قدمت قراءات نفسية لعدد من النوفيلا بدأت باللص والكلاب لنجيب محفوظ والعسكري الأسود ليوسف إدريس وشارع بسادة لسيد الوكيل وغيرها، وتعتبر النوفيلا سرد قصير محكم البناء، واقعي أو تهكمي النبرة في الغالب، نشأت في إيطاليا في العصور الوسطى وكانت ترتكز على أحداث محلية ذات طبيعة هزلية أو سياسية أو عاطفية، ويشير خيري دومة إليها بقوله» الظاهرة اللافتة في الخمسينيات والستينيات هي تزايد الاهتمام بالنوفيلّا بين الجمهور والناشرين، والرغبة المتجددة في استخدام المصطلح؛ فقد أُعلِن مثلًا عن فلم وداعًا كولومبوس بأنه اقتباس للنوفيلّا التي كتبها روث بالعنوان نفسه، وتشير الأعداد المتزايدة من كتب المختارات، ودراسات النوع في المعاهد العلمية، إلى أن النوفيلّا باتت أكثر شعبية. غير أننا ولسوء الحظ نستخدم مصطلحات النوفيلّا، والنوفيلّيت، والرواية القصيرة بمعنى واحد، وهذا خلط سيئ؛ لأن الرواية القصيرة نسخة مصغَّرة من النوع القصصي المسمَّى رواية، بينما النوفيلّا شكل أدبي مختلف، يتماثل عرَضًا مع الرواية القصيرة في طولها فحسب. ولأننا في البلدان التي تتحدث الإنجليزية نفتقر إلى مصطلح مستقرّ، فإننا نستخدم مصطلحات متعددة وغامضة نشير بها إلى هذا الشكل الأدبي، ولا نميل كذلك إلى التفرقة بين ما هو قصة قصيرة وما هو نوفيلّا، وبين ما هو رواية قصيرة وما هو نوفيلّا.
وعلى ذلك فحالة شجن لأحمد رجب شلتوت في رأيينا نوفيلا واقعية سوداوية وتهكمية في كثير من أجزائها تكشف عن اغتراب أبطالها عن الواقع والمجتمع، ففيها يحكي المؤلف عن شاب أنهى تعليمه وخدمته العسكرية ولم يجد عملا فسافر لفترة قصيرة إلى الخليج ولم يحتمل معاملة الكفيل له فعاد لمصر، واضطر لأن يعمل بائعا متجولا يجوب الأسواق حاملا «كرتونة» تحمل بضاعته الرخيصة، عمل شاق يستهلكه ويعرضه لمخاطر أمنية باعتبار من يمارسون مثل هذا العمل من المشبوهين الذين تتبعهم الداخلية وتقربهم أحيانا حين تصفهم بأنهم جماعة من المتسولين ، ويحدث أن يخلف موعد رجوعه اليومي، فتوقع أهله أن تكون الشرطة قبضت عليه، فالشرطة تقصد الأسواق، وكثيراً ما تقبض على الباعة الجائلين. فيهرع شقيقاه في اليوم التالي للبحث عنه في كل الأماكن التي شهدت أسواقا في اليوم الذي اختفى فيه، يبحثان في الأسواق والمستشفيات وأقسام الشرطة ولا يجدون أثرا له، حتى يعود داخل سيارة ترحيلات إلى قسم الشرطة الذي يتبعونه، ولا يستطيعون ضمانه وإخراجه إلا بوساطة نائب مجلس الشعب عن دائرتهم.
فالأشخاص داخل النوفيلا مأزومين سواء من تخرج من الجامعة ولم يجد عملا أو من يعمل وفي نفس الوقت من المرتشين أو من الذين لا تكفي رواتبهم لسد حاجتهم أو الزوجات الخائنات أو الأصدقاء غير المتحققين نفسيا واجتماعيا كمرعي أو الجشعين كالسائق أو الأبطال المنسحقين كالأب الذي قضى شبابه في الجيش هو وأصدقائه وصار حالهم سيئا ولا يجدون ما يسترون به أسرهم حتى أولئك الصبية من جماعة التبليغ والدعوة الذين يمتلكون فهمًا منقوصًا ومشوهًا عن الإسلام والدعوة إليه وهي تلك الجماعة الوافدة إلينا من دول شرق أسيا فكيف وجدت لها أرضًا خصبة في هذا الوطن بهذه السهولة ويشير المؤلف إلى إمكانية دعم الدولة لذلك الفكر ما داموا لا يشتغلون بالسياسة فلا خوف منهم .
