يأتي كتاب «القلق البيداغوجي» لمحمد الداهي في سياق الاهتمام المتزايد الذي أصبح يحظى به حقل البيداغوجيا في العالم العربي بشكل عام، إذ رغم العدد المهم من الدراسات التي تصدر بشكل مستمر، إلا أن هذا المجال ما يزال يحتاج إلى الكثير من الأعمال الجادة التي تعيد قراءة المدرسة وفق التطورات التكنولوجية والمعرفية الحاصلة. ولعل هذا ما يحاول أن يقدمه المؤلف. ويرى سعيد يقطين أن الكتاب يصب في مسار «تطوير العملية التربوية والتدريسية من منظور ثقافي ومعرفي يركز على الأبعاد المختلفة لتلك العملية في كليتها». والحق أن الكتاب يثير قضايا مفصلية لا ترتبط أساسا بالديداكتيك (علم التدريس) والكفايات والمقاربات النظرية للخطابات الأدبية وحسب، ولكنه يتجاوز ذلك إلى البحث في رهانات التربية، وفيما سماه بـ»القلق البيداغوجي».
وضع القراءة ورهانات التربية
يعتبر المؤلِّف أن القراءة تساهم في توسيع رؤية الناس إلى العالم وتطوّر قدراتهم ومهاراتهم، ومن ثمة يدعو إلى توطين مجتمع المعرفة وتعزيز دمقرطة الثقافة، عبر توفير البنيات التحتية المناسبة وتسهيل الولوج إليها. لكن الكاتب يسجل أن الوسط المدرسي يعاني من آفات تسهم في تفاقم الأمية، مثل: الانقطاع المدرسي والهدر المدرسي، وإخفاق البرامج التربوية، فضلا عن قلة المكتبات الوطنية والفضاءات التي تسعف المتعلمين على القراءة والقيام بأنشطة ثقافية موازية. كما يبين أن أغلب الخزانات المدرسية عبارة عن قاعات غير صالحة وغير مجهزة، وتتعرض للنهب والسرقة.
ويبدو من خلال هذه المعطيات أنها كفيلة بتقديم صورة لوضع القراءة والمدرسة، ليس في المغرب وحده، بل في أغلب الدول العربية. فانخراط المدرسة وانفتاحها على الكتاب والمعرفة ما يزال يحتاج إلى مجهودات جبارة، وإلى رؤية واضحة ودقيقة وعملية، تتجاوز الخطب والمذكرات إلى تطبيق حقيقي وجدي. كما أن عدم الانتباه إلى هذا المدخل الثقافي في أي إصلاح تعليمي يحدد مسبقا مصير هذا الإصلاح، وبذلك يؤثر على كل أشكال التقويم البيداغوجي والمعرفي، ويؤدي إلى ضعف الكفايات والقدرات، حيث يتحول المتعلم إلى مجرد إسفنج يمتص المعرفة الملقاة إليه، بدون أن يتمتع بأي وعي نقدي. علاوة على أن المدرسة ينبغي أن تقوم بدورها كما يجب في محاربة الأمية ونشر المعرفة، وإنتاج متعلم متوازن يمتلك الكفايات الثقافية والمعرفية والتواصلية والاستراتيجية والتكنولوجية.
جدوى تدريس الأدب
يتوقف الكتاب عند بيان بعض العوامل التي تعيق تدريس الأدب، وترتبط في جزء كبير منها بحضور الأدب نفسه في المقررات التعليمية، وهنا يستحضر الداهي كتاب «الأدب في خطر» لتودوروف حين يعتبر أننا في «المدرسة لا نتعلم ما تتحدث عنه الأعمال، ولكن ما يقوله النقاد». ويدعو الداهي في هذا السياق إلى ضرورة إعادة النظر في المقررات وملاءمتها مع التطورات الحاصلة، وزيادة نسبة النصوص الأدبية، والانفتاح على جنس السيرة الذاتية بصفتها جنسا ديمقراطيا، له أبعاد تربوية مهمة. ثم الانفتاح على مختلف الآداب الأجنبية، بدون الاكتفاء بما هو وطني ضيق. لما في ذلك من تربية على قيم التعدد والاختلاف والانفتاح على الحياة الثقافية بمختلف روافدها ومشاربها، وهذا ما يقتضي ـ حسب المؤلف ـ تربية المتعلّم على «التنشئة الأدبية».
