عهد فاضل - مؤرخون ومؤلفون عرب كَتبوا عن وباء قاتلٍ فقتلهم!

ترك وباء الطاعون أثره، في المصنفات العربية القديمة، وأصبح جزءاً من تراجم المؤلفين والشعراء والأدباء، بسبب انتشاره الواسع، سابقا، في المنطقة العربية. فلا يكاد كتاب في التراجم أو تاريخ الأدب العربي، يخلو من إشارة إلى ذلك الوباء، كمتسبب في موت هذا الأديب والمصنّف أو ذلك الشاعر.

شاعر فقد 5 من أولاده بسبب الطاعون

وتعود أشهر مأساة حلّت بشاعر عربي تسبب بها، الطاعون، إلى الشاعر الجاهلي الذي أدرك الإسلام واعتنقه، أبي ذؤيب الهذلي، خويلد بن خالد، حيث قتل الطاعونُ خمسة من أولاده، بسنة واحدة، ورثاهم بقصيدة مشهورة، تبدأ بـ:

أَمِنَ المنون ورَيبها تتوجّع؟ = والدهر ليس بمعتب من يجزع
فأجبتها: أمّا لجسمي إنه = أودى بنيَّ من البلاد فودَّعوا
أودى بنيّ فأعقبوني حسرةً = بعد الرقاد وعبرة ما تقلع

وصاحب أحد أهم المعجمات العربية

وقتل الطاعونُ، واحداً من أكبر واضعي المعجمات العربية، محمد مرتضى الزبيدي (1145-1205) للهجرة، صاحب (تاج العروس من جواهر القاموس) حيث تقول المصادر التي ترجمته، إنه مات بالطاعون، بذات اليوم الذي أصيب فيه.

وكان الطاعون سبباً في موت أبي أسود الدؤلي، ظالم بن عمرو، أحد علماء العربية القدامى، ويقول عنه ياقوت الحموي في معجمه، إنه مات مصابا بالطاعون الجارف، سنة 69 هجرية.

وخلّف الطاعون، مأساة عنيفة في حياة المصنف المشهور ابن حجر العسقلاني 773-852 هـ، حيث تسبب الوباء بقتل ثلاث من بناته، هنّ: عالية وفاطمة، في طاعون سنة 819 هجرية، وابنته الكبرى زين خاتون، في طاعون سنة 833. ويرجح بعض المحققين العرب، أن وفاة بناته بالطاعون، كان من أسباب تأليف كتاب (بذل الماعون في فضل الطاعون).

انتشرت على وسائل التواصل صور للإجراءات والتدابير المشددة التي اتخذها أطقم الطائرات والتي أرسلتها عدة دول لإجلاء رعاياها...
بالصور.. تدابير مشددة لطائرات تجلي رعايا من معقل كورونا بالصور.. تدابير مشددة لطائرات تجلي رعايا من معقل كورونا سوشيال ميديا

كتبوا عنه وماتوا بسببه

ومن غرائب ما تركه الطاعون من مآس، أنه قتل مؤلفين عرباً كتبوا في الطاعون، من مثل تاج الدين عبد الوهاب السبكي، المتوفى سنة 771 هـ والذي ألف كتاب (جزء في الطاعون) ثم مات فيه.

وشهاب الدين أحمد بن يحيى بن أبي حجلة التلمساني، المتوفى سنة 776 هـ، الذي وضع كتاب (الطب المسنون في دفع الطاعون) ثم قتله الوباء الذي ألّف فيه.

وكتب في الطاعون، وقتل فيه، المؤرخ ابن الوردي، زين الدين عمر بن مظفر، المتوفى سنة 749 للهجرة، إحدى أمرّ السنوات على أبناء المنطقة العربية، إذ أصبح الطاعون في تلك السنة جارفاً ومن كل صوب، بحسب مؤرخين عاصروه بل كتبوا فيه، كابن الوردي الذي كان ترك كتابا بعنوان (النبأ عن الوباء) تحدث فيه باستفاضة عن انتشار الطاعون في البلدان، وصولا إلى بلدات سورية مختلفة، إلا معرة النعمان التي لم تصب به، والتي قال إنها تعاني من طاعون ظلم لا طاعون وباء، كما لو أنه يتنبأ ما تعانيه، الآن، من دمار وقتل في قصف طيران الأسد والطيران الروسي في هذه الأيام، إذ يقول:

رأى المعرة عيناً زانها حورٌ = لكنّ حاجبها بالجور مقرونُ
ماذا الذي يصنع الطاعونُ في بلدٍ = في كل يوم له بالظلم طاعونُ؟!