وكدلالة على واقعية النوفيلا فقد خبرت الأماكن التي توجد في النوفيلا وسكنت بعضها وزرت البعض الآخر من قليوب للقناطر للمناشي لمراكز الجيزة والمنوفية وبهتيم إنها القرى وما بها من عادات وتقاليد أحيانا ما لم يكن غالبا معطلة فها هو الابن يتحدث مع أمه أن أخوته البنات لسن في حاجة لهداية مالية في المواسم الدينية وليس في وسعهم تلبية تلك الحاجات فيشير السارد إلى ذلك «كعادة إهداء البنات المتزوجات هدايا عينية غالبا تكون من المأكولات في المناسبات الدينية الإسلامية كشهر رجب وشعبان ورمضان وعيدي الفطر والأضحى، وكذلك عادة الإفطار في أول أيام رمضان بلحم طير، لذا يسمونه بيوم الرفرافة، في إشارة إلى رفرفة الطيور الذبيحة».
وتظهر في حالة شجن اللغة المكثفة والرمزية بالرغم من واقعية الأحداث والأشخاص والقضايا المطروحة ونستدل على ذلك بتلك الجملة المزدوجة الدلالة «ما غريب إلا الشيطان» جملة قالها غريب وكأنها مفتاح شخصيته فهو ذلك الشاب الثلاثيني الذي يسرق المتعة مع زوجة صديق له كما يسرقها مع أم صديقه الآخر، هو باحث عن المتعة وفقط لا يهمه إلا أن تكون يسيرة وبلا ثمن، هذه الجملة الملغزة هل قُصِدَ بها أن غريبا هو الشيطان نفسه ، وليس كما يقول المثل الدارج في ثقافتنا الشعبية أن الغريب في علاقتنا هو الشيطان وأن القادم للبيت من أهله وليس بغريب عنهم، وغريب هو بطل النوفيلا الغائب الحاضر في طولها فجمال الأخ الأكبر يبحث عن غريب الذي يعمل بائع متجول بالأسواق وغاب عن البيت ولم يعد ليكتشف جمال أن أخاه كان محتجزا بقسم الشرطة، وكأن البطل التراجيدي المأزوم غريب في هذا الوطن ليكتسب الاسم نفسه دلالة أخرى على حالته النفسية من حيث الغرابة سواء في السلوك الشاذ عن أفراد أسرته أو الغريب بمعنى الاغتراب والعزلة/ المغترب عن الآخرين والمجتمع بسبب ما يعانيه من أزمات فأصبح مغتربا بالمعنى النفسي ولهؤلاء صفات نفسية ظهرت في حديثه مع أخيه عند تبريره الخيانة وسرقة المتعة وهي صفات الشعور بالدونية واليأس ونقص الهمة وقلة الدافعية وتشيئ المشاعر والمعاني .
كما تماهت أزمات الوطن كالفساد والرشوة والفقر مع أزمات أصحاب مشاعر الاغتراب كما لدى بطل النوفيلا حتى أن المؤلف يقرر من البداية أنها نوفيلا واقعية سوداوية منذ العنوان حالة شجن أي حالة حزن ووجد وكآبة، ثم في الإهداء يقول «إلى فجر أثِق فى طلوعه رغم سطوة العتمة»، يقرر لنا أن الوطن مظلم ولكن الأمل موجود وتأتي إشارة لمكان وتاريخ كتابة النوفيلا ليقول «أبو النمرس من 10- 5 – 1999 إلى 19- 3 – 2000 « لكي يعبر عن أن الوطن في تلك الفترة يعاني من تلك الأزمات وليشير إلى منطقة شديدة الالتصاق بتلك المشكلات.
ثم يعقبه بأبيات شعرية تؤدي نفس المهام وتدعم فكرة أزمات الوطن فيقول نقلا عن أحمد عبدالمعطي حجازي « أرى بلداً غريباً/ لم أشاهد مثله منفى/ ولا وطنـــا / ولا أعلم كيف اتخذته أمة سكنا». ليتأكد لدينا فكرة الاغتراب لدى بطل النوفيلا حتى أن حجازي نفسي يؤكد ذلك بقوله «بلدا غريبا». ويذكر الرواي كيف أنه قرأ واهتم وتبادل رواية «مائة عام من العزلة « لماركيز وفي عنوان تلك الرواية أيضا ما يدل على الوحدة والاغتراب وأليست مفردة العزلة دالة بذاتها على تلك الفكرة المركزية داخل النوفيلا؟
ونلاحظ ذلك التماهي كذلك بين المؤلف وجمال الذي يدرس التجارة والاقتصاد ويستشهد بمقولات اقتصادية كثيرة طوال النوفيلا وبين المؤلف الذي درس الاقتصاد والتجارة أيضا في جامعة القاهرة وما حدث لهما معا من تكوين ثقافي وفكري واجتماعي أيام الجامعة ويقول الراوي الذي ينقل عن كتاب «الدرب الأخر» لهرناندو دي سوتو، مقاطع يرصد فيها ميلاد التجارة غير الرسمية، التى تجرى أساساً فى الشوارع حيث تعرف بالبيع المتجول، إذ بدأت الأسواق غير الرسمية عندما سعى الباعة العاملون فى الشوارع إلى وضع حد لحالة عدم الأمان التى يعملون فيها . فالمؤسسات الرسمية فقدت مصداقيتها حين كفت عن أن توفر الوسائل اللازمة لحكم المجتمع والحياة فيه» ليصبح المؤلف هو جمال وهنا يتقاطع الذاتي بالموضوعي والسيرة الذاتية بالواقع الاجتماعي والسياسي الذي تدور فيه النوفيلا.
