في دائرة الأبداع الشعري ومقتضيات الإنتاج الصوري وارتداداته الوجدانية في تكوين بعد تواصلي بين القصيدة والمعنى الذي يريده الشاعر في تجسير العلاقة مع القارئ ، لابد أن يضع للجوانب الذاتية الشاعرة مرتكزاً لقراءة وتلمس الجماليات التكوين الربط بين ذاتيتين مقصديتين هما الشاعر وذاته الباعثة والمتلقي وذاته المتلقفة للمعنى المرسل في تأويلية متساوقة مع القصد الحاكمة للمعنى في القصيدة في أطارها الجمالي وهنا يرى (كارل هاينز ستيرل ) في سيرورة التلقي:" إنَّ سيرورة التلقي لا تصل الى حدّها إلا في إطار الاستطاعة التي يمتلكها المتلقي في إدراك عدد لا نهاية له من العلائق المكونة للمعنى بشكل واضح ومتميز، فحدود التلقي تطابق دوماً وفي نفس الوقت حدود الإدراك الذاتية للتلقي والحكم ، وتطابق حدود التلقي المحدد تاريخياً كمحتمل يتجاوز الحدود الذاتية " (كارل هاينز ستيرل : التلقي والتخيل / مجلة اقلام /العدد 3 / 1990، ص20) .
إنَّ أفق التصور الجمالي في قصائد (رحيم زاير الغانم) تنبني على وفق الذاتية الشاعرة التي تتكون في وعي الأطلاق الشعري في طبيعته اللغوية المتمثلة في تجربة الشاعر وخلاصاته التي تشكلت في موضوعة كتابه (لطفاً... كن وطناً) الذي اختار العنوان على وفق الدعوة للطلب المتأطرة بكمية الحزن التي يبوح بها الشاعر في إهدائه : ( من الآن سنرفع لافتات الحداد ، نحن الذين فقدنا الأمهات مبكراً ) ، هذه الكلمات التي بدأ بها الشاعر ، الباحث عن وطن بحجم الحنين الى الجمال الأبدي وهي الأم التي أصبحت في أصل الطلب في البديل عن هذا الجمال في لحظتين لا يمكن تضمينهما الا من خلال المعنى في لطفاً كن وطناً ، لأن هذه المتعة الجمالية هي وحدها من تكون وجود الموضوع حسب رؤية (روبرت ياوس ) في التلقي والقراءة : إذ " يقرر ياوس أن المتعة الجمالية تتضمن لحظتين ، الأولى تنطبق على جميع المتع يحصل استسلام غير تأملي من الذات للموضوع . والثانية غريبة بالنسبة للمتعة الجمالية إذ تتضمن اتخاذ موقف يؤطر وجود الموضوع ويجعله جمالياً " ( روبرت سي هول : نظرية الاستقبال ، 1992، ص92). إنَّ في موضوع المتعة الثانية التي تعطي للأفق المتصور جمالياً في وجود الموضوع ، فالوطن هو ليس بالمعنى الحرفي للطلب أن يكون في عنوان الكتاب الشعري بقدر ما أراد ان يقدم صورة يتسلل من خلالها الى الآفاق في هذا المتصور وهو الوطن الذي خبره حتى أصبح مقترناً بحب الأمهات اللواتي تركن أثر الفراق في قلب الشاعر . فالخبرة الجمالية في الموضوع الذي يريد (غانم ) أن يقدمه هو موضوع قد تغلغل في خبايا المعرفة لديه وأصبح ثيمة مرتكزة في قصائده في كن وطن ، وفي هذا المجال الجمالي يرى ( هيغل) في (فن الشعر) :" بالنظر أخيراً الى أن الشعر قادر على استنفاد المضمون الروحي بكل امتلائه وعمقه ، فمن المباح لنا أن نطالب الشاعر بأن تكون خبرته بالموضوع الذي يريد معالجته رحيبة وعميقة الى أقصى حد ممكن ، وأن يكون – أن جاز القول – قد عاش هذا الموضوع ودمجه بأناه ، بعد أن استوعبه وتغمقه وبدّل هيئته . وعلى الشاعر ، كيما يقتدر على أن يخلق ، حتى دائرة خاصة وضيقة الحدود ، كلا حراً ، منبثقاً عن ذاتيته ، حارج مطاق أي تعيين خارجي ، عليه أن يبت كل أرتباط عملي أو سواه بموضوعه ، وأن يتأمله بنظرة حرة "(هيغل : فن الشعر ، 1981،ص 57) .
