أدب أندلسي د. فالح الكيلاني - الموشحات الاندلسية..

الموشح فن من فنون الشعر العربي استحدثه الاندلسيون بدافع الخروج على نظام القصيدة و على النهج القديم وانسجاماً مع روح الطبيعة الجديدة كونه اقرب اندماجاً في تنوع الموسيقى الشعرية في التلحين والغناء.
والموشح فن جميل من فنون الشعر العربي اتخذ قوالب بعينها في نطاق تعدد الأوزان الشعري وقد اتسعت الموشحات وتطورت لتشمل كل موضوعات الشعر وأغراضه وقد عرف ابن سناء الملك الموشح فقال :
( الموشح كلام منظوم على وزن مخصوص وهو يتألف في الأكثر من ستة أقفال وخمسة أبيات ويُقال له التام، وفي الأقل من خمسة أقفال وخمسة أبيات ويُقال له الأقرع، فالتام ما ابتدئ فيه بالأقفال، والأقرع ما ابتدئ فيه بالأبيات).
وقيل سمي موشحاً لأناقته وتنميقه تشبيهاً له بوشاح المرأة في زركشته وتنسيقه . فالموشحا ت سميت بذلك لأن تعدد قوافيها على نظام خاص جعل لها جرساً موسيقياً لذيذاً ونغماً حلواً تتقبله الأسماع، وترتاح له النفوس،وقد قامت القوافي فيها مقام الترصيع بالجواهر واللآلئ في الوشاح فلذلك أطلق عليها (الموشحات) أي الأشعار المزينة بالقوافي والأجزاء الخاصة، ومفردها موشح ينظم وتعني انها منظومة موشحة أي مزينة ولهذا فلا يقال قصيدة موشحة لأن لفظ القصيدة خاص بالشعر المنظوم في البحور الستة عشر المعروفة .
و قد نشأت الموشحات في الأندلس أواخر القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) وكانت نشأتها في الفترة التي ازدهرت فيها الموسيقى وشاع الغناء من جانب،وقوي احتكاك العنصر العربي بالعنصر الاسباني من جانب آخر،فكانت نشأتها استجابة لحاجة فنية حيث،أن الأندلسيين كانوا قد أولعوا بالموسيقى وكلفوا بالغناء منذ أن قدم عليهم زرياب وأشاع فيهم فنه والموسيقى والغناء إذا ازدهرا كان لازدهارهما تأثير في الشعر أي تأثير، وقد اتخذ هذا التأثير صورة خاصة في الحجاز والعراق حين ازدهر فيهما الغناء والموسيقى في العصر الأموي ثم العصر العباسي، وكذلك اتخذ هذا التأثير صورة مغايرة في الأندلس حين ازدهر فيها الغناء والموسيقى فيظهر أن الأندلسيين أحسوا بقلة انسجام القصيدة الموحدة إزاء الألحان المنوعة، وشعروا بجمود الشعر في ماضيه التقليدي الصارم أمام النغم في حاضره التجديدي المرن، وأصبحت الحاجة ماسة إلى لون من الشعر جديد يواكب الموسيقى والغناء في تنوعها واختلاف ألحانها ومن هنا ظهر هذا الفن الشعري الغنائي الذي تتنوع فيه الأوزان وتتعدد القوافي، والذي تعتبر الموسيقى أساساً من أسسه فهو ينظم ابتداء التلحين والغناءونتيجة لظاهرة اجتماعية .
و كذلك جاءت نتيجة لظاهرة اجتماعية حيث أن العرب امتزجوا بالأسبان، وألفوا شعباً جديداً من العروب و الاسبان وكان من مظاهر الامتزاج أن عرف الشعب الأندلسي العامية اللاتينية كما عرف العامية العربية، أي أنه كان هناك تزاوج لغوي نتيجة للازدواج العنصري.
واول من اخترع فن التوشيح الأندلسي مقدم بن معافى القبري،ثم ياتي بعده اسم أحمد بن عبدربه صاحب ( العقد الفريد) ، أما المؤلف الفعلي لهذا الفن كما أجمع المؤرخون فهو أبو بكر عبادة ثم الأعمى التطيلي كبير شعراء الموشحات، وابن باجه الفيلسوف الشاعر ، ولسان الدين بن الخطيب .