وعلى ذلك فحالة شجن لأحمد رجب شلتوت في رأيينا نوفيلا واقعية سوداوية وتهكمية في كثير من أجزائها تكشف عن اغتراب أبطالها عن الواقع والمجتمع، ففيها يحكي المؤلف عن شاب أنهى تعليمه وخدمته العسكرية ولم يجد عملا فسافر لفترة قصيرة إلى الخليج ولم يحتمل معاملة الكفيل له فعاد لمصر، واضطر لأن يعمل بائعا متجولا يجوب الأسواق حاملا «كرتونة» تحمل بضاعته الرخيصة، عمل شاق يستهلكه ويعرضه لمخاطر أمنية باعتبار من يمارسون مثل هذا العمل من المشبوهين الذين تتبعهم الداخلية وتقربهم أحيانا حين تصفهم بأنهم جماعة من المتسولين ، ويحدث أن يخلف موعد رجوعه اليومي، فتوقع أهله أن تكون الشرطة قبضت عليه، فالشرطة تقصد الأسواق، وكثيراً ما تقبض على الباعة الجائلين. فيهرع شقيقاه في اليوم التالي للبحث عنه في كل الأماكن التي شهدت أسواقا في اليوم الذي اختفى فيه، يبحثان في الأسواق والمستشفيات وأقسام الشرطة ولا يجدون أثرا له، حتى يعود داخل سيارة ترحيلات إلى قسم الشرطة الذي يتبعونه، ولا يستطيعون ضمانه وإخراجه إلا بوساطة نائب مجلس الشعب عن دائرتهم.
فالأشخاص داخل النوفيلا مأزومين سواء من تخرج من الجامعة ولم يجد عملا أو من يعمل وفي نفس الوقت من المرتشين أو من الذين لا تكفي رواتبهم لسد حاجتهم أو الزوجات الخائنات أو الأصدقاء غير المتحققين نفسيا واجتماعيا كمرعي أو الجشعين كالسائق أو الأبطال المنسحقين كالأب الذي قضى شبابه في الجيش هو وأصدقائه وصار حالهم سيئا ولا يجدون ما يسترون به أسرهم حتى أولئك الصبية من جماعة التبليغ والدعوة الذين يمتلكون فهمًا منقوصًا ومشوهًا عن الإسلام والدعوة إليه وهي تلك الجماعة الوافدة إلينا من دول شرق أسيا فكيف وجدت لها أرضًا خصبة في هذا الوطن بهذه السهولة ويشير المؤلف إلى إمكانية دعم الدولة لذلك الفكر ما داموا لا يشتغلون بالسياسة فلا خوف منهم .
وكدلالة على واقعية النوفيلا فقد خبرت الأماكن التي توجد في النوفيلا وسكنت بعضها وزرت البعض الآخر من قليوب للقناطر للمناشي لمراكز الجيزة والمنوفية وبهتيم إنها القرى وما بها من عادات وتقاليد أحيانا ما لم يكن غالبا معطلة فها هو الابن يتحدث مع أمه أن أخوته البنات لسن في حاجة لهداية مالية في المواسم الدينية وليس في وسعهم تلبية تلك الحاجات فيشير السارد إلى ذلك «كعادة إهداء البنات المتزوجات هدايا عينية غالبا تكون من المأكولات في المناسبات الدينية الإسلامية كشهر رجب وشعبان ورمضان وعيدي الفطر والأضحى، وكذلك عادة الإفطار في أول أيام رمضان بلحم طير، لذا يسمونه بيوم الرفرافة، في إشارة إلى رفرفة الطيور الذبيحة».