إنَّ الشاعر(رحيم زاير الغانم) في عنواناته التي وضعها لقصائده في الفهرست قد جمع فيها بين وجود الموضوع المؤطر جمالياً في تأكيد المعنى الرابط في دائرة الوطن المبتغى في (رائحة الحناء) التي تغطي ذاكرة الطفولة في (مذ كنا صغاراً نسير بمحاذاة النهر ... حيث ظلال الشجر الكثيف ... غارقين في هذه السمرة الباردة )(رحيم زاير الغانم : لطفاً ... كن وطناَ، 2018، ص36) وتكرر (رائحة الحناء) التي من المفترض أن يكون الشاعر قد عجنتها أفكاره ، حتى أصبح الموضوع مكتملا في ذاكرته التي تسجل كل ما فيها من تقاسيم موزعة على دروب الأزقة في المدن التي يبتغيها (الغانم ) على الرغم من المآسي التي لا تخلو منها الأوطان ، فهو يعود مرة أخرى الى الأمهات والحناء في قصيدة (فطام) :
إنَّ أفق التصور الجمالي في قصائد (رحيم زاير الغانم) تنبني على وفق الذاتية الشاعرة التي تتكون في وعي الأطلاق الشعري في طبيعته اللغوية المتمثلة في تجربة الشاعر وخلاصاته التي تشكلت في موضوعة كتابه (لطفاً... كن وطناً) الذي اختار العنوان على وفق الدعوة للطلب المتأطرة بكمية الحزن التي يبوح بها الشاعر في إهدائه : ( من الآن سنرفع لافتات الحداد ، نحن الذين فقدنا الأمهات مبكراً ) ، هذه الكلمات التي بدأ بها الشاعر ، الباحث عن وطن بحجم الحنين الى الجمال الأبدي وهي الأم التي أصبحت في أصل الطلب في البديل عن هذا الجمال في لحظتين لا يمكن تضمينهما الا من خلال المعنى في لطفاً كن وطناً ، لأن هذه المتعة الجمالية هي وحدها من تكون وجود الموضوع حسب رؤية (روبرت ياوس ) في التلقي والقراءة : إذ " يقرر ياوس أن المتعة الجمالية تتضمن لحظتين ، الأولى تنطبق على جميع المتع يحصل استسلام غير تأملي من الذات للموضوع . والثانية غريبة بالنسبة للمتعة الجمالية إذ تتضمن اتخاذ موقف يؤطر وجود الموضوع ويجعله جمالياً " ( روبرت سي هول : نظرية الاستقبال ، 1992، ص92). إنَّ في موضوع المتعة الثانية التي تعطي للأفق المتصور جمالياً في وجود الموضوع ، فالوطن هو ليس بالمعنى الحرفي للطلب أن يكون في عنوان الكتاب الشعري بقدر ما أراد ان يقدم صورة يتسلل من خلالها الى الآفاق في هذا المتصور وهو الوطن الذي خبره حتى أصبح مقترناً بحب الأمهات اللواتي تركن أثر الفراق في قلب الشاعر . فالخبرة الجمالية في الموضوع الذي يريد (غانم ) أن يقدمه هو موضوع قد تغلغل في خبايا المعرفة لديه وأصبح ثيمة مرتكزة في قصائده في كن وطن ، وفي هذا المجال الجمالي يرى ( هيغل) في (فن الشعر) :" بالنظر أخيراً الى أن الشعر قادر على استنفاد المضمون الروحي بكل امتلائه وعمقه ، فمن المباح لنا أن نطالب الشاعر بأن تكون خبرته بالموضوع الذي يريد معالجته رحيبة وعميقة الى أقصى حد ممكن ، وأن يكون – أن جاز القول – قد عاش هذا الموضوع ودمجه بأناه ، بعد أن استوعبه وتغمقه وبدّل هيئته . وعلى الشاعر ، كيما يقتدر على أن يخلق ، حتى دائرة خاصة وضيقة الحدود ، كلا حراً ، منبثقاً عن ذاتيته ، حارج مطاق أي تعيين خارجي ، عليه أن يبت كل أرتباط عملي أو سواه بموضوعه ، وأن يتأمله بنظرة حرة "(هيغل : فن الشعر ، 1981،ص 57) .
