ما بال عينيك طول الدهر لم تنم *** كأنها أكتحلت بمردود الألم
قل لي بماذا تحس غير محتشم
أمن تذكر جيران بذي سلم *** مزجت دمعا جري من مقلة بدم
قل لي قضاياك إن العشق ذو سمة *** تبدو وإن يخفه بكل كاتمة
أهيج الشوق منك لوم لائمة
أم هبت الريح من تلقاء كاظمة *** وأومض البرق في الظلماء من إضم
فهاج ما بصميم القلب قد ثبتا *** من كامن الوجد عن حب به نبتا
قل لب فمثلك عن الهوى التفتا
فما لعينيك إن قلت أكففا همتا *** وما لقلبك إن قلت استفق يهم
ما ذاك إلا لأن الحب محتكم *** في القلب منك ونار الشوق تضطرم
والصبر عنك مدي الأحيان منصر
أيحسب الصب أن الحب منكتم *** ما بين منسجم منه ومضطرم
وكيف يخقي الغرام وهو فيك جلي *** وشاهد السهد منك قام في المقل
وأنت حقا حليف السقم والعلل
لولا الهوي لم ترق دمعا علي طلل *** ولا أرقت لذكر البان والعلم
لا سيما والدواهي فيك قد حشدت *** ومنك زفرات أنفاسي الجوي ارتعدت
وفيكحقا علامات الهوي شهدت
فكيف تنكر حبا بعدما شهدت *** به عليك عدول الدمع والسقم
وَفِيكَ أَبْدَى نُحُولُ الَّذاتِ مَا كمِنَا *** فَصِرْتَ مِنْ بَعْدِ لَذَّاتٍ حَلِيفَ عَنَى
فكيف تحسبه وقد علنا
وأثبت الوجد خطي عبرة وضني*** مثل البهار علي خديك والعنم
أَقْلَقَنِي أَحْرَقَنِي *** وَلاَ تَخَفْ دَرْكًا قًدْ كَانَ قُلْ لِي فَإِنَّ الجَوَى مِنْ قَبْلُ
فإنني بك دين الحب ألحقني
نعم سري طيف من أهوي فأرقني *** والحب يعترض اللذات بالألم
مُضْرمَةٍ مُصَوِّرَةً *** وَالنَّفْسُ مَأْسُورَةٌ بِالشَّوْقِ وَفِكْرَتِي لَمْ تَزَلْ لَهُ
وَلاَ تَرَاهَا لِسِرِّ الحُبِّ مُظْهِرَةً
يا لائمي في الهوي العذري معذرة *** مني إليك ولو أنصفت لم تلم
لا يعذل الصب إلا غير مختبر *** وليس يعذرهإلا أخو تظهر
يكابد الشوق للأحباب في السحر
عدتك حالي لا سري بمستتر *** عن الوشاة ولا دائي بمنحسم
قلبي بنار الغرام الشوق يصرعه *** وعدتك كل اللواحي ليس ينفعه
وأنت من بين من بالوعظ يردعه
محضتني النصح لكن لست أسمعه *** إن المحب عن العذال في صمم
لا سيما في شبابي اتجر ذلك لي *** عند الصبا والتصابي عنه كنت خلي
هيهات أصغي إلي العذال من خبلي
إني اتهمت نصيح الشيب في عذل *** والشيب أبعد في نصح عن التهم
فطالما العين مني بالدمي لفظت*** والروح مني علي جمر اللظي لحظت
لكنها إن تكن للعهد ما حفظت
فإن أمارتي بالسوء ما اتعظت *** من جهلها بنذير الشيب والهرم
أنا الذي لم أزل بالعيب مشتهرا *** مغرور نفس بها ما كنت معتبرا
لأجلها لم أكن للخير مدخرا
ولا أعدت من الفعل الجميل قري*ضيف ألم براسي غير محتشم
أسر شرا وفعل الخير أظهره *** لكي أغر امرءا أروم أغدره
والشيب قد قام فوق الرأس ينذره
لو كنت أعلم أني ما أوقره * كتمت سرا بدا لي منه بالكتم
فكم وقفت بنفسي في هدايتها *** عسي أفوز بحسني في نهايتها
لكنها أوقعتني في اذايتها
من لي برد جماح من غوايتها *كما يرد جماح الخيل باللجم
وكم دعاني المنادي بعد دعوتها *** إلي الرشاد لنيل لين قسوتها
وقال لي إن ترد إذهاب شقوتها
فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها * إن الطعام يقوي شهوة النهم
والنفس منك إذا كلفتها عملا *** فارفق بها كي تنال عندها الأملا
فالذات تصلحها لذات ما اعتدلا
والنفس كالطفل إن تهمله شب علي * جب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
وداء نفسك قابلة ليشفيه *** دواء تقواك واجهد أن تقويه
وإن ترد نفسك العظمي مقويه
فاصرف هواها وحاذر أن توليه * إم الهوي ما تولي يصم أو يصم
فالنفس فيما يضر الروح قائمة *** وعن منافعها في الكون نائمة
فاستوثقن قيدها فتلك هائمة
وراعها وهي في الأعمال سائمة * وإن هي استحلت المرعي فلا تسم
فهي التي لم تزل للظلم حاملة *** وعن سبيل الهوي لم تلف عادلة
ولن نراها لأهل البغي عاذلة
كم حسنت لذة للمرء قاتلة * من حيث لم بدر أن السم في الدسم
من نفسه أسرنه ظل في جزع *** وفي مهاوي الشهاوي ضل من فزع
فلتحذرن ورعا يقضي إلي طمع
واخش الدسائس من جوع ومن شبع * فرب مخمصة شر من التخم
فقلما النفس من داء الهوي برئت *** زنارها بالملام قلما انطفأت
فكن لها قامعا إن شمتها اجترأت
واستفرغ الدمع من عين قد امتلأت * من المحارم والزم حمية الندم
للفنس كل نبيه صار متهما *** ولك يخسر في هواها كل من فهما
فاحذر تتبعها ما كان منبهما
وخالف النفس والشيطان واعصهما * وإن هما محضاك النصح فاتهم
كلاهما الشر في ذاتيهما احتكما *** ومنهما لم ينل ذو حكمة حكما
حذار أن تحكمن بما به حكما
ولا تطع منهما خصما ولا حكما * فأنت تعرف كيد الخصم والحكم
للحق بينهما الإنسانلم يصل *** لا سيما إن يكن أخا كسل
يريد خيرا ولكن غاص في الزلل
أستغفر الله من قول بلا عمل * لقد نسبت به نسلا لذي عقم
نبهت غيري وإني غير منتبه *** والقلب مني عاص في تقلبه
يا صاح والخير لم أسلك بمذهبه
أمرتك الخير لكن ما ائتمرت به * وما استقمت فما قولي لك استقم
ذَاتِي أَرَاهَا بِثَوْب الكِبْرِ رَافِلَةً *** وَالنَّفْسُ عَنْ كلِّ مَا أَرْضَاهُ غَافِلَةً
وَالُّروحُ لاَ شَكَّ أَنْ تَصِيَر آفِلَةً
ولا تزودت قبل الموت نافلة * ولم أصل سوي فرض ولم أصم
لَمْ یَرْضَ فِعْلِيَ بَيْنَ الخَلْقِ مِنْ عَقِلاَ *** لِأَنَّنِي لَمْ أَزَلْ بِاللَّهْوُ مشْتَغِلاَ
وَلِلْهَوَى فِي الَّذِي یَهْوَاهُ مُمَتَثِلاَ
ظلمت سنة من أحيا الظلام إلي * أن اشتكت قدماه الضر من ورم
قَدْ قَامَ وَالغَيْرَ فِي فُرْشِ الرُّقَادِ هوى *** وَمَا دَعَاهُ إِلَى غَيْر الَّرشَادِ هَوَى
لَكِنَّهُ كلُّ فَضْلٍ فِي العِبَادِ حَوَى
وشد من سغب أحشاءه وطوي * تحت الحجارة كشحا مترف الأدم
وَلَيْسَ ذَلِكَ عَنْ قِلٍّ مِنَ النَّشَبِ *** أَوْ فِي تَحَمُّلِهِ لِذَاكَ مِنْ نَصَبِ
بَلْ عِنْدَهُ آُلُّ مَا یَرْضَاهُ مِنْ أرَبِ
وراودته الجبال الشم من ذهب * عن نفسه فأراها أيما شمم
فَهُو الَّذِي قَدْ عَلَتْ فِي المَجْدِ رُتْبَتُهُ *** وَلَمْ تُنَلْ أَبَدًا فِي الخَلْقِ رفْعَتُهُ
لَكِنَّهُ فِي الدُّنَى لَمْ تُلْفَ رَغْبَتُهُ
وأكدت زهده فيها ضرورته * إن الضرورة لا تعدو علي العصم
مَا اضْطَرَّ إِلاًّ إِلَى مَوْلاَهُ كلًّ زَمَنْ *** لَكِنْ ضَرُورَتَهُ فِيهَا السُّرُوُر سَكَنْ
وَالَّلهُ قَد خَصَّهُ بَيْنَ الأَنَامِ بِمَنْ
وكيف تدعوا إلي الدنيا ضرورة من * لولاه لم تخرج الدنيا من العدم
سِرُّ الُوجُودِ الَّذِي قَدْ حَلَّ لِلثَّقَلَيْ *** نِ بُسْط مِنْوَالِ فَضْلِ بَعْدَ أَحْكَمَ لي
ذَلكَ الَّذِي مِنْهُ تَأْتِي المَكْرَمَاتُ إلي
محمد سيد الكونين والثقلين * والفريقين من عرب ومن عجم
بِفَضْلِهِ الأَنْبِيَاءُ فِي الوَرَى شَهِدُوا *** لَكِن فَضَائِلَهُ لَمْ یَحْصِهَا عَدَدُ
فَهْوَ الَّذِي مِنْهُ یَاتِي لِلْوَرَى المَدَدُ
نبينا الآمر الناهي فلا أحد * أبر في قول لا منه ولا نعم
هُوَ المُجِيرُ لِمَنْ قَّلتْ بِضَاعَتُهُ *** مِنَ الأُجُوِر وَضَاعَتْ مِنْهُ طَاعَتُهُ
هُوَ المُرْجَّى لِمَنْ جَلَّتْ تَبَاعَتُهُ
هو الحبيب الذي ترجي شفاعته * لكل هول من الأهوال مقتحم
فَحُبُّهُ خَيْرَ مَا عَيْنِي تَقَرُّ به *** وَخَيْر مَا العَبْدُ یَاتِي فِي تَقَّربِهِ
لِأَنَّهُ فِي الَورَى أَجَّل مُنْتَبِهٍ
دعا إلي الله فالمستمسكون به * مستمسكون بحبل غير منفصم
فَإِنَّهُ عُروَةٌ وُثْقَى لِكُلِّ تَقِي *** وَمَلجَأٌ یُرتَجَى لِكُلِّ ذِي فَرَقِ
وَهْوَ الَّذِي مَجْدُهُ بَيْنَ الأَنَامِ رقي
فاق النبيين في خلق وفي خلق * ولم يدنوه في علم ولا كرم
فَالنُّورُ مِنْ ذَاتِهِ فِي الكَوْنِ یُقْتَبَسُ *** وَالجُودُ مِنْ كَفِّهِ لِلْخَلْقِ یُلْتَمَسُ
فَالأَنْبِيَاءُ لَهُمْ مِنْ سِرِّهِ قَبَسُ
وكلهم من رسول الله ملتمس * غرفا من البحر أو رشفا من الديم
فَإِنَّهُ هُوَ فِيهِمْ أَصْلُ مَجْدِهِمْ *** وَمِنْهُ فِي الخَلْقِ سَارَ رُشْدِهِمُ
وَإِنًّهُمْ مِنْ نَدَاهُ نَيْلُ قَصْدِهِمُ
