زمن ردىء والأردأ منه المُناخ الذي أناخٰ كل قافلة وعصّف بالكرة الأرضية من كوارث طبيعية جعل العالم الذي أصبح قرية صغيرة يعيش حالة من الرُعب، والخوف، وكيف تفرز الكوارث الطبيعية كالأوبئة والفيضانات، والزلازل، أنماطا سلوُكية مختلفة وغريبة تمتزج فيها سلوُكيات عدوانية من الاحتكار والنهب والسلب والجريمة والارتدادؑ نحو التطور البدائي، حيث يصبح الأنسان مُفترسا لكل شيء ويقع العالم الآن تحت عالم الخرافه والسحر والشعوذة، إن السلوكيات الإنسانية التي تقوم على الإبداع والتدابير العلمية والعملية لإدارة أزمة الوباء والتغيرات المناخية والاحتباس الحراري.
كان الإنسان جزءا مُهمًا ومتهمًا في خلل الطبيعة.. هل يستطيع الإبداع أن ينقل صورة تراجيدية للمأساة التي تتعرض لها البشرية كما جسدها الكاتب المسرحي الإنجليزي ( وليام شكسبير) وهل تستطيع مدينة الفنون ومدينة الرسام " دافنشي" ميلانو التي تتعرض لوباء کورونا في الوقت الحاضر ۔
أن يخرج رسام من حول "ميدان الدومة " ليرسم لنا لوحه عن هذه المآساة وبعد تصريحات زعماء العالم وفقدهم في السيطرة على الوباء من تصريح "رئيس وزراء إيطاليا " إذا استمر الحال على ما هو عليه۔ ستحصد إيطاليا نحو" 4 ملايين " من جراء هذا الوباء، وكأن التاريخ يعيد نفس السيناريو في القرن الخامس والسادس، عندما ضرب وباء (الطاعون) مدينه ميلانو شمال إيطاليا وراح ضحيته نحو نصف عدد السكان، إنها مدينة رسام ومهندس عصر النهضة الإيطالي ليوناردو دافنشي " نجا فنان عصر النهضة الإيطالي ليوناردو دافنشي من وباء الطاعون الدبلي " الذي ضرب ميلانو نهاية القرن 15، وقتل حوالي خمسين ألف شخص يمثلون أكثر من ثلث سكان المدينة، التي تعيش هذه الأيام على واقع تفشي فيروس كورونا ( كوفيد 19).
وألهم الطاعون دافنشي لتصميم مدينة مستقبلية عبر عنها من خلال سلسلة من الرسوم والتدوينات اكتملت بين (1487 و1490)، وتوجد في مخطوطة لا تزال باقية حتى الآن، وعمدؑ فيها لتحويل مدن القرون الوسطى مثل ميلانو - التي كانت ضيقة، يصعب التنقل فيها، وقذرة، ومزدحمة، وتساعد في انتشار المرض، نحو تخطيط أكثر حداثة مدعوم بشبكة قنوات تدعم التجارة وحركة البضائع والصرف الصحي، وقسم المدينة رأسيا إلى ثلاث طبقات مختلفة لكل منها غرض مختلف.
وكانت أفكار دافنشي في زمنه مختلفة جذريا ويصعب تطبيقها على المدن القائمة بالفعل، لكنها ألهمت بناء مدن جديدة بالكامل في الأزمنة الحديثة، وسعى دافنشي لتقسيم المدينة عموديا، وفصل المناطق المستخدمة للتجارة والنقل عن تلك المستخدمة للترفيه والمعيشة.
ويمكن القول إن هذا التخطيط يشكل محاولات مبكرة للتقسيم الحديث، وهو نهج للتخطيط الحضري لم يدخل حيز التطبيق البارز إلا بعد الثورة الصناعية بوقت طويل، وكان عدم كفاءة شوارع العصور الوسطى المختنقة مصدرًا لانتشار الطاعون الدبلي، لذلك كان تحويل الطريقة التي يتحرك بها الأشخاص والمركبات وسيلة فعالة لحصار هذه الأوبئة، واعتمد تصميم دافنشي على طرق متعددة المستويات للمركبات والمشاة.
وانقسمت مدينة ميلانو لمستوى علوي للمشاة والمجتمع والعناصر الجمالية، بينما خصص المستوى السفلي لشبكة من القنوات والطرق التي تستخدم لحركة البضائع والحيوانات والتجارة والمخازن، واعتمد شوارع واسعة وارتفاعا منتظما للمباني، ومداخن طويلة، ونظام صرف صحي متطورا لمواجهة الطاعون.