إنَّ الشاعر(رحيم زاير الغانم) في عنواناته التي وضعها لقصائده في الفهرست قد جمع فيها بين وجود الموضوع المؤطر جمالياً في تأكيد المعنى الرابط في دائرة الوطن المبتغى في (رائحة الحناء) التي تغطي ذاكرة الطفولة في (مذ كنا صغاراً نسير بمحاذاة النهر ... حيث ظلال الشجر الكثيف ... غارقين في هذه السمرة الباردة )(رحيم زاير الغانم : لطفاً ... كن وطناَ، 2018، ص36) وتكرر (رائحة الحناء) التي من المفترض أن يكون الشاعر قد عجنتها أفكاره ، حتى أصبح الموضوع مكتملا في ذاكرته التي تسجل كل ما فيها من تقاسيم موزعة على دروب الأزقة في المدن التي يبتغيها (الغانم ) على الرغم من المآسي التي لا تخلو منها الأوطان ، فهو يعود مرة أخرى الى الأمهات والحناء في قصيدة (فطام) :
" الأمهات في السلم
كي يفطمن صغارهن
يوارين بالحناء
موضع الرضاعة
وفي الحرب
يزين حلمهن بالبارود
ليألف الولدان
رائحة المعركة "
( رحيم زاير الغانم : المصدر السابق ، 60)
بين حناء المدن وحناء الأمهات حروب وفطام ومعارك لابد أن يخبرها الشاعر في ذاتيته الشعرية ليحولها الى أفق من المتعة الجمالية في التصورات المتشكلة عن الوطن الذي هو حاضنت شعره ، التي أراد من خلالها التعبير عن حضن الأمهات وصورهن الموغلات في التضحية في جدران الوطن المليئة بالحروب والعوز . فالشاعر هو أبن الحروب وأبن الأمهات المخضبات بالحناء ورائحة البارود في أجساد المدن الجنوبية التي ومن ضمنها مدينته وهي الأقرب اليه في الوجع ، إذ يقول :كي يفطمن صغارهن
يوارين بالحناء
موضع الرضاعة
وفي الحرب
يزين حلمهن بالبارود
ليألف الولدان
رائحة المعركة "
( رحيم زاير الغانم : المصدر السابق ، 60)
" أما زلت
تشربين السواد
وتنفثين البنفسج؟
يا مدينتي الثكلى
أي حزن يعتريك؟
ايتها العمارة
ما كل هذا الموت
المستشري بالشوارع؟
كيف للمدن أن تتلاشى؟"
( رحيم زاير الغانم : المصدر السابق ، 69)
إنَّ الشاعر في قصائده لا يرصد فقط الموت والجوع والحروب في مدن الأمهات ، بل يضع في كلماته المتناثرة على صفحات شعره كلمات للحب الذي هو قليل في ذاكرته الشعرية كونه يبحث عن وطن في بقايا المسافات التي من الممكن أن تكون في النهايات ، أو أن تكون على أعتاب بدايات جديدة فيها الأمل كما في قصيدة (موعد) :تشربين السواد
وتنفثين البنفسج؟
يا مدينتي الثكلى
أي حزن يعتريك؟
ايتها العمارة
ما كل هذا الموت
المستشري بالشوارع؟
كيف للمدن أن تتلاشى؟"
( رحيم زاير الغانم : المصدر السابق ، 69)
" على إضاءة فوانيس
أرصفة خافتة
حددت موعداً
مع الحبيبة
علها تنور القلب
فتضيء باحته المنطفئة"
( رحيم زاير الغانم : المصدر السابق ، 70)
المصادرأرصفة خافتة
حددت موعداً
مع الحبيبة
علها تنور القلب
فتضيء باحته المنطفئة"
( رحيم زاير الغانم : المصدر السابق ، 70)
- كارل هاينز ستيرل : التلقي والتخيل / مجلة اقلام /العدد 3 / 1990.
- روبرت سي هول : نظرية الاستقبال ، 1992.
- هيغل : فن الشعر ، 1981.
- رحيم زاير الغانم : لطفاً ... كن وطناَ، 2018.