اما في بلاد المشرق فكان الفضل لابن سناء الملك المصري في ذيوع فن الموشحات في مصر والشام وهو صاحب الموشح المعروف :
كللي يا سحب تيجان الربى بالحلى
و اجعلي سوارها منعطف الجدول
ويتكون الموشح من أجزاء ولكل جزء من هذه الأجزاء اسم يميزه عن غيره ولمعرفة هذه الاجزاء نقوم بتحليل هذه الموشح القصير لابن مهلهل في وصف الطبيعة ً:
( النهر سلّ حساما على قدود الغصون
وللنسيم مجال
والروض فيه اختيال
مدّت عليه ظلال
والزهر شقّ كماما وجداّ بتلك اللحون
أما ترى الطير صاحا
والصبح في الأفق لاحا
والزهر في الروض فاحا
والبرق ساق الغماما تبكي بدمع هتون )
فنجد انه يتكون كما يلي :
1. المطلع: اصطلاح يطلق على مطلع الموشح الذي يتكون عادة من شطر أو شطرين أو أربعة أشطر وهو هنا في موشح ابن مهلهل يتكون من قسمين أو شطرين أو غصنين:
النهر سلّ حساما على قدود الغصون
وقد تختلف قافية الغصنين كما هو الحال في المثال السابق،وقد تتفق كما هو الحال في إحدى موشحات ابن زهر:
فتق المسك بكافور الصباح
و وشت بالروض أعراف الرياح
2. الدور: وهو مجموعة الأبيات التي تلي المطلع، ، ويتكون الدور من مجموعة من الأقسمة لاتقل عن ثلاثة وربما تزيد عن ثلاثة بشرط أن يتكرر بنفس العدد في بقية الموشح وأن يكون من وزن المطلع ولكن بقافية مختلفة عن قافيته وتلتزم في أشطر الدور الواحد. والدور في الموشح موضع التمثيل هو:
وللنسيم مجال
والروض فيه اختيال
مدت عليه ظلال
3. السمط: هو كل شطر من أشطر الدور،وقد يكون السمط مكوناً من فقرة واحدة كما في هذا الموشح ،وربما يتألف من فقرتين.
4. القفل: هو مايلي الدور مباشرة ويسمّى أيضاً مركزاً، وهو شبيه بالمطلع في الموشح التام من جميع النواحي أي أنه شبيهه في القوافي وعدد الأغصان وليس الموشح مشروط بعدد ثابت من الأقفال. والقفل هنا هو:
والزهر شق كماما وجداً بتلك اللحون
5. البيت:وهو في الموشحة غيره في القصيدة ، فالبيت في القصيدة معروف أما في الموشحة فيتكون البيت من الدور مضافاً إليه القفل الذي يليه وعلى ذلك فالبيت في موشحنا هو:
وللنسيم مجال
والروض فيه اختيال
مُدّت عليه ظلال
والزهر شق كماما وجداً بتلك اللحون
6. الغصن: هو كل شطر من أشطر المطلع أو القفل أو الخرجة وتتساوى الأغصان عدداً وترتيباً وقافية في كل الموشحة وقلّما يشذ الوشاح عن هذه القاعدة، وأقل عدد للأغصان في مطلع أية موشحة ـ وبالتالي في الأقفال والخرجة ـ اثنان، وكما سبق القول يجوز أن تتفق قافية الغصنين ويجوز أن تختلف، على أنه من المألوف أن تتكون أقفال الموشحة من أربعة أغصان مثل موشح لسان الدين:
جادك الغيث إذا الغيث همى
يـازمــان الـوصـــل بالأنـدلــس
لم يـكـــن وصــلك إلا حـــلـــماً
في الكرى أو خلسة المختلس
7. الخرجة: هي آخر قفل في الموشح قفل بكل شروطه، تقع في آخر الموشح و تشكل مع مايسبقها من أقفال أجزاء أساسية في بناء الموشح و لولا الأقفال والخرجة لا يمكن أن تسمى المنظومة موشحاً.
والخرجة خرجتان :
خرجة معربة وهي التي تكون فصيحة اللفظ بعيدة عن العامية.
و خرجة رجلية أي عامية أو أعجمية الألفاظ وهي المفضلة او المستحسنة.
