"كلّ مشهدٍ لا يُرِيكَ الكثرةَ في
العَينِ الواحدة، لا تُعوّل عليه"
ابن عربي
كلّ مصوّر فوتوغرافي لا يَرى/ ولا يُرِي في كلّ ملليمتر حركة مشهداً مختلفاً، ورؤية مغايرة، لا يُعوّل عليه! ما حكاية الملليمتر هذه؟ ما علاقتها بالزمن؟ مع الصورة؟ مع الرؤية؟ مع الهندسة؟ معي؟
ثمّة أمر نافذ يُرجفني لحظةَ قرار التقاط الصورة. لحظة قرار إنهاء
متعة كلّية، وفتح متع جزئية عديدة على المشاهدة. كنتُ آخذ نفساً عميقاً صامتاً جداً لحظة قرار الضغط على زر الكاميرا. وهي حالة تبدأ فيها/معها استقبال مشهد فنّي من الكلّ دفعة واحدة، لا يُنظر في أجزائه إلا لاحقاً. أعني الصورة طبعاً، أحياناً المرآة! تبدو لي عملية الضغط على الزر هذه بكتابة نصّ يبدأ فجأة من أعلى رعشة فيه، فكيف يكون الأمر - إذنْ - لو قررتُ لحظتها تغيير زاوية النظر الهندسية ملليمتر واحد فقط؟! هل تتغيّر الرؤية كلّها؟ أتنشأ عن ذلك هندسة جديدة متداخلة الحسابات، والأبعاد، ويُصاب الرائي بحالة ضياع حتى لتلك الفكرة التي خطط لها؟ يضيع كلّ شيء مع أنّها لحظة تتعاضد كلّ الحواس في بنائها؟
ملليمتر واحد فقط لا أكثر! كأنّك تحاول عبثاً الإمساك بالتاريخ! تلك اللحظة تاريخ أيضاً.. زمن.. بعد ذلك تتفاجأ وأنتَ تبدأ تفقّد الصورة من أجزائها أنّ كلّ شيء يبقى معك أيضاً!! يظلّ أمامك كلّ شيء تتمثله حينا بعد حين، كلّما تورطتَ أكثر في قراءاتك له.
أرجعُ للكاميرا مرّة أخرى وأعقد ألفةً مع كلّ شيء حولي، أرى إليه من خلال نافذة الكاميرا، نافذة العين. يدخلني شيءٌ من الإطمئنان سرعانَ ما أجد المشهد غير مستقرٍ، وأنّ ذلك الملليمتر الواحد من الحركة الذي لم أعوّل عليه قد أفقدني الرؤية والصورة إلى الأبد، حتى لو كانت تلك الألفة إخاءً. كان يبدو لي أشبه بالمبالغة في الاقتراب عندما ترتدّ حجاباً. أتأكد حينها أنّ الاطمئنان للمشهد لا ينتج رؤية، وأنّ الحديث عن صورة فوتوغرافية بريئة وهمٌ.
التصوير الفوتوغرافيّ استمرار في ممارسة الدهشة، عبر ألفة مع حكاية الزمن في ملليمتر واحد حركة. لكنها ليست ألفة التجلي المتكرر في الصورة الواحدة. فهي ألفة لا تنتج صوراً - كما يرى ابن عربي - ولا يعوّل عليها. أتمثل قول ابن عربي " كلّ أمر ترى فيه صورتك فتلك مرآة" فأفقد حساب المرايا الحيّة في ملليمتر واحد، ويُصبح الانعكاس - حينها - ليس محصوراً في ما يلمعُ فقط. حينها فقط تغدو الصورةُ المنعكسةُ عن مرآتها غير المِثْل، ولا تُشبه ما انعكست منه/ عنه، ولا حتى التشبُّه بها.
الآن يمكننا أن نبدأ بحكاية الملليمتر حركة، الملليمتر رؤية. كلّما ضاق الملليمتر لحظة التصوير، اتسع الزمن والكتابة في قول الصورة. وكلّما تعددت قطرات الماء على أوراق شجرة كان لنا عددها من الشمس..