وواقفون لديه عند حدهم * من نقطة العلم أو من شكلة الحكم
فَهْوَ الَّذِي حَسُنَتْ فِي الخَلْقِ سِيرَتُهُ *** وَمِنْ دَوَاعِي الهَوَى صَفَتْ سَریرَتُهُ
لَئِنْ أَضَاءَتْ لَنَا الأَكْوَانَ بَشْرَتُهُ
فهو الذي تم معناه وصورته * ثم اصطفاه حبيبا بارئ النسم
قَد عَّم ظَاهِرهُ أَنْوَارُ بَاطِنِهِ وَالفَضْلُ لِلْخَلقِ جَاءَ مِنْ خَزَائِنِهِ
وَهُوَ الَّذِي بِعُلاَهُ فِي مَوَاطِنِهِ
منزه عن شريك في محاسنه * فجوهر الحسن فيه غير منقسم
لِأَجْلِهِ الخَلْقُ قَدْ كانُوا بِأَسْرِهِمُ *** وَهْوَ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمُ
فَإِنَّ تُردْ وَصْفَهُ مِنْ بَيْنِ حِزْبِهِمُ
دع ما ادعته النصارى في نبيهم * واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم
فَإِنَّهُ جَوْهَرٌ وَالغَيْرُ كالصَّدَفِ *** وَكنْهُ مِقْدَاِرهِ عَنِ العُقُولِ خَفِي
فَامْلَأْ بِأَمْدَاحِهِ مَا شِئْتَ من صحف
وانسب إلي ذاته ما شئت من شرف* وانسب إلي قدره ما شئت من عظم
فَهْوَ الَّذِي عَنْ سِوَاهُ اللًّهُ فَضَّلَهُ *** وَشَادَ فَوقَ ذُرَى العَلْيَاءِ منزله
قُل لِلَّذِي رَامَ أَنْ یُحْصِي فَضَائِلهُ
فإن فضل رسول الله ليس له * حد فيعرف عنه ناطق بفم
مَقَامُهُ فِي العُلا عَلَى سِوَاهُ سَمَا *** وَقَدْرُهُ فِي العُلا بَيْنَ الَوَرى عَظُمَا
لَكِنَّهُ عَجَزَتْ عَنْ وَصْفِه العُظَمَا
لو ناسبت قدره آيته عظما * أحيا اسمه حين يدعي دارس الرمم
لِرُوحِنَا مِنْهُ یَسْرِي مَا تُسَّر به *** وَمِنْهُ كلُّ امْرِئٍ یَحْضَى بِمَطْلَبِهِ
وَقَدْ دَعَانَا إِلَى سُلُوكِ مَذْهَبِهِ
لم يمتحنا بما تعيا العقول به * حرصا علينا فلم نرتب ولم نهم
فَهُوَ الَّذِي سِرُّهُ فِي الكَائِنَاتِ سَرَى *** وَقَدرُهُ تَحْتَ عِزِّ رَبِّه اسْتَتَرَا
لَكِنَّهُ بَعْدَمَا آَمَالُهُ ظَهَرَا
أعيا الوري فهم معناه فليس يري * في القرب والبعد فيه غير منفحم
مَا مِثْلُهُ فِي الَورَى یُلْغَى مَدَى الأَبَدِ *** لِأَنَّ فِيِه انْطَوى مَا لَيْسَ فِي أحد
لَكِنَّهُ قَد بَدَا فِي النَّاسِ لِلَّرشَد
كالشمس تظهر للعينين من بعد * صغيرة وتكل الطرف من أمم
لِأَجْلِهِ أَوْجَد المَوْلَى خَلِيقَتَهُ *** وَلِلْهُدَى فِي الَورَى أَبْدَى طَریقَتَهُ
لَكِنَّهُ عَنْهُمْ أَخْفَى خَلِيقَتَهُ
وكيف يدرك في الدنيا حقيقته * قوم نيام تسلوا عنه بالحلم
فِي كنْهِ خِلْقَتِهِ قَدْ حَارَتِ الفِكَر *** وَحُسْنُهُ كلَّ عَنْهُ الطَّرفَ وَالنَّظَر
لِذَا عَلَى وَصْفِهِ المُدَّاحُ مَا قَدَرُوا
فمبلغ العلم فيه أنه بشر * وأنه خير خلق الله كلهم
آیَاتُهُ مَا لَهَا حَصْر یُحِيطُ بِهَا وَحُكْ *** مُهَا لَمْ یَكُنْ فِي الخَلْقِ مُشْتَبِهَا
وكلُّ قَالٍ لَهُ فِي النَّاسِ قَالَ بِهَا
وكل أي أتي الرسل الكرام بها * فإنما اتصلت من نوره بهم
مَا كانَ مِنْ مُعْجِزَاتٍ فَهْوَ صَاحِبُهَا *** لَكِنَّ آیَاتِه تَسْمُو مَرَاتِبُهَا
لَئِنْ أَتَى الأَنْبِيَا بِمَا یُقَاِربُهَا
فإنه شمس فضل هم كواكبها يظهرن أنوارها للناس في الظلم
فَالأَنْبِيَاءُ بِبَحِر نُوِرهِ غَرفُوا وَالأَوْلِ *** یَاءُ بِحَبْل عَهْدِه عَلِقُوا
وَالخَلْقُ آُلُّهُمُ مِنْ أَجْلِهِ خُلِقُوا
أكرم بخلق نبي زانه خلق *** بالحسن مشتمل بالبشر متسم
كمَالُهُ فِي العُلا فِي الخَلْق غَيْرُ خَفِي *** وَالحُسْنُ فِي خَلْقِهِ بَيْنَ الأَنَامِ وَفِي
فَهْوَ الَّذِي فِي الوَرَى فِي الفَضْلِ إِنْ تَصِفِ
كالزهر في ترف والبدر في شرف والبحر في كرم والدهر في همم
فَلا هِدایَةَ إِلاَّ مِنْ دَلاَلَتِهِ *** ولاَ سَعَادَة إِلاَّ مِنْ كفالته
فَهُوَ الَّذِي فِي الَورَى بِحُسْن حِالَتِهِ
كأنه وهو فرد من جلالته في عسكر حين تلقاه وفي حشم
فَكُلُّ نَقْصٍ فَعَنْهُ فِي الُوجُودِ نَفِي *** وَكلُّ فَضْل فَمِنْهُ لِلْأَنَاِم یَفِي
فَهُوَ الَّذِي لَمْ یَزلْ فِي الكَوْنِ ذَا شَرَفِ
كأنما اللؤلؤ المكنون في صدف * من معدني منطق ومبتسم
فَاللَّهُ بَيْنَ الَورَى فِي الكَوِن عَظَّمَهُ *** لَكِنْ عَلَى الُّرسْل وَالأَمْلاَكِ قَّدمَهُ
فَقُلْ لِمَنْ بِهَدَاهُ اللَّهُ أكرمه
لا طيب يعدل روضا ضم حضرته * طوبي لمنتشق منه وملتثم
فَهُو المَقَامُ الَّذِي یَسْمُو بِمَفْخَرهِ *** وَالنُّوُر مِنْ نَحْوهِ یَبْدُو لِمُبْصِرهِ
لِمَ لاَ وَفِيِه نَوَى مِنْ عِنِد مَظْهِرهِ
أبان مولده عن طيب عنصره * يا طيب مبتدأ منه ومختتم
یَومٌ بِهِ نَالَ أَهْلُ الحَقِّ أَمْنَهُم *** وَعَظَّم اللَّهُ بَيْنَ الخَلْق شَأْنَهُمُ
یَوْمٌ بِهِ عدم الكُفَّارُ دِینَهُمُ
يوم تفرس فيه الفرس أنهمو * قد أنذروا بحلول البؤس والنقم
یَوْمٌ بِهِ المُشْركونَ كلُّهُمْ جَزَعُوا *** وَظَّل رُهْبَانُهُمْ بِقَلْبهِمْ فَزَعُ
لَكِنْ عَلَى وَجْهِهَا أَصْنَامُهُمْ تَقَعُ
وبات إيوان كسري وهو منصدع * كشمل أصحاب كسري غير ملتئم
تَسَاقَطَتْ مِنْ عُلاَهُ مُحْكَمُ الشَّرَفِ *** وَعَنْهم قَد جَلاَ مُحَكَّمُ الشُّرَفِ
وَنَجْمُهُمْ صَارَ مِنْ بَعْد الظُّهُوِر خَفِي
والنار خامدة الأنفاس من أسف * عليه والنهر ساهي العين من سدم
فَأَصْبَحَتْ نَفْسُهُمْ تَجلُّ حَيْرَتُهَا *** لَكِنَّهَا عَظُمَتْ لِذَاكَ حَسْرتُهَا
وَفِي الوَرَى افْتَضَحَتْ بِالسُّوءِ عَوْرَتُهَا
وساء ساوة أن غاصت بحيرتها * ورد واردها بالغيظ حين ظمي
خُمُودُ نَارِهِمُ قَدْ شَاعَ فِي الِملَل *** مِنْ بَعْدِ مَا اتَّقَدَتْ فِي الأَعْصُر الأُوَلِ
وَالمَاءُ أَوْقَعَهُمْ بِالغَوْرِ فِي المَلَل
كأن بالنار ما بالماء من بلل * حزنا وبالماء ما بالنار من ضرم
وَلِلْهنَاءِ بِهِ الأًمْلاَكُ رَافِعَةٌ *** رَایَات مَجْد إِلَى الأَحْزَانِ دَافِعَةٌ
وَلِلسُّرُورِ بِه الأَكوَانُ یَانِعَةٌ
والجن تهتف والأنوار ساطعة * والحق يظهر من معني ومن كلم
لَكِنَّ قَلْبَ ذَوِي الِإشْرَاكِ فِيِه أَلَم *** وَنَهْجُهُمْ فِي الَورَى باِلظُّلْمِ فِيِه ظُلَمْ
بَعْدَمَا بِهِمْ دَاعِي الفَلاَحِ أَلَم
عموا وصموا فإعلان البشائر لم * تسمع وبارقة الإنذار لم تشم
فَمَا تَحَّركَ بِالإِهَاصِ سَاكنُهُم *** مِنْ بَعْدِ مَا ارْتَاعَ بِالأَهْوالِ آمِنُهُم
وَلا اطْمَأَنَّ إِلَى التَّصْدیقِ مَائِنُهُمْ
من بعد ما أخبر الأقوام كاهنهم * بأن دينهم المعوج لم يقم
وَلاَ وَعُوا مَا عَلَيْهِمْ قُصَّ فِي الكُتُبِ *** بِأَنَّهُ سَيَجِيءُ المُصْطَفَى العَرَبِي
فَمَا بِهِ صَدَّقُوا مِنْ بَعْدِ كلِّ نَبِي
وبعد ما عاينوا في الأفق من شهب * منقضة وفق ما في الأرض من صنم
لَكِنَّ كهَّانَهُمْ بِغَيْضِهِمْ دُهِمُوا *** وَقَلْبُهُمْ بِسَعِيِر الهَمِّ مُضْطَرمُ
لَمَّا شَيَاطِينُهُمْ بِالشَّهْبِ قَد رُجِمُوا
حتي غدا عن طريق الوحي منهزم * من الشياطين يقفوا إثر منهزم
وَكلهُم فِي أَبَاطِيلٍ وَتُّرهَة *** مُنَفِّرُونَ لِلآرَاءٍ مُسَفَّهَةٍ
فَهُمْ بِذِلَّتِهِمْ مِنْ بَعْدِ أُبَّهَة
كأنهم هربا أبطال أبرهة * أو عسكر بالحصى من راحته رمي
بِهِ غَدَاة حُنَينٍ هَدَّ حِينَ رَمَى *** خَيْر الهُداَةِ فَعَادَ الكُفْر مُنْهَزِمَا
فَباِلحَصَاةِ حصاة قَلْبِهِمْ حُطَمَا
نبذا به بعد تسبيح ببطنهما * نبذ المسبح من أحشاء ملتقم
فَهْوَ الَّذي لَم تَزَلْ صَاعِدةً *** وَلَمْ تَزَلْ لِعلاَهُ الخَلقُ حَامِدةً
أَمَا تَرَى آیَهُ فِي الكَونِ نَافِدةً
جاءت لدعوته الأشجار ساجدة * تمشي إليه علي ساق بلا قدم
وَبَعْدَمَا امْتَثَلَتْ نِدَاءَه رَجَعَتْ *** بَعْدَ السَّلاَمِ عَلَيْه عِنْدَمَا وَقَفَتْ
وَبِاسْتِقَامَتِهَا قَد أَقْبَلَتْ وَسَعَتْ
كأنما سطرت سطرا لما كتبت * فروعها من بديع الخط باللقم
وَمُعْجِزَات لَهُ فِي الخَلْقِ ظَاهِرةٌ *** لِعَقْلِ كلِّ الَورَى فِي الكَوْنِ بَاهِرَةٌ
لَكِنَّهَا لِذَوِي العُدْوَانِ قَاهِرَةٌ
مثل الغمام أني سار سائرة * تقيه حر وطيس للهجير حمي