قلق المُدرّس واضطراب المدرسة
تهتم ـ في الغالب ـ الدراسات التربوية بالبيداغوجيا والديداكتيك والنظريات والمنهاج والكتاب المدرسي، والغايات والأهداف الكبرى، لكنها تغفل المدرّس، وحتى إن ذكرته تركز أساسا على الجانب المعرفي بدون أن تنتبه إلى ما هو نفسي. من هنا يسجل الكتاب أن جلّ المدرسين يعيشون قلقا بالنظر إلى الظروف التي يشتغلون فيها. ويظل هذا القلق ملازما لهم قبل الدرس وأثناءه وبعده. ويلاحظ أن هذا الأخير يزداد باستمرار في وسط أضحى يحكمه الصراع في أحايين كثيرة، فضلا عن أن فشل المنظومة التعليمية يُرجع عادة وبدون وعي إلى المدرّس الذي يراد منه أن يقوم بمهمة إدارية محضة تتنافى مع ما للمهنة من خصوصيات.
استنادا إلى ما سبق، فإن الكتاب يجسّد القلق البيداغوجي الذي ترتفع حدته، وهو قلق مشروع في ظل النتائج المخيّبة للآمال، وفي ظل الحنق المتزايد على وظيفة المدرسة وأدوارها وكفاءة متخرّجيها. كما يمكن اعتبار الكتاب صرخة بيداغوجية قوية، ودعوة صريحة إلى الإصلاح استنادا إلى أسس علمية ومرجعيات ثقافية رصينة.
ثورة معلوماتية ومتعلم استهلاكي
اعتمد الكتاب على مقاربة معرفية تفاعلية، تحاول التنبيه إلى خطورة «الفجوات الرقمية» وعدم استثمار الدعامات المتفاعلة على النحو الأمثل. فما تزال المدرسة تعاني نقصا حادا في كل ما يرتبط بالتكنولوجيات الحديثة، وهذا ما ينعكس بشكل مباشر على المتعلّم الذي يكاد يجهل استخدام التكنولوجيا استخداما صحيحا ومفيدا ومثمرا، علاوة على تفاقم ظاهرة التلوث المعلوماتي (Infopollution) وتنامي مظاهر السرقة والاستنساخ والغش والاعتداء على الحقوق المادية والمعنوية للمؤلف، وغيرها من العوامل التي تعيق التحول نحو مجتمع المعرفة، ونحو مواكبة الركب الحضاري الكوني.
إن كتاب «القلق البيداغوجي» هو مساهمة مهمة في حقل البيداغوجيا، ومحاولة جادة في تتبع المنهاج التربوي عبر تبني المدخل الثقافي لتحسين العرض والخدمات التربوية، وتعزيز المناهج بالمعارف والمهارات الضرورية، والحرص من جهة أخرى على جودة التكوين الأساس والمستمر، وحفز المتعلمين على القراءة النقدية، وعلى الانفتاح على المحيط السوسيوثقافي. ذلك هو الرهان الصعب الذي على المدرسة ـ في كل مكان ـ أن تواجهه اليوم وتكسب الرهان.
وضع القراءة ورهانات التربية
يعتبر المؤلِّف أن القراءة تساهم في توسيع رؤية الناس إلى العالم وتطوّر قدراتهم ومهاراتهم، ومن ثمة يدعو إلى توطين مجتمع المعرفة وتعزيز دمقرطة الثقافة، عبر توفير البنيات التحتية المناسبة وتسهيل الولوج إليها. لكن الكاتب يسجل أن الوسط المدرسي يعاني من آفات تسهم في تفاقم الأمية، مثل: الانقطاع المدرسي والهدر المدرسي، وإخفاق البرامج التربوية، فضلا عن قلة المكتبات الوطنية والفضاءات التي تسعف المتعلمين على القراءة والقيام بأنشطة ثقافية موازية. كما يبين أن أغلب الخزانات المدرسية عبارة عن قاعات غير صالحة وغير مجهزة، وتتعرض للنهب والسرقة.
ويبدو من خلال هذه المعطيات أنها كفيلة بتقديم صورة لوضع القراءة والمدرسة، ليس في المغرب وحده، بل في أغلب الدول العربية. فانخراط المدرسة وانفتاحها على الكتاب والمعرفة ما يزال يحتاج إلى مجهودات جبارة، وإلى رؤية واضحة ودقيقة وعملية، تتجاوز الخطب والمذكرات إلى تطبيق حقيقي وجدي. كما أن عدم الانتباه إلى هذا المدخل الثقافي في أي إصلاح تعليمي يحدد مسبقا مصير هذا الإصلاح، وبذلك يؤثر على كل أشكال التقويم البيداغوجي والمعرفي، ويؤدي إلى ضعف الكفايات والقدرات، حيث يتحول المتعلم إلى مجرد إسفنج يمتص المعرفة الملقاة إليه، بدون أن يتمتع بأي وعي نقدي. علاوة على أن المدرسة ينبغي أن تقوم بدورها كما يجب في محاربة الأمية ونشر المعرفة، وإنتاج متعلم متوازن يمتلك الكفايات الثقافية والمعرفية والتواصلية والاستراتيجية والتكنولوجية.