العَينِ الواحدة، لا تُعوّل عليه"
ابن عربي
كلّ مصوّر فوتوغرافي لا يَرى/ ولا يُرِي في كلّ ملليمتر حركة مشهداً مختلفاً، ورؤية مغايرة، لا يُعوّل عليه! ما حكاية الملليمتر هذه؟ ما علاقتها بالزمن؟ مع الصورة؟ مع الرؤية؟ مع الهندسة؟ معي؟
ثمّة أمر نافذ يُرجفني لحظةَ قرار التقاط الصورة. لحظة قرار إنهاء
متعة كلّية، وفتح متع جزئية عديدة على المشاهدة. كنتُ آخذ نفساً عميقاً صامتاً جداً لحظة قرار الضغط على زر الكاميرا. وهي حالة تبدأ فيها/معها استقبال مشهد فنّي من الكلّ دفعة واحدة، لا يُنظر في أجزائه إلا لاحقاً. أعني الصورة طبعاً، أحياناً المرآة! تبدو لي عملية الضغط على الزر هذه بكتابة نصّ يبدأ فجأة من أعلى رعشة فيه، فكيف يكون الأمر - إذنْ - لو قررتُ لحظتها تغيير زاوية النظر الهندسية ملليمتر واحد فقط؟! هل تتغيّر الرؤية كلّها؟ أتنشأ عن ذلك هندسة جديدة متداخلة الحسابات، والأبعاد، ويُصاب الرائي بحالة ضياع حتى لتلك الفكرة التي خطط لها؟ يضيع كلّ شيء مع أنّها لحظة تتعاضد كلّ الحواس في بنائها؟
ملليمتر واحد فقط لا أكثر! كأنّك تحاول عبثاً الإمساك بالتاريخ! تلك اللحظة تاريخ أيضاً.. زمن.. بعد ذلك تتفاجأ وأنتَ تبدأ تفقّد الصورة من أجزائها أنّ كلّ شيء يبقى معك أيضاً!! يظلّ أمامك كلّ شيء تتمثله حينا بعد حين، كلّما تورطتَ أكثر في قراءاتك له.
أرجعُ للكاميرا مرّة أخرى وأعقد ألفةً مع كلّ شيء حولي، أرى إليه من خلال نافذة الكاميرا، نافذة العين. يدخلني شيءٌ من الإطمئنان سرعانَ ما أجد المشهد غير مستقرٍ، وأنّ ذلك الملليمتر الواحد من الحركة الذي لم أعوّل عليه قد أفقدني الرؤية والصورة إلى الأبد، حتى لو كانت تلك الألفة إخاءً. كان يبدو لي أشبه بالمبالغة في الاقتراب عندما ترتدّ حجاباً. أتأكد حينها أنّ الاطمئنان للمشهد لا ينتج رؤية، وأنّ الحديث عن صورة فوتوغرافية بريئة وهمٌ.
التصوير الفوتوغرافيّ استمرار في ممارسة الدهشة، عبر ألفة مع حكاية الزمن في ملليمتر واحد حركة. لكنها ليست ألفة التجلي المتكرر في الصورة الواحدة. فهي ألفة لا تنتج صوراً - كما يرى ابن عربي - ولا يعوّل عليها. أتمثل قول ابن عربي " كلّ أمر ترى فيه صورتك فتلك مرآة" فأفقد حساب المرايا الحيّة في ملليمتر واحد، ويُصبح الانعكاس - حينها - ليس محصوراً في ما يلمعُ فقط. حينها فقط تغدو الصورةُ المنعكسةُ عن مرآتها غير المِثْل، ولا تُشبه ما انعكست منه/ عنه، ولا حتى التشبُّه بها.
الآن يمكننا أن نبدأ بحكاية الملليمتر حركة، الملليمتر رؤية. كلّما ضاق الملليمتر لحظة التصوير، اتسع الزمن والكتابة في قول الصورة. وكلّما تعددت قطرات الماء على أوراق شجرة كان لنا عددها من الشمس..