ولتخيل هذه الفكرة يمكن التفكير في مستوى تحت شارع المشاة والمركبات لتوصيل البضائع والأطعمة وتفريغهما في المخازن، ويمكن مقارنة هذا التصميم بتخطيط مدن حديثة تمنع استخدام السيارات في مراكز المدن، مع مراعاة الحد من الانبعاثات وتقليل الازدحام، ومنع تكدس الناس بشكل يعرضهم للعدوى المميتة كما حدث في ميلانو خلال العصور الوسطى.
كذلك أبدع الأديب المصري " طه حسين " في روايته ( الأيام) والاعتقادات في زمن انتشار وباء الكوليرا في مصر ۔ففي ستينيات القرن الماضي كتب " الاديب المصري زكي نجيب الكيلاني " روايته ( ليل وقضبان) أو سجن بلا قضبان ليعيش العالم الآن في سجن كبير اختياري وإجباري، وقد برع الكاتب والأديب البريطاني (وليام شكسبير) في مجموعة من أفضل أعماله خلال الطاعون الذي ضرب بريطانيا نهاية القرن الـ16، واستلهم كذلك أدب شكسبير في نهاية القرن " 16 "وأثناء تفشي وباء " الطاعون الدبلي"، الذي أودى بحياة كثيرين في سلسلة من موجات الوباء تسبب آخرها في موت ربع سكان لندن، جرى إغلاق كل المسارح في أوقات كثيرة، وكانت القاعدة الرسمية أنه بمجرد تجاوز معدل الوفيات ثلاثين أسبوعيا سيتم إلغاء العروض كافة.
وتوفي بسبب الوباء القاتل أشقاء شكسبير الأكبر سنا وكذلك ابنه الوحيد ( هاملت) الذي قضى في الحادية عشرة من عمره، ويرى بعض الباحثين أن الأديب الإنجليزي كتب مسرحيته التراجيدية الشهيرة "مأساة هاملت" تأثرا بوفاة ابنه التي كانت مقررة علينا في المرحلة الدراسية الثانوية.
وفي العقد الأول من عهد: الملك جيمس " الأول الذي حكم بين عامي 1603-1625م، كان الطاعون يعني أن مسارح لندن ستغلق أغلب الوقت، وكانت لندن تعيش حاله فزع ورعب جسدها شكسبير فيما يعرف بـــ ( تراجيديا وباء الطاعون) وعلى العكس مما هو متوقع ألهم كتابة مسرحيات عديدة، ورغم أنه كان يعتقد البعض أن شكسبير تحول إلى الشعر عندما أغلق الطاعون المسارح عام 1593، وذلك عقب نشر قصيدته السردية الشهيرة " فينوس وأدونيس" التي ذكر فيها الطاعون، فإن باحثين يرون أن إغلاق المسارح عام 1606 سمح لشكسبير بإنجاز الكثير من الكتابة الدرامية وألف في ذلك العام مسرحيات "الملك لير" و"ماكيث" و"أنطونيو وكليوباترا".
