هل يمكننا تصور عالم بلا كتاب؟ هل يمكننا تصور عالم بلا مكتبات؟
المكتبة هي صورة لـ"الجنة"، هكذا تصورها بورخيس، وبهذا عبّر عنها؟
في زمن المنع والرقابة المتشددة على تداول الكتب وعلى حركة الأفكار وتنقُّلها من ثقافة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر، خصوصاً في ظل الأنظمة الثيوقراطية أو التوليتارية السياسية أو العسكرية، كانت كل مكتبة عمومية تخصّص فضاء مغلقاً يطلَق عليه في عالم المكتبات بـ"الجحيم" l’enfer. و"الجحيم" عبارة عن غرفة معزولة مغلقة بأبواب وشبابيك من فولاذ، ممنوع الوصول إليها إلاّ للمراقبين وشرطة الفكر وبيادقهم، تخصص رفوف هذه الغرفة لترتيب الكتب والمنشورات الممنوعة من التداول، في السياسة والدين والفلسفة والآداب والفكر والسيَر، وبكل اللغات.
يزداد حجم الممنوعات من الكتب كلّما كان النظام أكثر شراسة ضد أي فكر مختلف أو كتابة لا تتناسب مع أهوائه ورغباته الفردية المجنونة. و"الجحيم" هو مكتبة داخل مكتبة، لا يُسمح للقراء بالدخول إليها أو الاطّلاع على ما فيها من أرصدة، وقد عرف عالم الكتب والمكتبات أشكالاً كثيرة من "الجحيم"، فهناك "جحيم" العالم الاشتراكي، كما عُرف في الاتحاد السوفياتي سابقاً وبلدان أوروبا الشرقية الاشتراكية، وهناك أيضاً "جحيم" العالم الرأسمالي في الولايات المتحدة الأميركية ودول أميركا اللاتينية تحت حكم الأنظمة العسكرية الديكتاتورية، وهناك "جحيم" إسلامي وهو الموجود في الدول الإسلامية سنية كانت أو شيعية.
وحين سقط جدار برلين وهبّت رياح التغيير السياسي والثقافي على أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي وأميركا اللاتينية، فُتحت أبواب "الجحيم" للباحثين والكتاب والقراء، فكانت أفضل المكتبات وأغناها وكانت أرصدتها المكوّنة من الكتب والمنشورات الممنوعة تمثّل أكبر متعة وأكبر فائدة، وبدأ القراء يتوجهون إلى متع "الجحيم" ويهربون من "الجنة- المكتبة الرسمية" بخيراتها المسمومة، التي اكتشفوا أنها عبارة عن كتب ومنشورات في غالبيتها تصب في البروباغاندا السياسية والأيديولوجية والدينية. في حين تمثّل كتب "الجحيم" صورة حية عن المقاومة الفكرية والإبداع الخلاق والأسئلة العميقة في الفكر والتاريخ والسياسة التي قدمتها الأنتلجانسيا التنويرية. وهي بذلك صورة حية ودقيقة عن تاريخ المثقفين المقاوِمين والثقافة الإيجابية في صراعها مع الأنظمة البائدة الديكتاتورية. وبقدر ما تكون مكتبة "الجحيم" واسعة كثيرة الكتب، تخفي وراءها تاريخاً كبيراً من المعاناة التي عاشتها أجيال من الكتّاب والمفكرين من خلال تجارب الاغتيالات أو السجون أو المنافي أو الاختفاء أو الملاحقات أو المحاكم والمخافر.
لقد اكتشف القارئ، بعدما فتحت أبواب "الجحيم" في كثير من البلدان ووضعت محتوياتها وأرصدتها من الكتب التي كانت ممنوعة تحت تصرفه، بأن ما كان يُسمى "الجحيم" هو "الجنة" الحقيقية، وما كان يُسمى وهماً "الجنة" هو "جهنم" لما ظلت تقدمه للقراء جيلاً بعد آخر من فكر ظلامي تضليلي كرّس فلسفة الخنوع والخوف والتبعية وعبادة الأشخاص وصناعة الزعيم.
رُفِعَتْ حدود قديمة وارتفعت أسوار جديدة
يبدو أن الحدود التي كانت قائمة والتي خلقت ما سُمي "الجنة" و"الجحيم" في الكتب والمكتبات قد تغيرت، بل إن كثيراً منها رُفع نهائياً، أمام زحف التكنولوجيا وحرية التعبير والخيرات الإنسانية الفكرية العابرة للقارات من دون رخصة أو تأشيرة الرقيب.
