أتيم سايمون - أدب الحرب.. نمط الكتابة وإشكالياتها

إلي الآن لم تستغن الدراسات الادبية و النقدية عن تسمية الكتابة عن القتل و الموت بأدب الحرب ، وذلك لأنها توصيف إبداعي لأسوا الحالات التي تعيشها الانسانية ، ومن بينهم بلاشك الكاتب نفسه ، فهو المنشغل باهوال الحياة ، و تقاطعاتها كأي انسان له تجربة ، لكنه قد يختلف في انه يسارع الي الي تدوينها ونشرها من الذاكرة الي جمهور المتلقين في عمل ابداعي سواء كان قصة او نصوص شعرية او رواية تتخذ من تراكم تلك الوقائع شخوصا يستخدمها لمعالجة او تسليط الضوء علي الحرب و تداعياتها الكارثية ، وقد توافق الدارسين في تعريفه بانه الأدب الذى يتضمن كافة الإبداعات المعبرة عن مناخات الحرب ".
بالنسبة للتجربة الابداعية في جنوب السودان ، فانها لم تخرج كثيرا عن السياق العام في الانفعال او التعبير عن الحالة المترتبة علي الحرب وتوصيفها ، خاصة في مجال الرواية و القصة القصيرة و الكتابة الشعرية في عمومها ، تحديدا الجانب المنشور منها خلال القرن الماضي والربع الاول من الالفية الثانية باللغتين العربية والانجليزية .
فالمتأمل للاعمال الشعرية الكاملة للبروفسير تعبان لوليونق و الصادرة باللغة الانجليزية ، و الاعمال الروئية للدكتور فرانسيس مدينق دينق خاصة روايته الشهيرة طائر الشؤم و بذرة الخلاص يكاد يتلمس بصورة جادة كيف استغرقت تلك الاعمال الابداعية في الاحتجاج و التعبير عن الحرب التي دارت رحاها خلال عقدين من الزمان وادت الي مقتل اكثر من مليوني مواطن وتشريد الالاف منهم ، حرب استمرت وباتت اثارها واضحة في الدور الذي انبري له الكتاب و المثقفين للتعبير عن قضيتهم السياسية بواسطة تطويع ادوات الرواية و القصة و النصوص الشعرية ، ولدينا مثال واضح ايضا في تجربة الشاعر سر أناي كليولجانق ومارشح من نماذج للعديد من الاعمال الابداعية عند الجيل الحالي في الكتابة ، والذي سبقته تجارب اخري لكتابات رات النور خلال الحرب نفسها ، ومن بينها الكتابات القصصية لفيكتور لوقالا ، جاكوب اكول ، اتيم ياك أتيم ، واقنس فوني لاكو ، وديفيد لوكودو ، ارثر قبريال ياك ، استيلا قايتانو.
نشأ ايضا جيل معاصر ، افرزته تداعيات الحرب التي كانوا من ضحاياها ، وتخلقت اعمالهم في الشعر في المنافي البعيدة وفي الوطن السوداني القديم قبل الاستقلال ، معظم تلك الدواوين و الاعمال الشعرية كانت هي صرخات للاجئين ، المشردين و النازحين ، الذين تركوا مستودع الذكريات و الاحلام ، وتجد ذلك بوضوح عند اكول ميان كوال في جميع اعماله الشعرية التي صدرت بالانجليزية " ستشرق الشمس من جديد و القطار الاخير" .
يظل السؤال الملح ، والذي سيظل يطرح نفسه باستمرار ، هو هل ستظل الكتابة في جنوب السودان محصورة في محطة "أدب الحرب" ، ام ستنشأ عنه في مقبل السنوات قضايا جديدة ملتفتة الي الداخل وعثرات بناء الدولة حديثة الاستقلال ، خاصة بعد ظهور اسماء جديدة في مجال كتابة الرواية عند القاص ارثر قبريال ياك ورايته "يوم انتحار عذرائيل" الصادرة مؤخرا عن دار العين ، وبوي جون أوانق في روايته المتوقع صدورها في القريب العاجل ، بجانب العديد من الاعمال الصادرة بلغات اخري غير العربية ، حتما ستظل تلك الاسئلة مشرعة ابوابها تبحث عن اجابات اوسع واكثر قابلية للظهور في الكتابة الجديدة المصحوبة بوعي متجاوز لسؤال الحرب و المنفتح علي فرضيات واقعية ومتخيلة في الشعر و الرواية و القصة القصيرة.
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...