1- اصطدامات
لستُ سوى نتاجٍ لمجموعة من الحوادث والاصطدامات المتتالية. مجموعة من الارتطامات العنيفة، التي تَفرض عليك، في كل مرة، أن تهتمّ بالإنسان الذي ارتطمَ بك دون سواه.
ثمة أشخاصٌ كثيرون ساقتهم الأقدار باتجاهي، فانْقَذَفُوا نحوي، وكان الاصطدام بيننا في غاية القوة. وقد بقيتُ أنظر إليهم وأحاول أن أفهم. والحق أن أولئك الأشخاص هم الذين جعلوني أتغير شيئا فشيئا. هم الذين جعلوا مني هذا الكائنَ المتمرد، المتأرجح بين الرجاء واليأس، والذي يغالب دموعَه تارة ويُغرق في الضحك تارة أخرى. أجل، إن المرء يتفاعل باستمرار مع الآخرين ويَخضع لتأثيرهم. فهم مثل النيازك التي تَدور وتَدُور في السماء، ثم تنهمر عليك تباعا وتُحدث في أعماقك الحفرة تلو الأخرى. تُرى، ماذا كنتُ سأَكُون لو بقيتُ في مأمن تام من تلك الاصطدامات المتتابعة؟
2- الارتماء في نهر السون
من بين الأشخاص الذين كان لهم تأثير حاسم في حياتي، هناك صديق اسمه ليون شارلي Léon Charlaix. فهو الذي علمني كيف أبكي! كان إنسانا متمردا ، غريبَ الأطوار، شديدَ الإقبال على الحياة. وقد أعطاني دروسا بليغة في اللامبالاة، وجعلني أستهين بالعديد من الأشياء، وأرفض الخضوع والانصياع. ينبغي الاعتراف بأني كنتُ أملك الاستعداد الفطري لذلك. لكنْ حين تكُون فتى في السابعة عشرة من العمر، وتلتقي بالشخص الذي يَدفعك دفعاً في الاتجاه الذي سوف تَسقط فيه، فإن السقوط يَحدث بسرعة أكبر!
أذكر أني كنت برفقته، ذات يوم، وكنت أحكي له عن شيء ما، لكنه رفض تصديقي. ذلك أنه كان مجبولا على الارتياب. وإذا هو أحس بارتعاشة في صوتك، أو بارتباك في نبراتك، وأنت تتحدث إليه، فإنه يبادرك في الحين:
-أنت تكذب عليّ!
وكنتُ، حين أجد نفسي معه في مثل هذا الموقف، أحاول جاهدا أن أتدارك الأمر وأن أحيط بالفكرة من جميع الجوانب، وأعبر عنها بالدقة المطلوبة. وعلى أية حال، فالجهر بالحقيقة يتطلب منا، في الكثير من الأحيان، أن نتحلى بالشجاعة اللازمة. وهذا درس من الدروس الكبرى التي تعلمتُها من شارلي.
لكن صديقي هذا أصرّ، يومئذ، على تكذيبي، إذ بقي يردد:
-أنا لا أصدقك....أنت تكذب علي...
كنا نتمشى سويا وكانت نظراته المرتابة تدمرني تدميرا. وقد بقينا على تلك الحال إلى أن بلغنا جسرا من جسور نهر السون. وعندئذ، اقتربت من حافة الجسر ثم قلت له:
-اسمع جيدا يا ليون، إذا أنت تماديت في تكذيبي، فسوف أرتمي في السون!
لكنه قال لي بنبرة حازمة:
-أنا لا أصدقك!
فما كان مني إلا أن وقفت على الحافة، ثم ألقيت بنفسي في مياه النهر!
لم أكن أعرف السباحة، ولحسن الحظ، كانت هناك على السون مستحَمات محاطة بطافيات من فلين، وبالقرب منها سباحون محترفون يتولون الحراسة. وقد سارعوا إلى انتشالي، ونزعوا عني ثيابي المبللة، وأعادوا الدفء إلى جسدي.
في تلك اللحظات الحرجة، رأيتُ شخصا أعرفه جيدا- إذ سبق لي أن شربتُ معه بعض الكؤوس- رأيته يتقدم باتجاه المكان الذي توجد فيه ملابسي المبللة، ورأيته يتناول معطفي ويفتش جيوبي ويستولي على نقودي القليلة، ثم يمضي لحال سبيله. لم أقل شيئا. وماعساني أقول وأنا في ذلك الموقف المهين؟ مَنْ ذا الذي سيصدق فتى مثلي، تم إنقاذه للتو من موت محقق، بعد إقدامه على عمل أخرق؟ لقد بدا لي آنئذ أنه من باب المجازفة أن أشير إلى ذلك الشخص "المحترم" وأن أصرخ قائلا:
-أمسكوا السارق! أمسكوا السارق!
والمثير هو أنني التقيته بعد ذلك، وكان أن مضينا معا إلى إحدى الحانات، حيث دعاني للشرب على حسابه، أو ربما على حسابي، بالنقود التي سرقها مني!
https://www.facebook.com/abdelkaderouassat.abousalma/posts/2367493283352642
لستُ سوى نتاجٍ لمجموعة من الحوادث والاصطدامات المتتالية. مجموعة من الارتطامات العنيفة، التي تَفرض عليك، في كل مرة، أن تهتمّ بالإنسان الذي ارتطمَ بك دون سواه.
