عبدالله البقالي - بوزيد 3 : باخوس غفساي

لا أحد في المنطقة بأسرها سمى مولودا باسم " بوزيد" و السبب الانطباعات و الأفكار التي صارت ملتصقة بهذا الإسم الذي صار مرادفا لاسم " باخوس" عند اليونانيين. أي آله الخمر.
لم يعرف بوزيد بمواقف سياسية مناوئة لتوجهات السلطة و آن كان قد تعاطف بشكل صامت مع المعتقلين السياسيين الذن كان يتم تداول أخبارهم من حين لآخر. و يشفق عليهم مما كان سيواجهونه في السجون التي يعرف جيدا أسلوب التعامل داخلها. ووضعه كخمار القرية كان يقتضي ألا تكون له خصومات. و أن يجامل رجال السلطة الذين لا يشك الكثيرون في كون بعضهم كانوا يستفيدون من خدماته و إن كان بوزيد لم يفصح أبدا عن ذلك. لكنه لم يتحول إلى مخبر كما هو حال الكثير من المقاتلين القدامى. و القضية الوحيدة التي قدم فيها ما لديه من معلومات كانت قضية سرقة أحد الدكاكين التي تمت من طرف شخص غريب كان قد وفد إلى القرية بصفة " كشاف متجول". و قد فعل ذلك دفعا للشبهات عنه باعتباره يسكن قريبا من ذلك المتجر. و دفاعا عن زبنائه حتى لا تعتبر السلطة أن العملية قد لا ينفذها سوى شخص مخمور.
لكن متاعبه مع أذيال السلطة لم تتوقف يوما. سلوكه الغريزي تجاه ( البركاكة) يفيد أنه عانى منهم الكثير. و لذلك كان سلاحه هو الرصد المضاد لحركاتهم . خصوصا و ان دكانه الذي كان في الوقت نفسه مسكنه، كانت كاميرا بشرية ثابتة قبالته تشتغل في كل الأوقات. و كان أحيانا وهو يفرغ في جوفه كأسا و ينظر عبر فتحة ضيقة من الستار الذي يغطي المدخل سائلا نديمه: هل سمعت عن حكاية لشخص يبيع البصل في منتصف الليل؟
و الحقيقة أن الهوس الذي عاشه بوزيد كان له ما يبرره. فأي نزاع أو فوضى نشبت في مكان ما و كان احد إطرافها سكير، فذاك كا يعني أن بوزيد في طريقه للسجن بعد أن يخلى سبيل المخمور. و السلطة سنت هذا التعامل بمنطق اجتثاث المشكلة من أصلها. و أي سكير اشتم فيه رائحة الخمر و صرح أنه حصل على الخمر من بوزيد كان يعني أن بوزيد سبعتقل. و قد حدث مرة في أحد الأعراس أن قام شخص بإفساد الحفل نتيجة سلوك متهور. و حين اعتقل و تلمس الخروج من ورطته، أشهر ورقة بوزيد. و لسوء حظه أن بوزيد كان وقتها يقضي عقوبة حبسية.
مشاكل بوزيد تفاقمت بعد رحيل وحدة المخزن المتنقل العاشر من غفساي إلى " عين اشكاك" في منتصف السبعينات. و تغيرت بفعل ذلك معطيات كثيرة في القرية. و كان بوزيد من جملة من تضرروا من ذلك الوصع. و من ثم اضطر للتخلي عن احد اهم قواعد سلامته و هي الا يبيع الخمر لأي كان ، خصوصا أولئك الذين لا يستطيعون ضبط سلوكهم بعد احتساء الخمر. و بالتالي ارتفعت وتيرة دخوله و خروجه من السجن. و لتخفيف وقع الحدة التي صار يحياها، حول بيته الواقع في حي " ارشادة" آلى حانة صغيرة يستقبل فيها عينة خاصة من السكارى. و كانت وجبة العشاء من ضمن الخدمات التي يقدمها مع ثمن ملائم. و قد اجتهد كثيرا في ترويج هذه الخدمة في جلساته و احاديثه. و لم يتوقف عن تسويق حديث " القن" أو " الأن" كما يتلفظ به. و في إحدى المرات، و عندما وصلت الجلسة إلى نهايتها و قام الزبناء ليغادروا، طلب منهم الانتظار لحظة ليريهم رأس " القن" الذي كان وجبة عشائهم ليكشف لهم على رأس جرو صغير.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...