وتظهر في حالة شجن اللغة المكثفة والرمزية بالرغم من واقعية الأحداث والأشخاص والقضايا المطروحة ونستدل على ذلك بتلك الجملة المزدوجة الدلالة «ما غريب إلا الشيطان» جملة قالها غريب وكأنها مفتاح شخصيته فهو ذلك الشاب الثلاثيني الذي يسرق المتعة مع زوجة صديق له كما يسرقها مع أم صديقه الآخر، هو باحث عن المتعة وفقط لا يهمه إلا أن تكون يسيرة وبلا ثمن، هذه الجملة الملغزة هل قُصِدَ بها أن غريبا هو الشيطان نفسه ، وليس كما يقول المثل الدارج في ثقافتنا الشعبية أن الغريب في علاقتنا هو الشيطان وأن القادم للبيت من أهله وليس بغريب عنهم، وغريب هو بطل النوفيلا الغائب الحاضر في طولها فجمال الأخ الأكبر يبحث عن غريب الذي يعمل بائع متجول بالأسواق وغاب عن البيت ولم يعد ليكتشف جمال أن أخاه كان محتجزا بقسم الشرطة، وكأن البطل التراجيدي المأزوم غريب في هذا الوطن ليكتسب الاسم نفسه دلالة أخرى على حالته النفسية من حيث الغرابة سواء في السلوك الشاذ عن أفراد أسرته أو الغريب بمعنى الاغتراب والعزلة/ المغترب عن الآخرين والمجتمع بسبب ما يعانيه من أزمات فأصبح مغتربا بالمعنى النفسي ولهؤلاء صفات نفسية ظهرت في حديثه مع أخيه عند تبريره الخيانة وسرقة المتعة وهي صفات الشعور بالدونية واليأس ونقص الهمة وقلة الدافعية وتشيئ المشاعر والمعاني .
كما تماهت أزمات الوطن كالفساد والرشوة والفقر مع أزمات أصحاب مشاعر الاغتراب كما لدى بطل النوفيلا حتى أن المؤلف يقرر من البداية أنها نوفيلا واقعية سوداوية منذ العنوان حالة شجن أي حالة حزن ووجد وكآبة، ثم في الإهداء يقول «إلى فجر أثِق فى طلوعه رغم سطوة العتمة»، يقرر لنا أن الوطن مظلم ولكن الأمل موجود وتأتي إشارة لمكان وتاريخ كتابة النوفيلا ليقول «أبو النمرس من 10- 5 – 1999 إلى 19- 3 – 2000 « لكي يعبر عن أن الوطن في تلك الفترة يعاني من تلك الأزمات وليشير إلى منطقة شديدة الالتصاق بتلك المشكلات.
ثم يعقبه بأبيات شعرية تؤدي نفس المهام وتدعم فكرة أزمات الوطن فيقول نقلا عن أحمد عبدالمعطي حجازي « أرى بلداً غريباً/ لم أشاهد مثله منفى/ ولا وطنـــا / ولا أعلم كيف اتخذته أمة سكنا». ليتأكد لدينا فكرة الاغتراب لدى بطل النوفيلا حتى أن حجازي نفسي يؤكد ذلك بقوله «بلدا غريبا». ويذكر الرواي كيف أنه قرأ واهتم وتبادل رواية «مائة عام من العزلة « لماركيز وفي عنوان تلك الرواية أيضا ما يدل على الوحدة والاغتراب وأليست مفردة العزلة دالة بذاتها على تلك الفكرة المركزية داخل النوفيلا؟
ونلاحظ ذلك التماهي كذلك بين المؤلف وجمال الذي يدرس التجارة والاقتصاد ويستشهد بمقولات اقتصادية كثيرة طوال النوفيلا وبين المؤلف الذي درس الاقتصاد والتجارة أيضا في جامعة القاهرة وما حدث لهما معا من تكوين ثقافي وفكري واجتماعي أيام الجامعة ويقول الراوي الذي ينقل عن كتاب «الدرب الأخر» لهرناندو دي سوتو، مقاطع يرصد فيها ميلاد التجارة غير الرسمية، التى تجرى أساساً فى الشوارع حيث تعرف بالبيع المتجول، إذ بدأت الأسواق غير الرسمية عندما سعى الباعة العاملون فى الشوارع إلى وضع حد لحالة عدم الأمان التى يعملون فيها . فالمؤسسات الرسمية فقدت مصداقيتها حين كفت عن أن توفر الوسائل اللازمة لحكم المجتمع والحياة فيه» ليصبح المؤلف هو جمال وهنا يتقاطع الذاتي بالموضوعي والسيرة الذاتية بالواقع الاجتماعي والسياسي الذي تدور فيه النوفيلا.