ثمة أشخاصٌ كثيرون ساقتهم الأقدار باتجاهي، فانْقَذَفُوا نحوي، وكان الاصطدام بيننا في غاية القوة. وقد بقيتُ أنظر إليهم وأحاول أن أفهم. والحق أن أولئك الأشخاص هم الذين جعلوني أتغير شيئا فشيئا. هم الذين جعلوا مني هذا الكائنَ المتمرد، المتأرجح بين الرجاء واليأس، والذي يغالب دموعَه تارة ويُغرق في الضحك تارة أخرى. أجل، إن المرء يتفاعل باستمرار مع الآخرين ويَخضع لتأثيرهم. فهم مثل النيازك التي تَدور وتَدُور في السماء، ثم تنهمر عليك تباعا وتُحدث في أعماقك الحفرة تلو الأخرى. تُرى، ماذا كنتُ سأَكُون لو بقيتُ في مأمن تام من تلك الاصطدامات المتتابعة؟
2- الارتماء في نهر السون
من بين الأشخاص الذين كان لهم تأثير حاسم في حياتي، هناك صديق اسمه ليون شارلي Léon Charlaix. فهو الذي علمني كيف أبكي! كان إنسانا متمردا ، غريبَ الأطوار، شديدَ الإقبال على الحياة. وقد أعطاني دروسا بليغة في اللامبالاة، وجعلني أستهين بالعديد من الأشياء، وأرفض الخضوع والانصياع. ينبغي الاعتراف بأني كنتُ أملك الاستعداد الفطري لذلك. لكنْ حين تكُون فتى في السابعة عشرة من العمر، وتلتقي بالشخص الذي يَدفعك دفعاً في الاتجاه الذي سوف تَسقط فيه، فإن السقوط يَحدث بسرعة أكبر!
أذكر أني كنت برفقته، ذات يوم، وكنت أحكي له عن شيء ما، لكنه رفض تصديقي. ذلك أنه كان مجبولا على الارتياب. وإذا هو أحس بارتعاشة في صوتك، أو بارتباك في نبراتك، وأنت تتحدث إليه، فإنه يبادرك في الحين:
-أنت تكذب عليّ!
وكنتُ، حين أجد نفسي معه في مثل هذا الموقف، أحاول جاهدا أن أتدارك الأمر وأن أحيط بالفكرة من جميع الجوانب، وأعبر عنها بالدقة المطلوبة. وعلى أية حال، فالجهر بالحقيقة يتطلب منا، في الكثير من الأحيان، أن نتحلى بالشجاعة اللازمة. وهذا درس من الدروس الكبرى التي تعلمتُها من شارلي.
لكن صديقي هذا أصرّ، يومئذ، على تكذيبي، إذ بقي يردد:
-أنا لا أصدقك....أنت تكذب علي...
كنا نتمشى سويا وكانت نظراته المرتابة تدمرني تدميرا. وقد بقينا على تلك الحال إلى أن بلغنا جسرا من جسور نهر السون. وعندئذ، اقتربت من حافة الجسر ثم قلت له:
-اسمع جيدا يا ليون، إذا أنت تماديت في تكذيبي، فسوف أرتمي في السون!
لكنه قال لي بنبرة حازمة:
-أنا لا أصدقك!
فما كان مني إلا أن وقفت على الحافة، ثم ألقيت بنفسي في مياه النهر!
لم أكن أعرف السباحة، ولحسن الحظ، كانت هناك على السون مستحَمات محاطة بطافيات من فلين، وبالقرب منها سباحون محترفون يتولون الحراسة. وقد سارعوا إلى انتشالي، ونزعوا عني ثيابي المبللة، وأعادوا الدفء إلى جسدي.
في تلك اللحظات الحرجة، رأيتُ شخصا أعرفه جيدا- إذ سبق لي أن شربتُ معه بعض الكؤوس- رأيته يتقدم باتجاه المكان الذي توجد فيه ملابسي المبللة، ورأيته يتناول معطفي ويفتش جيوبي ويستولي على نقودي القليلة، ثم يمضي لحال سبيله. لم أقل شيئا. وماعساني أقول وأنا في ذلك الموقف المهين؟ مَنْ ذا الذي سيصدق فتى مثلي، تم إنقاذه للتو من موت محقق، بعد إقدامه على عمل أخرق؟ لقد بدا لي آنئذ أنه من باب المجازفة أن أشير إلى ذلك الشخص "المحترم" وأن أصرخ قائلا:
-أمسكوا السارق! أمسكوا السارق!
والمثير هو أنني التقيته بعد ذلك، وكان أن مضينا معا إلى إحدى الحانات، حيث دعاني للشرب على حسابه، أو ربما على حسابي، بالنقود التي سرقها مني!
https://www.facebook.com/abdelkaderouassat.abousalma/posts/2367493283352642