أسامة عبد المالك عثمان - مفاتيح أولية في الإعراب(2)

المعرب والمبني:
الكلام منه المعرب، وهو الذي تتغير حركتُه الإعرابية بتغيُّر العوامل الداخلة عليه، ومنه المبني، وهو الذي يَلْزَم حركة واحدة، ضمة، أوفتحة، أو كسرة، أو سكون، أو غير ذلك، فحركة بناء لم تُحْدثها العوامل.
وقد أطلق على الكلمات المعربة لفظ الإعراب؛ لأن كلمة الإعراب في اللغة تعني الإبانة، يقال: (أعرب الرجلُ عما في نفسه) إذا أبان ووضح. فهذه الحركات الإعرابية من ضم وفتح وكسر وسكون وغيرها تدل السامع، أو القارىء على المعاني الإعرابية، والكلمةُ المعربة تتعاقب عليها الحركات بحسب موقعها الإعرابي، ومثال ذلك كلمة (قريش) تراها مرفوعة في قولنا: (قريشٌ قبيلة عربي) لأنها مبتدأ، وتراها منصوبة في قولنا (إنَّ قريشا قبيلةٌ عربية) وتراها مجرورة في الحديث:(الأئمةُ مِنْ قريشٍ) والحركات الإعرابية تُعرِّفنا، مثلا، أن لفظ الجلالة(الله) في قوله تعالى:(إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ) مفعول به، من الفتحة التي جاءت علامةً على المفعولية، كما تعرفنا أن (العلماءُ) فاعل من الضمة التي جاءت علامةً على الفاعلية، وهكذا سائر الحركات، أو العلامات الإعرابية، هي قرائن ترشد إلى المعاني؛ فلو قال قائل:(استقبل زيد عمرو) دون أن يُعْرب، أي دون أن يُظهر الحركات الإعرابية في آخر(زيد) و(عمرو) لما عرفنا أيهما الذي استقبل الآخر. فالتسكين، في حالات كثيرة يسبب اللَّبْس، والغموض، ومهمة اللغة الأولى إيصال المعاني بوضوح، ودون لبس، أو إبهام.
أما الكلمات المبنية فقد سميت مبنية على التشبيه بـالبناء المُقام الذي يلزم، هيئة واحدة، وموضعا واحدا لا يفارقه، بخلاف الأدوات الأخرى كالخيمة والمِظَلَّة. فشبهت ملازمةُ الكلمة لحركة واحدة، وثبات هيئة حرفها الأخير من ضم وفتح وكسر وسكون بالبناء المادي الملموس. والمشترك بين البناء المادي والبناء في الكلمات هو الثبات وعدم التغير.
ومثال المبني: (اسم الإشارة:هذا) فلو قلنا: هذا كتابٌ نافع، أو قرأتُ هذا الكتابَ النافعَ، أو أُعجبت بهذا الكتابِ النافعِ، لما تغيرت هيئةُ الحرف الأخير منه؛ فهو مبني على السكون، لا يُرفع، حين يجيء فاعلا مثلا، ولا ينصب في المفعولية، ولا يجر إذا سبقه حرف جر، أو سبب للجر آخر. وكذلك " مَنْ" الموصولة مثلا في قولنا:" جاء مَنْ يعرفك" فهي فاعل، ومع ذلك لم تظهر عليها علامة الضم؛ لأنها مبنية، وكذلك، دعوتُ مَنْ يعرفك" ورحبت بِمَنْ يعرفك" في الحالات الثلاث بقيت "مَنْ " ساكنة؛ لأنها مبنية على السكون.
وفي حالة البناء، وانعدام الحركات، أو العلامات الإعرابية، تتولى القرائن الأخرى بيان المعاني الإعرابية، مثل الرُّتْبة، أي التقديم والتأخير، مثلا، فيتقدم الفاعل، أو نقدم ما نريده أن يكون الفاعل.
ما المعربُ؟ وما المبني؟
الكلمة- كما هو معروف- إما اسم، وإما فعل، وإما حرف؛ وأما الحروف فكلها مبنية، فليس لها موقع إعرابي، بمعنى أنها لا تكون فاعلا مرفوعا، أو مفعولا منصوبا، أو مجرورا، أو مجزوما، ومن الحروف ما يكون مبنيا على السكون، مثل (لمْ)، و(لنْ) ومنها ما يكون بناؤه على الفتح مثل( الواو: و) و( الفاء: فـَ) ومنها ما يكون بناؤه على الكسر مثل( الباء: بـِ ) ومنها ما يُبنى على الضم مثل:"منذُ" في لغة من استخدمها حرف جر.