لِمْ لاَ تُظَلِّمُهُ وَاللَّهُ فَضَّلَهُ*** وَلَمْ یَصِلْ غَيُرهُ فِي الكَوْنِ مَنِزلَهُ
وَهْوَ الَّذِي رَحْمَةً لِلخَلْقِ أَرْسَلَهُ
أقسمت بالقمر المنشق إن له * من قلبه نسبة مبرورة القسم
قَدْء شَقَّهُ جِبْرَائِيلُ عَنْ رِضَى الحَكَمِ *** وَشَّدهُ بِالِّرضَى وَالحُكْم وَالحِكَمِ
فَاذْكرْ خَصَائِصَهُ فِي العرْبِ وَالعَجَم
وما حوي الغار من خير ومن كرم * وكل طرف من الكفار عنه عمي
دَعَاهُمُ للِهُدَى لَكِنَّهُمْ ظُلْمَا *** رَامُوا بِأَنْ یَغْتَالُوهُ وَهُوَ مَا ظَلَمَا
فَحَلَّ فِي غَارِهِ بِاللَّهِ مُعْتَصِمَا
فالصدق في الغار والصديق لم يرما * وهم يقولون ما بالغار من أرم
فِي الحِين فِي بَابِهِ الحَمَامُ قَدْ نَزَلاَ *** وَالعَنْكَبُوتَ عَلَيْهِ یَنْسَجُ الحُلَلاَ
وَالظَّالِمُونَ بِهِ قَدْ أَحْرزُوا الخَلَلاَ
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت علي * خير البرية لم تنسج ولم تحم
وَنَفْسُ خَيْرِ الأَنَامِ غَيْرُ خَائِفَةٍ *** إِلا عَلَى قَومِهِ مِنَ المُخَالَفَةِ
وَرَبُّهُ صَانَهُ عَنْ كلِّ طَائِفَةٍ
وقاية الله أغنت عن مضاعفة * من الدروع وعن عال من الأطم
فَهْوَ الَّرسُولُ الَّذي فُزْنَا بِمَذْهَبِهِ *** وَكلُّ مَنْ حَبَّهُ یَحْضَى بِمَطْلَبِهِ
إِنِّي وَحَقِ عَلاَ عَلْيَاءِ مَنْصِبِهِ
ما سامني الدهر ضيما واستجرت به * إلا ونلت جوارا منه لم يضم
فَمَا تَعَوَّدْتُ مِنْهُ غَيَر مْرفَدهِ *** وَفَضْلُهُ لَمْ أَزَلْ أَحْضَى بِمَوْرِدهِ
وَإِنَّنِي لَمْ یَخِبْ ظَنِّي بِمَقْصِدِهِ
ولا التمست غني الدارين من يده * إلا استلمت الندي من خير مستلم
فهو النبي الذي بالحق أرسله *** رب البرايا في الأكوان بجله
وهو الذي لعظيم الوحي أهله
لا تنكر الوحي من رؤياه إن له * قلبا إذا نامت العينان لم ينم
رؤياه بين الأنام مثل رؤيته *** حقا بجلوته أو عند خلوته
والوحي دون فتور عن طويته
وذاك حين بلوغ من نبوته * فليس ينكر فيه حال محتلم
فهو الذي قد رأي المولي بلا حجب *** وعنده نال حقا أرفع الرتب
وهو الذي بهداه وحي كل نبي
تبارك الله ما وحي بمكتسب * ولا نبي علي غيب بمتهم
فهو الذي في العلا جلت سماحته *** وفي الورى انفسحت للصفح ساحته
وهو الذي لم تزل بالله راحته
كم أبرأت وصبا باللمس راحته * وأطلقت أربا من ريقه اللمم
وكم سترت للشخص عورته *** وفرجت عنه بين الخلق غمته
وأهلكت في الوغى الأعداء سطوته
وأحيت السنة الشهباء دعوته * حتي حكت غرة في الأعصر الدهم
لما أتم الدعاوي بين طلبها *** أتت سحابة خيرات بصيبها
فاخضرت الأرض جينا بعد مجدبها
بعارض جاد أو خلت البطاح بها * سيبا من اليم أو سيلا من العرم
لِمْ لاَ وَسِرُّ هُدَاهُ فِي الوُجُودِ ثَبَتْ *** وَذَاتُهُ لِجَمِيعِ المَكْرمَاتِ حَوتْ
لِذَاكَ نَفْسِي بِأَمْدَاحٍ لَهُ شَغَفَتْ
دعني ووصفي آيات له ظهرت * ظهور نار القري ليلا علي علم
أَوْصَافُهُ دُرَرٌ بَدَتْ لَهَا قِيَم *** لَكِنَّهَا لِلنُّهَى فِيهَا یُرى عِظَم
لَئِنْ سَمَتْ بِنِظَامٍ نثرها هممٌ
فالدر يزداد حسنا وهو منتظم * وليس ينقص قدرا غير منتظم
عَلَيْهِ أَثْنَى إِلَهُ الخَلْقِ جَلَّ *** عُلاَ لَكَّن مِقْدارَهُ عِنْدَ الإِلَهِ عَلاَ
وَمَا امْرؤٌ لانْحِصَارِ مَدْحِهِ وَصَلاَ
فما تطاول آمال المديح إلي * ما فيه من كرم الأخلاق والشيم
عَلَيْهِ قَدْ أُنْزلَتْ آيٌ مُحَكَّمَةٌ *** أَحْكَامُهَا فِي سَبِيلِ الحَقِّ مُحْكَمَةٌ
وأنَّهَا لِلنُّهَي فِي الكَوْنِ مُعْجِزَةٌ
آيات حق من الرحمن محدثة * قديمة صفة الموصوف بالقدم
بِفَوزِ أَوْلَي الهُدَى جَاءَتْ تُبَشِّرُنَا *** وَبِالَوعِيِد لِأَهْل البَغْي تُنْذرُنَا
وَهْيَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مَا یُنَفِّرُنَا
آيات حق من الرحمن محدثة * قديمة صفة الموصوف بالقدم
قَدِ انْطَوَى فِي هُدَاهَا آكلُّ مَحْمَدَةٍ *** وَنُورُهَا قَد أَزَالَ كلَّ مَظْلَمَةٍ
وَهْيَ الَّتِي مِنْ سَنَاهَا كلُّ مَكْرُمَةٍ
دامت لدينا ففاقت كل معجزة * من النبيين إذ جاءت ولم تدم
ما مثلها أبدا في الآي من شبه *** وحكمها في القضايا غير مشتبه
بكل حي يراها كل منبته
محكمات فما تبقين من شبه * لذي شقاق وما تبغين من حكم
قد ظهرت في الفنون أعجب العجب *** وأفحمت عقل كل العجم والعرب
فقل لمن يمتري فيها مدي الحقب
ما حوربت قط إلا عاد من حرب * أعدي الأعادي إليها ملقي السلم
حبالها في الهدي بشري لقابضها *** والويل بعد الردي يلفي لرافضها
فهي التي في الوري يسر فائصها
ردت بلاغتها دعوي معارضها * رد الغيور يد الجاني عن الحرم
وكم مزايا لها أربت علي العدد *** تشفي صدور الوري بالفوز والرشد
لكنها أبدا تلقي مدي الأبد
لها معان كموج البحر في مدد * وفوق جوهره في الحسن والقيم
بها طريق الهدي زالت غياهبها *** وجل صاحبها حقا وطالبها
وهي التي في العلا جلت مراتبها
فما تعد ولا تحصي عجائبها * ولا تسام علي الإكثار بالسأم
بشري لمن بحلاها الله جمله *** وللذي لهداها الله أهله
لكنه في العلا أحل منزله
قرت بها عين قاريها فقلت له * لقد ظفرت بحبل الله فأعتصم
بشري لمن في الوري بوعظها اتعظا *** وقدره في العلا بقفوها لحظا
فقل لمن في الوري لعهدها حفظا
إن تتلها خيفة من حر نار لظي * أطفأت حر لطي من وردها الشبم
من نالها في الوري يحظي بمطلبه *** دنيا وأخري ويصفوا كأس مشربه
فهي التي في هداها دون مشتبه
كأنها الحوض تبيض الوجوه به * من العصاة وقد جاؤه كالحمم
وهي التي لم تزل للحق مظهرة *** وبالهدي للهوي واللهو مبطلة
لكن أنوارها كالشمس مشرقة
وكالصراط وكالميزان معدلة * فالقسط من غيرها في الناس لم يقم
لملا وخير الوري في الكون مظهرها *** لكن فضائلها ما العد يحصرها
وهي التي فاض بالعرفان كوثرها
لا تعجبن لحسود راح ينكرها تجاهلا وهو غين الحاذق الفهم
فمعضل الضر ما قد من حسد *** ومعظم الشر ما قد كم في الخلد
فلا تثق بالعدا في بعض ذي رشد
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد * وينكر الفم طعم الماء من سقم
فالمصطفي عمم المولي رسالته *** لذاك أهل الردي راموا عداوته
فسل هداه وقل تنل إغاثته
يا خير من يمم العافون ساحته * سعيا وفوق متون الأينق الرسم
أنت الذي نرتجي بكم مدي عمري *** دنيا وأخري دفاع الغم والضرر
وحاش فيك يخيب الظن يا وزري
ومن هو الآية الكبرى لمعتبر * ومن هو النعمة العظمي لمغتنم
أنت الذي لا تزال كوثر الحكم *** وفي الوجود محل الجود والكرم
وأنت في ليلة الإسرا بلا حلم
سريت من حرم ليلا إلي حرم * كما سري البدر في داج من الظلم
أنت فوق براق جبت مرحلة *** لبيت قدس به صليت نافلة
لكن لك الأنبيا تري مبجلة
وبت ترقي إلي أن نلت منزلة * من قاب قوسين لم تدرك ولم ترم
أنت خصصت من بين الوجود بها *** لما حللت العلا بالذات منتبها
ولم تزل في العلا تعلو بمنصبها
وقدمتك جميع الأنبياء بها * والرسل تقديم مخدوم علي خدم
أنت من بين أملاك تحف بهم *** كالنور للخلق في تنوير غيهبهم
وكل من في العلا منهم ورالك يهم
وأنت تخترق السبع الطباق بهم * في موكب كنت فيه صاحب العلم
لسدرة المنتهي بك الأمين رقي *** وقال هذا انتهائي فارقي في الأفق
فسرت وحدك في العلا بلا فرق
حتي إذا لم تدع شأوا لمستبق * من الدنو ولا مرقي لمستنم
فمنك كل هدي في الكائنات أخذ *** وفي مهاوي البوار من قلاك نبذ
وأنت من بعد ما قلب العداة وقذ
خفضت كل مقام بالإضافة إذ * نوديت بالرفع مثل المفرد العلم
دعاك ربك أقبل تحظ بالظفر *** ونيل ما تبتغي من كل ما وطر
فقلت لبيك إني من سواك بري
كيما تفوز بوصل أي مستتر * عن العيون وسر أي مكتتم
ظفرت بالمرتجي من ربك الملك *** لما أرتقيت بأوج قبة الفلك
ومنه نلت دنوا دون منتهك
فحزت كل فخار غير مشترك * وجزت كل مقام غير مزدحم
رأيت ربك في العلا بلا حجب *** وحزت منه الذي ترجو من الأرب
وفقت كل كمال غير مكتسب
