بَعْد أن صار العالم الافتراضي واقعاً نعيشهُ مُرْغمين في خِضَمِّ هذه الجائحة، وغدَاْ التَّواصُل عن بُعد وسيلتنا الناجعة للاستمرار ليس فقط في العمل بل أيضا في العيش، لُوحِظ أن شرائح شاسعة في القطاع التلاميذي تحْديداً لا تستفيد حرْفاً من التعليم في البيت، وما ذلك إلا لأنَّ أغلب الأسر المُعْوزة في مجتمعنا مغلوبةٌ على فقْرها تُطارد كِسْرة خبز تسدُّ الرَّمق، فبالأحرى تنفق على شيء غير مرئي ولا تمسكه بيدها يُسمُّونه أنترنيتاً، ومن أين لها أن تزيد لفاتورة الماء والكهرباء فاتورة شهرية أخرى تتيح لأبنائها التلاميذ مُواكبة الدروس من المنزل عبْر الشَّبكة، دون أن نتحدث عن الخاتم الذي يُريده العريان، وأقصد افتقار هؤلاء التلاميذ المُعوزين لألواح إلكترونية لا تعود للعصر الطباشيري، كي يتواصلوا مع الأساتذة الذين حوَّلُوا الأقسام المدرسية لمجموعات واتْسابية تتلقى الدروس عن بعد، وإذا كان هذا الحرمان من الأنترنيت مَسَّ بضَرره الوخيم تلاميذ المناطق المركزية بالمدن، فماذا نقول عن أجيال الغد المتوزِّعين أشتاتاً بالهوامش في القرى والمداشر النائية، لنْ أتحدث لأنِّي أشعر في هذه الظروف العصيبة بالحَرج، وما ذلك إلا لأنَّا تعوَّدنا تعليمهم بجائحة أو دونها يُراوح بين الشلل والعَرَج!
كان أجدر بشركات الاتِّصالات المغربية، أن تُراعي أبسط مُتطلَّبات هذه الظرفية العَصِيبة، وتُجازي الملايير التي حصدتها من الجيوب السَّخِيَّة للمواطنين منذ عقود، ولو بِنَزْرٍ يسيرٍ من التَّضامن كأنْ تُزوِّد عبر الهواء كل البيوت على امتداد ربوع الوطن بصبيب الأنترنيت، ليس لأجل جمال أعين البعض الذين يَهْدرون البصر في ما يَضُرُّهم ولا ينفع البشر، ولكن لمساعدة مُرتادي القطاع التعليمي بشتَّى مُستوياته الإبتدائية والعليا، على مُواكبة حِصَّتهم من الدراسة عن بُعْد، فهم مُستقبلا كما هُمُ اليوم أطباء وأساتذة وعلماء.. جُندٌ في الصفوف الأمامية حين يلوذ الجميع بالبيوت خشية حربٍ أو وباء !