اليوم، أصبح الإنسان يحمل في "لوحته" التي لا يتجاوز وزنها 250 غراماً مكتبة كاملة تضم ملايين الكتب وبكل اللغات، لقد تغيّر مفهوم المكتبة، وتغيّر مفهوم "الكتاب"، من كتاب ورقي مادي إلى كتاب رقمي افتراضي، ومعه تغيّر مفهوم "الجحيم"، مع ذلك لم تختف الظاهرة نهائياً.
لقد أصبحت "الجحيم" موجودة في داخل الإنسان نفسه، وهي تتوسّع يوماً بعد آخر بتوسّع ظاهرة الأمّيّة التي للأسف ما زالت مستشرية في العالم العربي والمغاربي، فعدد الأمّيّين قد تجاوز السبعين مليون نسمة، بل إن هناك أجيالاً من الأطفال لم يدخلوا المدرسة قط، وذلك جراء الحروب الأهلية والعقائدية التي عمت المنطقة وما لحق بها من تهجير خارجي ونزوح داخلي وما لحق بها من تخريب في القاعدة المادية البسيطة التي كانت متوفرة للتعليم في هذا البلد أو ذاك. ويوماً بعد آخر، ومع تصاعد زمن التكنولوجيا في العالم، تتصاعد نسبة الأمّيّة في الريف العربي والمغاربي بشكل فظيع، وفي الأحياء العشوائية التي تشكلت على محيط المدن الكبرى وهو ما يخلق استيلاباً جديداً يؤسس لـ"جحيم" في رأس المواطن.
اليوم، يتجه العالم المتقدم، العالم الآخر، شيئاً فشيئاً إلى عصر ما بعد الورق، ودخول عصر اللوحة La tablette électronique والكتاب الرقمي والمكتبة الرقمية، وإن توطين التكنولوجيا في المدرسة وفي حياة الأطفال اليومية بشكل عام، هو وحده ما سيحدد شكل المكتبة المستقبلية ومضمونها. مع ذلك، ففي العالم العربي والمغاربي حتى إذا ما تراجعت مسألة الرقابة على الكتب الورقية الكلاسيكية في المعارض، فإنها لن تكون ذات فائدة كبيرة وإيجابية على الوعي العام، إلاّ إذا رافقت ذلك خطة شجاعة لمحاربة الأمّيّة المعاصرة المستفحلة مترافقة مع تطوير وتوزيع عادل للتكنولوجيا من إنترنت وغيره من الاكتشافات العلمية التكنولوجية التي تخدم الإنسان.
لذا، فمستقبل المكتبة، شكلاً ومضموناً، يجب أن يحضّر له في المدرسة من خلال حماية الطفولة والإقرار بحقها في التعليم الذي هو مكرس في إعلان حقوق الإنسانية، وفي لوائح حماية الطفولة التي سنتها المنظمات الدولية.
من جحيم الممنوع إلى جحيم الأمية
لقد تغيّر مفهوم الممنوع في الدول الأوروبية والأميركية، فلم تعد الأنظمة الثيوقراطية أو التوليتارية العسكرية أو السياسية القمعية أو ما بقي منها بقادرة على منع هذا الكتاب أو ذاك بحجة أنه يشوش على أيديولوجيتها التضليلية الموجهة إلى العامة أو يمس في "صنم" من أصنامها.
أما في البلدان العربية وشمال أفريقيا، فما زلنا نسمع بين الحين والآخر أخبارَ منع مجموعة من الكتب الأدبية (الروايات ودواوين الشعر) والفكرية والفلسفية والتاريخية في بعض معارض الكتاب التي تُقام سنوياً، والتي أصبحت الفرصة الوحيدة لحصول القارئ على الكتاب العربي أو الأجنبي الجديد.
إنّ تراجع السوق العربية والمغاربية للكتاب، وذلك باختفاء أو تقلّص عدد مكتبات البيع التي دأبت في السابق على استقبال الكتب الجديدة على مدى أيام السنة، وذلك بسبب ضغط الضرائب المفروضة والرقابة المضروبة على "الكتاب"، وهي رقابة تبدو أكثر تشدداً من الرقابة على "المخدرات"، ما جعل معارض الكتب تأخذ شكل بازار أو سوق كبيرة سنوية يتم التحضير لها من قبل الناشرين وهي فرصتهم لتوصيل الكتاب إلى القارئ في هذا البلد أو ذاك ولكنها في الوقت ذاته هي فرصة ثمينة للأنظمة لوضع يدها وبالجملة ومرة واحدة في السنة على المنشورات الجديدة الآتية من كل الجهات.