فالحروف التي تسمى حروف المعاني، تمييزا لها عن حروف المباني، كلُّها مبنية، ولا تُعرب مطلقا، وقد سميت حروفَ المعاني؛ لأنها تؤدي معنى معينا كحروف الجر، مثلا، فإنك تجد منها ما يدل على الظرفية، كقولنا: "الرسالةُ في المغلف". فالمغلف هو الظرف المكاني الذي يحوز الرسالةَ ويحتويها. ومِنْ حروف الجر ما يدل على السببية، ومنها الباء، كما في قوله تعالى:" فَبِما رحمةٍ من الله لِنْتَ لهم" أي فبرحمة من الله لنت لهم، فبسبب الرحمة التي أنعم الله بها على نبيه محمد- صلى الله عليه وسلم- لَانَ قلبُه لهم. ومن الحروف ما يدل على القَسَم، كحرف الباء، في قولنا: "باللهِ لَتأتينِّي" ومنها حروف النداء، وحروف الاستفهام، فتلك المعاني من النداء والاستفهام والسببية والظرفية والقَسَم وغيرها تؤديها حروف، ولذلك تسمى حروفَ المعاني؛ تفريقا لها عن حروف المباني التي سميت بهذا الاسم؛ لأن الكلمات تُبنى منها، فالكاف من "كتب" هي حرف من حروف المباني، لكن الكاف في قول الأعرابية عن أبنائها:" هم كالحلْقة المُفْرغة" حرف من حروف المعاني؛ لأنها أداة تشبيه؛ فإذا أمكن فصل الحرف، وبقي له معنى، فهو من حروف المعاني، وإذا فُصل ولم يبقَ له معنى فهو حرف بناء.
فإذا كانت الحروف كلُّها مبنية؛ فكيف تكون الأسماء والأفعال؟
الأسماء الأصل فيها الإعراب، ويستثنى منها طوائف، وهي الأسماء الموصولة، مثل الذي والتي...، وأسماء الاستفهام مثل، متى، وأين....، والضمائر المنفصلة والمتصلة، مثل أنتَ، والهاء في "قرأتها"، وأسماء الشرط مثل متى، وأين... فإنهما من الأسماء التي تستعمل للاستفهام والشرط، فمتى للاستفهام في قولنا:" متى تسافر؟" وهي للشرط في قولنا:" متى تَزُرْني أُكرمْكَ" وأسماء الإشارة، مثل هؤلاء، وتلك، وكذلك أسماء الأفعال، مثل هيهاتَ، وحذارِ. وثمة أسماء أخرى مبنية، ولا تندرج في نوع من الأنواع السابقة، مثل: "أمسِ"
وهذه الأسماء المبنية يطلق عليها في النحو اسم (غير المتمكن)؛ لأنها تشبه الحروف في لزومها حركةً واحدة، وتسمى الأسماء المعربة (متمكنة)؛ لأنها ابتعدت عن الشبه بالحروف وتمكنت في الاسمية.
فالأصل في الأسماء البناء، إلا ما استثني منها بسبب مشابهته للحروف، إما شَبَها وضعيا، أي في هيئته، وعدد أحرفه، مثل تاء الضمير، في قولك: " قرأتُ"، أو شبها معنويا في افتقارها إلى ما يوضح معناها، مثل الأسماء الموصولة، إذ إنها تحتاج إلى جملة الصلة التي توضح معناها، فحين نقول:" جاء الذي" لا يُعَدُّ هذا كلاما، ولا يَحْسنُ السكوت عليه؛ لأن السامع ينتظر جملة بعد "الذي" توضح المعنى وتكمله، فنقول:" جاء الذي أبدع" فهي تشبه الحروف في احتياجها إلى ما تتعلق به، ويوضح معناها، فحرف الجر"في"، مثلا، يحتاج إلى فعل يتعلق به، مثل "قرأ" في قولنا:" قرأتُ في المكتبة". فلو قلنا: "في المكتبة" ولم يكن ثمة فعلٌ أو ما يشبه الفعل مذكورٌ، أو مقدرٌ، يتعلق الحرف به، لكان كلاما ناقصا محتاجا إلى التوضيح.
أما الأفعال: فالأصل فيها البناء، والمعرب منها فقط هو الفعل المضارع، حين لا تتصل به نونُ النسوة، أو نونا التوكيد الثقيلة، أو الخفيفة. ومسألة بناء الأفعال تحتاج إلى بعض التفصيل.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...