وجل مقدار ما وليت من رتب * وعز إدراك ما أوليت من نعم
أنت الذي بك رب العرش فضلنا *** علي سوانا وللإسلام أهلنا
وأنت لا زلت في الدارين موئلنا
بشري لنا معشر الإسلام إن لنا * من العناية ركنا غير منهدم
فإننا داخلون في شفاعته *** وساكنون جميعا في حمايته
وكنا الربحسار في بضاعته
لما دعا الله داعينا لطاعته * بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم
يفشي الناظرين عند نظرته *** من سر هيبنه وحسن نضرته
لذاك بين الوري من نور طلعته
راعت قلوب العدا أنباء بعثته *** كنبأة أجفلت غفلا من الغنم
فهو الذي في الوري كالنور في الحلك *** مؤيدا بهدي المهيمن الملك
وهو الذي في العدا في سائر الحبك
مازال يلقاهم في كل معترك *** حتي حكوا بالقنا لحما علي وضم
يا ويلهم حيث لم يرضوا بمدهبه *** وحاربوه وصدو عن تقربه
وأبصروه يزيد في تغلبه
ودوا الفرار فكادوا يغبطون به *** أشلاء شالت مع العقبان والرخم
من بغضه نفسهم حازت مضرتها *** دنيا وأخري ولم تلقي مسرتها
لذاك من بعدما نالوا معرتها
تمضي الليالي ولا يدرون عدتها *** ما لم تكن من ليالي الأشهر الحرم
وصحب خير الوري نالوا مفازتهم *** به وحازوا لدي الدارين راحتهم
فهم في الوري نالوا كرامتهم
كأنما الدين ضيف حل ساحتهم *** بكل قرم إلي لحم العدا قرم
يا ويح أعدائهم من كل جائحة *** نفسهم تشتكي بكل جارحة
وكل قرم غدا منهم بصائحه
يجر بحر خميس فوق سابحة *** يرمي بموج من الأبطال ملتطم
لله درهم من صحب خير نبي *** نلنا به رفعة تسمو علي الرتب
يا ويل قايهم لم ينج بالهرب
من كل منتدب لله محتسب * يسطوا بمستأصل للكفر مصطلم
باعوا نفوسهم في نيل مطلبهم *** لله فارتفعوا في عز منصبهم
وضاء بين الأعادي نهج غيهبهم
حتي غدت ملة الإسلام وهي بهم من بعد غربتها موصولة الرحم
فهم نجوم اهتدا علوا علي رتب *** جادوا بأنفسهم في العجم والعرب
فصارت الملة السمحا مدي الحقب
مكفولة أبدا منهم بخير أب * وخير بعل فلم تيتم ولم تنم
يا فوز من قد غدا في الكون خادمهم *** ويا شقاوة من أضحي مخاصمهم
فقل لمن صار في الهيجا محاربهم
هم الجبال فسل عنهم مصادمهم * ماذا رأي منهم في كل مصطدم
ففضلهم مد بدي في الخلق ما جحدا *** ونورهم في العلا بين الوري شهدا
بذا أقر العدا فأسئلهم أبدا
وسل حنينا وسل بدرا وسل أحدا * فصول حتف لهم أدهي من الوخم
يا ويح أنفسهم يخوفها أرتعدت *** لا سيما إن تكن نار الردي اتقدت
من أجل من لهم فضائل شهدت
المصدري البيض حمرا بعدما وردت * من العدا كل مسودة من اللمم
والفاتحين لباب قبل ما سلكا *** والجازمين بنفس في العدا فتكت
والكاتبين لكتب بالهدي انتهكت
والكاتبين بسمر الخط ما تركت * أقلامهم حرف جسم غير منعجم
بين الوري في الوغي لم يبد معجزهم *** سيان أهل الغني منهم ومعوزهم
تراهم ورسول الله مركزهم
شاكي السلاح لهم سيما تميزهم * والورد يمتاز بالسيما عن السلم
قد عظم الله في الأكوان قدرهم *** وأبد الحق بالتاييد نصرهم
فهم إذا جئتهم تنال سرهم
تهدي إليك رياح النصر نشرهم * فتحسب الزهر في الآكام كل كمي
تحكيهم في عظيم النصر ريح صبا *** قد ورثوا للأعادي في الوغي وصبا
فهم إذا ما جواد المشركين كبا
كأنهم في ظهور الخيل نبت ربا * من شدة الحزم لا من شدة الحزم
فكل قال لهم في دمعه غرقا *** ومن مخافته تعود الأرقا
وهم لنصر النبي لما أتوا فرقا
طارت قلوب العدا من بأسهم فرقا * فما تفرق بين البهم والبهم
ومن يضللهم تجل حسرته *** لكنه في اللوري تبدو معرته
وليس تنفعه في الخلق عبرته
ومن تكن برسول الله نصرته * إن تلقه الأسد في آجامها تجم
فهم به في الوري كالنور في البصر *** يشفي بهم في الأنام معضل الضرر
فلا تري منهم من ليس ذا ظفر
ولن تري من ولي غير منتصر * به ولا من عدو غير منقصم
فالأسد في غابتها تعنو لصولته *** لأنه فعله مقرون قولته
وهو الذي في الوري يغني بنحلته
أحل أمته في حرز كلته * كالليث حل مع الأشبال في أجم
فمثلهم لا يري في سائر الملل *** ولا شبيه الرسول جاء في الرسل
فهو الذي فضله بين الأنام جلي
كم جدلت كلمات الله من جدل * فيه وكم خصم البرهان من خصم
آياته في العلا صارت مبرزة *** وعن سواها تري حقا مميزة
قل للذي نفسه تلفي مميزة
كفاك بالعلم في الأمي معجزة * في الجاهلية والتأديب في اليتم
قرت عيون ذوي النهج القويم به *** وفضله كل قال قد أقر به
فهو الرسول الذي منذ استجرت به
خدمته بمديح أستقيل به * ذنوب عمر مضي في الشعر والخدم
أنا الذي في السوي هواه غالبه *** وذو الهوي الغالب الهوان صاحبه
واخجلتي بهما ممن أراقبه
إذ قلداني ما تخشي عواقبه * كأنني بهما هدي من النعم
قبل الشباب انتهكت بالهوي حرما *** وبعده لم أزل باللهو مغتنما
فكيف يرجي خلاصي بعدما بهما
أطعت غي الصبا في الحالتين وما * حصلت إلا علي الآثام والندم
نفسي علي فحيشها ترضي بحالتها *** وعيبها لا تراه من خساستها
ولمترد غير ضري من غواياتها
فيا خسارة نفسي في تجارتها * لم تشتري الدين بالدنيا ولم تسم
وردت كاس الهوان من مناهله *** لما هوت بالهوي نفسي لباطله
وبعت باق بفان عند نائلة
ومن يبع آجلا منه بعاجله * يبن له الغبن في بيع وفي سلم
أنا الذي بالهوي ضيعت مفترضي *** ولم يجد أحدا يشفي ردي مرضي
لكنني في الوري من غير معترض
إن آت ذنبا فما عهدي بمنتقض * من النبي ولا حبلي بمنصرم
فإنني باسمه تحف تهنيتي *** لأنه أحمد من دون تزكيتي
وإن تكن عن عيوني بان تسليتي
فإن لي ذمة منه بتسميتي * محمدا وهو أوفي الخلق بالذمم
ما لي سواه أراه في الوري سندي *** أرجوه في النائبات خير معتمد
وهو الملاذ الذي عددته لغد
إن لم يكن في معادي آخذا بيدي * فضلا وإلا فقل يا زلة القدم
أنا الذي لم أزل في الخلق خادمه *** ودر أمداحه لازلت ناظمه
وهو الي عهده لم يلف صارمه
حاشاه أن يحرم الراجي مكارمه * أو يرجع الجار منه غير محترم
ما أنفك للفضل في الأكوان مانحه *** ولا يزال لباب الخير فاتحه
فكم أنال لسعي منه رابحه
ومنذ ألزمت أفكاري مدائحه * وجدته لخلاصي خير ملتزم
يعطي لكل أمرئ ما نفسه طلبت *** ولا يحجب نفسا بابه قصدت
لكن آلآءه كل الوري شملت
ولن يفوت الغني منه يدا تربت * إن الحيا ينبت الأزهار في الأكم
نفسي بأمداحه من الردي سلمت *** نعم بعجزي علي إحصاءها اعترفت
لكن لحسن القبول منه قد طلبت
ولم أرد زهرة الدنيا التي اقتطفت * يدا زهيرا أثني علي هرم
إني إذا ضاق قلبي من تقلبه *** ورمت كشف الذي قد استقر به
أقول كيما أنال ما أسر به
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به * سواك عند حلول الحادث العمم
فأنت لي غدةفي سائر الكرب *** تعودت منك نفسي مبلغ الأرب
فأمنن علي بدفع كل ذي عطب
ولن يضيق رسول الله جاهك بي * إذا الكريم تحلي باسم منتقم
فمنك قد أحرزت نفسي مسرتها *** وعن مناهجها تنفي مضرتها
لئن أعرت المعاني منك نضرتها
فأن من جودك الدنيا وضرتها * ومن علومك علم اللوح والقلم
أنت الملاذ إذا حبالها انصرمت *** أنت المجير إذا نار الردي أضطرمت
لذاك قلت لنفسي مذ بكا أعتصمت
يا نفسي لا تقنطي من زلت عظمت * إن الكبائر في الغفران كاللمم
فالله رحمته ذو الضعيف يغنمها *** وهل لنفسي إلا الله يرحمها
ولي خطايا كثيرة ومعظمها
لعل رحمة ربي حين يقسمها * تأتي علي حسب العصيان في القسم
يا رب إني عبد الأنام مسي *** فاقت ذنوبي عن نفسي وعن نفسي
فلتعف عني وطهرني من الدنس
يا رب واجعل رجائي غير منعكس * لديك واجعل حسابي غير منخرم
وارفع لأصلي في الفردوس منزلة *** وأحفظه دنيا وآخرة واغفرن له
وأنت مولاي صن بالفضل موئله
وألطف بعبدك في الدارين إن له * صبرا متي تدعه الأهوال ينهزم
وعند موتي أنلني خير خاتمة *** ونجني دائما من كل داهمة
وانزلن علينا كل راحمة وأذن
وائذن لسحب صلاة منك دائمة * علي النبي بمنهل ومنسجم
وآله المحرزين في العلا رتبا بها *** تباهي العلا وصحبه النجبا
مع من قفا نهجهم في الدين محتسبا