إنّنا اليوم لا نعرف واقع مؤشرات اقتصاد الكتاب في العالم العربي وشمال أفريقيا، فحتى لبنان الذي كان في السبعينيات والثمانينيات يصنّف اقتصاد الكتاب (بعد السياحة)، اختفت هذه المعطيات الاقتصادية فيه، وظهرت صناعة "كتبية" غير محترفة في مناطق أخرى من العالم العربي والمغاربي، وحصل تنافس فيه كثير من الغموض وعلى حساب الجودة التي ينتظرها قارئ الألفية الثالثة.
مع ذلك، يجب التنبيه إلى أمر أساسي هو أننا نحتاج إلى مراجعة أرصدة مكتباتنا العمومية وبشكل مستعجل، في ضوء ما يجري من حولنا من كوارث فكرية وغسيل دماغ سياسي وأيديولوجي يتعرض له الشباب بشكل ممنهج. وبكل شجاعة تحتاج هذه المكتبات، إلى عملية تنظيف كلي، بإبادة كثير من الكتب التراثية أو المعاصرة التي تكرّس "البهيمية" في الإنسان العربي والمغاربي وتغرس الكراهية وتثمر الحقد والتطرف والتوحش.
أمين الزاوي كاتب ومفكر
الخميس 9 يناير 2020
هل يمكننا تصور عالم بلا كتاب؟ هل يمكننا تصور عالم بلا مكتبات؟ المكتبة هي صورة لـ"الجنة"، هكذا تصورها بورخيس، وبهذا عبّر عنها؟
independentarabia.com
أمين الزاوي | المكتبات بين "الجنة" و"الجحيم"
هل يمكننا تصور عالم بلا كتاب؟ هل يمكننا…
هل يمكننا تصور عالم بلا كتاب؟ هل يمكننا تصور عالم بلا مكتبات؟ المكتبة هي صورة لـ"الجنة"، هكذا تصورها بورخيس، وبهذا عبّر عنها؟
المكتبة هي صورة لـ"الجنة"، هكذا تصورها بورخيس، وبهذا عبّر عنها؟
في زمن المنع والرقابة المتشددة على تداول الكتب وعلى حركة الأفكار وتنقُّلها من ثقافة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر، خصوصاً في ظل الأنظمة الثيوقراطية أو التوليتارية السياسية أو العسكرية، كانت كل مكتبة عمومية تخصّص فضاء مغلقاً يطلَق عليه في عالم المكتبات بـ"الجحيم" l’enfer. و"الجحيم" عبارة عن غرفة معزولة مغلقة بأبواب وشبابيك من فولاذ، ممنوع الوصول إليها إلاّ للمراقبين وشرطة الفكر وبيادقهم، تخصص رفوف هذه الغرفة لترتيب الكتب والمنشورات الممنوعة من التداول، في السياسة والدين والفلسفة والآداب والفكر والسيَر، وبكل اللغات.
يزداد حجم الممنوعات من الكتب كلّما كان النظام أكثر شراسة ضد أي فكر مختلف أو كتابة لا تتناسب مع أهوائه ورغباته الفردية المجنونة. و"الجحيم" هو مكتبة داخل مكتبة، لا يُسمح للقراء بالدخول إليها أو الاطّلاع على ما فيها من أرصدة، وقد عرف عالم الكتب والمكتبات أشكالاً كثيرة من "الجحيم"، فهناك "جحيم" العالم الاشتراكي، كما عُرف في الاتحاد السوفياتي سابقاً وبلدان أوروبا الشرقية الاشتراكية، وهناك أيضاً "جحيم" العالم الرأسمالي في الولايات المتحدة الأميركية ودول أميركا اللاتينية تحت حكم الأنظمة العسكرية الديكتاتورية، وهناك "جحيم" إسلامي وهو الموجود في الدول الإسلامية سنية كانت أو شيعية.