لن أتحدَّث لشعوري في هذه الظَّرفية العَصِيبة بالحرج، لكن يجب أنْ نأسف على كل الوقت الذي أهدرناه في الخَرَف، فها هو العالم الذي كنا نعيشه افتراضيا بموازاة مع حياتنا الطبيعية أصبح واقعا نحتاج لخدماته في بيوتنا، كنا نعتبره مُجرَّد لُعْبةٍ لِتَزْجِية الوقت حين نخلو إلى هواتفنا بالبيت أو المقهى، وكان يُعمِّقُ علاقتنا بالفراغ بعد أن ننتهي سريعاً من علاقاتنا الإنسانية في الشارع والعمل، وكأنَّا بالإنزواء في هذا العالم الافتراضي لدواعي احترازية، انتقلنا دون مركبة فضائية من الأرض إلى كوكب آخر، ولا مهرب اليوم كي ننقذ حياتنا الإجتماعية والمهنية بل كل اقتصاد البلد، من الإستعانة بالمُنْشآت الإلكترونية لهذا العالم الافتراضي الغير مُنْقطع البَثِّ والأرباح، صُحفٌ ومواقع للتواصل الاجتماعي وكُتُبٌ مُحمَّلة وتَسَوُّقٌ دون أرْجُل، وتسديدُ فواتير ومُعاملات بنكية، ومن يدري قد لا نحتاج غداً لنقود وأوراقٍ مالية لتصير كل المبالغ رقمية، هذا العالم الافتراضي صَنَعَ بجيوب المواطنين وهو يُوهِمهم أنهم يلعبون فقط، إمبراطوريات فاحشة الثراء، مُسْتعيناً بوصلات إشهارية تزيد من تعطشنا لاستهلاك الصبيب، ولا نعرف هل حين نبتعد عن أنفسنا نقترب من الحبيبْ؟
وماذا أقول أكثر مما قلتُ وغيري لا يشعر بالحرج، لقد أصبح الأنترنيت مادَّةً حيوية كالماء والكهرباء ويجبُ أن يكون مُتاحاً للجميع بأثمنة لا تخلو من حِسٍّ وطني، خصوصاً إذا كان عنصر التواصل هو ما يُنقذ اليوم الشعوب سواء من الإبادة الحربية أو الوبائية، كان يجب أنْ نُصدِّق أنَّ هذا الوافِدِ في غفلة من الجميع، أضحى يعتبر أحد المواد الطاقية في عصرنا، وبدونه تتوقف المُحرِّكات التي تَصِلُنا ببعض بدءاً من غوغل إلى الواتساب، وليس فقط لتحريكِ المُؤخِّرات بعد تكبيرها، برقصات التيك توك الإغرائية أو الاستعراضات المطبخية لنساء روتيني اليومي، كان يجب أن نُصدِّقُ أنَّ ما توهَّمْناهُ مُجرَّد خيالٍ للَّعبِ والثَّرْثرة في خلْوتنا، هو أبجدية تقنية جديدة تقوم على أنقاض عالمنا التقليدي، ولا يحتاج لمحو الأمية لأنَّ الجميع يعرف كيف يُحرِّك الأصابع ولو لم يُحرِّكْ دماغه بالتفكير، كان على بلدنا أن يواكب التطور العاصف الذي تلا ظهور طاقة الأنترنيت ويقوم برقْمنة كل القطاعات الحيوية تَحسُّباً لشرور الطبيعة والبشر، فها هي المسافة التي جعلتْ كل الشعوب اليوم تعيش في عالم افتراضي، أثبتتْ أنها أنجع وسيلةٍ للنجاة !
...........................................
حُرِّر يوم الثلاثاء 7 أبريل بالحجْر الصحي بمدينة الصخيرات
...........................................
* افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" ليوم الخميس 9 أبريل 2020
............................................
رابط الملحق على موقع جريدة العلم:
https://alalam.ma/العلم-08-من-أبريل-2020-2/
166
كان أجدر بشركات الاتِّصالات المغربية، أن تُراعي أبسط مُتطلَّبات هذه الظرفية العَصِيبة، وتُجازي الملايير التي حصدتها من الجيوب السَّخِيَّة للمواطنين منذ عقود، ولو بِنَزْرٍ يسيرٍ من التَّضامن كأنْ تُزوِّد عبر الهواء كل البيوت على امتداد ربوع الوطن بصبيب الأنترنيت، ليس لأجل جمال أعين البعض الذين يَهْدرون البصر في ما يَضُرُّهم ولا ينفع البشر، ولكن لمساعدة مُرتادي القطاع التعليمي بشتَّى مُستوياته الإبتدائية والعليا، على مُواكبة حِصَّتهم من الدراسة عن بُعْد، فهم مُستقبلا كما هُمُ اليوم أطباء وأساتذة وعلماء.. جُندٌ في الصفوف الأمامية حين يلوذ الجميع بالبيوت خشية حربٍ أو وباء !