ما رنحت عذابات البان ريح صبا * وأطرب العيس حادي العيس بالنغم
قل لي بماذا تحس غير محتشم
أمن تذكر جيران بذي سلم *** مزجت دمعا جري من مقلة بدم
قل لي قضاياك إن العشق ذو سمة *** تبدو وإن يخفه بكل كاتمة
أهيج الشوق منك لوم لائمة
أم هبت الريح من تلقاء كاظمة *** وأومض البرق في الظلماء من إضم
فهاج ما بصميم القلب قد ثبتا *** من كامن الوجد عن حب به نبتا
قل لب فمثلك عن الهوى التفتا
فما لعينيك إن قلت أكففا همتا *** وما لقلبك إن قلت استفق يهم
ما ذاك إلا لأن الحب محتكم *** في القلب منك ونار الشوق تضطرم
والصبر عنك مدي الأحيان منصر
أيحسب الصب أن الحب منكتم *** ما بين منسجم منه ومضطرم
وكيف يخقي الغرام وهو فيك جلي *** وشاهد السهد منك قام في المقل
وأنت حقا حليف السقم والعلل
لولا الهوي لم ترق دمعا علي طلل *** ولا أرقت لذكر البان والعلم
لا سيما والدواهي فيك قد حشدت *** ومنك زفرات أنفاسي الجوي ارتعدت
وفيكحقا علامات الهوي شهدت
فكيف تنكر حبا بعدما شهدت *** به عليك عدول الدمع والسقم
وَفِيكَ أَبْدَى نُحُولُ الَّذاتِ مَا كمِنَا *** فَصِرْتَ مِنْ بَعْدِ لَذَّاتٍ حَلِيفَ عَنَى
فكيف تحسبه وقد علنا
وأثبت الوجد خطي عبرة وضني*** مثل البهار علي خديك والعنم
أَقْلَقَنِي أَحْرَقَنِي *** وَلاَ تَخَفْ دَرْكًا قًدْ كَانَ قُلْ لِي فَإِنَّ الجَوَى مِنْ قَبْلُ
فإنني بك دين الحب ألحقني
نعم سري طيف من أهوي فأرقني *** والحب يعترض اللذات بالألم
مُضْرمَةٍ مُصَوِّرَةً *** وَالنَّفْسُ مَأْسُورَةٌ بِالشَّوْقِ وَفِكْرَتِي لَمْ تَزَلْ لَهُ
وَلاَ تَرَاهَا لِسِرِّ الحُبِّ مُظْهِرَةً
يا لائمي في الهوي العذري معذرة *** مني إليك ولو أنصفت لم تلم
لا يعذل الصب إلا غير مختبر *** وليس يعذرهإلا أخو تظهر
يكابد الشوق للأحباب في السحر
عدتك حالي لا سري بمستتر *** عن الوشاة ولا دائي بمنحسم
قلبي بنار الغرام الشوق يصرعه *** وعدتك كل اللواحي ليس ينفعه
وأنت من بين من بالوعظ يردعه
محضتني النصح لكن لست أسمعه *** إن المحب عن العذال في صمم
لا سيما في شبابي اتجر ذلك لي *** عند الصبا والتصابي عنه كنت خلي
هيهات أصغي إلي العذال من خبلي
إني اتهمت نصيح الشيب في عذل *** والشيب أبعد في نصح عن التهم
فطالما العين مني بالدمي لفظت*** والروح مني علي جمر اللظي لحظت
لكنها إن تكن للعهد ما حفظت
فإن أمارتي بالسوء ما اتعظت *** من جهلها بنذير الشيب والهرم
أنا الذي لم أزل بالعيب مشتهرا *** مغرور نفس بها ما كنت معتبرا
لأجلها لم أكن للخير مدخرا
ولا أعدت من الفعل الجميل قري*ضيف ألم براسي غير محتشم
أسر شرا وفعل الخير أظهره *** لكي أغر امرءا أروم أغدره
والشيب قد قام فوق الرأس ينذره
لو كنت أعلم أني ما أوقره * كتمت سرا بدا لي منه بالكتم
فكم وقفت بنفسي في هدايتها *** عسي أفوز بحسني في نهايتها
لكنها أوقعتني في اذايتها
من لي برد جماح من غوايتها *كما يرد جماح الخيل باللجم
وكم دعاني المنادي بعد دعوتها *** إلي الرشاد لنيل لين قسوتها
وقال لي إن ترد إذهاب شقوتها
فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها * إن الطعام يقوي شهوة النهم
والنفس منك إذا كلفتها عملا *** فارفق بها كي تنال عندها الأملا
فالذات تصلحها لذات ما اعتدلا
والنفس كالطفل إن تهمله شب علي * جب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
وداء نفسك قابلة ليشفيه *** دواء تقواك واجهد أن تقويه
وإن ترد نفسك العظمي مقويه
فاصرف هواها وحاذر أن توليه * إم الهوي ما تولي يصم أو يصم
فالنفس فيما يضر الروح قائمة *** وعن منافعها في الكون نائمة
فاستوثقن قيدها فتلك هائمة
وراعها وهي في الأعمال سائمة * وإن هي استحلت المرعي فلا تسم
فهي التي لم تزل للظلم حاملة *** وعن سبيل الهوي لم تلف عادلة
ولن نراها لأهل البغي عاذلة
كم حسنت لذة للمرء قاتلة * من حيث لم بدر أن السم في الدسم
من نفسه أسرنه ظل في جزع *** وفي مهاوي الشهاوي ضل من فزع
فلتحذرن ورعا يقضي إلي طمع
واخش الدسائس من جوع ومن شبع * فرب مخمصة شر من التخم
فقلما النفس من داء الهوي برئت *** زنارها بالملام قلما انطفأت
فكن لها قامعا إن شمتها اجترأت
واستفرغ الدمع من عين قد امتلأت * من المحارم والزم حمية الندم
للفنس كل نبيه صار متهما *** ولك يخسر في هواها كل من فهما
فاحذر تتبعها ما كان منبهما
وخالف النفس والشيطان واعصهما * وإن هما محضاك النصح فاتهم
كلاهما الشر في ذاتيهما احتكما *** ومنهما لم ينل ذو حكمة حكما
حذار أن تحكمن بما به حكما
ولا تطع منهما خصما ولا حكما * فأنت تعرف كيد الخصم والحكم
للحق بينهما الإنسانلم يصل *** لا سيما إن يكن أخا كسل
يريد خيرا ولكن غاص في الزلل
أستغفر الله من قول بلا عمل * لقد نسبت به نسلا لذي عقم
نبهت غيري وإني غير منتبه *** والقلب مني عاص في تقلبه
يا صاح والخير لم أسلك بمذهبه
أمرتك الخير لكن ما ائتمرت به * وما استقمت فما قولي لك استقم
ذَاتِي أَرَاهَا بِثَوْب الكِبْرِ رَافِلَةً *** وَالنَّفْسُ عَنْ كلِّ مَا أَرْضَاهُ غَافِلَةً
وَالُّروحُ لاَ شَكَّ أَنْ تَصِيَر آفِلَةً
ولا تزودت قبل الموت نافلة * ولم أصل سوي فرض ولم أصم
لَمْ یَرْضَ فِعْلِيَ بَيْنَ الخَلْقِ مِنْ عَقِلاَ *** لِأَنَّنِي لَمْ أَزَلْ بِاللَّهْوُ مشْتَغِلاَ
وَلِلْهَوَى فِي الَّذِي یَهْوَاهُ مُمَتَثِلاَ
ظلمت سنة من أحيا الظلام إلي * أن اشتكت قدماه الضر من ورم
قَدْ قَامَ وَالغَيْرَ فِي فُرْشِ الرُّقَادِ هوى *** وَمَا دَعَاهُ إِلَى غَيْر الَّرشَادِ هَوَى
لَكِنَّهُ كلُّ فَضْلٍ فِي العِبَادِ حَوَى
وشد من سغب أحشاءه وطوي * تحت الحجارة كشحا مترف الأدم
وَلَيْسَ ذَلِكَ عَنْ قِلٍّ مِنَ النَّشَبِ *** أَوْ فِي تَحَمُّلِهِ لِذَاكَ مِنْ نَصَبِ
بَلْ عِنْدَهُ آُلُّ مَا یَرْضَاهُ مِنْ أرَبِ
وراودته الجبال الشم من ذهب * عن نفسه فأراها أيما شمم
فَهُو الَّذِي قَدْ عَلَتْ فِي المَجْدِ رُتْبَتُهُ *** وَلَمْ تُنَلْ أَبَدًا فِي الخَلْقِ رفْعَتُهُ
لَكِنَّهُ فِي الدُّنَى لَمْ تُلْفَ رَغْبَتُهُ
وأكدت زهده فيها ضرورته * إن الضرورة لا تعدو علي العصم
مَا اضْطَرَّ إِلاًّ إِلَى مَوْلاَهُ كلًّ زَمَنْ *** لَكِنْ ضَرُورَتَهُ فِيهَا السُّرُوُر سَكَنْ
وَالَّلهُ قَد خَصَّهُ بَيْنَ الأَنَامِ بِمَنْ
وكيف تدعوا إلي الدنيا ضرورة من * لولاه لم تخرج الدنيا من العدم
سِرُّ الُوجُودِ الَّذِي قَدْ حَلَّ لِلثَّقَلَيْ *** نِ بُسْط مِنْوَالِ فَضْلِ بَعْدَ أَحْكَمَ لي
ذَلكَ الَّذِي مِنْهُ تَأْتِي المَكْرَمَاتُ إلي
محمد سيد الكونين والثقلين * والفريقين من عرب ومن عجم
بِفَضْلِهِ الأَنْبِيَاءُ فِي الوَرَى شَهِدُوا *** لَكِن فَضَائِلَهُ لَمْ یَحْصِهَا عَدَدُ
فَهْوَ الَّذِي مِنْهُ یَاتِي لِلْوَرَى المَدَدُ
نبينا الآمر الناهي فلا أحد * أبر في قول لا منه ولا نعم
هُوَ المُجِيرُ لِمَنْ قَّلتْ بِضَاعَتُهُ *** مِنَ الأُجُوِر وَضَاعَتْ مِنْهُ طَاعَتُهُ
هُوَ المُرْجَّى لِمَنْ جَلَّتْ تَبَاعَتُهُ
هو الحبيب الذي ترجي شفاعته * لكل هول من الأهوال مقتحم
فَحُبُّهُ خَيْرَ مَا عَيْنِي تَقَرُّ به *** وَخَيْر مَا العَبْدُ یَاتِي فِي تَقَّربِهِ
لِأَنَّهُ فِي الَورَى أَجَّل مُنْتَبِهٍ
دعا إلي الله فالمستمسكون به * مستمسكون بحبل غير منفصم
فَإِنَّهُ عُروَةٌ وُثْقَى لِكُلِّ تَقِي *** وَمَلجَأٌ یُرتَجَى لِكُلِّ ذِي فَرَقِ
وَهْوَ الَّذِي مَجْدُهُ بَيْنَ الأَنَامِ رقي
فاق النبيين في خلق وفي خلق * ولم يدنوه في علم ولا كرم
فَالنُّورُ مِنْ ذَاتِهِ فِي الكَوْنِ یُقْتَبَسُ *** وَالجُودُ مِنْ كَفِّهِ لِلْخَلْقِ یُلْتَمَسُ
فَالأَنْبِيَاءُ لَهُمْ مِنْ سِرِّهِ قَبَسُ
وكلهم من رسول الله ملتمس * غرفا من البحر أو رشفا من الديم
فَإِنَّهُ هُوَ فِيهِمْ أَصْلُ مَجْدِهِمْ *** وَمِنْهُ فِي الخَلْقِ سَارَ رُشْدِهِمُ
وَإِنًّهُمْ مِنْ نَدَاهُ نَيْلُ قَصْدِهِمُ