وحين سقط جدار برلين وهبّت رياح التغيير السياسي والثقافي على أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي وأميركا اللاتينية، فُتحت أبواب "الجحيم" للباحثين والكتاب والقراء، فكانت أفضل المكتبات وأغناها وكانت أرصدتها المكوّنة من الكتب والمنشورات الممنوعة تمثّل أكبر متعة وأكبر فائدة، وبدأ القراء يتوجهون إلى متع "الجحيم" ويهربون من "الجنة- المكتبة الرسمية" بخيراتها المسمومة، التي اكتشفوا أنها عبارة عن كتب ومنشورات في غالبيتها تصب في البروباغاندا السياسية والأيديولوجية والدينية. في حين تمثّل كتب "الجحيم" صورة حية عن المقاومة الفكرية والإبداع الخلاق والأسئلة العميقة في الفكر والتاريخ والسياسة التي قدمتها الأنتلجانسيا التنويرية. وهي بذلك صورة حية ودقيقة عن تاريخ المثقفين المقاوِمين والثقافة الإيجابية في صراعها مع الأنظمة البائدة الديكتاتورية. وبقدر ما تكون مكتبة "الجحيم" واسعة كثيرة الكتب، تخفي وراءها تاريخاً كبيراً من المعاناة التي عاشتها أجيال من الكتّاب والمفكرين من خلال تجارب الاغتيالات أو السجون أو المنافي أو الاختفاء أو الملاحقات أو المحاكم والمخافر.
لقد اكتشف القارئ، بعدما فتحت أبواب "الجحيم" في كثير من البلدان ووضعت محتوياتها وأرصدتها من الكتب التي كانت ممنوعة تحت تصرفه، بأن ما كان يُسمى "الجحيم" هو "الجنة" الحقيقية، وما كان يُسمى وهماً "الجنة" هو "جهنم" لما ظلت تقدمه للقراء جيلاً بعد آخر من فكر ظلامي تضليلي كرّس فلسفة الخنوع والخوف والتبعية وعبادة الأشخاص وصناعة الزعيم.
رُفِعَتْ حدود قديمة وارتفعت أسوار جديدة
يبدو أن الحدود التي كانت قائمة والتي خلقت ما سُمي "الجنة" و"الجحيم" في الكتب والمكتبات قد تغيرت، بل إن كثيراً منها رُفع نهائياً، أمام زحف التكنولوجيا وحرية التعبير والخيرات الإنسانية الفكرية العابرة للقارات من دون رخصة أو تأشيرة الرقيب.
اليوم، أصبح الإنسان يحمل في "لوحته" التي لا يتجاوز وزنها 250 غراماً مكتبة كاملة تضم ملايين الكتب وبكل اللغات، لقد تغيّر مفهوم المكتبة، وتغيّر مفهوم "الكتاب"، من كتاب ورقي مادي إلى كتاب رقمي افتراضي، ومعه تغيّر مفهوم "الجحيم"، مع ذلك لم تختف الظاهرة نهائياً.
لقد أصبحت "الجحيم" موجودة في داخل الإنسان نفسه، وهي تتوسّع يوماً بعد آخر بتوسّع ظاهرة الأمّيّة التي للأسف ما زالت مستشرية في العالم العربي والمغاربي، فعدد الأمّيّين قد تجاوز السبعين مليون نسمة، بل إن هناك أجيالاً من الأطفال لم يدخلوا المدرسة قط، وذلك جراء الحروب الأهلية والعقائدية التي عمت المنطقة وما لحق بها من تهجير خارجي ونزوح داخلي وما لحق بها من تخريب في القاعدة المادية البسيطة التي كانت متوفرة للتعليم في هذا البلد أو ذاك. ويوماً بعد آخر، ومع تصاعد زمن التكنولوجيا في العالم، تتصاعد نسبة الأمّيّة في الريف العربي والمغاربي بشكل فظيع، وفي الأحياء العشوائية التي تشكلت على محيط المدن الكبرى وهو ما يخلق استيلاباً جديداً يؤسس لـ"جحيم" في رأس المواطن.
اليوم، يتجه العالم المتقدم، العالم الآخر، شيئاً فشيئاً إلى عصر ما بعد الورق، ودخول عصر اللوحة La tablette électronique والكتاب الرقمي والمكتبة الرقمية، وإن توطين التكنولوجيا في المدرسة وفي حياة الأطفال اليومية بشكل عام، هو وحده ما سيحدد شكل المكتبة المستقبلية ومضمونها. مع ذلك، ففي العالم العربي والمغاربي حتى إذا ما تراجعت مسألة الرقابة على الكتب الورقية الكلاسيكية في المعارض، فإنها لن تكون ذات فائدة كبيرة وإيجابية على الوعي العام، إلاّ إذا رافقت ذلك خطة شجاعة لمحاربة الأمّيّة المعاصرة المستفحلة مترافقة مع تطوير وتوزيع عادل للتكنولوجيا من إنترنت وغيره من الاكتشافات العلمية التكنولوجية التي تخدم الإنسان.
