جمعتني بالموسيقار المغربي الراحل مصطفى عائشة الرحماني (1944-2008)، صداقة أساسها الرفقة والتعلّم والحوار. المؤلف والأستاذ في "المعهد الموسيقي" في تطوان؛ صاحب الفضل على العديد من التجارب في المغرب لعل أبرزها أعمال السوبرانو سميرة القادري التي غنّت للرحماني أكثر من خمسين أغنية.
اليوم وبعد عقد على رحيله، نعود إلى الوقوف على مشروعه العميق في مجال التأليف الموسيقي وبحوثه التنظيرية من أجل ممارسة موسيقية حداثية. في هذا السياق كنت قد أجريت معه حواراً برفقة الباحث السوسيولوجي محمد الخشين نُشِر في أحد الملاحق الثقافية في المغرب قبل أكثر من أربعة عقود، تحدّث فيه عمّا كانت تعيشه الموسيقى العربية آنذاك، وعن المشروع الذي كان يشغله.
نشر الرحماني العديد من الدراسات الموسيقية تأليفاً وترجمة، فنقل إلى العربية فصولاً من كتب جورج لوكاش ورامون بارثي وآخرين. كما بحث في الأغنية الشعبية والجبلية على وجه الخصوص، إضافة إلى كتابه "الموجز في الهارمونية النظرية" الذي ما يزال مخطوطاً مثله مثل عشرة كتب أخرى، ترجمها من الإسبانية عن الهارمونيا والكونترابوان، وهو ميدان تخصّصه بامتياز، لكنها بقيت حبيسة مكتبه لم تنشر ولم تر النور.
النقاشات التي أثارها الرحماني خلال ثمانينيات القرن الماضي على صفحات الملاحق الثقافية في المغرب حول آفاق النهوض بالموسيقى العربية، كانت مترافقة مع تأليفه لأعمال بعضها نُشر في دفاتر موسيقية، وبعضها الآخر سُجّل بأداء موسيقيين من بلاد مختلفة؛ منهم عازف القيثارة أحمد أحبصاين وهو أحد تلاميذ الرحماني والذي ظلّ مريداً له، إلى جانب عازف البيانو عبد العزيز العريبة، وعازف القيثارة محمد كريم المرابط من المغرب أيضاً، كما قدّم له العازفان السوريان أشرف كاتب (كمان) وغزوان زركلي (بيانو) عدة أعمال، وكذلك فعلت السوبرانو المغربية سميرة القادري كما قلنا سالفاً، ورباعي فيرساي الفرنسي، وعازف القيثارة التشيلي مارثيلو دي لابويبلا، ومن إسبانيا عزف له مقطوعات على البيانو كل من؛ لويس ماريسكال وكارمن ألباريث، وعلى الفيولين تشيلو إيليا لورينثو أراوخو، وعازف الكمان ميغيل أنخيل شامورو دي بارغاس، وعازف الترومبيت خوسيه دافيد غيين.
من بين الأعمال المحفوظة في دفاتر مطبوعة؛ "ثلاث قطع فلكلورية لجبالة" و"بلاطيرو وثلاث فراشات بيضاء" و"ثلاث أغنيات إلى أطفال وارسو" و"لحظات حب على ضفاف الدارو" و"حكايات حب في حدائق الأندلس"، كما سجّل العديد من الأعمال في شريط "الأندلس ذكريات" الذي يضمّ: "لحظات حب على ضفاف الدارو" و"متتابعة تطوان" و"ثلاثة أرابيسكات" و"متتابعة أندلسية"، وشريط "حلم" الذي يضمّ عدداً من أعمال الليدر للصوت والبيانو وتؤدي فيه السوبرانو القادري أشعاراً عربية لكل من الشاعر السوري نزار قباني والفلسطيني خازن عبود واللبنانيين خليل فاخوري وجبران خليل جبران والفرنسي جاك بريفير والإسباني فديريكو غارسيا لوركا. كما أصدر العازفان السوريان أشرف كاتب وغزوان زركلي عملاً بعنوان "ثلاث مشكلات" ضمن شريط "إيماء"، كما صدرت أعمال أخرى ضمن قرص مدمج عنوانه "المؤلفون المغاربة، درب الحياة". أما الأعمال غير المنشورة فكثيرة وهي تتجاوز المائة مؤلف معرّضة للفقدان اليوم.