وواقفون لديه عند حدهم * من نقطة العلم أو من شكلة الحكم
فَهْوَ الَّذِي حَسُنَتْ فِي الخَلْقِ سِيرَتُهُ *** وَمِنْ دَوَاعِي الهَوَى صَفَتْ سَریرَتُهُ
لَئِنْ أَضَاءَتْ لَنَا الأَكْوَانَ بَشْرَتُهُ
فهو الذي تم معناه وصورته * ثم اصطفاه حبيبا بارئ النسم
قَد عَّم ظَاهِرهُ أَنْوَارُ بَاطِنِهِ وَالفَضْلُ لِلْخَلقِ جَاءَ مِنْ خَزَائِنِهِ
وَهُوَ الَّذِي بِعُلاَهُ فِي مَوَاطِنِهِ
منزه عن شريك في محاسنه * فجوهر الحسن فيه غير منقسم
لِأَجْلِهِ الخَلْقُ قَدْ كانُوا بِأَسْرِهِمُ *** وَهْوَ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمُ
فَإِنَّ تُردْ وَصْفَهُ مِنْ بَيْنِ حِزْبِهِمُ
دع ما ادعته النصارى في نبيهم * واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم
فَإِنَّهُ جَوْهَرٌ وَالغَيْرُ كالصَّدَفِ *** وَكنْهُ مِقْدَاِرهِ عَنِ العُقُولِ خَفِي
فَامْلَأْ بِأَمْدَاحِهِ مَا شِئْتَ من صحف
وانسب إلي ذاته ما شئت من شرف* وانسب إلي قدره ما شئت من عظم
فَهْوَ الَّذِي عَنْ سِوَاهُ اللًّهُ فَضَّلَهُ *** وَشَادَ فَوقَ ذُرَى العَلْيَاءِ منزله
قُل لِلَّذِي رَامَ أَنْ یُحْصِي فَضَائِلهُ
فإن فضل رسول الله ليس له * حد فيعرف عنه ناطق بفم
مَقَامُهُ فِي العُلا عَلَى سِوَاهُ سَمَا *** وَقَدْرُهُ فِي العُلا بَيْنَ الَوَرى عَظُمَا
لَكِنَّهُ عَجَزَتْ عَنْ وَصْفِه العُظَمَا
لو ناسبت قدره آيته عظما * أحيا اسمه حين يدعي دارس الرمم
لِرُوحِنَا مِنْهُ یَسْرِي مَا تُسَّر به *** وَمِنْهُ كلُّ امْرِئٍ یَحْضَى بِمَطْلَبِهِ
وَقَدْ دَعَانَا إِلَى سُلُوكِ مَذْهَبِهِ
لم يمتحنا بما تعيا العقول به * حرصا علينا فلم نرتب ولم نهم
فَهُوَ الَّذِي سِرُّهُ فِي الكَائِنَاتِ سَرَى *** وَقَدرُهُ تَحْتَ عِزِّ رَبِّه اسْتَتَرَا
لَكِنَّهُ بَعْدَمَا آَمَالُهُ ظَهَرَا
أعيا الوري فهم معناه فليس يري * في القرب والبعد فيه غير منفحم
مَا مِثْلُهُ فِي الَورَى یُلْغَى مَدَى الأَبَدِ *** لِأَنَّ فِيِه انْطَوى مَا لَيْسَ فِي أحد
لَكِنَّهُ قَد بَدَا فِي النَّاسِ لِلَّرشَد
كالشمس تظهر للعينين من بعد * صغيرة وتكل الطرف من أمم
لِأَجْلِهِ أَوْجَد المَوْلَى خَلِيقَتَهُ *** وَلِلْهُدَى فِي الَورَى أَبْدَى طَریقَتَهُ
لَكِنَّهُ عَنْهُمْ أَخْفَى خَلِيقَتَهُ
وكيف يدرك في الدنيا حقيقته * قوم نيام تسلوا عنه بالحلم
فِي كنْهِ خِلْقَتِهِ قَدْ حَارَتِ الفِكَر *** وَحُسْنُهُ كلَّ عَنْهُ الطَّرفَ وَالنَّظَر
لِذَا عَلَى وَصْفِهِ المُدَّاحُ مَا قَدَرُوا
فمبلغ العلم فيه أنه بشر * وأنه خير خلق الله كلهم
آیَاتُهُ مَا لَهَا حَصْر یُحِيطُ بِهَا وَحُكْ *** مُهَا لَمْ یَكُنْ فِي الخَلْقِ مُشْتَبِهَا
وكلُّ قَالٍ لَهُ فِي النَّاسِ قَالَ بِهَا
وكل أي أتي الرسل الكرام بها * فإنما اتصلت من نوره بهم
مَا كانَ مِنْ مُعْجِزَاتٍ فَهْوَ صَاحِبُهَا *** لَكِنَّ آیَاتِه تَسْمُو مَرَاتِبُهَا
لَئِنْ أَتَى الأَنْبِيَا بِمَا یُقَاِربُهَا
فإنه شمس فضل هم كواكبها يظهرن أنوارها للناس في الظلم
فَالأَنْبِيَاءُ بِبَحِر نُوِرهِ غَرفُوا وَالأَوْلِ *** یَاءُ بِحَبْل عَهْدِه عَلِقُوا
وَالخَلْقُ آُلُّهُمُ مِنْ أَجْلِهِ خُلِقُوا
أكرم بخلق نبي زانه خلق *** بالحسن مشتمل بالبشر متسم
كمَالُهُ فِي العُلا فِي الخَلْق غَيْرُ خَفِي *** وَالحُسْنُ فِي خَلْقِهِ بَيْنَ الأَنَامِ وَفِي
فَهْوَ الَّذِي فِي الوَرَى فِي الفَضْلِ إِنْ تَصِفِ
كالزهر في ترف والبدر في شرف والبحر في كرم والدهر في همم
فَلا هِدایَةَ إِلاَّ مِنْ دَلاَلَتِهِ *** ولاَ سَعَادَة إِلاَّ مِنْ كفالته
فَهُوَ الَّذِي فِي الَورَى بِحُسْن حِالَتِهِ
كأنه وهو فرد من جلالته في عسكر حين تلقاه وفي حشم
فَكُلُّ نَقْصٍ فَعَنْهُ فِي الُوجُودِ نَفِي *** وَكلُّ فَضْل فَمِنْهُ لِلْأَنَاِم یَفِي
فَهُوَ الَّذِي لَمْ یَزلْ فِي الكَوْنِ ذَا شَرَفِ
كأنما اللؤلؤ المكنون في صدف * من معدني منطق ومبتسم
فَاللَّهُ بَيْنَ الَورَى فِي الكَوِن عَظَّمَهُ *** لَكِنْ عَلَى الُّرسْل وَالأَمْلاَكِ قَّدمَهُ
فَقُلْ لِمَنْ بِهَدَاهُ اللَّهُ أكرمه
لا طيب يعدل روضا ضم حضرته * طوبي لمنتشق منه وملتثم
فَهُو المَقَامُ الَّذِي یَسْمُو بِمَفْخَرهِ *** وَالنُّوُر مِنْ نَحْوهِ یَبْدُو لِمُبْصِرهِ
لِمَ لاَ وَفِيِه نَوَى مِنْ عِنِد مَظْهِرهِ
أبان مولده عن طيب عنصره * يا طيب مبتدأ منه ومختتم
یَومٌ بِهِ نَالَ أَهْلُ الحَقِّ أَمْنَهُم *** وَعَظَّم اللَّهُ بَيْنَ الخَلْق شَأْنَهُمُ
یَوْمٌ بِهِ عدم الكُفَّارُ دِینَهُمُ
يوم تفرس فيه الفرس أنهمو * قد أنذروا بحلول البؤس والنقم
یَوْمٌ بِهِ المُشْركونَ كلُّهُمْ جَزَعُوا *** وَظَّل رُهْبَانُهُمْ بِقَلْبهِمْ فَزَعُ
لَكِنْ عَلَى وَجْهِهَا أَصْنَامُهُمْ تَقَعُ
وبات إيوان كسري وهو منصدع * كشمل أصحاب كسري غير ملتئم
تَسَاقَطَتْ مِنْ عُلاَهُ مُحْكَمُ الشَّرَفِ *** وَعَنْهم قَد جَلاَ مُحَكَّمُ الشُّرَفِ
وَنَجْمُهُمْ صَارَ مِنْ بَعْد الظُّهُوِر خَفِي
والنار خامدة الأنفاس من أسف * عليه والنهر ساهي العين من سدم
فَأَصْبَحَتْ نَفْسُهُمْ تَجلُّ حَيْرَتُهَا *** لَكِنَّهَا عَظُمَتْ لِذَاكَ حَسْرتُهَا
وَفِي الوَرَى افْتَضَحَتْ بِالسُّوءِ عَوْرَتُهَا
وساء ساوة أن غاصت بحيرتها * ورد واردها بالغيظ حين ظمي
خُمُودُ نَارِهِمُ قَدْ شَاعَ فِي الِملَل *** مِنْ بَعْدِ مَا اتَّقَدَتْ فِي الأَعْصُر الأُوَلِ
وَالمَاءُ أَوْقَعَهُمْ بِالغَوْرِ فِي المَلَل
كأن بالنار ما بالماء من بلل * حزنا وبالماء ما بالنار من ضرم
وَلِلْهنَاءِ بِهِ الأًمْلاَكُ رَافِعَةٌ *** رَایَات مَجْد إِلَى الأَحْزَانِ دَافِعَةٌ
وَلِلسُّرُورِ بِه الأَكوَانُ یَانِعَةٌ
والجن تهتف والأنوار ساطعة * والحق يظهر من معني ومن كلم
لَكِنَّ قَلْبَ ذَوِي الِإشْرَاكِ فِيِه أَلَم *** وَنَهْجُهُمْ فِي الَورَى باِلظُّلْمِ فِيِه ظُلَمْ
بَعْدَمَا بِهِمْ دَاعِي الفَلاَحِ أَلَم
عموا وصموا فإعلان البشائر لم * تسمع وبارقة الإنذار لم تشم
فَمَا تَحَّركَ بِالإِهَاصِ سَاكنُهُم *** مِنْ بَعْدِ مَا ارْتَاعَ بِالأَهْوالِ آمِنُهُم
وَلا اطْمَأَنَّ إِلَى التَّصْدیقِ مَائِنُهُمْ
من بعد ما أخبر الأقوام كاهنهم * بأن دينهم المعوج لم يقم
وَلاَ وَعُوا مَا عَلَيْهِمْ قُصَّ فِي الكُتُبِ *** بِأَنَّهُ سَيَجِيءُ المُصْطَفَى العَرَبِي
فَمَا بِهِ صَدَّقُوا مِنْ بَعْدِ كلِّ نَبِي
وبعد ما عاينوا في الأفق من شهب * منقضة وفق ما في الأرض من صنم
لَكِنَّ كهَّانَهُمْ بِغَيْضِهِمْ دُهِمُوا *** وَقَلْبُهُمْ بِسَعِيِر الهَمِّ مُضْطَرمُ
لَمَّا شَيَاطِينُهُمْ بِالشَّهْبِ قَد رُجِمُوا
حتي غدا عن طريق الوحي منهزم * من الشياطين يقفوا إثر منهزم
وَكلهُم فِي أَبَاطِيلٍ وَتُّرهَة *** مُنَفِّرُونَ لِلآرَاءٍ مُسَفَّهَةٍ
فَهُمْ بِذِلَّتِهِمْ مِنْ بَعْدِ أُبَّهَة
كأنهم هربا أبطال أبرهة * أو عسكر بالحصى من راحته رمي
بِهِ غَدَاة حُنَينٍ هَدَّ حِينَ رَمَى *** خَيْر الهُداَةِ فَعَادَ الكُفْر مُنْهَزِمَا
فَباِلحَصَاةِ حصاة قَلْبِهِمْ حُطَمَا
نبذا به بعد تسبيح ببطنهما * نبذ المسبح من أحشاء ملتقم
فَهْوَ الَّذي لَم تَزَلْ صَاعِدةً *** وَلَمْ تَزَلْ لِعلاَهُ الخَلقُ حَامِدةً
أَمَا تَرَى آیَهُ فِي الكَونِ نَافِدةً
جاءت لدعوته الأشجار ساجدة * تمشي إليه علي ساق بلا قدم
وَبَعْدَمَا امْتَثَلَتْ نِدَاءَه رَجَعَتْ *** بَعْدَ السَّلاَمِ عَلَيْه عِنْدَمَا وَقَفَتْ
وَبِاسْتِقَامَتِهَا قَد أَقْبَلَتْ وَسَعَتْ
كأنما سطرت سطرا لما كتبت * فروعها من بديع الخط باللقم
وَمُعْجِزَات لَهُ فِي الخَلْقِ ظَاهِرةٌ *** لِعَقْلِ كلِّ الَورَى فِي الكَوْنِ بَاهِرَةٌ
لَكِنَّهَا لِذَوِي العُدْوَانِ قَاهِرَةٌ
مثل الغمام أني سار سائرة * تقيه حر وطيس للهجير حمي