وبالنظر إلى أن الطاعون الدبلي أهلك الشباب بشكل خاص، فقد قضى أيضًا على منافسي شكسبير المسرحيين من شركات المسرحيين الشباب الذين هيمنوا على مرحلة أوائل القرن الـ17، واستحوذت فرقة شكسبير على مسرح بلاكفرايرز في عام 1608، مستفيدة من غياب أحد المنافسين الشباب بسبب الطاعون.. وبالإضافة إلى الفرص التجارية، قدم الطاعون مخزونا قويا من الاستعارات الدرامية، وظهرت بقوة في نصوص شكسبير في تلك الفترة، وفي أحد مقاطع مسرحية "روميو وجولييت" تلجأ الحبيبة للراهب الذي يعطيها جرعة من دواء يجعلها تبدو كالميتة لتستيقظ في المقبرة وتهرب لحبيبها، لكن الراهب يتم احتجازه في الحجر الصحي بسبب الاشتباه في إصابته بالطاعون مع كاهن آخر كان يساعد المرضى، وهكذا يفشل في توصيل الرسالة إلى روميو الذي يعتقد أن حبيبته ماتت ويصل للمقبرة ويشرب السم ويموت، وحين تستيقظ (جولييت) وتجد (روميو) قد مات تنزع خنجرا من غمده وتقتل نفسها. هكذا أبدع فن ومسرح ( شكسبير) في نقل جزء مهم من تاریخ البشرية. هل سينجح الإبداع والمسرح الراقي والأدب والفنون ان يتربع على العرش، بعد حياه من الماديه والنزعه الآنانيه التي إجتاحت العالم ۔
محمد سعد عبد اللطیف
کاتب مصري
كان الإنسان جزءا مُهمًا ومتهمًا في خلل الطبيعة.. هل يستطيع الإبداع أن ينقل صورة تراجيدية للمأساة التي تتعرض لها البشرية كما جسدها الكاتب المسرحي الإنجليزي ( وليام شكسبير) وهل تستطيع مدينة الفنون ومدينة الرسام " دافنشي" ميلانو التي تتعرض لوباء کورونا في الوقت الحاضر ۔
أن يخرج رسام من حول "ميدان الدومة " ليرسم لنا لوحه عن هذه المآساة وبعد تصريحات زعماء العالم وفقدهم في السيطرة على الوباء من تصريح "رئيس وزراء إيطاليا " إذا استمر الحال على ما هو عليه۔ ستحصد إيطاليا نحو" 4 ملايين " من جراء هذا الوباء، وكأن التاريخ يعيد نفس السيناريو في القرن الخامس والسادس، عندما ضرب وباء (الطاعون) مدينه ميلانو شمال إيطاليا وراح ضحيته نحو نصف عدد السكان، إنها مدينة رسام ومهندس عصر النهضة الإيطالي ليوناردو دافنشي " نجا فنان عصر النهضة الإيطالي ليوناردو دافنشي من وباء الطاعون الدبلي " الذي ضرب ميلانو نهاية القرن 15، وقتل حوالي خمسين ألف شخص يمثلون أكثر من ثلث سكان المدينة، التي تعيش هذه الأيام على واقع تفشي فيروس كورونا ( كوفيد 19).
وألهم الطاعون دافنشي لتصميم مدينة مستقبلية عبر عنها من خلال سلسلة من الرسوم والتدوينات اكتملت بين (1487 و1490)، وتوجد في مخطوطة لا تزال باقية حتى الآن، وعمدؑ فيها لتحويل مدن القرون الوسطى مثل ميلانو - التي كانت ضيقة، يصعب التنقل فيها، وقذرة، ومزدحمة، وتساعد في انتشار المرض، نحو تخطيط أكثر حداثة مدعوم بشبكة قنوات تدعم التجارة وحركة البضائع والصرف الصحي، وقسم المدينة رأسيا إلى ثلاث طبقات مختلفة لكل منها غرض مختلف.
وكانت أفكار دافنشي في زمنه مختلفة جذريا ويصعب تطبيقها على المدن القائمة بالفعل، لكنها ألهمت بناء مدن جديدة بالكامل في الأزمنة الحديثة، وسعى دافنشي لتقسيم المدينة عموديا، وفصل المناطق المستخدمة للتجارة والنقل عن تلك المستخدمة للترفيه والمعيشة.
ويمكن القول إن هذا التخطيط يشكل محاولات مبكرة للتقسيم الحديث، وهو نهج للتخطيط الحضري لم يدخل حيز التطبيق البارز إلا بعد الثورة الصناعية بوقت طويل، وكان عدم كفاءة شوارع العصور الوسطى المختنقة مصدرًا لانتشار الطاعون الدبلي، لذلك كان تحويل الطريقة التي يتحرك بها الأشخاص والمركبات وسيلة فعالة لحصار هذه الأوبئة، واعتمد تصميم دافنشي على طرق متعددة المستويات للمركبات والمشاة.
وانقسمت مدينة ميلانو لمستوى علوي للمشاة والمجتمع والعناصر الجمالية، بينما خصص المستوى السفلي لشبكة من القنوات والطرق التي تستخدم لحركة البضائع والحيوانات والتجارة والمخازن، واعتمد شوارع واسعة وارتفاعا منتظما للمباني، ومداخن طويلة، ونظام صرف صحي متطورا لمواجهة الطاعون.
ولتخيل هذه الفكرة يمكن التفكير في مستوى تحت شارع المشاة والمركبات لتوصيل البضائع والأطعمة وتفريغهما في المخازن، ويمكن مقارنة هذا التصميم بتخطيط مدن حديثة تمنع استخدام السيارات في مراكز المدن، مع مراعاة الحد من الانبعاثات وتقليل الازدحام، ومنع تكدس الناس بشكل يعرضهم للعدوى المميتة كما حدث في ميلانو خلال العصور الوسطى.