لن أتحدَّث لشعوري في هذه الظَّرفية العَصِيبة بالحرج، لكن يجب أنْ نأسف على كل الوقت الذي أهدرناه في الخَرَف، فها هو العالم الذي كنا نعيشه افتراضيا بموازاة مع حياتنا الطبيعية أصبح واقعا نحتاج لخدماته في بيوتنا، كنا نعتبره مُجرَّد لُعْبةٍ لِتَزْجِية الوقت حين نخلو إلى هواتفنا بالبيت أو المقهى، وكان يُعمِّقُ علاقتنا بالفراغ بعد أن ننتهي سريعاً من علاقاتنا الإنسانية في الشارع والعمل، وكأنَّا بالإنزواء في هذا العالم الافتراضي لدواعي احترازية، انتقلنا دون مركبة فضائية من الأرض إلى كوكب آخر، ولا مهرب اليوم كي ننقذ حياتنا الإجتماعية والمهنية بل كل اقتصاد البلد، من الإستعانة بالمُنْشآت الإلكترونية لهذا العالم الافتراضي الغير مُنْقطع البَثِّ والأرباح، صُحفٌ ومواقع للتواصل الاجتماعي وكُتُبٌ مُحمَّلة وتَسَوُّقٌ دون أرْجُل، وتسديدُ فواتير ومُعاملات بنكية، ومن يدري قد لا نحتاج غداً لنقود وأوراقٍ مالية لتصير كل المبالغ رقمية، هذا العالم الافتراضي صَنَعَ بجيوب المواطنين وهو يُوهِمهم أنهم يلعبون فقط، إمبراطوريات فاحشة الثراء، مُسْتعيناً بوصلات إشهارية تزيد من تعطشنا لاستهلاك الصبيب، ولا نعرف هل حين نبتعد عن أنفسنا نقترب من الحبيبْ؟
وماذا أقول أكثر مما قلتُ وغيري لا يشعر بالحرج، لقد أصبح الأنترنيت مادَّةً حيوية كالماء والكهرباء ويجبُ أن يكون مُتاحاً للجميع بأثمنة لا تخلو من حِسٍّ وطني، خصوصاً إذا كان عنصر التواصل هو ما يُنقذ اليوم الشعوب سواء من الإبادة الحربية أو الوبائية، كان يجب أنْ نُصدِّق أنَّ هذا الوافِدِ في غفلة من الجميع، أضحى يعتبر أحد المواد الطاقية في عصرنا، وبدونه تتوقف المُحرِّكات التي تَصِلُنا ببعض بدءاً من غوغل إلى الواتساب، وليس فقط لتحريكِ المُؤخِّرات بعد تكبيرها، برقصات التيك توك الإغرائية أو الاستعراضات المطبخية لنساء روتيني اليومي، كان يجب أن نُصدِّقُ أنَّ ما توهَّمْناهُ مُجرَّد خيالٍ للَّعبِ والثَّرْثرة في خلْوتنا، هو أبجدية تقنية جديدة تقوم على أنقاض عالمنا التقليدي، ولا يحتاج لمحو الأمية لأنَّ الجميع يعرف كيف يُحرِّك الأصابع ولو لم يُحرِّكْ دماغه بالتفكير، كان على بلدنا أن يواكب التطور العاصف الذي تلا ظهور طاقة الأنترنيت ويقوم برقْمنة كل القطاعات الحيوية تَحسُّباً لشرور الطبيعة والبشر، فها هي المسافة التي جعلتْ كل الشعوب اليوم تعيش في عالم افتراضي، أثبتتْ أنها أنجع وسيلةٍ للنجاة !
...........................................
حُرِّر يوم الثلاثاء 7 أبريل بالحجْر الصحي بمدينة الصخيرات
...........................................
* افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" ليوم الخميس 9 أبريل 2020
............................................
رابط الملحق على موقع جريدة العلم:
https://alalam.ma/العلم-08-من-أبريل-2020-2/
166