كلما واجهت جمهوراً في ندوة، أو في معظم الحوارات التي تصلني من صحافيين عن تجربتي المتواضعة في الكتابة السردية، ثمّة سؤال يتكرّر: ما علاقة الطبّ بالأدب؟
الحقيقة أنني أجبت عن هذا السؤال كثيراً، وفي مناسبات مُتعدّدة، وأوضحت أن لا علاقة توجد بين النشاطين، فأحدهما يمكن تعلُّمه في الجامعات، بينما الآخر شيء مبثوث في الجينات، خُلِقَ به الإنسان، لكن الإجابة هذه- في نظر الكثيرين- غير مُقنعة، ولا بدَّ من علاقة ما، تجعل شخصاً يُمارس مهنة علمية بحتة، وتخلو من الرومانسية، يلجأ في الوقت نفسه إلى ممارسة هواية أو مهنة في بلاد الغرب، مليئة باللّغة السلسة المنسابة، والتعابير الإنسانية.. وهكذا.
سأجيب- وبإصرار- بأن العلاقة ليست موجودة على الإطلاق، وفقط، قد نجد تأثيراً من مهنة الطبّ على الكاتب، وتأثيراً من حرفة الكتابة على الطبيب، فالمريض الذي يأتي مستشفياً، له حكاية أو حكايات، قد تلهم الطبيب الكاتب بالاستفادة منها. نعم، ثمّة استفادة قصوى في الاحتكاك بالإنسان في كلّ صور حياته اليومية، في الجد والهزل، في الصحة والمرض، وفي السفر والاستقرار، فكل حالة من تلك الحالات، تملك مقوّماتها الخاصّة، ولا يكون السلوك الإنساني داخلها واحداً، ومن ثَمّ ما توحيه للكاتب الذي يحتكّ بها، يكون دائماً مختلفاً.
بناءً على ذلك، فالكاتب الحدّاد أو الكاتب النجّار أو الذي يعمل في مصنع لإنتاج الألبسة، له جوّ خاصّ ومحيطون خاصّون، بحكايات خاصة يحملونها، وإنْ كتب فلن يكتب عن الوردة والعبير، ونظرات العيون الجارحة، وإنما عن حكايات ثريّة، أو حتى غبية، يحملها زملاء المهنة، والمتردّدون للاستفادة من تلك المهنة، ويحكونها دائماً في أيّة فرصة سانحة، وأعرف عمّالاً في مصانع، وموظفين في دوائر حكومية وبنوك، كتبوا قصصاً وروايات من وحي مِهَنهم تلك، ولم يسألهم أحد عن علاقة المهنة بالكتابة، ولم يستغرب أحدهم من كونهم كتّاباً يعملون. والآن، لو نظرنا إلى من يكتب في الوطن العربي، من كلّ الأجيال، لوجدنا مهندسين ومحامين، وصحافيين، كلّهم يكتبون روايات، وفي وسط هؤلاء، يوجد أطبّاء لكنهم محدودو العدد بشكل كبير، ولذلك لا نستطيع أن نقول إن مهنة الطبّ تشجّع على الكتابة، وتساعد عليها، فما زال ملايين الأطباء، يذهبون إلى المستشفيات، والعيادات الخاصّة بهم، وربّما شاهدوا المسلسلات التليفزيونية، أو انغمسوا في تشجيع كرة القدم، أو سافروا في عطلات، ثم عادوا، ودخلوا دوراً للسينما، ولو سألتهم عن الأدب لما وجدت لديهم ميلاً إليه، أو معرفة بما تعني كلمة (أدب) حتى.
لقد سألني أحد الزملاء مرّة، بعد أن سمع بأنني أكتب الرواية، عن معنى كلمة رواية، ولم أستغرب ذلك بالتأكيد، ومرّة أهديت أحدهم كتاباً لي بناءً على إلحاح منه، فقرأ صفحات بسيطة، وعاد ليسألني عن بطل القصّة، وهل هذا اسمه الحقيقي أم لا؟
لقد افترض الطبيب هنا، أن بطل القصّة شخص حقيقي، ينبغي أن يكون موجوداً، ولم تكن له دراية بعلم الخيال الذي يستوعب كلّ شيء ويمكن مزجه بالواقع في كتابة الأعمال القصصية.