كذلك أبدع الأديب المصري " طه حسين " في روايته ( الأيام) والاعتقادات في زمن انتشار وباء الكوليرا في مصر ۔ففي ستينيات القرن الماضي كتب " الاديب المصري زكي نجيب الكيلاني " روايته ( ليل وقضبان) أو سجن بلا قضبان ليعيش العالم الآن في سجن كبير اختياري وإجباري، وقد برع الكاتب والأديب البريطاني (وليام شكسبير) في مجموعة من أفضل أعماله خلال الطاعون الذي ضرب بريطانيا نهاية القرن الـ16، واستلهم كذلك أدب شكسبير في نهاية القرن " 16 "وأثناء تفشي وباء " الطاعون الدبلي"، الذي أودى بحياة كثيرين في سلسلة من موجات الوباء تسبب آخرها في موت ربع سكان لندن، جرى إغلاق كل المسارح في أوقات كثيرة، وكانت القاعدة الرسمية أنه بمجرد تجاوز معدل الوفيات ثلاثين أسبوعيا سيتم إلغاء العروض كافة.
وتوفي بسبب الوباء القاتل أشقاء شكسبير الأكبر سنا وكذلك ابنه الوحيد ( هاملت) الذي قضى في الحادية عشرة من عمره، ويرى بعض الباحثين أن الأديب الإنجليزي كتب مسرحيته التراجيدية الشهيرة "مأساة هاملت" تأثرا بوفاة ابنه التي كانت مقررة علينا في المرحلة الدراسية الثانوية.
وفي العقد الأول من عهد: الملك جيمس " الأول الذي حكم بين عامي 1603-1625م، كان الطاعون يعني أن مسارح لندن ستغلق أغلب الوقت، وكانت لندن تعيش حاله فزع ورعب جسدها شكسبير فيما يعرف بـــ ( تراجيديا وباء الطاعون) وعلى العكس مما هو متوقع ألهم كتابة مسرحيات عديدة، ورغم أنه كان يعتقد البعض أن شكسبير تحول إلى الشعر عندما أغلق الطاعون المسارح عام 1593، وذلك عقب نشر قصيدته السردية الشهيرة " فينوس وأدونيس" التي ذكر فيها الطاعون، فإن باحثين يرون أن إغلاق المسارح عام 1606 سمح لشكسبير بإنجاز الكثير من الكتابة الدرامية وألف في ذلك العام مسرحيات "الملك لير" و"ماكيث" و"أنطونيو وكليوباترا".
وبالنظر إلى أن الطاعون الدبلي أهلك الشباب بشكل خاص، فقد قضى أيضًا على منافسي شكسبير المسرحيين من شركات المسرحيين الشباب الذين هيمنوا على مرحلة أوائل القرن الـ17، واستحوذت فرقة شكسبير على مسرح بلاكفرايرز في عام 1608، مستفيدة من غياب أحد المنافسين الشباب بسبب الطاعون.. وبالإضافة إلى الفرص التجارية، قدم الطاعون مخزونا قويا من الاستعارات الدرامية، وظهرت بقوة في نصوص شكسبير في تلك الفترة، وفي أحد مقاطع مسرحية "روميو وجولييت" تلجأ الحبيبة للراهب الذي يعطيها جرعة من دواء يجعلها تبدو كالميتة لتستيقظ في المقبرة وتهرب لحبيبها، لكن الراهب يتم احتجازه في الحجر الصحي بسبب الاشتباه في إصابته بالطاعون مع كاهن آخر كان يساعد المرضى، وهكذا يفشل في توصيل الرسالة إلى روميو الذي يعتقد أن حبيبته ماتت ويصل للمقبرة ويشرب السم ويموت، وحين تستيقظ (جولييت) وتجد (روميو) قد مات تنزع خنجرا من غمده وتقتل نفسها. هكذا أبدع فن ومسرح ( شكسبير) في نقل جزء مهم من تاریخ البشرية. هل سينجح الإبداع والمسرح الراقي والأدب والفنون ان يتربع على العرش، بعد حياه من الماديه والنزعه الآنانيه التي إجتاحت العالم ۔
محمد سعد عبد اللطیف
کاتب مصري