بعد رحيل الرحماني، روى لي أحد المقربين منه أن الموسيقار المغربي باع آلة البيانو التي كانت معادلاً للحياة بالنسبة إليه. فقد عاش الرحماني طوال حياته في اغتراب دائم وعزلة عن محيطه، منهمكاً بتأليف الموسيقى وكتابة القصص القصيرة، نشر بعضها وظل أغلبها في درج مكتبه، مثلما هو حال المسرحيات والشعر الذي كتبه، ولكنه حرص على أن يكون أغلب ما ينشره في مجال الترجمة الشعرية، فترجم أعمالاً شعرية لـ فديريكو غارسيا لوركا، ورفائيل ألبيرتي، وميغيل هيرنانديث، وأنطونيو ماشادو، وبابلو نيرودا وآخرين.
كما ربطته صداقة بالشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي ومترجمه الإسباني فيديريكو أربوس، وكان نتاج هذا المثلث الإبداعي بين موسيقي وشاعر ومترجم مؤلف موسيقي بعنوان "ثلاث أغنيات إلى أطفال وارسو" وترجمة إلى العربية للدراسة التي أنجزها هذا المترجم والباحث والمستعرب عن ديوان "الموت في الحياة" للبياتي.
اليوم، وبعد عقد على رحيله، هناك تخوّف من أن تضيع أعمال الرحماني غير المنشورة، فلعل المسؤولين عن الفن والثقافة في المغرب وعلى الأخص الوزارة التي أفنى الرجل عمره موظفاً فيها، و"اتحاد كتاب المغرب" الذي كان من أقدم أعضائه وبتعاون مع أصدقاء الرحماني، يسعون إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من التلف والضياع، لأن المؤشرات لا تبعث على الاطمئنان، لقد عاش مصطفى عائشة الرحماني مغترباً في الحياة، وها هي غربته تمتدّ بعد رحيله، عبر إهمال إرثه الإبداعي.
اليوم وبعد عقد على رحيله، نعود إلى الوقوف على مشروعه العميق في مجال التأليف الموسيقي وبحوثه التنظيرية من أجل ممارسة موسيقية حداثية. في هذا السياق كنت قد أجريت معه حواراً برفقة الباحث السوسيولوجي محمد الخشين نُشِر في أحد الملاحق الثقافية في المغرب قبل أكثر من أربعة عقود، تحدّث فيه عمّا كانت تعيشه الموسيقى العربية آنذاك، وعن المشروع الذي كان يشغله.
نشر الرحماني العديد من الدراسات الموسيقية تأليفاً وترجمة، فنقل إلى العربية فصولاً من كتب جورج لوكاش ورامون بارثي وآخرين. كما بحث في الأغنية الشعبية والجبلية على وجه الخصوص، إضافة إلى كتابه "الموجز في الهارمونية النظرية" الذي ما يزال مخطوطاً مثله مثل عشرة كتب أخرى، ترجمها من الإسبانية عن الهارمونيا والكونترابوان، وهو ميدان تخصّصه بامتياز، لكنها بقيت حبيسة مكتبه لم تنشر ولم تر النور.