استخدم الوشاحون كل موضوعات الشعر المألوفة ميادين لتواشيحهم وقد وجدت موشحات في جميع الأنواع فاول هذه الموشحات هي الموشحات الغزلية ثم الخمرية ثم موشحات في وصف الطبيعة وكثيراً ما كانت تتشابك هذه الموضوعات وتشترك كلها في موشحة واحدة فمن أشهر الوشاحين الغزلين (الأعمى التطيلي ) فوموشحته هذه تعتبر مثلاً أعلى لفن الموشحات في الأندلس يقول :
سافر عن بدر
ضاق عنه الزمان وحواه صدري
آه مــــــــما أجـــد
شفني ما أجـد
قــــام بي وقـــــعـد
باطــش متئــــد
كــلمـــــا قلت قد قال لي أين قد
وانـثنى خوط بان ذا مهـز نضير
عـــابثــــتــــه يــــدان للـصبا والقطر
اما الموشح الخمري فلاتختلف مواضيعه عن معانيها في القصيدة الشعرية في الخمر واشهر شعراء الموشحات الخمرية ابن بقي القرطبي الاندلسي فيقول :
أدر لـــنــا أكــــــــواب
ينسى به الوجـد
واستصحب الجلاس
كما اقتضى العهد
دن بالهــــوى شرعاً
ما عشت ياصــــاح
ونـــــزّه الســــمـــعـــا
عن منطق اللاحي
والحـــــكم أن يدعى
إليـــك بـــــالــــراح
أنامــــل العــــنـــــاب
ونقلك الورد
حفا بصــدغي آس
يلويهــــما الخد
ويعجبني هذا الموشح الرائع لابن المعتز الشاعر العباسي في المشرق والذي كان المغنون يتغنون به الى وقت قريب .
ياحلو يااسمر غنى بك السمر
رقوا ورق الهوى في كل ما صورا
———————
ما الشعر ماسحره ما الخمر ماالسكر
يندى على ثغرك من انفاسك العنبر
————————–
والليل يغفو على شعرك او يقمر
انت نعيم الصبا والامل الاخضر
ما لهوانا الذي اورق لايثمر
————————-
قد كان من امرنا ماكان هل يذكر
نعصر من ر وحنا اطيب ما يعصر
—————————-
نوحي الى الليل ما يبهج او يسكر
نبنيه عشا لنا ياحلو يا ا سمر
————————————
اما الموشح الخمري فلاتختلف مواضيعه عن معانيها في القصيدة الشعرية في الخمر واشهر شعراء الموشحات الخمرية ابن بقي القرطبي الاندلسي فيقول :
أدر لـــنــا أكــــــــواب
ينسى به الوجـد
واستصحب الجلاس
كما اقتضى العهد
دن بالهــــوى شرعاً
ما عشت ياصــــاح
ونـــــزّه الســــمـــعـــا
عن منطق اللاحي
والحـــــكم أن يدعى
إليـــك بـــــالــــراح
أنامــــل العــــنـــــاب
ونقلك الورد
حفا بصــدغي آس
يلويهــــما الخد
اما موشحات وصف الطبيعة الاندلسية الرائعة الخلابة فمن افضلها موشح الوزير الشاعر ابي جعفر احمد بن سعيد وفيها وصف الروض ووصف النهر الذي خلع عليه الوزير الوشاح الألوان البهيجة حين سلّط شمس الأصيل على ماء النهر المفضفض وجعل منه سيفاً مصقولاً يضحك من الزهر الأكمام، ويبكي الغمام، وينطق ورق الحمام، ويصف أيضاً جمال الحور وفتنة الروض فتوحي الشراب فيمد الشاعر أو الوشاح الأندلسي بالغزل فيقول فيها :
ذهبت شمس الأصيل
فضة النهر
أي نهر كالمدامة
صيّر الظل فدامه
نسجته الريح لامه
وثنت للغصن لامه
فهو كالعضب الصقيل
حف بالشـفـــر
مضحكاً ثغر الكمام
مبكــياً جفن الغمام
منطقاً وِرق الحمام
داعــــياً إلى المدام
فلــــهذا بالـــقـــبــــول
خط كالسطـــر
وعد الحب فـــأخــــلــــف
واشتهى المطل وسوّف
ورســـــــولي قد تعرّف
منـــــــه بما أدري فحرف
بالله قل يارسولي
لش يغب بدري
كما ان هناك موشحات ظهرت في المديح والفخر والهجاء والرثاء والتصوف والحكمة كثير من الاغراض اتجاوز عن ذكرها خشية الاطالة .
فالموشح والزجل قد ظهرا في وقت واحد ونرجح أن لهما أصلاً مشتركاً في البيئة الأندلسية منذ عهودها الاولية الزَّجل هو الموشَّح المنظوم باللغة العاميَّة والزجل فن من فنون الشعر العربي ظهر في الاندلس فهو وليد البيئة الأندلسية ثم تسرب او خرج إلى البيئات العربية الأخرى و انتشر فيها ويعتبر الشاعر أبو بكر بن قزمان الذي عاش في عصر المرابطين بالأندلس هو أول من أبدع في فن الزجل الا انه لم يكن أول من قال فيه ، بل قيلت الأزجال قبله بالأندلس فهناك عدد من شعراء الأندلس من تقدموا أبا بكر ابن قزمان في القول فيه و لكن هؤلاء الشعراء لم يبلغوا ما بلغه ابن قزمان فيه .
اميرالبيان العربي

د فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى – بلدروز



تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...