لكن ماذا تعنى هذه الحقا ئق ؟ انها تعنى ببساطة ان المرء لايستطيع انكار معنى هذه الطريقة فى الحديث وانا ليس بوسعى ان أرى كيف يمكن للمرء الا يعترف بضرورة التمييز بين الحقيقة والقيمة فى اى شكل من اشكال التعريف فحسب ، بل وايضا تلازم ( عم انفصال ) فكرتى الحقيقة والقيمة .
ترجمة : د. رمضان الصباغ