وقد ضمّن ابن الوردي، جزءا من كتابه في الطاعون، في تاريخه الذي ينتهي، فجأة، بدون تمهيد ملائم تختتم به الكتب عادة، إذ أصيب بالطاعون ومات فيه، في ذات السنة التي كان يؤرخ لها، وهي سنة 749 هجرية، وكان آخر خبر يثبته في تاريخه، يتحدث عن وفاة قاضٍ أصيب بالطاعون!

وفي دمشق، أنهى وباء الطاعون، حياة المصنف المشهور صلاح الدين الصفدي 696-764 هـ، صاحب التاريخ الكبير المعروف باسم (الوافي بالوفيات) وله من المؤلفات ما يزيد عن 600 مجلد، بحسب من ترجم له.

ومن غرائب ما فعله الطاعون بالصفدي، أن الأخير كان نقل أقسى الأشعار التي قيلت بالطاعون وما خلفه من مآس في غزة وبيروت وعامة الشام، سنة 749 هـ فقال في مصنفه المعروف بالتذكرة:

قد قلتُ للطاعون وهو بغزّةٍ = قد جال من قطيا إلى بيروتِ
أخليتَ أرضَ الشام من سكّانها = وحكمتَ يا طاعون بالطاغوت!

ومن أبلغ وأشد ما قاله في الطاعون سنة 749 الذي فتك به لاحقاً بعد أن فتك بجماعة من أصحابه:

لمّا افترستَ صِحابي = يا عام تسعٍ وأربعينا
ما كنتَ واللهِ تسعاً = بل كنتَ سَبعاً يقينا!

وخطف الوباء القاتل شاعراً شاباً لم يصل إلى الثلاثين من عمره، هو المعروف بابن الدكدكجي، إبراهيم بن محمد (1104-1132) هـ. وهو دمشقي المولد والوفاة ومن أصل تركماني.

أول من ترك كتابا في الطاعون

هذا، وأدى تفشي وباء الطاعون في المنطقة العربية والأندلس، إلى قيام مؤلفين كثر بكتابة مصنفات عن الطاعون، للوقاية منه ووصفه واتخاذ تدابير للحيلولة دون الإصابة به، وكانت أشهر وقاية، عبر عدم الدخول إلى المكان المصاب، وعدم الخروج منه، كما هو مأثور. وأرجع أحد الكتب القديمة، منشأ الوباء الطاعون، إلى الصين، كما في كتاب (تحصيل غرض القاصد في تفصيل المرض الوافد) لابن خاتمة الأندلسي الذي وضعه بسبب جائحة سنة 749 ذاتها. ومن أوائل الكتب العربية التي أفردت في الطاعون، كتاب الحافظ أبي بكر بن أبي الدنيا، المتوفى سنة 281 للهجرة، بعنوان (كتاب الطواعين) الذي يرى بعض المحققين أنه أول كتاب وضع في العربية، في شكل مستقل، عن وباء الطاعون.
كلمات دالّة



https://www.alarabiya.net/ar/last-page/2020/01/31/%D9%85%D8%A4%D8%B1%D8%AE%D9%88%D9%86-%D9%88%D9%85%D8%A4%D9%84%D9%81%D9%88%D9%86-%D8%B9%D8%B1%D8%A8-%D9%83%D9%8E%D8%AA%D8%A8%D9%88%D8%A7-%D8%B9%D9%86-%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%A1-%D9%82%D8%A7%D8%AA%D9%84%D9%8D-%D9%81%D9%82%D8%AA%D9%84%D9%87%D9%85-

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...