جدوى تدريس الأدب
يتوقف الكتاب عند بيان بعض العوامل التي تعيق تدريس الأدب، وترتبط في جزء كبير منها بحضور الأدب نفسه في المقررات التعليمية، وهنا يستحضر الداهي كتاب «الأدب في خطر» لتودوروف حين يعتبر أننا في «المدرسة لا نتعلم ما تتحدث عنه الأعمال، ولكن ما يقوله النقاد». ويدعو الداهي في هذا السياق إلى ضرورة إعادة النظر في المقررات وملاءمتها مع التطورات الحاصلة، وزيادة نسبة النصوص الأدبية، والانفتاح على جنس السيرة الذاتية بصفتها جنسا ديمقراطيا، له أبعاد تربوية مهمة. ثم الانفتاح على مختلف الآداب الأجنبية، بدون الاكتفاء بما هو وطني ضيق. لما في ذلك من تربية على قيم التعدد والاختلاف والانفتاح على الحياة الثقافية بمختلف روافدها ومشاربها، وهذا ما يقتضي ـ حسب المؤلف ـ تربية المتعلّم على «التنشئة الأدبية».
قلق المُدرّس واضطراب المدرسة
تهتم ـ في الغالب ـ الدراسات التربوية بالبيداغوجيا والديداكتيك والنظريات والمنهاج والكتاب المدرسي، والغايات والأهداف الكبرى، لكنها تغفل المدرّس، وحتى إن ذكرته تركز أساسا على الجانب المعرفي بدون أن تنتبه إلى ما هو نفسي. من هنا يسجل الكتاب أن جلّ المدرسين يعيشون قلقا بالنظر إلى الظروف التي يشتغلون فيها. ويظل هذا القلق ملازما لهم قبل الدرس وأثناءه وبعده. ويلاحظ أن هذا الأخير يزداد باستمرار في وسط أضحى يحكمه الصراع في أحايين كثيرة، فضلا عن أن فشل المنظومة التعليمية يُرجع عادة وبدون وعي إلى المدرّس الذي يراد منه أن يقوم بمهمة إدارية محضة تتنافى مع ما للمهنة من خصوصيات.
استنادا إلى ما سبق، فإن الكتاب يجسّد القلق البيداغوجي الذي ترتفع حدته، وهو قلق مشروع في ظل النتائج المخيّبة للآمال، وفي ظل الحنق المتزايد على وظيفة المدرسة وأدوارها وكفاءة متخرّجيها. كما يمكن اعتبار الكتاب صرخة بيداغوجية قوية، ودعوة صريحة إلى الإصلاح استنادا إلى أسس علمية ومرجعيات ثقافية رصينة.
ثورة معلوماتية ومتعلم استهلاكي
اعتمد الكتاب على مقاربة معرفية تفاعلية، تحاول التنبيه إلى خطورة «الفجوات الرقمية» وعدم استثمار الدعامات المتفاعلة على النحو الأمثل. فما تزال المدرسة تعاني نقصا حادا في كل ما يرتبط بالتكنولوجيات الحديثة، وهذا ما ينعكس بشكل مباشر على المتعلّم الذي يكاد يجهل استخدام التكنولوجيا استخداما صحيحا ومفيدا ومثمرا، علاوة على تفاقم ظاهرة التلوث المعلوماتي (Infopollution) وتنامي مظاهر السرقة والاستنساخ والغش والاعتداء على الحقوق المادية والمعنوية للمؤلف، وغيرها من العوامل التي تعيق التحول نحو مجتمع المعرفة، ونحو مواكبة الركب الحضاري الكوني.
إن كتاب «القلق البيداغوجي» هو مساهمة مهمة في حقل البيداغوجيا، ومحاولة جادة في تتبع المنهاج التربوي عبر تبني المدخل الثقافي لتحسين العرض والخدمات التربوية، وتعزيز المناهج بالمعارف والمهارات الضرورية، والحرص من جهة أخرى على جودة التكوين الأساس والمستمر، وحفز المتعلمين على القراءة النقدية، وعلى الانفتاح على المحيط السوسيوثقافي. ذلك هو الرهان الصعب الذي على المدرسة ـ في كل مكان ـ أن تواجهه اليوم وتكسب الرهان.