لذا، فمستقبل المكتبة، شكلاً ومضموناً، يجب أن يحضّر له في المدرسة من خلال حماية الطفولة والإقرار بحقها في التعليم الذي هو مكرس في إعلان حقوق الإنسانية، وفي لوائح حماية الطفولة التي سنتها المنظمات الدولية.
من جحيم الممنوع إلى جحيم الأمية
لقد تغيّر مفهوم الممنوع في الدول الأوروبية والأميركية، فلم تعد الأنظمة الثيوقراطية أو التوليتارية العسكرية أو السياسية القمعية أو ما بقي منها بقادرة على منع هذا الكتاب أو ذاك بحجة أنه يشوش على أيديولوجيتها التضليلية الموجهة إلى العامة أو يمس في "صنم" من أصنامها.
أما في البلدان العربية وشمال أفريقيا، فما زلنا نسمع بين الحين والآخر أخبارَ منع مجموعة من الكتب الأدبية (الروايات ودواوين الشعر) والفكرية والفلسفية والتاريخية في بعض معارض الكتاب التي تُقام سنوياً، والتي أصبحت الفرصة الوحيدة لحصول القارئ على الكتاب العربي أو الأجنبي الجديد.
إنّ تراجع السوق العربية والمغاربية للكتاب، وذلك باختفاء أو تقلّص عدد مكتبات البيع التي دأبت في السابق على استقبال الكتب الجديدة على مدى أيام السنة، وذلك بسبب ضغط الضرائب المفروضة والرقابة المضروبة على "الكتاب"، وهي رقابة تبدو أكثر تشدداً من الرقابة على "المخدرات"، ما جعل معارض الكتب تأخذ شكل بازار أو سوق كبيرة سنوية يتم التحضير لها من قبل الناشرين وهي فرصتهم لتوصيل الكتاب إلى القارئ في هذا البلد أو ذاك ولكنها في الوقت ذاته هي فرصة ثمينة للأنظمة لوضع يدها وبالجملة ومرة واحدة في السنة على المنشورات الجديدة الآتية من كل الجهات.
إنّنا اليوم لا نعرف واقع مؤشرات اقتصاد الكتاب في العالم العربي وشمال أفريقيا، فحتى لبنان الذي كان في السبعينيات والثمانينيات يصنّف اقتصاد الكتاب (بعد السياحة)، اختفت هذه المعطيات الاقتصادية فيه، وظهرت صناعة "كتبية" غير محترفة في مناطق أخرى من العالم العربي والمغاربي، وحصل تنافس فيه كثير من الغموض وعلى حساب الجودة التي ينتظرها قارئ الألفية الثالثة.
مع ذلك، يجب التنبيه إلى أمر أساسي هو أننا نحتاج إلى مراجعة أرصدة مكتباتنا العمومية وبشكل مستعجل، في ضوء ما يجري من حولنا من كوارث فكرية وغسيل دماغ سياسي وأيديولوجي يتعرض له الشباب بشكل ممنهج. وبكل شجاعة تحتاج هذه المكتبات، إلى عملية تنظيف كلي، بإبادة كثير من الكتب التراثية أو المعاصرة التي تكرّس "البهيمية" في الإنسان العربي والمغاربي وتغرس الكراهية وتثمر الحقد والتطرف والتوحش.
أمين الزاوي كاتب ومفكر
الخميس 9 يناير 2020
هل يمكننا تصور عالم بلا كتاب؟ هل يمكننا تصور عالم بلا مكتبات؟ المكتبة هي صورة لـ"الجنة"، هكذا تصورها بورخيس، وبهذا عبّر عنها؟
independentarabia.com
أمين الزاوي | المكتبات بين "الجنة" و"الجحيم"
هل يمكننا تصور عالم بلا كتاب؟ هل يمكننا…
هل يمكننا تصور عالم بلا كتاب؟ هل يمكننا تصور عالم بلا مكتبات؟ المكتبة هي صورة لـ"الجنة"، هكذا تصورها بورخيس، وبهذا عبّر عنها؟