لِمْ لاَ تُظَلِّمُهُ وَاللَّهُ فَضَّلَهُ*** وَلَمْ یَصِلْ غَيُرهُ فِي الكَوْنِ مَنِزلَهُ
وَهْوَ الَّذِي رَحْمَةً لِلخَلْقِ أَرْسَلَهُ
أقسمت بالقمر المنشق إن له * من قلبه نسبة مبرورة القسم
قَدْء شَقَّهُ جِبْرَائِيلُ عَنْ رِضَى الحَكَمِ *** وَشَّدهُ بِالِّرضَى وَالحُكْم وَالحِكَمِ
فَاذْكرْ خَصَائِصَهُ فِي العرْبِ وَالعَجَم
وما حوي الغار من خير ومن كرم * وكل طرف من الكفار عنه عمي
دَعَاهُمُ للِهُدَى لَكِنَّهُمْ ظُلْمَا *** رَامُوا بِأَنْ یَغْتَالُوهُ وَهُوَ مَا ظَلَمَا
فَحَلَّ فِي غَارِهِ بِاللَّهِ مُعْتَصِمَا
فالصدق في الغار والصديق لم يرما * وهم يقولون ما بالغار من أرم
فِي الحِين فِي بَابِهِ الحَمَامُ قَدْ نَزَلاَ *** وَالعَنْكَبُوتَ عَلَيْهِ یَنْسَجُ الحُلَلاَ
وَالظَّالِمُونَ بِهِ قَدْ أَحْرزُوا الخَلَلاَ
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت علي * خير البرية لم تنسج ولم تحم
وَنَفْسُ خَيْرِ الأَنَامِ غَيْرُ خَائِفَةٍ *** إِلا عَلَى قَومِهِ مِنَ المُخَالَفَةِ
وَرَبُّهُ صَانَهُ عَنْ كلِّ طَائِفَةٍ
وقاية الله أغنت عن مضاعفة * من الدروع وعن عال من الأطم
فَهْوَ الَّرسُولُ الَّذي فُزْنَا بِمَذْهَبِهِ *** وَكلُّ مَنْ حَبَّهُ یَحْضَى بِمَطْلَبِهِ
إِنِّي وَحَقِ عَلاَ عَلْيَاءِ مَنْصِبِهِ
ما سامني الدهر ضيما واستجرت به * إلا ونلت جوارا منه لم يضم
فَمَا تَعَوَّدْتُ مِنْهُ غَيَر مْرفَدهِ *** وَفَضْلُهُ لَمْ أَزَلْ أَحْضَى بِمَوْرِدهِ
وَإِنَّنِي لَمْ یَخِبْ ظَنِّي بِمَقْصِدِهِ
ولا التمست غني الدارين من يده * إلا استلمت الندي من خير مستلم
فهو النبي الذي بالحق أرسله *** رب البرايا في الأكوان بجله
وهو الذي لعظيم الوحي أهله
لا تنكر الوحي من رؤياه إن له * قلبا إذا نامت العينان لم ينم
رؤياه بين الأنام مثل رؤيته *** حقا بجلوته أو عند خلوته
والوحي دون فتور عن طويته
وذاك حين بلوغ من نبوته * فليس ينكر فيه حال محتلم
فهو الذي قد رأي المولي بلا حجب *** وعنده نال حقا أرفع الرتب
وهو الذي بهداه وحي كل نبي
تبارك الله ما وحي بمكتسب * ولا نبي علي غيب بمتهم
فهو الذي في العلا جلت سماحته *** وفي الورى انفسحت للصفح ساحته
وهو الذي لم تزل بالله راحته
كم أبرأت وصبا باللمس راحته * وأطلقت أربا من ريقه اللمم
وكم سترت للشخص عورته *** وفرجت عنه بين الخلق غمته
وأهلكت في الوغى الأعداء سطوته
وأحيت السنة الشهباء دعوته * حتي حكت غرة في الأعصر الدهم
لما أتم الدعاوي بين طلبها *** أتت سحابة خيرات بصيبها
فاخضرت الأرض جينا بعد مجدبها
بعارض جاد أو خلت البطاح بها * سيبا من اليم أو سيلا من العرم
لِمْ لاَ وَسِرُّ هُدَاهُ فِي الوُجُودِ ثَبَتْ *** وَذَاتُهُ لِجَمِيعِ المَكْرمَاتِ حَوتْ
لِذَاكَ نَفْسِي بِأَمْدَاحٍ لَهُ شَغَفَتْ
دعني ووصفي آيات له ظهرت * ظهور نار القري ليلا علي علم
أَوْصَافُهُ دُرَرٌ بَدَتْ لَهَا قِيَم *** لَكِنَّهَا لِلنُّهَى فِيهَا یُرى عِظَم
لَئِنْ سَمَتْ بِنِظَامٍ نثرها هممٌ
فالدر يزداد حسنا وهو منتظم * وليس ينقص قدرا غير منتظم
عَلَيْهِ أَثْنَى إِلَهُ الخَلْقِ جَلَّ *** عُلاَ لَكَّن مِقْدارَهُ عِنْدَ الإِلَهِ عَلاَ
وَمَا امْرؤٌ لانْحِصَارِ مَدْحِهِ وَصَلاَ
فما تطاول آمال المديح إلي * ما فيه من كرم الأخلاق والشيم
عَلَيْهِ قَدْ أُنْزلَتْ آيٌ مُحَكَّمَةٌ *** أَحْكَامُهَا فِي سَبِيلِ الحَقِّ مُحْكَمَةٌ
وأنَّهَا لِلنُّهَي فِي الكَوْنِ مُعْجِزَةٌ
آيات حق من الرحمن محدثة * قديمة صفة الموصوف بالقدم
بِفَوزِ أَوْلَي الهُدَى جَاءَتْ تُبَشِّرُنَا *** وَبِالَوعِيِد لِأَهْل البَغْي تُنْذرُنَا
وَهْيَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مَا یُنَفِّرُنَا
آيات حق من الرحمن محدثة * قديمة صفة الموصوف بالقدم
قَدِ انْطَوَى فِي هُدَاهَا آكلُّ مَحْمَدَةٍ *** وَنُورُهَا قَد أَزَالَ كلَّ مَظْلَمَةٍ
وَهْيَ الَّتِي مِنْ سَنَاهَا كلُّ مَكْرُمَةٍ
دامت لدينا ففاقت كل معجزة * من النبيين إذ جاءت ولم تدم
ما مثلها أبدا في الآي من شبه *** وحكمها في القضايا غير مشتبه
بكل حي يراها كل منبته
محكمات فما تبقين من شبه * لذي شقاق وما تبغين من حكم
قد ظهرت في الفنون أعجب العجب *** وأفحمت عقل كل العجم والعرب
فقل لمن يمتري فيها مدي الحقب
ما حوربت قط إلا عاد من حرب * أعدي الأعادي إليها ملقي السلم
حبالها في الهدي بشري لقابضها *** والويل بعد الردي يلفي لرافضها
فهي التي في الوري يسر فائصها
ردت بلاغتها دعوي معارضها * رد الغيور يد الجاني عن الحرم
وكم مزايا لها أربت علي العدد *** تشفي صدور الوري بالفوز والرشد
لكنها أبدا تلقي مدي الأبد
لها معان كموج البحر في مدد * وفوق جوهره في الحسن والقيم
بها طريق الهدي زالت غياهبها *** وجل صاحبها حقا وطالبها
وهي التي في العلا جلت مراتبها
فما تعد ولا تحصي عجائبها * ولا تسام علي الإكثار بالسأم
بشري لمن بحلاها الله جمله *** وللذي لهداها الله أهله
لكنه في العلا أحل منزله
قرت بها عين قاريها فقلت له * لقد ظفرت بحبل الله فأعتصم
بشري لمن في الوري بوعظها اتعظا *** وقدره في العلا بقفوها لحظا
فقل لمن في الوري لعهدها حفظا
إن تتلها خيفة من حر نار لظي * أطفأت حر لطي من وردها الشبم
من نالها في الوري يحظي بمطلبه *** دنيا وأخري ويصفوا كأس مشربه
فهي التي في هداها دون مشتبه
كأنها الحوض تبيض الوجوه به * من العصاة وقد جاؤه كالحمم
وهي التي لم تزل للحق مظهرة *** وبالهدي للهوي واللهو مبطلة
لكن أنوارها كالشمس مشرقة
وكالصراط وكالميزان معدلة * فالقسط من غيرها في الناس لم يقم
لملا وخير الوري في الكون مظهرها *** لكن فضائلها ما العد يحصرها
وهي التي فاض بالعرفان كوثرها
لا تعجبن لحسود راح ينكرها تجاهلا وهو غين الحاذق الفهم
فمعضل الضر ما قد من حسد *** ومعظم الشر ما قد كم في الخلد
فلا تثق بالعدا في بعض ذي رشد
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد * وينكر الفم طعم الماء من سقم
فالمصطفي عمم المولي رسالته *** لذاك أهل الردي راموا عداوته
فسل هداه وقل تنل إغاثته
يا خير من يمم العافون ساحته * سعيا وفوق متون الأينق الرسم
أنت الذي نرتجي بكم مدي عمري *** دنيا وأخري دفاع الغم والضرر
وحاش فيك يخيب الظن يا وزري
ومن هو الآية الكبرى لمعتبر * ومن هو النعمة العظمي لمغتنم
أنت الذي لا تزال كوثر الحكم *** وفي الوجود محل الجود والكرم
وأنت في ليلة الإسرا بلا حلم
سريت من حرم ليلا إلي حرم * كما سري البدر في داج من الظلم
أنت فوق براق جبت مرحلة *** لبيت قدس به صليت نافلة
لكن لك الأنبيا تري مبجلة
وبت ترقي إلي أن نلت منزلة * من قاب قوسين لم تدرك ولم ترم
أنت خصصت من بين الوجود بها *** لما حللت العلا بالذات منتبها
ولم تزل في العلا تعلو بمنصبها
وقدمتك جميع الأنبياء بها * والرسل تقديم مخدوم علي خدم
أنت من بين أملاك تحف بهم *** كالنور للخلق في تنوير غيهبهم
وكل من في العلا منهم ورالك يهم
وأنت تخترق السبع الطباق بهم * في موكب كنت فيه صاحب العلم
لسدرة المنتهي بك الأمين رقي *** وقال هذا انتهائي فارقي في الأفق
فسرت وحدك في العلا بلا فرق
حتي إذا لم تدع شأوا لمستبق * من الدنو ولا مرقي لمستنم
فمنك كل هدي في الكائنات أخذ *** وفي مهاوي البوار من قلاك نبذ
وأنت من بعد ما قلب العداة وقذ
خفضت كل مقام بالإضافة إذ * نوديت بالرفع مثل المفرد العلم
دعاك ربك أقبل تحظ بالظفر *** ونيل ما تبتغي من كل ما وطر
فقلت لبيك إني من سواك بري
كيما تفوز بوصل أي مستتر * عن العيون وسر أي مكتتم
ظفرت بالمرتجي من ربك الملك *** لما أرتقيت بأوج قبة الفلك
ومنه نلت دنوا دون منتهك
فحزت كل فخار غير مشترك * وجزت كل مقام غير مزدحم
رأيت ربك في العلا بلا حجب *** وحزت منه الذي ترجو من الأرب
وفقت كل كمال غير مكتسب
وجل مقدار ما وليت من رتب * وعز إدراك ما أوليت من نعم