إذن، وللمرّة الثالثة، لا علاقة لأية مهنة بما في ذلك مهنة الطب، بالكتابة الإبداعية. يوجد مبدعون في كلّ مهنة، ولهم أجواؤهم الخاصّة التي توفّرها لهم تلك المهنة، وحين يكتبون، سنسمّيهم كتّاباً، فقط، بلا ألقاب، تسبق أسماءهم.
elmawja.com
الحقيقة أنني أجبت عن هذا السؤال كثيراً، وفي مناسبات مُتعدّدة، وأوضحت أن لا علاقة توجد بين النشاطين، فأحدهما يمكن تعلُّمه في الجامعات، بينما الآخر شيء مبثوث في الجينات، خُلِقَ به الإنسان، لكن الإجابة هذه- في نظر الكثيرين- غير مُقنعة، ولا بدَّ من علاقة ما، تجعل شخصاً يُمارس مهنة علمية بحتة، وتخلو من الرومانسية، يلجأ في الوقت نفسه إلى ممارسة هواية أو مهنة في بلاد الغرب، مليئة باللّغة السلسة المنسابة، والتعابير الإنسانية.. وهكذا.
سأجيب- وبإصرار- بأن العلاقة ليست موجودة على الإطلاق، وفقط، قد نجد تأثيراً من مهنة الطبّ على الكاتب، وتأثيراً من حرفة الكتابة على الطبيب، فالمريض الذي يأتي مستشفياً، له حكاية أو حكايات، قد تلهم الطبيب الكاتب بالاستفادة منها. نعم، ثمّة استفادة قصوى في الاحتكاك بالإنسان في كلّ صور حياته اليومية، في الجد والهزل، في الصحة والمرض، وفي السفر والاستقرار، فكل حالة من تلك الحالات، تملك مقوّماتها الخاصّة، ولا يكون السلوك الإنساني داخلها واحداً، ومن ثَمّ ما توحيه للكاتب الذي يحتكّ بها، يكون دائماً مختلفاً.
بناءً على ذلك، فالكاتب الحدّاد أو الكاتب النجّار أو الذي يعمل في مصنع لإنتاج الألبسة، له جوّ خاصّ ومحيطون خاصّون، بحكايات خاصة يحملونها، وإنْ كتب فلن يكتب عن الوردة والعبير، ونظرات العيون الجارحة، وإنما عن حكايات ثريّة، أو حتى غبية، يحملها زملاء المهنة، والمتردّدون للاستفادة من تلك المهنة، ويحكونها دائماً في أيّة فرصة سانحة، وأعرف عمّالاً في مصانع، وموظفين في دوائر حكومية وبنوك، كتبوا قصصاً وروايات من وحي مِهَنهم تلك، ولم يسألهم أحد عن علاقة المهنة بالكتابة، ولم يستغرب أحدهم من كونهم كتّاباً يعملون. والآن، لو نظرنا إلى من يكتب في الوطن العربي، من كلّ الأجيال، لوجدنا مهندسين ومحامين، وصحافيين، كلّهم يكتبون روايات، وفي وسط هؤلاء، يوجد أطبّاء لكنهم محدودو العدد بشكل كبير، ولذلك لا نستطيع أن نقول إن مهنة الطبّ تشجّع على الكتابة، وتساعد عليها، فما زال ملايين الأطباء، يذهبون إلى المستشفيات، والعيادات الخاصّة بهم، وربّما شاهدوا المسلسلات التليفزيونية، أو انغمسوا في تشجيع كرة القدم، أو سافروا في عطلات، ثم عادوا، ودخلوا دوراً للسينما، ولو سألتهم عن الأدب لما وجدت لديهم ميلاً إليه، أو معرفة بما تعني كلمة (أدب) حتى.
لقد سألني أحد الزملاء مرّة، بعد أن سمع بأنني أكتب الرواية، عن معنى كلمة رواية، ولم أستغرب ذلك بالتأكيد، ومرّة أهديت أحدهم كتاباً لي بناءً على إلحاح منه، فقرأ صفحات بسيطة، وعاد ليسألني عن بطل القصّة، وهل هذا اسمه الحقيقي أم لا؟
لقد افترض الطبيب هنا، أن بطل القصّة شخص حقيقي، ينبغي أن يكون موجوداً، ولم تكن له دراية بعلم الخيال الذي يستوعب كلّ شيء ويمكن مزجه بالواقع في كتابة الأعمال القصصية.
إذن، وللمرّة الثالثة، لا علاقة لأية مهنة بما في ذلك مهنة الطب، بالكتابة الإبداعية. يوجد مبدعون في كلّ مهنة، ولهم أجواؤهم الخاصّة التي توفّرها لهم تلك المهنة، وحين يكتبون، سنسمّيهم كتّاباً، فقط، بلا ألقاب، تسبق أسماءهم.
الطب والأدب | أمير تاج السر - الموجة الثقافية
كلما واجهت جمهوراً في ندوة، أو في معظم الحوارات التي تصلني من صحافيين عن تجربتي المتواضعة في الكتابة السردية، ثمّة سؤال يتكرّر: ما علاقة الطبّ بالأدب؟ الحقيقة أنني أجبت عن هذا السؤال كثيراً، وفي مناسبات مُتعدّدة، وأوضحت أن لا علاقة توجد بين النشاطين، فأحدهما يمكن تعلُّمه في الجامعات، بينما الآخر...