عبدالله البقالي - الكتابة بالأحمر

فتش في جيوبه عن قلم. كان في حاجة إلى تسجيل و ترجمة الذبذبات التي كان يستقبلها بشكل متواصل وواضح، و الواقعة بدروها تحت تاثير المشهد الخلفي الممتد وراء الهدوء الذي كان يعي انه لن يدوم طويلا.
عملية البحث لم تسفر سوى عن وجود ولاعة و نظارة طبية وقلم احمر. اعاد القلم إلى الجيب بعفوية. و عاد ليتأمل المشهد الجميل المتمثل في الجو الممطر، و الشارع الفسيح المؤثث بسيارات متوقفة على جنباته، و بعض المارة بخطى متمهلة، و رؤوسهم المثقلة التي تفيد عدم بلوغهم مرحلة الصحو التام.
تجددت الرغبة في الكتابة. مد يده إلى قلمه الأحمر وهو ينظر إليه. سأل نفسه: من الذي أفتى بأن يكون الأحمر لون السلطة بين الألوان؟ و لماذا اختص في تجسيد الطوارئ و الخطر؟
لقد تعود عبر تاريخ وظيفته أن يخص الأحمر بمهمة واحدة. رصد الأخطاء، ووضع تقييم معياري مجسد في أرقام تخلق شحنات انفعالية متراوحة بين الفرح و الإكتئاب. وليصبح في النهاية كإجراء تنتهي مهمته بإصدار الأحكام، و يستسلم بعدها للعطالة.
الآن هو في وضع مختلف، لا يريد أن يحاكم أحد. و لا يرغب في أن يمضي إلى ابعد من أن يحدث نفسه، و يرسم على الصفحة شيئا ما منه، ولا يثيره ذلك التزاوج بين البياض الناصع و الحمرة الداكنة التي تولد قشعريرة تفسد ذلك التجاوب الجميل العام بين الأشياء.
أعتبر الأمر ناتج عن غياب الفة. و عاود الكتابة مرات و مرات. وفي كل واحدة ، كان يجد تركيزه يظل أسير الحمرة، و ليكتشف في النهاية أن الكتابة بالأحمر أشبه بوجه عبوس عبر سنين العمر، أفرج باستغراب في النهاية عن ابتسامة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...