أنت الذي بك رب العرش فضلنا *** علي سوانا وللإسلام أهلنا
وأنت لا زلت في الدارين موئلنا
بشري لنا معشر الإسلام إن لنا * من العناية ركنا غير منهدم
فإننا داخلون في شفاعته *** وساكنون جميعا في حمايته
وكنا الربحسار في بضاعته
لما دعا الله داعينا لطاعته * بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم
يفشي الناظرين عند نظرته *** من سر هيبنه وحسن نضرته
لذاك بين الوري من نور طلعته
راعت قلوب العدا أنباء بعثته *** كنبأة أجفلت غفلا من الغنم
فهو الذي في الوري كالنور في الحلك *** مؤيدا بهدي المهيمن الملك
وهو الذي في العدا في سائر الحبك
مازال يلقاهم في كل معترك *** حتي حكوا بالقنا لحما علي وضم
يا ويلهم حيث لم يرضوا بمدهبه *** وحاربوه وصدو عن تقربه
وأبصروه يزيد في تغلبه
ودوا الفرار فكادوا يغبطون به *** أشلاء شالت مع العقبان والرخم
من بغضه نفسهم حازت مضرتها *** دنيا وأخري ولم تلقي مسرتها
لذاك من بعدما نالوا معرتها
تمضي الليالي ولا يدرون عدتها *** ما لم تكن من ليالي الأشهر الحرم
وصحب خير الوري نالوا مفازتهم *** به وحازوا لدي الدارين راحتهم
فهم في الوري نالوا كرامتهم
كأنما الدين ضيف حل ساحتهم *** بكل قرم إلي لحم العدا قرم
يا ويح أعدائهم من كل جائحة *** نفسهم تشتكي بكل جارحة
وكل قرم غدا منهم بصائحه
يجر بحر خميس فوق سابحة *** يرمي بموج من الأبطال ملتطم
لله درهم من صحب خير نبي *** نلنا به رفعة تسمو علي الرتب
يا ويل قايهم لم ينج بالهرب
من كل منتدب لله محتسب * يسطوا بمستأصل للكفر مصطلم
باعوا نفوسهم في نيل مطلبهم *** لله فارتفعوا في عز منصبهم
وضاء بين الأعادي نهج غيهبهم
حتي غدت ملة الإسلام وهي بهم من بعد غربتها موصولة الرحم
فهم نجوم اهتدا علوا علي رتب *** جادوا بأنفسهم في العجم والعرب
فصارت الملة السمحا مدي الحقب
مكفولة أبدا منهم بخير أب * وخير بعل فلم تيتم ولم تنم
يا فوز من قد غدا في الكون خادمهم *** ويا شقاوة من أضحي مخاصمهم
فقل لمن صار في الهيجا محاربهم
هم الجبال فسل عنهم مصادمهم * ماذا رأي منهم في كل مصطدم
ففضلهم مد بدي في الخلق ما جحدا *** ونورهم في العلا بين الوري شهدا
بذا أقر العدا فأسئلهم أبدا
وسل حنينا وسل بدرا وسل أحدا * فصول حتف لهم أدهي من الوخم
يا ويح أنفسهم يخوفها أرتعدت *** لا سيما إن تكن نار الردي اتقدت
من أجل من لهم فضائل شهدت
المصدري البيض حمرا بعدما وردت * من العدا كل مسودة من اللمم
والفاتحين لباب قبل ما سلكا *** والجازمين بنفس في العدا فتكت
والكاتبين لكتب بالهدي انتهكت
والكاتبين بسمر الخط ما تركت * أقلامهم حرف جسم غير منعجم
بين الوري في الوغي لم يبد معجزهم *** سيان أهل الغني منهم ومعوزهم
تراهم ورسول الله مركزهم
شاكي السلاح لهم سيما تميزهم * والورد يمتاز بالسيما عن السلم
قد عظم الله في الأكوان قدرهم *** وأبد الحق بالتاييد نصرهم
فهم إذا جئتهم تنال سرهم
تهدي إليك رياح النصر نشرهم * فتحسب الزهر في الآكام كل كمي
تحكيهم في عظيم النصر ريح صبا *** قد ورثوا للأعادي في الوغي وصبا
فهم إذا ما جواد المشركين كبا
كأنهم في ظهور الخيل نبت ربا * من شدة الحزم لا من شدة الحزم
فكل قال لهم في دمعه غرقا *** ومن مخافته تعود الأرقا
وهم لنصر النبي لما أتوا فرقا
طارت قلوب العدا من بأسهم فرقا * فما تفرق بين البهم والبهم
ومن يضللهم تجل حسرته *** لكنه في اللوري تبدو معرته
وليس تنفعه في الخلق عبرته
ومن تكن برسول الله نصرته * إن تلقه الأسد في آجامها تجم
فهم به في الوري كالنور في البصر *** يشفي بهم في الأنام معضل الضرر
فلا تري منهم من ليس ذا ظفر
ولن تري من ولي غير منتصر * به ولا من عدو غير منقصم
فالأسد في غابتها تعنو لصولته *** لأنه فعله مقرون قولته
وهو الذي في الوري يغني بنحلته
أحل أمته في حرز كلته * كالليث حل مع الأشبال في أجم
فمثلهم لا يري في سائر الملل *** ولا شبيه الرسول جاء في الرسل
فهو الذي فضله بين الأنام جلي
كم جدلت كلمات الله من جدل * فيه وكم خصم البرهان من خصم
آياته في العلا صارت مبرزة *** وعن سواها تري حقا مميزة
قل للذي نفسه تلفي مميزة
كفاك بالعلم في الأمي معجزة * في الجاهلية والتأديب في اليتم
قرت عيون ذوي النهج القويم به *** وفضله كل قال قد أقر به
فهو الرسول الذي منذ استجرت به
خدمته بمديح أستقيل به * ذنوب عمر مضي في الشعر والخدم
أنا الذي في السوي هواه غالبه *** وذو الهوي الغالب الهوان صاحبه
واخجلتي بهما ممن أراقبه
إذ قلداني ما تخشي عواقبه * كأنني بهما هدي من النعم
قبل الشباب انتهكت بالهوي حرما *** وبعده لم أزل باللهو مغتنما
فكيف يرجي خلاصي بعدما بهما
أطعت غي الصبا في الحالتين وما * حصلت إلا علي الآثام والندم
نفسي علي فحيشها ترضي بحالتها *** وعيبها لا تراه من خساستها
ولمترد غير ضري من غواياتها
فيا خسارة نفسي في تجارتها * لم تشتري الدين بالدنيا ولم تسم
وردت كاس الهوان من مناهله *** لما هوت بالهوي نفسي لباطله
وبعت باق بفان عند نائلة
ومن يبع آجلا منه بعاجله * يبن له الغبن في بيع وفي سلم
أنا الذي بالهوي ضيعت مفترضي *** ولم يجد أحدا يشفي ردي مرضي
لكنني في الوري من غير معترض
إن آت ذنبا فما عهدي بمنتقض * من النبي ولا حبلي بمنصرم
فإنني باسمه تحف تهنيتي *** لأنه أحمد من دون تزكيتي
وإن تكن عن عيوني بان تسليتي
فإن لي ذمة منه بتسميتي * محمدا وهو أوفي الخلق بالذمم
ما لي سواه أراه في الوري سندي *** أرجوه في النائبات خير معتمد
وهو الملاذ الذي عددته لغد
إن لم يكن في معادي آخذا بيدي * فضلا وإلا فقل يا زلة القدم
أنا الذي لم أزل في الخلق خادمه *** ودر أمداحه لازلت ناظمه
وهو الي عهده لم يلف صارمه
حاشاه أن يحرم الراجي مكارمه * أو يرجع الجار منه غير محترم
ما أنفك للفضل في الأكوان مانحه *** ولا يزال لباب الخير فاتحه
فكم أنال لسعي منه رابحه
ومنذ ألزمت أفكاري مدائحه * وجدته لخلاصي خير ملتزم
يعطي لكل أمرئ ما نفسه طلبت *** ولا يحجب نفسا بابه قصدت
لكن آلآءه كل الوري شملت
ولن يفوت الغني منه يدا تربت * إن الحيا ينبت الأزهار في الأكم
نفسي بأمداحه من الردي سلمت *** نعم بعجزي علي إحصاءها اعترفت
لكن لحسن القبول منه قد طلبت
ولم أرد زهرة الدنيا التي اقتطفت * يدا زهيرا أثني علي هرم
إني إذا ضاق قلبي من تقلبه *** ورمت كشف الذي قد استقر به
أقول كيما أنال ما أسر به
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به * سواك عند حلول الحادث العمم
فأنت لي غدةفي سائر الكرب *** تعودت منك نفسي مبلغ الأرب
فأمنن علي بدفع كل ذي عطب
ولن يضيق رسول الله جاهك بي * إذا الكريم تحلي باسم منتقم
فمنك قد أحرزت نفسي مسرتها *** وعن مناهجها تنفي مضرتها
لئن أعرت المعاني منك نضرتها
فأن من جودك الدنيا وضرتها * ومن علومك علم اللوح والقلم
أنت الملاذ إذا حبالها انصرمت *** أنت المجير إذا نار الردي أضطرمت
لذاك قلت لنفسي مذ بكا أعتصمت
يا نفسي لا تقنطي من زلت عظمت * إن الكبائر في الغفران كاللمم
فالله رحمته ذو الضعيف يغنمها *** وهل لنفسي إلا الله يرحمها
ولي خطايا كثيرة ومعظمها
لعل رحمة ربي حين يقسمها * تأتي علي حسب العصيان في القسم
يا رب إني عبد الأنام مسي *** فاقت ذنوبي عن نفسي وعن نفسي
فلتعف عني وطهرني من الدنس
يا رب واجعل رجائي غير منعكس * لديك واجعل حسابي غير منخرم
وارفع لأصلي في الفردوس منزلة *** وأحفظه دنيا وآخرة واغفرن له
وأنت مولاي صن بالفضل موئله
وألطف بعبدك في الدارين إن له * صبرا متي تدعه الأهوال ينهزم
وعند موتي أنلني خير خاتمة *** ونجني دائما من كل داهمة
وانزلن علينا كل راحمة وأذن
وائذن لسحب صلاة منك دائمة * علي النبي بمنهل ومنسجم
وآله المحرزين في العلا رتبا بها *** تباهي العلا وصحبه النجبا
مع من قفا نهجهم في الدين محتسبا
ما رنحت عذابات البان ريح صبا * وأطرب العيس حادي العيس بالنغم