النقاشات التي أثارها الرحماني خلال ثمانينيات القرن الماضي على صفحات الملاحق الثقافية في المغرب حول آفاق النهوض بالموسيقى العربية، كانت مترافقة مع تأليفه لأعمال بعضها نُشر في دفاتر موسيقية، وبعضها الآخر سُجّل بأداء موسيقيين من بلاد مختلفة؛ منهم عازف القيثارة أحمد أحبصاين وهو أحد تلاميذ الرحماني والذي ظلّ مريداً له، إلى جانب عازف البيانو عبد العزيز العريبة، وعازف القيثارة محمد كريم المرابط من المغرب أيضاً، كما قدّم له العازفان السوريان أشرف كاتب (كمان) وغزوان زركلي (بيانو) عدة أعمال، وكذلك فعلت السوبرانو المغربية سميرة القادري كما قلنا سالفاً، ورباعي فيرساي الفرنسي، وعازف القيثارة التشيلي مارثيلو دي لابويبلا، ومن إسبانيا عزف له مقطوعات على البيانو كل من؛ لويس ماريسكال وكارمن ألباريث، وعلى الفيولين تشيلو إيليا لورينثو أراوخو، وعازف الكمان ميغيل أنخيل شامورو دي بارغاس، وعازف الترومبيت خوسيه دافيد غيين.
من بين الأعمال المحفوظة في دفاتر مطبوعة؛ "ثلاث قطع فلكلورية لجبالة" و"بلاطيرو وثلاث فراشات بيضاء" و"ثلاث أغنيات إلى أطفال وارسو" و"لحظات حب على ضفاف الدارو" و"حكايات حب في حدائق الأندلس"، كما سجّل العديد من الأعمال في شريط "الأندلس ذكريات" الذي يضمّ: "لحظات حب على ضفاف الدارو" و"متتابعة تطوان" و"ثلاثة أرابيسكات" و"متتابعة أندلسية"، وشريط "حلم" الذي يضمّ عدداً من أعمال الليدر للصوت والبيانو وتؤدي فيه السوبرانو القادري أشعاراً عربية لكل من الشاعر السوري نزار قباني والفلسطيني خازن عبود واللبنانيين خليل فاخوري وجبران خليل جبران والفرنسي جاك بريفير والإسباني فديريكو غارسيا لوركا. كما أصدر العازفان السوريان أشرف كاتب وغزوان زركلي عملاً بعنوان "ثلاث مشكلات" ضمن شريط "إيماء"، كما صدرت أعمال أخرى ضمن قرص مدمج عنوانه "المؤلفون المغاربة، درب الحياة". أما الأعمال غير المنشورة فكثيرة وهي تتجاوز المائة مؤلف معرّضة للفقدان اليوم.
بعد رحيل الرحماني، روى لي أحد المقربين منه أن الموسيقار المغربي باع آلة البيانو التي كانت معادلاً للحياة بالنسبة إليه. فقد عاش الرحماني طوال حياته في اغتراب دائم وعزلة عن محيطه، منهمكاً بتأليف الموسيقى وكتابة القصص القصيرة، نشر بعضها وظل أغلبها في درج مكتبه، مثلما هو حال المسرحيات والشعر الذي كتبه، ولكنه حرص على أن يكون أغلب ما ينشره في مجال الترجمة الشعرية، فترجم أعمالاً شعرية لـ فديريكو غارسيا لوركا، ورفائيل ألبيرتي، وميغيل هيرنانديث، وأنطونيو ماشادو، وبابلو نيرودا وآخرين.
كما ربطته صداقة بالشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي ومترجمه الإسباني فيديريكو أربوس، وكان نتاج هذا المثلث الإبداعي بين موسيقي وشاعر ومترجم مؤلف موسيقي بعنوان "ثلاث أغنيات إلى أطفال وارسو" وترجمة إلى العربية للدراسة التي أنجزها هذا المترجم والباحث والمستعرب عن ديوان "الموت في الحياة" للبياتي.
اليوم، وبعد عقد على رحيله، هناك تخوّف من أن تضيع أعمال الرحماني غير المنشورة، فلعل المسؤولين عن الفن والثقافة في المغرب وعلى الأخص الوزارة التي أفنى الرجل عمره موظفاً فيها، و"اتحاد كتاب المغرب" الذي كان من أقدم أعضائه وبتعاون مع أصدقاء الرحماني، يسعون إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من التلف والضياع، لأن المؤشرات لا تبعث على الاطمئنان، لقد عاش مصطفى عائشة الرحماني مغترباً في الحياة، وها هي غربته تمتدّ بعد رحيله، عبر إهمال إرثه الإبداعي.